الحلم: حلم وريث عائلة الياكوزا - 6
الفصل السادس
انكسار الطفلة الصغيرة
في قصر شبه مهجور جلست طفلة صغيرة بعمر تسع سنوات بملابس رثة وأصغر من أن تلائمها، بجسد قذر وشعر طويل يصل إلى الكتف أشعث من الواضح أنها لم تحظَ بحمام ملائم منذ أشهر او سنوات.
كانت الطفلة تقرأ كتبًا عشوائية بطريقة خرقاء تحاول أن تتعلم لتفك تشفير كنزها الصغير الذي احتفظت به في مكان سري بعيدًا عن الأنظار.
الغرفة التي جلست فيها كانت مليئة بالغبار والكتب في كل مكان، مكتبة صغيرة ومهملة، لكنها كانت مساحة الراحة لهه الطفلة الصغيرة، جلست الطفلة منغمسة في القراءة بسعادة وحماس، مليئة بالفضول والشغف للمعرفة.
وفي تلك الاثناء وفي الوقت الذي كانت فيه الطفلة الصغيرة تقرأ الكتب بنهم دخلت خادمة تراها لأول مرة وثم سحبتها من يديها بقوة، قالت الطفلة بتعجب شديد وألم” من أنت؟ إلى اين تأخذيني؟! ” لم تستجب الخادمة لها وبقت صامته مثل جميع الناس في هذا القصر الصغير.
دخلت الخادمة مع الطفلة الى حمام كبير وتم فيه تسخين الماء وتعبئة الحوض ببلاسم ومعطرات ذات روائح زكية وشامبو واشياء أخرى تراهم الطفلة لأول مرة في حياتها القصيرة، رمت الخادمة الطفلة الصغيرة بقوة داخل حوض الاستحمام ولم تبالي بمتفاجئ الطفلة او خوفها وبدأت الخادمة بنزع ملابس الطفلة المتسخة وغسلها بقوة حيث ضلت تفرك جسدها بقوة وبطريقة مؤلمة، تحولت بها بشرة الطفلة البيضاء اليشمية الى حمراء..
تألمت الطفلة والدموع في عيونها ابية السقوط وإظهار ضعفها، ومع ذلك بدل التذمر او الغضب شعرت بالسعادة الغامرة لأنها كانت اول مرة منذ وقت طويل يقوم أحدهم بالاهتمام بها..
سألت الطفلة بصوت وحيد ومتألم ” هل هو يرغب برئويتي؟” الطفلة الصغيرة عرفت ان المرات الوحيدة التي تأتي لها خادمة لم ترها من قبل تكون عندما يأتي لرؤيتها او عندما يتم اخدها لرؤيته، الخادمة نظرت بغضب وقالت “اصمتي ايتها الحشرة المقرفة” سكتت الطفلة ولم تتكلم مرة أخرى.
بعد ان أكملت الخادمة حمام الطفلة قامت بتعبئة جسدها العاري بعطور ذوات روائح قوية وزكية ولكنها كانت خانقة للطفلة، ثم البستها فستان ابيض جميل وقصير يصل الى نصف فخذها واجلستها على كرسي وبدأت بتمشيط شعرها بقوة وتعبئته بالمرطبات ومن ثم فردت شعر الطفلة و ألبستها بعض الاكسسوارت، نظرت الخادمة لأذن الطفلة فوجدت انها غير مثقوبة لدى اخدت الابرة الموضوعة على الطاولة قرب خيط الخياطة، أخدتها وقربتها الى نار، النار المنبعثة من الشمع المعطر في الغرفة وسخنت الابرة، وبكل وحشية ودون اي تنبيه تقبت اذن الطفلة التي بدأت بالبكاء بصمت.
امسكت الطفلة والدموع في عينها بأذنها التي كانت تنزف الدماء وتألم بشدة جراء وجع الابرة الحادة والساخنة، لم تبالي الخادمة لوجه الطفلة الباكي وقامة بسرعة بتثبيت الطفلة التي كانت تترجى الخادمة ان تتوقف دون جدوى تذكر، همست الطفلة بصوت متألم “انها تؤلم …ابي انا اتألم ” ابتلعت الطفلة رجائها ودعوتها الصامت لوالدها الغير موجود، لم تبالي الخادمة لها ولم تهتم واكملت ثقب الأذن الثانية، تحملت الطفلة بصمت وتصرفت بشجاعة كانت تعرف ان البكاء ليس له أي فائدة وانها لن تستفيد من الامر أي شيء، نظرت الخادمة الى اذان الطفلة تم تنهدت بقرف وقامت بإلباسها اقراط من اللؤلؤ في اذنها الملتهبة كانت مؤلمة للغاية، الألم الذي شعرت به الطفلة لن تنساه ابدا.
