ازهار الكرز لا تتساقط بل تذبل - 1
***
“إيثان-!”
جفل-!
جفل إيثان من الصَّوت الَّذي كان يصرخ باسمه فجأةً.
‘اه…ما هذا؟’
شعر أنَّ قلبه ينبض بجنونٍ .
كانت رؤيته ضبابيَّةً وشعر بثقلٍ غريبٍ في صدره وكأنَّه يمنعه من التَّنفُّس.
كان رأسه منحنيًا للأسفل و…..
‘ايه…؟…هل هذه دموعٌ….؟’
بأيادي مرتجفةٍ قام بلمس عينيه ، كان هناك سائلٌ دافئٌ يقطر منهما..
ارتجفت عينيه بجنونٍ.
‘ أنا…. لماذا أبكي…؟’
حاول مسح عينيه بأكمامه و أطراف أصابعه.
آخر ما يتذكَّره أنَّه نام بينما كان يقرأ الفصول الجانبيَّة من الرِّواية المملَّة الَّتي اشتراها له والده….
“إيثان-! ارفع رأسكَ عندما أحادثكَ بهدوءٍ-!”
جفل إيثان مرَّةً أخرى من الصَّوت المروِّع الَّذي كان يصرخ بوجهه وأغلق عينيه غريزيًّا .
بدون علمه اتَّبع أوامر الصَّوت ورفع رأسه ببطءٍ
“…..!!”
لم يستطع إلَّا أن يوسِّع عينيه للمشهد الغير مألوف ،
امرأةٌ جميلةّ ترقد على السَّرير ،طفلٌ يشبه الدُّمية يتشبَّث بالمرأة المتعبة ويبكي…. أخيرًا رجلٌ وسيمٌ ينظر إليه ببرودٍ و غضبٍ…؟
تدحرجت عيناه بذهولٍ يمينًا و يسارًا في المشهد الغير مألوف….يبدو أنَّ أولئكَ الثَّلاثة لم يكونوا الوحيدين في الغرفة، فكان هناك العديد من الأشخاص الغرباء الَّذين يرتدون ملابس بالأبيض والأسود وينظرون إليه بنظراتٍ من الاحتقار و الشَّفقة ؟
‘هذا المكان….اين هذا المكان؟!’
“أنتَ انظر إليَّ عندما أحدِّثك!”
صرخ الرَّجل في إيثان مرَّةً أخري.
“….”
على الرُّغم من نظرات إيثان المتفاجئة ، استمرَّ الرَّجل في الصُّراخ و كأنَّه لا يهتم.
“هل كنتَ تحاول تسميمها ؟!”
‘تسميمها..؟’
أمال إيثان رأسه
ضغط الرَّجل على أسنانه بشدَّةٍ ، وتحدَّث بصوتٍ منخفضٍ
“كنتَ تعلم أنَّها تعاني حساسيّةً من الكرز ! لكنَّك مازلت تريد تقديمه لها كهديّةٍ ؟!”
ضحك الرَّجل باستنكارٍ في نهاية كلماته.
“في النِّهاية أنتَ وتلك المرأة متشابهان!”
ضغط الرَّجل على أسنانه بغضبٍ وكأنَّه يمضغ كلماته الأخيرة.
‘تلك المرأة ؟’
دحرج إيثان عينيه في جميع أنحاء الغرفة ، وكأنَّه يحاول أن يفهم ما يجري حوله.
“أنتَ إلى ماذا تنظر!”
هل أساء الرَّجل نظرات إيثان ، و أعتقد أنَّه يحاول تجاهله ؟
فجأةً بدأ الرَّجل بالصُّراخ مرَّةً أخرى..
لكنَّ أيًّا من هذا لم يدخل في آذان إيثان…لحظة هل كان حقًّا إيثان ؟
‘هل أنا نفس هذا الإيثان الَّذي يتحدَّث عنه الرَّجل ؟’
فجأةً خطرت لإيثان فكرةٌ مجنونةٌ.
دحرج عيناه في جميع أنحاء الغرفة ، ثمَّ ركض إلى أقرب مرآة رآها متجاهلًا صرخات الرَّجل باسمه.
