أنا وحيدٌ مع قلمي - 1
لم يكن مجرد أخ، كان بالنسبة له العالمَ كلّه .
العالم الذي يرى فيه الاِستقرار والأهمّية، الحبّ والأمان … مثل هذه الأمور البسيطة توفّرت في أخيه .
أما عالمه الحقيقي فلم يتصف بأي صفة من صفات الجمال .
– “يا لؤي أنا هنا !!” واقفًا أمام باب المدرسة هتَف بينما يلوّح بيده لأخيه.
رأى لؤي تلويح يد أخيه فأسرع إليه مبتسمًا :
– “لم تتأخر هذه المرة يا أخي” .
ردّ بحزم :
– “ولن أتأخر الأيام القادمة !!”
فرح لؤي لسماع أخيه، لكن بدأت شعلة الحماس تنطفئ في عينه عندما رأى صديق أخيه قادمًا من بعيد .
كان لؤي يعتقد أنه سيذهب مع أخيه ليوصِلا صديقه لباب بيته ثم يعودان إلى المنزل، لكن في هذه الحالة لن يتمكن من موافاة عروض يوم الخميس في لعبة الفيديو المفضلة لديه.
– “يوسف يا صديقي انتظرني !!” صرخ صديق يوسف من خلف ظهره فالتفت إليه :
– “تعال أنا هنا لم أذهب بعد “. ثم عاد لينظر إلى أخيه فتعجب من نظراته التي خلَت من الشغف، فاستفسره ناظرا صوب عينيه:
– “لؤي أُنظر لعينيّ، ما بك ؟!”
– “لا شيء” .
و كأنه أصبح على علم بما يدور في رأس لؤي :
– “لا تقلق يا لؤي لن نذهب مع كيان، سوف أسلم عليه ثم نرحل “.
قفز لؤي فرحًا للسعادة التي أدخلها يوسف لقلبه بكلامه.
كان يوسف كلَّ يومٍ يأتي مسرعًا من مدرستِه المتوسّطة إلى الابتدائية ليأخذ أخاه لؤي معه، يعودان معا لبيت يكرهانه .
– “يوسف هل لي أن أسألك عن شيء ؟”
– “بكل تأكيد، تفضل .. ما سؤالك ؟”
– هل حقًا نحن حثالة ؟”
توقّف يوسف عن المشي ناظرا لأخيه متعجبًا من سؤاله :
– “من قال لك هذا ؟؟”
ردّ لؤي على سؤال يوسف مكسور الجناحين ناظرًا للأرض :
– “أمي “.
لم يعرف يوسف ماهية الرد على سؤال كهذا، هل سيقول “لا عليك من أمك” ؟ جاعلًا أخاه يتجاهلها. أم يقول “كانت أمك عصبية لا تفقه ما تقوله” ؟ جاعلًا منه يفكر بأنه يجب عليه مسامحة من يؤذيه إذا كان فاقدًا السيطرة على أعصابه. كلتا الإجابتين ستجلب للؤيّ الأذى النفسي والخطر.
دخلت سيارة المثلجات أمامهم :
– “تعال لنشتري مثلجاتك المفضلة قبل عودتنا إلى المنزل “.
– “حقاً ؟!”
– “أجل !”
شعر لؤي بسرور عارمٍ وحماس فائقين، لكنه توقف عن التعبير عن سعادته و رمى أخاه بنظرة شكاكة :
– “وهل ستأخذ مني تكلفته لاحقاً ؟!”
– “كلا لن أفعل، تعال وحسب “.
كان لؤي يستمتع بمثلجاته ذات طعم البرتقال، وفجأة هبّت بعض الرّياح :
– “لا أظن أن فكرة تناول المثلجات والشتاءُ على الأبواب صائبة يا يوسف “.
تكلم يوسف مُمتلئ الفم بالمثلجات التي كانت بنفس الطعم :
– “لاع..ليك..كول..و..وأسطمتع “.
أمسك لؤي بيده فمَ يوسف وقال له :
– “اِبتلع ما في فمك ثم تكلم !!”
اِبتلع يوسف المثلجات وقال مؤشرًا خلف لؤي :
– “انظر هناك !!”
حدّق لؤي للموضع الذي أشار إليه أخوه: “ماذا ؟”
ذهب يوسف ليعبر الشارع ثم قال :
– “لا عليك كُل واِستمتع “.
– “اِنتظرني!” .
شعر يوسف بهواء بارد يلامسه من الخلف، هذه المرة لم يكن الشتاء سبب هذا الهواء .. بل كان الموت سببه .
– همس يوسف :” لؤي “.
سقطت من يده المثلجات، مثلجات الأخوين على الأرض .. أحدهما مات ممدّدا على الأرض الباردة غارقا في دمائه … والآخر مات واقفًا .
شعر بأن كل شيء أضحى باردًا باهتًا، سقط على ركبتيه … الأفكار تتصارع داخله بينما يهامس نفسه :
– أمي ؟ .. لا لا، أبي ؟ .. لا لا ، لماذا لم أنتظر أخي ؟ لماذا لم أستدر مباشرةً عند سماعي صوت مكابح السيارة ؟ لماذا هرَع إليه الناس مسرعين قبلي !!
أخذ يصرخ في وجه كل من كان حول جثة اخيه :
– “ابتعدوا جميعاً !!، إنه أخي أنا ولا حق لكم بأن تلمسوا شعرة واحدة منه !!”
كان يوسف يحاول حماية أخيه من أمه وأبيه، من أصدقاء السوء، من الناس الذين لا يحبّون الخير لأيّ كائن .
يعتقد يوسف أنه المسؤول عن أخيه .. يعتقد بأنه هو الوحيد الذي يمكن أن يحميه، لكنه فشل .