ومظهر الطفلة المقطع للقلوب يجعلك تكره هذه الخادمة وتشعر برغبة بالبكاء نيابة عن هذه الطفلة التي اعتادت على الألم وعرفت انه لا فائدة من البكاء او النحيب.
وثم أكملت الخادمة عملها وتجاهلت الطفلة المتألمة وضعت بعض المكياج واحمر الخدود والشفاه لإخفاء سوء التغذية كانت الطفلة من البداية جميلة حتى وهي قذرة خاصة بعيونها الزرقاء الشبيه بالجوهرة، ولكن مع وضع المكياج والملابس الجميلة والمجوهرات الراقية صارت مثل الدمية باهظة الثمن كانت كالملاك الجميلة جدا..
تم وقفت الخادمة وجرت الطفلة بعد ان البستها حذاء ابيض جميل بكعب عالي بسرعة حتى وصلت الى باب القصر، فتح أحد الحراس الباب لهم وبعدها مرو على الحديقة الامامية الصغيرة نسبية وكانت الحديقة ذات اسوار عالية كأنها اسوار سجن، ووصلت لسيارة سوداء صغيرة فتحت الباب ورمت الطفلة في داخل السيارة وتكلمت بكلام كان غير واضح للطفلة تم أغلقت الباب وذهبت بعدها الخادمة وتحركت السيارة.
وصلت الطفلة لمبنى غريب لم تره من قبل اخرجها السائق من السيارة حيث استقبلها رجل غريب لم تره من قبل وقال لها تعالي بسرعة، كانت نظراته مقرفة وشكله مخيف بالنسبة لهذه الطفلة الصغيرة حيث كان الرجل يملك ملامح حادة وعيون ذابلة وشعر اشعت وبشرة سمراء.
لم يكن شكله الوحيد المخيف انما نظراته ومشيته ورائحته كانت مقززة كرائحة اعشاب ميته او جثة، رائحته جعلتها تتذكر جثت الكلب الذي احتضنتها لأيام في الماضي رائحة عفنه ولكنه لم تكن بنفس تلك الرائحة انما رائحة هذا الرجل أكثر بشاعة وقرفا.
تابعت الطفلة الرجل بصمت حتى وصلت لمكتب لم تره من قبل، قرع الرجل المخيف الباب وقال بصوت اجش سيدي احضرتها، رد من وراء الباب صوت مألوف ومخيف، عندما سمعت الطفلة صوت الرجل شعرت بقشعريرة تنسل الى اسفل جسدها تضيق نفسها وشعرت بالخوف، حاولت الطفلة تمالك نفسها واخد تفس عميق كانت تعرف انه هو الشخص الوحيد فقط الذي تملك في هذا العالم وانه الشخص الوحيد الذي قد يرغب برؤيتها لذى حاولت ابتلاع خوفها والابتسام في وجهه حتى ولو كان هو سبب معاناتها لم ترد ان تكون مكروه اكتر من قبله، قال الرجل ” ادخلها” فتح الرجل الأسمر الباب ليكشف امامها الرجل المسن الذي رأته كثير والذي يعد عائلتها الوحيدة جالس على المكتب خاصته داخل غرفة بسيطة لم تكن الطفلة تعرف أي شيء عن ان الأشياء من حولها مصنوعة بأجود الخامات او انها باهظة الثمن كل ما شعرت به هو عدم الأمان والخوف ولكنها ابتسمت له وقالت بصوت مؤدب ” جدي هل طلبت رؤيتي ؟” نظر لها الرجل المسن وقال ” لا ترفعي عيناك اتجاهي انها مقرفة “، تم زمجر وقال
” لو كنتي فقط تملكين نفس عيون امك، لكان افضل” وقف الرجل المسن وتكلم بلطيف بعيد كل البعد ان يكون من طباعه في الحديث مع هذه الطفلة ” كم اصبح عمرك الان؟ عشر سنوات؟ تسع؟” ردت الطفلة عليه ” انها تسع.” ضحك الرجل ووضع يديه الخشنة والمقرفة على رأسها وقال ” جيد.. جيد… أخيرا ستصبحين ذات نفع..” لم يكن تربيت الرجل المسن دافئ ولا مريح ولكن الطفلة شعرت بسعادة لأنه لأول مرة من وقت طويل يتكلم معها بلطف ويخبرها انها ستكون ذات نفع له.