عيونٌ أرجوانيَّةٌ…..شعرٌ أسودٌ….طفلٌ قصيرٌ يبدو أنَّه في الثَّامنة من عمره ، ويعاني من سوءٍ في التَّغذية مع هالاتٍ سوداء تحت عينيه تتلاقى عيناه المحمرَّة من كثرة البكاء بأعين إيثان.
“…..”
رفع إيثان يده اليُّسرى ببطءٍ.
“ها…هه…هااههاههه!”
لم يستطع إلَّا أن يضحكَ باستنكارٍ عندما رأى الطِّفل في المرآة يقلِّد حركاته.
“ه -هذا حلم….صحيح..؟!”
متجاهلًا نظرات الجميع الغريبة نحوه تمتم بكلماتٍ بالكاد مسموعةٌ بينما قرص خدُّه .
‘اوتش!’
شعر بألمٍ بينما احمرَّ خدُّه مكان القرصة .
“هذا….ليس بحلم…؟”
لم يستطع إلَّا أن يتمتم باستنكارٍ .
“تنهَّد..”
سمع إيثان صوت تنهُّدٍ عميقٍ من الخلف ، لكنَّه لم يهتم و استمرَّ في فحص نفسه .
الرَّجل الَّذي كان يصرخ منذ فترة بوجه إيثان توقَّف ، وتنهٌَد من تصرُّفات إيثان الغريبة ، قام بقرص جسر أنفه وكأنَّه قد سئم ، ثمَّ تحدَّث إلى أقرب الفرسان.
“هنري.”
“نعم سيِّدي.”
تقَّدم الفارس الَّذي يُدعى هنري خطوةً للأمام نحو سيِّده .
“خذ إيثان لغرفته لا تدعه يخرج حتّى آمر بذلك.”
“حاضر سيِّدي.”
تقدَّم الفارس نحو إيثان
“….!!”
إيثان الَّذي كان يفحص نفسه في المرآة ، توقَّف عندما تمَّ نزعه من معصمه بقوَّةٍ تكفي لنزع كتفه وسحق معصمه !
“سيِّدي الشَّاب ، حان وقت العودة إلى الغرفة”
“اوتش!! هذا مؤلم ! من أنتَ اتركني!!”
حاول إيثان نزع اليَّد الَّتي تسحق معصمه ، لكنَّ فرق القوَّة بينه و بين الفارس كان ضخمًا.
“سيِّدي الشَّاب. رجاءً اتبعني بهدوءٍ.”
“أنتَ! ابتعد!”
حاول إيثان نزع اليَّد الَّتي تسحقه للمرَّة الثَّانية ، لكنَّه لم يستطع وعندما وجد أنَّ الأمر لا جدوى منه ، حاول ضرب و عضّ يد الفارس رغم ذلك لم تجدي محاولاته نفعًا ، بدلًا من ذلك تمَّ جرُّ إيثان من قبل الفارس مثل طفلٍ يحمل دميةً تتمايل بين يديه بلا حولٍ أو قوَّةٍ.
***
“أزهار الكرز.”
‘لقد كان هذا هو اسم الرِّواية السَّخيفة الَّتي اشتراها لي والدي’
وكما يوحي الاسم لقد كانت روايةً رومانسيّةً مبتذلةً ،في الأصل لم يحب إيثان الرِّوايات الرُّومانسيَّة ، لكنَّ والده الَّذي يحبُّ الأشياء الغريبة اشترى الرِّواية لوالدة إيثان ، لأنَّه أحبَّ اسمها “الرَّنَّان” كما قال….لم يفهم إيثان حقًّا أين الرَّنَّان في جملة “أزهار الكرز” . على أيّ حال ، تبيَّن أن والدته تكره أيضًا الرِّوايات ذات الطَّابع الرُّومانسيّ.
لذلك ولأنَّ والده لم يرغب في رمي الرِّواية أعطاها ” كهديَّةٍ ” لإيثان ثمَّ قال:
– أنتَ تقضي الإجازة الصَّيفيَّة للصَّفِّ الثَّاني الإعداديّ الآن صحيحٌ إيثان؟ ثمَّ ستصبح قريبًا في الصَّفِّ الثَّالث الإعداديّ و ستكون مشغولًا بالدِّراسة! إذا ما رأيكَ بقراءة رواياتٍ ذات طابعٍ مختلفٍ لتجربة أشياء غريبةٍ في الإجازة ؟!
