إيطاليا القرمزية - 6
الفصـ04ـل: عيد ميلاد
.
.
.
“اصفعني بألم الواقع و لا تبع لي الأمل الزائف”
.
.
.
” بالمناسبة أسمعتم عن ذوّاق ايطاليا؟ ”
قطبت كاثرين حاجبيها تحاول تذكر أين سمعت هذا الاسم، لكن ذاكرتها قد خانتها بالفعل فردت بسؤال على توأمها
” من هذا ؟ أهو أحد ذوّاقي الطعام الجدد الصاعدين ؟ ”
والدتهم لم تكن مهتمة بالموضوع لذا انصرفت تاركة إياهم يتابعون حديثهم الملل، جالت بيلاروز بقرمزيتها وجه كل من شقيقيها ثم تابعت
” يعد حاليا الموضوع الساخن لكل الصحافة و الشرطة، هو ليس ذوّاق طعام عادي بل سفاح لم يستطيعوا حتى تتبع اثاره او تحديد جنسه، يقال ان التاكيد الوحيد على جرائمه هي الرسائل التي يرسلها لعوائل الضحايا و التي يصف بها طعم لحمهم كما يرفق بعضا من اسنانهم كتأكيد على افعاله، في الواقع عوائل الضحايا و كذلك الشرطة ظنوا في البداية انها مجرد حوادث اختفاء عادية لكن تبين في ما بعد ان القصة اكبر من ذلك بكثير”
تمتمت كاثرين بسخرية
” يبدو انه ليس ذوّاق صاعد بل هو مجرد قاتل صاعد يريد بعض الإهتمام ”
تابع ايثر حديثهن في هدوء، هو يكره هذا النوع من الحديث لكن بما أنه لم يولد بعائلة عادية كان عليه التعود و التماشي مع طقوسهم و عاداتهم الغريبة، حين أنهَت كاثرين وجبتها انسلت من المجمع المقدس ساحبةً حقيبتها، وقفت أمام باب بيتهم أو بمعناً أصح – قصرَهم – تتأمل الطريق بين الفينة و الأخرى حتى لاح شبح صديقتها دينيز من بعيد يقترب .
لوّحت دينيز بيدها فبادلتْها كاثرين التحية، ثم هرولت ناحية كاثرين تقف أمامها بشعرها الكستنائي، زينت ثغرها بابتسامة رقيقة تعكس نقاء قلبها ثم تبادلتا تحية الصباح في أجواءٍ سعيدة و لطيفة، قطعت كاثرين الجو بإشارة بسيطة بيدها دلالة على الذهاب، أومأت دينيز بعدما تبينت قصد كاثرين، لتقطع كلاهما طريقهما نحو من تحدد مستَقبلهما المجهول (الجامعة ) أو ربما هي الحياة .
طيلة سيرهما ظلّتا تتجاذبان مواضيع جانبية، قسوة الدّكاترة، ظلم الإدارة، تفاهات الطلاب، الإمتحانات القادمة و حالة الطقس المتقلبة، مواضيع عادية رتيبة لكنها بالنسبة للطلاب هي مواضيع مسلية و تستحق النقاش.
عندما تراءى لهما باب الكلية الضخم شبكت دينيز يديها خلف ظهرها ثم رفعت رأسها للأعلى، لمحت كاثرين بريق حدقتها العسلية، فرمَقتها باستغراب، كانت هذه هي المرة الأولى التي ترى بها كاثرين دينيز تصنع مثل هذه الملامح التي تخالجت بها اليأس و الحزن، دينيز دائمةُ الإبتسام تصنع تعبيراً حزيناً ؟ كان هذا ضرباً من الخيال بالنسبة لكاثرين، لكن ما استنتجته الأخيرة هو أن دينيز لا تناسبها بتاتا هذه التعابير، او ربما هي فقط لم تعتدها هكذا، فلَطالما اعتادت دينيز أن تكون من النوع المرح الذي يخفي حزنه أمام الأخرين مهما كانت الأسباب، بينما كانت كاثرين غارقة بأفكارها تشدقت دينيز بكلمات كلها شجن :
” أتعلمين كاثرين ، سأشتاق لإيطاليا كثيرا، خاصة فينيسيا، سأفتقد سماءها الزرقاء الصافية و الخالية من الشوائب و كذلك الأمر مع جزرها العديدة المتراصة المتفرقة في تناقض مثير كلعبة أحجيةٍ غير كاملة الحل، لن انسى قواربها و بنيانها الملون و كأنه نتاج تلاطم ريشة فنان قدير أبدع بصنع لوحة تشكيلية سريالية تخلدها الأذهان ، اه كلما فكرت بالأمر أهيم بغرامها أكثر وأكثر، كم أتمنى قضاء باقي حياتي هنا، لكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه ، فبعد أشهر معدودة سأتخرج و سأغادر هذه الجنة لِأعود لبلدي تركيا ”