فكرت الطفلة “لو أصبحت ذات نفع هل سيبتسم لي ولن يعاقبني؟، هل سيحبني؟ ” ارادت الطفلة الشعور بانها محبوبة وأنها ذات قيمة، تحرك الرجل المسن حول الغرفة محاول شرح ما ستقوم به يحاول ان يشرح لهذا الكائن المقرف بالنسبة له، نظر لملابسها تم تكلم بسخرية وقال “أخيرا أصبحت تبدين مثل البشر.. يجب ان اشكر الخادمة على جعلك بشرية، ” كان كلامه كما لو انه لم يكن هو السبب في حالة هذه الطفلة المزرية خلال السنوات الماضية كما لم يكن هو سبب معاناتها وجوعها والمها وكما لم يكن هو الشخص المسؤول عن ضربها كلما غضب منها.
تكلم الرجل بعد ان صمت لوقت طويل وهو يفكر وقال بصوت حازم وخشن ” عليك اتباع هذا السيد المحترم الى احدى الغرف ستجدين هناك عدد من الرجال.. عليك فعل ما يطلبونه منك.” سكت الرجل المسن وابتسم ابتسامة قبيحة مقززة، وأضاف، “يجب أن تكوني طيبة ومهذبة كما علمتك.” كرهت الطفلة كلماته ومع ذلك كانت تحاول عدم إظهار مشاعرها المكبوتة وابتلعت غصة في حلقها. تم قال بصوت مهدد” لو سمعت أنك رفضتي أي امر يطلب منك سأعاقبك بعقاب اسوء من الماضي، تتذكرين تهديدي الأخير لك،” هزت الطفلة رأسها وهي مغلقة عنينها، محاولة عدم استرجاع ذكريات ذلك اليوم.
ابتسمت الطفلة الصغيرة بصعوبة وأجابت، “نعم، جدي.” شعرت بالحيرة والخوف من المجهول، لكنها لم ترد أن تخيب ظنه. أمسكت الطفلة طرف فستانها الأبيض النظيف، شعرت بأنفاسها تتسارع وارتجاف جسدها الصغير.
تم نظر الرجل المسن للرجل الأسمر الواقف بقربه وقال ” خدها للغرفة الخاصة، احرص على ان تحسن التصرف” بعد ان أنهي الرجل المسن كلامه غادر الرجل الأسمر وسحب الطفلة بقوة عبر الممرات المظلمة والمليئة بالرطوبة داخل المبنى.
كانت الأضواء الخافتة تضفي على المكان جوًا مخيفًا، والروائح الكريهة تزكم الأنوف وصوت خطوات السريعة لرجل الأسمر هي الصدى الوحيد في المكان. لم تستطع الطفلة الصغيرة أن تمنع نفسها من التفكير في الكلمات التي قالها جدها، ولم تستطع التخلص من الشعور بالخوف الذي يزداد مع كل خطوة تخطوها، خطت خطوات صغيرة وبقت تتعثر على الأرضية الباردة والقاسية، وكانت تنظر حولها بعينين واسعتين من الخوف والرعب، لم يهتم الرجل بسقوط الطفلة او تعبها او خوفها، فقط استمر بسحبها بقوة دون الالتفات لها.
أحست الطفلة بيد الرجل الأسمر تضغط على ذراعها بقوة، وكلما حاولت التراجع أو الوقوف، دفعها بقسوة للأمام. شعرت بألم في ذراعها وفي جسدها كله واذاناها الملتهبة تؤلم للغاية، ومع ذلك هذا الالم لم يكن شيئًا مقارنة بالخوف الذي يعتصر قلبها. حيث كان قلبها ينبض بسرعة، وكأن نبضات قلبها عبارة عن سنفونية رعب تعزف في أذنيها، وشعرت بوخز في معدتها من شدة القلق.
عندما وصلوا إلى باب الغرفة المغلقة، توقف الرجل الأسمر وطرق الباب بقوة، وقال بصوت مؤدب” لقد احضرت الطلب”، ثم دفعها إلى الداخل. كانت الغرفة مظلمة باستثناء ضوء خافت يأتي من مصباح واحد يتدلى من السقف، الغرفة كانت فاخرة ومزينه بشكل مسرف، رأت الطفلة مجموعة من الرجال يجلسون على أرائك فاخرة، ينظرون إليها بعيون مفترسة ومليئة بالشر.
كان الجو في الغرفة مشبعًا بروائح العطور الثقيلة والدخان، والجو الخانق يزيد من رعبها، قال أحدهم بنبرة مقززة وهو يمرر يده على ذقنه “انظروا من لدينا هنا، قطعة جديدة وطازجة!”، كانوا يتفحصونها بنظراتهم القذرة، من أعلى إلى أسفل، يتبادلون الابتسامات الشريرة والتعليقات الجارحة.
قال أحدهم بصوت عميق، “هل هذه هي الطفلة التي تحدث عنها السيد العجوز؟” أجاب الرجل الأسمر بإيماءة وأغلق الباب خلفه ودخل هو والطفلة الصغيرة.