ثمَّ وبهذا المنطق الغريب ، استطاع والد إيثان إقناع إيثان بقراءة الرِّواية.
على أيّ حال مهما كانت الرِّواية مملّةً بالنِّسبة لإيثان لم يستطع تجاهل صدق والده ، وتجاهل الرِّواية أو رميها بعيدًا ،لذلك و بحرصٍ قرأ إيثان كلَّ حرفٍ في الرِّواية بتمعُّنٍ!
وياله من أمرٍ سخيفٍ!
لقد كانت روايةً سخيفةً ذات حبكةٍ مبتذلةٍ ، كان بإمكان إيثان تخمين الأحداث حتّى إن كانت هذه هي المرَّة الأولى الَّتي يقرأ فيها روايةً من النَّوع الرُّومانسي !
كان إيثان متأكِّدًا من ذلك
‘يمكن لطفلٍ ذو عشر سنواتٍ أن يصنع روايةً أفضل من هذه إن أعطيته قلمًا و ورقةً وطلبت منه أن يكتب!’
لقد كانت حقًّا حبكةً مبتذلةً!
الدُّوق البارد ذو الشَّعر الأسود و العيون الحمراء ،والَّذي يخافه الجميع…يقع في حبِّ نبيلةٍ نقيَّةٍ ذات جمالٍ خلَّابٍ، بشعرٍ أصفر ذهبيّ وعيونٍ خضراء زمرديَّةٍ ،من الرِّيف رآها في حفلٍ ما ثمَّ قال “إنَّها مختلفةٌ”
بالطَّبع كانت هناك بعض الأحداث المبتذلة الأخرى حينما تظهر خطيبة البطل الشِّرِّيرة ، و تحاول تخريب علاقتهم ، ثمَّ يقوم البطل بطردها بعيدًا!…..اه لقد نسي شيئًا….بالطَّبع كان هناك الذَّكر الثَّاني الَّذي كان مهووسًا بالبطلة ، وعندما لم تبادله البطلة
نفس الحبِّ تحوَّل إلى الشِّرِّير النِّهائيِّ للقصَّة وحاول اختطاف البطلة بعيدًا….لكن بالطَّبع أوقف البطل خطَّته و قام بضربه و طرده بعيدًا .
ثمَّ تنتهي القصَّة حيث يتزوَّج كلٌّ من البطل و البطلة ، ويسعد عامَّة الشَّعب -لا أفهم لماذا- على أيّ حال في النِّهاية تنتهي القصَّة عندما ينجب كلٌّ من البطل و البطلة طفلًا صغيرًا يدعى
“ماثيو”
ثمَّ ما المشكلة ؟ لماذا يتحدَّث إيثان عن هذه الرِّواية الطَّويلة و المبتذلة؟
اه…هذا لأنَّه فجأةً وجد نفسه داخل هذه الرِّواية المبتذلة!!
دخل في جسد إيثان الطِّفل الَّذي أُنجب عن علاقةٍ فاشلةٍ بين البطل و الشِّرِّيرة.
وكان اسوأ ما في الأمر أنَّ هذه الرِّواية المبتذلة انتهت بـ[ بعد أن مات الأمير الأوَّل “إيثان ايستروين” في سنِّ الحادية عشرة بمرضٍ مجهولٍ ،أخيرًا أصبح “ماثيو” الوريث الشَّرعيَّ لدوقيَّة “ايستروين” وعاش الجميع في سعادة للأبد.]
من الجنون أن تقول إن الجميع عاش في سعادة أبديَّةٍ عندما يموت طفل ، لكنّ الأكثر جنونًا أنَّ إيثان أصبح هو نفسه الطِّفل الَّذي عليه أن يموت في الحادية عشرة من عمره-!!
“أنا….إذاً هل تقول أنَّ عليَّ أن أموت بمرضٍ مجهولٍ بعد عامٍ من الآن؟!”
حدَّق إيثان في جدران الغرفة بفراغٍ بينما يتمتم وضحك بفزعٍ.