الكتاب المسحور - 10
منظور إيزرا•°
—————-
قاربت الشمس على الشروق، و مازال القائد يراقب من نافذة الكوخ، حتى نفذ صبري “مالذي نفعله هنا؟” سألته للمرة العاشرة.
اتكأ على النافذة متنهدًا “للمرة الألف آمرك بالانتظار! انتظر! أو اخرج من هنا إلَّم تملك الصبر!” وقفتُ من على كرسيِّي ممدِّدًا ظهري و اتَّجهتُ نحو الباب.
فتحته فنادى القائد منزعجًا “الآن تنفذ أوامري؟ عد مكانك نحن محاصران. فرصتنا الوحيدة هي عند تبديل فرق البحث، عند شروق الشمس”.
أحكمتُ إغلاق الباب و حدقتُ في الرجل حائرًا؛ لم أسمع صوت أحدٍ يتحرك من الخارج سوى مراتٍ معدودة، و لم تتوقف أيُّ تلك الأصوات قرب الكوخ.
عاد القائد للمراقبة، فاتَّجهتُ نحو النافذة لأرى إن كان هناك ما يستحق الرؤية فعلًا. ركزتُ حيث كان ينظر طيلة الوقت، باتِّجاه القصر، لكن لم أتمكن من تحديد الجهة المعنية، فقد غطى القائد معظم مساحة النافذة.
“أيها القائد” ناديته.
التفت القائد عائدًا للواقع، و ابتعدَ عن النافذة “ريهانش. أعلم أنك نسيته”.
“أجل… على ماذا تنوي؟” سألته.
لم يرد ريانش مباشرة، عاقدً حاجبيه. بدا ببساطة خائفًا عند سؤاله “أنت… ألديك خرف؟”.
“… هاه؟”.
“ألهذا تستمر بنسيان اسمي؟ أنت تستمر بالهرب كذلك-“.
أطحتُ بلكمةٍ على وجهه توقفه عن تهيآته، و أتاني شعورٌ جميل لسببٍ ما… “اهدأ، اسمك صعب، لهذا أنساه”.
وقف القائد مبتسمًا وربَّت على كتفي”اه، كان عليك قول ذلك من البداية”.
“وثانيًا؛ قصدتُ نواياك، لا خططك. كان بإمكاننا الدخول منذ زمن الآن” وضحتُ له.
“ااه…” ضحك القائد “كان بإمكانك التحدث بدلًا من ضربي. هذه رابع إهانةٍ منك خلال يومٍ واحد أيُّها الجندي”.
لم أرد عليه، جلستُ على الأرض منتظرًا إفصاح الرجل عن خطته.
“تريد أن تعلم لمَ نحن هنا؟” سأل رينش متكئًا على النافذة؛ فأومأت “دعني أسألك أولًا، ماهي فكرتك عن -ساركوفاغِس-؟”.
“ساركو…؟”.
“ساركوفاغِس، تعرفه، تنين ماءٍ أزرق مسؤولٌ عن حمايتنا و هكذا، بالتأكيد تعرفه فلا يوجد غيره في هذا العالم!”.
“أجل… أعرفه…” لم أسمع عن تنينٍ أسطوري سوى -سيرتِس- حامية مملكة الأرض، و كانت تنينًا أرضيًا في آخر مرة…
“إذًا؟ ما رأيك فيه؟” سأل القائد مجددًا.
“إنه تنين… يعيش في الماء…” عبس القائد و بدأ بالشكِّ “كيف أفكر بما لم أراه من قبل؟!” نطقتُ بسرعة.
تهكَّم القائد ساخرًا “كرجلٍ قليل الكلام تفكيرك سطحيٌ لحدٍ مزعج” جلس على الكرسي أمامي مكملًا “نحدد النبلاء هنا من قدرتهم على التحكم بالماء كما تعرف، و أساس هذه القدرة هو ارتباط أسلافهم مع ساركوفاغِس، أليس كذلك؟”.