بدأ الرجال بالتقرب منها، وكان أحدهم يفرك يديه بطريقة مقززة بينما يبتسم ابتسامة شريرة. كانت نظراتهم تتركز على جسدها الهزيل، يتفحصونها ببطء وكأنهم يقيمون سلعة في سوق النخاسة.
شعرت الطفلة بأجسادهم القذرة تقترب منها، وكان الجو يثقل عليها ويخنقها،”انظروا إليها، قطعة ثمينة رغم هزالة جسدها!” قال أحدهم وهو يمد يده ليلمس شعرها الحريري. كانت الطفلة تشعر بالاشمئزاز والخوف، لم تكن تعرف ماذا يحدث من حولها وتراجعت إلى الوراء ومع ذلك لم تجد مفرًا. كانت محاصرة، والرجال يقتربون أكثر فأكثر.
علق أحدهم بصوت ساخر مثار”تبدو خائفة، هذا يجعل الأمر أكثر إثارة!” وبقي يقترب منها ببطء، عينيه تلمعان بالشر. أمسك بيدها بقوة وسحبها نحوه، نظر إلى جسدها الهزيل وفستانها الأبيض القصير الذي كان يظهر نصف فخدها الأبيض اليشمي، وقال بصوت خافت ومرعب: “انها حقا مثل الدمية.”
تمتم أحد الرجال بصوت مقرف “انها نسخة طبق الأصل عنها، لكنها اكتر لطافة”
وقف الرجل الأسمر في زاوية الغرفة ويراقب دون تدخل. كان الرجال يقتربون منها بنظراتهم القذرة، يعاملونها كما لو كانت مجرد سلعة.
كانت الطفلة تشعر بالخوف الشديد وهي تتراجع إلى الخلف. لم تفهم ما الذي يريده هؤلاء الرجال منها، لكنها شعرت بقرف عميق من نظراتهم التي تمسح جسدها. ارتعشت الطفلة وعيونها الزرقاء اللامعة توسلت دون كلام، تبحث عن أي بصيص أمل في الرجل الأسمر، لكنه لم يتحرك.
اقترب منها أحد الرجال، يديه ملوثة بالعطر الثقيل، ومسح على شعرها الأسود بقسوة وقال: “هذه الطفلة ستصبح لعبة ممتعة لنا الليلة.” كان صوته مقززًا وكلماته تشعرها بالدوار. حاولت الطفلة التراجع أكثر، لكن ظهرها اصطدم بالحائط. شعرت بأنفاسه الكريهة تقترب منها، ومع كل خطوة تقربه منها ازدادت وتسارعت نبضات قلبها وأصبح ينبض بسرعة كأن نبضاته داخل صدرها عبارة عن طبل الرعب.
“لا تخافي يا صغيرة، سنكون لطيفين معك إذا كنت مهذبة”، قال احد الرجال المسنين بينما يمد يده ليمسك بيدها الصغيرة. شعرت الطفلة بيديه الكبيرة والقذرة تضغط على جلدها الناعم، وأحست بوخز في معدتها من شدة القلق والخوف. كانت نظراتهم تجعلها تشعر بالقذارة، وكأنها تُنتزع منها إنسانيتها ببطء.
بدأت الطفلة الصغيرة بالبكاء بصمت، دموعها تنزل بهدوء على خديها. حاولت الطفلة سحب يدها من قبضة الرجل، ولكنه أقوى منها بكثير. قالت بصوت مرتجف: “أرجوك، دعني أذهب.” لكن الرجل ضحك بصوت عالٍ وأمسك بكتفها بقوة أكبر، ملامح وجهه تتسم بالقسوة والوحشية ونظراته مقرفة منظر الرجل كان كوحش مفترس ضخم يهجم على سنجاب صغير.
في محاولة أخيرة للهرب، دفعت الطفلة الرجل بيديها الصغيرتين وصرخت: “أتركني!”، لكنها لم تستطع الهروب بعيدًا. أحد الرجال الآخرين أمسكها من شعرها وسحبها بقسوة نحو الأرض. كان الألم شديدًا لدرجة أنها شعرت كأن فروة رأسها تتمزق ومع الألم السابق في دراعها لسحب الرجل الأسمر لها واذانها الملتهبة جعلتها تعاني من ألام مضاعفة. ووسط المها وفي تلك الأثناء ضربها الرجل الآخر على وجهها بقوة، فسقطت على الأرض وبدأت تبكي بصوت أعلى، شعرت بأن فمها ينزف من الداخل.
“كفى بكاءً، أنتِ تجعلين الأمر غير ممتع!”، صرخ الرجل بغضب. حاولت الطفلة الصغيرة التراجع أكثر، لكنها كانت محاصرة بين الجدران وبين هؤلاء الرجال القذرين. نظرت إلى الرجل الأسمر بعيون مليئة بالتوسل، لكن نظراته الباردة لم تلمح لها أي شفقة.