كانت كاثرين تعلم كم أن دينيز ترتبط بسرعة بالأماكن ذات الأشكال الجميلة و السريالية، تعلم كم هي فتاة حالمةٌ ترى الجمال بكل شيء حولها، تحب عيش المغامرات و الإستكشاف كثيرا، لكنّها لم تكن تعلم أن ارتباطها بإيطاليا قد بلغ هذا الحد، فحسب ما تعلمه أن تركيا هي أيضا مكان لا يقنع المرء من زيارته أو من النظر بأرجائه، افترضت ان دينيز ربما تريد فقط الإبتعاد عن مكان ذكرياتها السيئة لذا فهي تفضل إيطاليا على تركيا، عقبت كاثرين بحسرة خفيفة :
” يالَ الأسف ، شخص حالم مثلك يغادر جنّة مثل فينيسيا هو أمر صعب له …. لكن أتذكر أن لك أقرباء هنا ؟ ألا يمكنك البقاء معهم ؟ ”
تنهدت دينيز بقلة حيلة فبحكم كَون والديها قد تَطلّقا و هي بعمر صغيرة جعل ارتباطها بعائلة والدها المقيمة بإيطاليا رغم كونه تركي الجنسية ارتباطا ضعيفا اضمحلّ مع الوقت خاصة بعد وفاة والدتها، و الأقارب الوحيدون الذين ما زالوا بإيطاليا هم أقرباء والدتها من جهة بعيدةٍ لا تستطيع الاعتماد أو الإثْقال عليهم ، أخرجت أخيراً ما جال بداخلها قائلةً
” أقربائي هنا هم أقرباء من جهة بعيدةٍ لوالدتي نتشارك الدماء فقط ، و ربما لا نفعل حتى ! فكيف سيقبلون غريبة مثلي وسطهم ؟”
لم تجد كاثرين ما تواسي به صديقتها العزيزة، ودت لو تعرض عليها الإقامة معها، لكنها نهت نفسها بعدما تذكرت ما تنوي فعله، بل حتى القواعد العامة لعائلتها عائلة سيلفر لا تسمح بأمر كهذا، عليها التوقف عن الشفقة، هكذا فكرت كاثرين، لكنها لم تمانع إسعاد دينيز ببعض الكلمات التي هذرت بها :
” إن وضعك بالفعل مؤسف …. على أي الحال لنترك الحزن لوقت آخر، فاليوم يوم سعيد و لا يجب أن تشوبه أي شائبة ”
قطبت دينيز حاجبها غير مدركة المغزى الذي ترمي أو تلمح له كاثرين من وراء كلامها لذا سألت في فضول قاتل
” ما هذا الحدث الذي يجعل اليوم يوما سعيداً …. لا أتذكر أن اليوم يصادف أي ذكرى خاصة ”
ابتسمت كاثرين فَضعف ذاكرة صديقتها الدائم أضحى أمراً معتاداً لها لكنه ما زال يرسُم البسمة على وجهها السمح :
” بربك يا دينيز …. اليوم هو ذكرى مولدك ، أم أنك نسيت كعادتك ؟ ”
انفرجت عيناها في دهشة نَمَت عن تذكرها أخيراً تقول متدارِكة موقفها السابق :
” آآآه ….معك حق …. نسيت الأمر تماما …. لا أصدق أنك أنت صديقتي تذكرت يوم ذكرى مولدي بينما أنا لم أفعل … أنت بالفعل صديقة حقيقية ”
بفخر مصطنع أجابت كاثرين :
” طبعا أنا كذلك …. لقد كنت أتطلع ليوم ذكرى مولدك هذا بشدة …. مبارك لك أكملت أربعة و عشرين سنة اليوم ”
” شكرا لك حقا كاثرين … لكن لما كنت تنتظرين ذكرى مولدي ؟ ظننت أنك لست من النوع التي يهتم لهذه الأشياء ”
توترت كاثرين من كلام دينيز، للحظة ظنت أنها قد كشفت لكنها سرعان ما دارت ذاك التوتر بابتسامة عذبةٍ أرفقَتها بنكتةٍ سخيفة :
” حسنا هذا سر …. أمزح انه طبعا من أجل الاحتفال ”
لحظة صمت، ثم علا صوت ضحكات دينيز المكتومة، شكرت كاثرين داخلياً ضعف استيعاب دينيز الذي دائماً ما يصب في صالحها، ثم تابعت الأخيرة بعد أن هدأت ضحكات دينيز :
” ما رأيك أن تنتظريني بعد المحاضرات ، سأعد لك مفاجأةً رائعة ”
رمقت دينيز كاثرين بامتنان لتردف بصوت شجيٍّ عذب :
” حسناً سأفعل ، سأنتظرك في الكافتيريا ، شكراً لك كاثرين”
أطبقت على عنق كاثرين ثم تابعت :
” أنت أفضل صديقة قد أحصل عليها يوما ”
” لا بأس عزيزتي ”
تمتمت بها كاثرين وهي تربت على ظهر صديقتها،الى ان قطع عناقهما صوت فتاة تعلق بعذوبة من خلف كلتيهما .