همهمتُ موافقًا فسأل “جميل! إن كان الأمر بهذه البساطة فلمَ لم أجد له كتبًا في أي مكتبة؟” حدقتُ به أنتظر النهاية، فأكمل “الأمر غريب! و الأغرب أن الملك يبقي مجموعة كتبٍ سرية في حجرته! الآن هناك سِرَّان لا أعلم عنهما-“.
“أخفض صوتك”.
همس القائد بحدة “-و أنا لا أحب الأسرار! أتفهمني؟!”.
أومأتُ فحسب، فابتسم القائد متأملًا “جميل! مذهل! لذا سنذهب للتحدث مع الملك فور انتهاء وقت حراستي، نقنعه بإخراج الملكة ثم ننتظر خروجه من حجرته لنبحث في المكتبة!”.
“لا” رفضت بشدة، وأوضحت له عندما عبس في وجهي “علينا تحرير إيف أولاً، هل نسيت؟”.
“… ألن نقنع الملك بإخراج ملكتنا؟”.
“… أجل؟”.
“رائع. ستقنعه هي بإخراج اختك و لن نحتاج لفعل شيءٍ بشأنهما. لا عذر لك أيها الجندي”.
أومأتُ مترددًا، فابتسم القائد و عاد للنافذة “لم يبقى شيءٌ على الشروق، استعد”.
بعد دقائق معدودة دق جرس الحراسة، و انطلق القائدُ مسرعًا نحو البوابة و أنا خلفه، لنختلط مع ازدحام الحراس و الجنود قرب البوابة.
كان الإزدحام كبيرًا، و كانت تلك المشكلة؛ تذكرتُ للتو أني لا أتحمل الأماكن المزدحمة. ذهبتُ لأقصى اليمين لأرى بابًا خشبيًا صغيرًا يقود للقصر.
لم أنتظر، اندفعتُ خلاله لأجد نفسي داخل مطبخ القصر، و هناك عجوزٌ تقف بعيدًا فيه “من هنا؟!” نادت العجوز.
أتت من آخر المطبخ إلى وجهي في غمضة عين. مغرفةٌ يخرج البخار منها في يدها “أسَمح أحدٌ لك بالدخول؟!”.
حدَّقتُ بالملعقة “أجل، تم استدعائي ل-”
“مهلًا، سمعتُ أن هناك احجتازًا للمواطنين منذ عشيَّةِ الأمس” … ما من شيءٍ لقوله الآن “يا إلهي أنت السبب أليس كذلك؟!” صرخت العجوز “أيها الوغد! لم يأتي أحدٌ للعمل بسببك!”.
حرقت وجهي بمغرفتها دون إنذار، و أخرجت صياحًا لابد من قدوم الحراس من بعده. سحبتُ مغرفتها بالقوة و ضربتُ عنقها ليغمى عليها أمام المخرج، تعيق طريقي حتى و هي هامدة.
خبئتها تحت فراش الطاولة، و غسلت وجهي عن الحرق من ماءٍ باردٍ بدلوٍ قريب قبل اتجاهي نحو الباب، لأسمع نداء الحراس.
عدت لأختبئ تحت الفراش شاكرًا إزعاجهم؛ حين سمعتُ القائد ينادي بحدة “أيها الحراس! توقفوا!”.
“لكن-“.
“دون لكن، ألستُ قائدك؟! سأرى المكان بنفسي، أنتم افعلوا ما تفعلونه وقت فراغكم” لم يصدر صوت تزلجٍ للخارج لبرهة؛ فأكمل القائد “… هذا أمر”.
خرج الحراس، مترددين بوضوح، و همَّ القائد بالكلام حالما خرجتُ من تحت الطاولة “أنت- أنت لست إنسانًا طبيعيًا، أليس كذلك؟ من يترك دخولًا سهلًا و واضحًا! ليتعامل مع مسؤولة المطبخ من بين كل الناس! و الأسوء أن الحرق في وجهك أمام الجميع! سيعرفك أيًا من سمع عن هجومك أن-“.
“حسنًا، حسنًا فهمت! لم تكن حركةً ذكية”.
“أيُّها ال-! أهذا كل ما ستقول-“.