توسلت الطفلة بصوت مرتجف: “أرجوكم، لا تفعلوا هذا. أريد ابي… أرجوكم.”، لكن توسلاتها لم تجد أي رحمة في قلوبهم القاسية. بدأوا يلمسونها بطرق غير لائقة، محاولين انتزاع ملابسها. شعرت بأيديهم القذرة تجول على جسدها، وكانت تقاوم بكل ما أوتيت من قوة.
في لحظة يأس أخيرة، قامت الطفلة بعض يد أحد الرجال، فصرخ بألم وتركها للحظة. لكن هذا جعل الآخرين يغضبون أكثر. بدأوا يضربونها بقسوة، جسدها الهزيل لم يكن يقوى على مقاومة الضربات. كانت تصرخ بألم وتبكي، لكنها لم تتوقف عن المقاومة، كانت تحاول الدفاع عن نفسها بيديها الصغيرتين، لكنها كانت ضعيفة جدًا أمام وحشيتهم.
ضربها أحدهم على رأسها بقوة، وأحست بألم رهيب قبل أن تفقد الوعي وتسقط على الأرض. كانت آخر ما شعرت به هو الألم الشديد في جسدها والخوف الكبير الذي لم يفارقها. كانت تتمنى لو أن والدها كان موجودًا ليحميها، لكنها كانت وحيدة في مواجهة هؤلاء الوحوش.
تم رميها بعيدًا لأنهم فقدوا المتعة بسبب بكائها ومقاومتها وضربها لهم بجسدها الهزيل. كانوا يلعنونها بينما يغادرون الغرفة، وتركوا الطفلة الصغيرة ملقاة على الأرض، مغطاة بالدموع والكدمات، محطمة من الداخل والخارج. كان جسدها يرتعش من الألم والخوف، وكانت تشعر بالعجز الكامل.
في تلك اللحظة، شعرت الطفلة بأنها قد فقدت كل أمل في النجاة، كانت الروح تتآكل داخلها، وتنزف ليس فقط من الجروح الخارجية، بل من قلبها وروحها المحطمة أيضًا. كانت تتمنى لو أنها تستطيع العودة إلى ذلك الوقت الذي كانت فيه سعيدة الى تلك الذكريات الضبابية لطيف والديها.
وسط تلك اللحظات المؤلمة فتحت يوي عينيها ببطء، لم تجد سوى سقف الغرفة القذر يتأرجح أمامها، وكل الألوان حولها تبدو باهتة ومشوشة، كأنها تعيش في عالم مظلم يغمره الحزن والأسى. ذكريات طفولتها تنبعث من جديد كأنها كوابيس لا تنتهي، تتسلل إلى كل خلية من جسدها، تجاوزت الألم الجسدي لتصل إلى أعماق روحها المتعبة.
شعرت يوي بالغثيان والنفور يملأن فمها وحلقها، كانت كل حركة تشيح بها تثقل على قلبها المتقطع. اندفعت نحو الدورة المياه بخطوات ترتعش، وتتوعد بالانهيار في أي لحظة. دموعها المالحة تنهمر دون توقف على وجنتيها الشاحبتين، وهي تبكي بصوت مكتوم يعكس صراعها الداخلي الذي لا ينتهي.
بدأت بالتقيؤ بشدة في المرحاض، كل حركة كانت تشعرها بالألم الجسدي الشديد، تحاول بكل قوتها التخلص مما بداخلها الذي يأبى الخروج. دموعها تتناثر بين الصرخات الخافتة التي لا تجد طريقها للخروج، تحاول بلا جدوى أن تمسك بآخر شيء يعطيها قوة للصمود.
عندما انتهت من التقيؤ والاستفراغ، شعرت بالضعف الشديد يتسلل إلى جسدها المنهك، استندت إلى حوض الغسيل كأنها تحاول إبعاد كل شيء عنها، حتى الحياة نفسها. كانت حركاتها بطيئة ومتعبة، تحاول بكل جهدها الحفاظ على أمل بقلب محطم.
كانت حياتها مليئة بالألم والفقدان، تلك الذكريات القديمة التي لا تفارقها كالظل الثقيل. والتي كانت تعود اطيافها ككوابيس مرعبة تدمر سكون وراحة نومها، فجعلت أحلامها مليئة بصور تحاول نسيانها، وذكريات طفولتها المؤلمة تعود لتطاردها بقسوة. صرخات الألم التي لا تتوقف، صور وجوه تبتسم بمكر وخبث، وفي كل مرة تحاول الهروب من هذه الكوابيس وهذه الذكريات ولكنه لا امل لها من الخروج من جحيم الذكريات وقساوة الكوابيس. بعدما تقيأت يوي، شعرت بالضعف يسيطر على جسدها كموجة باردة تمر عبر عروقها، كموجة من اليأس والإحباط. حاولت يوي الوقوف لكي تغسل وجهها بماء بارد، تاركة لقطرات الماء في الانسياب فوق بشرتها المتعبة، كأنها تحاول إزالة كل شيء من عتمة تلك اللحظات المروعة.