” أوه يا إلهي إلى متى ستظلان هكذا، أظن أني سأصاب بالعمى قريبا يا فتيات ”
تهللت أسارير دينيز بعد أن تبينت هوية الفتاة فهتفت مُرَحِّبة
” مضى وقت طويل مارسيلا، كيف حال ساقك هل هي بخير الأن ”
ارجحت مارسيلا ساقها بخفة و هي تقول مؤكدةً
” أضحت بخير الأن، و إلا لما اتيت الى الجامعة، اخخخ كم اتمنى لو استطيع تمديد اجازتي اكثر قليلا، حسنا من سيريد ان يثقل عقله بدروس صعبة الفهم ”
ضحكت دينيز على تذمر مارسلا الطفولي لتقول معقبة
” حسنا اظن ان الشخص الوحيد الذي يتحمس للدراسة هنا هي كاثرين ”
دحرجت كاثرين مقلتيها بملل لترد ببرود
” ليس و كأنني احب الدراسة إنما أنا فقط بحاجة لها لذا أبذل كل ما بوسعي ”
اقتربت مارسيلا تربت على ظهر كل من دينيز و كاثرين و هي تمازحهن
” حسنا حسنا نعلم كلنا سبب هوس كاثرين الشديد تجاه الدراسة، على اي حال علينا الآن يا فتيات التحرك فوقت بدء المحاضرات قد حان بالفعل”
أومأتا إيجاباً ثم سارت كل منهن في اتجاه لمحاضراتها.
مع أول خطوة رمتها كاثرين بالمدرج سمعت صوت ضحكات الطلاب الرنانةِ و حديثهم الصاخب الخالي من معالم الحياء، من بين كل ذلك النفر كان هناك تجمع واحد لمجموعة من الصبيان يطالعهم الكل، بعضهم بعيون حسودة و بعضهم بعيون محبة تقطر عسلاً، خاصة الفتيات ذوات المراهقة المتأخرة، لكن أكثر شخص قد نال اهتمامهن هو الفتى الأشقر الذي توسط المجموعة بابتسامته الانيقة و وقفته الممشوقة ، لم يكن سوى سيزار بلاوزر أو كما تسميه كاثرين مغناطيس المشاكل، أكثر شخص لا تفضل كاثرين التورط معه.
لكن كان لعائِلاتهما رأي آخر فعائلةُ سيزار كانت مرتبطة بعائلة كاثرين منذ القدم كونها راعٍ تجاري موثوق لآل سيلفر، لذا فإن فرص لقائهما كانت كثيرة خاصة في فترة الطفولة، و خلال تلك الفرص علمت كاثرين أن سيزار شخص لا يجب التّورط معه بأي شكل من الأشكال، لطالما شعرت أنه يخفي شيئا خلف قناع الاستهتار ذاك، رغم أنه لم يكن بهذا الشكل أبداً في طفولته فقد اعتاد أن يكون طفلاً مرحاً و محباً لكنه في مرحلة ما من عمره تغير كل شيء، خاصة بعد طرد والدته من عائلة بلاوزر ، فمنذ ذاك اليوم تغيرت تصرفاته بدرجة كبيرة حتى ما عاد هناك أثرٌ لذاته القديمة.
عبرت كاثرين الدرج بخطوات ثابتة، لكنها حين كانت على وشك تجاوز تَجَمُّع الشباب ذاك لمحت سيزار و هو يحاول إجراء تواصل بصري معها، أدركت أنه يريد محادثتها لكنها لم تكن ترغب بذلك أبداً فهي تحاول قدر المستطاع الابتعاد عنه و عن عائلته الغريبة حتى و إن كانت أقل غرابة من عائلة سيلفر، تظاهرت هي بالبحث عن شيء ما بحقيبتها متفاديةً نظراته الملحّة لتجْتازه بسلام محقق مشيحةً بنظرها عنه .
اختارت أحد المقاعد الأمامية غير مبالية بالحرب التي كانت تدور خلفها، فبعد ثواني من جلوسها أتت كلوي المهووسة جالبةً معها صخبها المعتاد، كعادتها كلوي هي أشبه بعَلَقة تلاحق سيزار في كل مكان، و حقيقةً هي لها كامل الحق بذلك فهي قبل كل شيء خطيبة له ، كانت أسطوانة اليوم حول تذمرها عن ترك سيزار لها في حفلة عيد ميلاد أحد أصدقائها من الطبقة المخملية ليرافق ابنة مدير الجامعة بدلا عنها، من صراخها كان واضحاً أنّ نيران الغيرة تشتعل بداخلها، كانت كلوي هي أحد الأسباب التي تجعل التورط مع سيزار أمرا مزعجا بالنسبة لكاثرين، لكنها في قرارة نفسها كانت تشفق على كلوي و تشعر بالسوء ناحيتها، فَخطيبها ليس إلا زير نساء يصعب التعامل معه ناهيك عن استغلاله المستمر لها، فكلوي في النهاية كانت مجرد بيدق يعزز به سيزار موقفه السيء داخل عائلة بلاوزر من خلال ضم نفوذ عائلة كلوي إلى جانبه .
‖نهاية الفصل‖
*****************
كيف كانت احداث الفصل؟
و ما هي الهدية التي تعدها كاثرين؟
سيزار ما انطباعكم عنه هو و دينيز و مارسيلا؟
ثم ما ملاحظاتكم؟