وقفت يوي أمام المرآة المتشققة في دورة المياه، عيناها الميتتان تعكس صدمتها العميقة والخوف الذي يلتف حولها كالضباب. وجهها الشاحب كان يختبئ وراء لونه الباهت، ملامحها المليئة بالفزع والألم العميق تشكلت على نحو يفوق الوصف. حاولت بجدية إبعاد تلك الذكريات المريرة، لكنها عادت بلا رحمة، تلاحقها كظل مظلم في كل لحظة من حياتها.
غسلت وجهها بقوة وتكرار كأنها تحاول نسيان كل شيء وغسل تلك الذكريات مع انسياب المياه وجريانه. نظرت يوي وتأملت وجهها في المرآة المعلقة على الجدار المقابل، عيونها الكبيرة الزرقاء تحمل آثاراً من الألم الذي لا يمكن إخفاؤه، يُذكِّرها بمدى تآكل الأحلام وتلاشي الآمال. كانت وجهها يعكس حزناً لا يمكن تخيله، كالألم الذي يشق القلب بكل نبضة. كانت تحاول أن تفهم، أن تتعامل مع تلك الكوابيس القديمة التي عادت تطاردها مجدداً، تحت هذا السقف الهادئ الذي لطالما ظنّت أنها ستجد فيه مأوى آمناً.
كأنها تبحث عن إجابات في تلك الزجاجة التي تعكس صورتها المشوشة محاولتا أن تمحو آثار الصدمة الكبيرة التي حلت بها للتو، كأنها تحاول تشفير ما تبقى من ذكرياتها المحطمة. الماء البارد الذي كان يتدفق على بشرتها كان كاللمسة الأخيرة من الحقيقة، تُذكِّرها بمدى تآكل الأحلام وتلاشي الآمال. كان وجهها يعكس حزناً لا يمكن إدراكه، يخترق القلب بكل دقة، وكأن كل دمعة تنساب عبر خديها تروي قصة الألم الذي لا يعرف حدوداً. في لحظة من التأمل هذه، شعرت بألم عميق في صدرها، موجة من الحنين والفقد تجتاحها دون رحمة. لم تكن هذه المرة الأولى التي تشعر بهذا الضعف أمام ذكريات طفولتها المؤلمة، لكن هذه المرة كانت أعمق وأكثر واقعية وتدميراً بكثير.
حاولت استرجاع رباط جأشها وقالت مشجعه نفسها بصوت خافت ” كل شيء على ما يرام! انت بخير! انه كابوس فقط!” نظرت لانعكاسها في المرأة وابتسمت الابتسامة التي تدربت عليها كثير ابتسامة سعيدة ومشرقة، اعتقدت يوي انها لو ابتسمت وتظاهرت انها بخير ستكون بخير وكل الاحزان ستختفي ارادت ان تكون كما تمنى والدها كما تمنى وصلى ان تكون.
بعد ان هدأت يوي قليلا وتمالكت نفسها ذهب لكي تغير ملابسها وتجلس وترسم قليلا قبل الذهاب للمدرسة محاولة نسيان المشاعر التي غرقت فيها قبل دقائق لكي تنسى تلك الذكريات.
ارتدت زيها المدرسي بحذر وهدوء وجلست على السرير الصغير والمجلس الوحيد في شقتها واخرجت مذكرتها كنزها الصغير والقلم الفحم الوحيد الذي تملك بدأت في الرسم.
الرسم هو راحة يوي الوحيد وملاذها الآمن، الشيء الذي يربطها بوالدها ويجعلها تخزن الذكريات الجميلة وتحوّل الأمنيات والخيالات إلى واقع، حتى وإن كان هذا الواقع مجرد صور مرسومة على الورق. بالنسبة ليوي، الرسم هو وسيلة للبقاء وسط الذكريات الجميلة والهروب من الكوابيس والماضي الأليم.
بيدها الصغيرتين، بدأت ترسم وكأنها مسّتها حالة من النشوة أو الإلهام المفاجئ. كانت ترسم بدون وعي لما حولها، منغمسة تمامًا في عالمها الخاص. هي نفسها لا تعرف بالضبط ما الذي ترسمه، لكنها تعلم أنها تحتاج إلى الرسم لتشعر بالراحة. عادة ما كانت ترسم ذكريات والدها وتحاول تخيل أمها وأباها، محولة ما كتبه والدها في مذكرته إلى ذكريات مرسومة تعيش وسطها وتستشعر وكأنها كانت معهم.
لكن اليوم، الرسمة التي بدأت تتشكل أمامها على الورق كانت مختلفة. لم تكن الرسمة سوى صورة مؤلمة لعاطفة داخلية غير معلنة. كانت ترسم شابًا يربت على رأس فتاة بملامح غامضة، جالسين تحت شجرة الصنوبر القديمة في الحديقة الخلفية المهجورة للمدرسة. الشاب كانت ملامحه حزينة ووجهه حاد وسيم، بعينين مرهقتين من قلة النوم وعليها هالات سوداء. نظراته كانت مليئة بالمودة والمحبة، وهي مشاعر لم تعتد عليها. كل ما عرفته أن هذا الشخص هو شخص جيد، كانت معتادة على العيون الكارهة أو النظرات الخبيثة والمتقززة؛ لدى فإن رؤية وجه الحزين وقلقه عليها كان امرا جديدا بالنسبة لها.
عرفت يوي حينها أن هوشي كان شخصًا جيدًا، ومع شعور أنه كان مألوفًا بالنسبة لها. جعلها تشعر بالحنين والأمان، على الرغم من أنها لم تتحدث معه كثيرًا، إلا أنها شعرت بلطفه وحمايته. قد لا تعرف يوي حقيقة مشاعرها تجاهه، لكنها عرفت أنه أفضل شخص قابلته منذ سنوات طويلة.
رسمتها لهوشي وهو يربت على رأسها جعلتها تشعر بالراحة. وضعت يدها على رأسها محاولة أن تتذكر شعور لمسته. كانت تلك اللمسة دافئة ومريحة، مختلفة تمامًا عن تلك اللمسات الباردة والمقرفة التي عانت منها في الماضي. لم تشعر بأي نفور أو قرف أو خوف. بالعكس، كان الشعور دافئًا ومريحًا، وكأن كل شيء سيكون بخير.
حتى رائحة السجائر التي تنبعث من هوشي كانت تستحضر في ذاكرتها تلك الرائحة الخفيفة التي كانت على وشك نسيانها، رائحة السجائر التي كان يدخنها والدها. على الرغم من أن تبغ جدها كان له رائحة مميزة الا انها كانت مختلفة عن تبغ والدها، لم تشتم يوي رائحة سجائر والدها منذ زمن طويل، لكن الرائحة التي كانت تنبعث من أنفاس هوشي وجسده كانت لها نفس الرائحة تلك الرائحة التي كانت على وشك نسيانها.
أرادت يوي أن تسأله عن نوع السجائر التي يدخنها، لكنها لم تعرف كيف أو متى تسأل. استمرت في وضع يدها على رأسها، متخيلة لمسة هوشي، وباليد الأخرى تضغط المذكرة إلى صدرها، وأغمضت عينيها محاولة الاسترخاء ونسيان الكوابيس القديمة. شعرت بأن هذه اللحظة قد تكون وسيلتها الوحيدة للسلام الداخلي، وأن الرسم قد يكون طريقتها الوحيدة للاتصال بالعالم الذي تحاول فهمه وإعادة اكتشافه.
في تلك اللحظات الهادئة، بدا العالم وكأنه قد توقف عن الدوران، ليمنح يوي مساحة للتنفس والسكينة. كان كل ما تسمعه هو صوت أنفاسها العميقة وحفيف الأوراق الخفيف في الخارج. لم تكن هذه اللحظات مجرد فرصة للراحة الجسدية، بل كانت فرصة للسلام النفسي والعاطفي الذي كانت في أمسّ الحاجة إليه.
يوي لم تكن تذكر والدها بوضوح، فقد فارق الحياة وهي لم تتجاوز الثالثة من عمرها، ولم تتعرف على والدتها التي توفيت بعد ولادتها مباشرة. كل ما تعرفه عنهما استمدته من كنزها الصغير؛ مذكرات والدها. كانت هذه المذكرات، التي تحتوي على يوميات ورسومات وحكايات، هي الرابط الوحيد بينها وبين والديها، وكانت تعتبرها كنزها الثمين.
عندما كانت تشعر بالضياع أو الوحدة، كانت تلجأ إلى تلك المذكرات لتجد فيها السكينة والتواصل مع عالمهما. كانت تتصفح صفحاتها بعناية، تتأمل في الرسومات التي أنشأها والدها، والتي تضمنت صورًا له ولوالدتها وولها هي. كانت هذه الرسومات مليئة بالحب والحنان، وتعطيها إحساسًا عميقًا بأنها تعرف والديها أكثر مما كانت تتوقع.
لم ترد يوي الا السلام والراحة وان تحقق حلمها الصغير الذي كانت تعلم انه ابعد شيء عن ان يصبح حقيقة او ان تقوى على تحقيقه؛ ولكنها اقسمت ان تبذل كل ما في وسعها من اجل تحقيقه ولو عنا ذلك الكفاح وفعل المستحيل لاجله.
وفي الليلة الماضية وبعد اجتماع والعشاء العائلي في منزل يامازاكي، جلس هوشي في غرفته، محاطًا بصمت الليل. أضاءت السيجارة المشتعلة زاوية الغرفة بنورها الخافت، وسحابة الدخان تملأ الأجواء. كان الدخان هو الوسيلة الوحيدة التي تساعده على التركيز في مواجهة الأفكار المظلمة التي لا تفارقه.
تلاشت ذكريات اليوم في ذهنه، تذكر فيها تفاصيل لقاءاته مع يوي. ذلك الملاك اللطيف التي تحمل في قلبها عبء سنوات من الوحدة والألم. كانت كل نظرة منها وكل ابتسامة تخفي وراءها قصصًا لم تروَ، ومشاعرًا لم يُفصح عنها. لم يكن هوشي يستطيع تجاهل الألم الذي كان يرى في عينيها، الألم الذي جعله يشعر بمسؤولية غير مفهومة تجاهها.
أخذ نفسًا عميقًا من سيجارته، وشعر بالمرارة في حلقه. تذكر الرسالة الغامضة التي تلقاها في ذلك اليوم. لم تكن الرسالة مجرد تهديد؛ كانت تحذيرًا من شخص يعرف أكثر مما يجب. تساءل من يكون هذا الشخص؟ ولماذا يود إلحاق الأذى بيوي؟ كانت هناك الكثير من الأسئلة التي تحتاج إلى إجابات، وكان يعلم أن عليه أن يجد تلك الإجابات سريعًا قبل أن يتفاقم الوضع.
في تلك اللحظة، فكر في لقائه المرتقب مع دوني. كان دوني شخصًا ذكيًا ومتمرسًا في التعامل مع هذه الأمور، وكان هوشي يأمل أن يكون لديه الحل أو على الأقل خطة لمواجهة هذه التهديدات. كان يشعر بأن الوقت يمر بسرعة، وأنه لا يستطيع الانتظار أكثر لفعل شيء لحماية يوي.
وبينما كانت تلك الأفكار تتدفق في ذهنه، بدأ يشعر بالثقل يتسرب إلى جسده، وكأن الظلام الذي يحيط به يغلفه ببطانية من القلق والإرهاق. أطفأ سيجارته وألقى نفسه على السرير، محاولًا التملص من هذه الأفكار الثقيلة، ولكن النوم لم يرحمه. غرق في نوم مضطرب، حيث بدأت أحلامه تتحول إلى كوابيس.
في هذا الحلم، وجد هوشي نفسه يجري وسط الظلام ويبحث عن يوي، المكان كان غريبا وموحشا وبينما يواصل هوشي البحث، يجد نفسه يركض في متاهة من الألم والحزن، لا يسمع سوى همسات الرياح الباردة وصرخات الليل المظلم. يبحث ويبحث، حتى وجد يوي مقيدة في قفص من الظلام، كعصور مسجون ومكسور الجناحين يطالب بالحرية ولكن عيناها تعكس الخوف واليأس.
وامام القفص وقف حارس له وما كان الا شيطان مخيف الملامح ذو بشرة زرقاء، اخد الشيطان عصا حديدة وسخنها بالنار وقام بحرق جسد يوي الهزيل لم يستطع هوشي تمالك نفسه وحاول الحراك ولكنه لم يستطع، جسده كان مثبت في الأرض ابيا الحراك غير قادر على الحراك ولا صوته يصل لا لي يوي المسكينة التي تبكي وتألم بصمت ولا للشيطان الأزرق، في تلك اللحظة، شعر هوشي بقلبه ينكسر إلى أجزاء صغيرة، كانت يوي تمثل كل ما يعني له، ورؤيتها بهذا الحال جعلت كل مشاعره تنهار، لم يعد هناك شيء يمكنه فعله سوى إطلاق العنان لدموعه والصراخ بكل قوته : “يوي!….” فتح هوشي عينيه ليجد انه متواجد في غرفته، الدمعة التي نزلت لازلت باقية في عينيه وعلى وجنتيه، جلس هوشي واخرج عبوة الدخان من درجه ودخن، محاولا تمالك اعصابه علم انه لم يكن الا كابوسا ولكنه بدى حقيقيا لدرجة مخفية.
صلى بصمت ان تكون يوي بخير ومذكرا نفسه انه اليوم سيجتمع مع دوني لكي يساعده في البحث عن مرسل الرسالة وسبب تعاسة يوي.