“سيضيع وقتك بعتاب رجلٍ يدرك خطأه، ألا يمكنك علاج الحرق بتلك التقنية و حل المشكلة فحسب؟” سألته.
صمت القائد لمدة، يأخذ نفسًا عميقًا قبل سؤاله “أي تقنية؟”.
“كرة الماء؟ تلك التي تسحب الجروح بمجرد لمسك”.
لم يقل الرجلُ شيئًا، يهزُّ رأسه متعجبًا “ما من تقنيةٍ كهذه… جديًا، كيف أصبحت جنديًا هنا؟”.
… “ماذا تعني؟ لقد عالجني ذاك الرجل بنفس التقنية”.
“هل أنت متأكد؟” سأل القائد.
“متأكدٌ تمامًا! كان ذاك الرجل-… ذاك…” تبًا، لم أسأله عن اسمه.
“ذاك…؟ أي ذاك؟” سأل القائد.
“… لا يهم” تحركتُ خارج المطبخ و خلال الممرات. لم يتحدث القائد عن الأمر بعدها.
إمَّا أن ذاك الرجل يكذب بأمر مكانته و عائلته، أو أن القائد يكذب بأمر عرقه النبيل، و لن أخاطر بفتح الموضوع حتى أتأكد.
اقتربنا من الطابق الملكي ليوقف حارسان القائد “القائد ريهانش! ألم تنتهي مدة عملك؟” سأله أحدهم.
وقفتُ خلفهم بوضعية خادمٍ مثالية، بينما يرد القائد عليهم “بلى؟ لمَ أكون في القصر إلَّم ينتهي عملي؟”.
“معك حق،” ضحك الحارس “لكن حجرتك بالطابق السفلي، و لا أظن أن رجلًا بلا عمل سيأتي للطابق الملكي برفقةِ… أمثاله”.
“متى عيَّنتَ خادمًا بالمناسبة؟ ظننتك تكره فكرة الطبقيات” سأل الحارس الآخر، و صمت القائد.
أخذ القائد وقته في التفكير، فركلتُ قدمه ليسرع، و التفت غاضبًا، دافعًا إيَّاي أمامهم، جاعلًا جمَّ تركيزهم علي، و لم أتمكن من الحراك، عرف هذا الحقير عن كرهي للإنتباه بطريقةٍ ما.
“ماذا؟ أتعني هذا الرجل؟ أنت لديك اثنان و أنت عندك ثلاثة، أهناك ضيرٌ من تعييني لواحد؟” رد القائد.
“أبدًا ليست تلك المشكلة! بل تغيير رأيك المفاجئ، و في هذا الوقت…”.
“اه… الأمر غريبٌ حقًا، أليس كذلك…”.
نظرتُ للقائد، لأرى ابتسامةً حقيرةً مشبوهة على وجهه، ثم عدت للحراس، تركيزهم علي بدلا من وجه القائد “غيرتُ رأيي! أفعل هذا بكثرة إلَّم تعلما، أعرفكم على خادمي الجديد، يبدو سخيفًا أليس كذلك؟”.
“أجل لكن-” قاطع الحارس صوت تزلجٍ جماعيٍ عالي؛ فذهب القائد مسرعًا يتفقد الطابق السفلي و الحارسان خلفه، يتفقدون صراخ الحراس العالي بينما أقف مراقِبًا من بعيد.
“أمسكوني إن استطعتم!” تحدَّت فتاة، و ضحك القائد عاليًا حين سمع صوتها، آمرًا الحارسان بالإنضمام للبقية و محاولة إمساكها، ليعود مسرعًا متجهًا نحو حجرة الملك، واثقًا من انطلاقي خلفه.
“مالذي يحدث؟” سألته في طريقنا.
“ستعرف لاحقًا، دعنا ننتهي من أمر الملك أولًا”.
كاد يمسك القائد الباب حين سمع هياج الملك “ماذا تريدين مني؟!”.
“… لننتظر قليلًا؟” همس القائد، و جلسنا نستمع من خلف الباب.
“تريدين قتلي، تعصين أوامري مباشرةً، تهربين من عقابك و الآن تظهرين من العدم في حجرتي! ألا يرتاح أحدٌ منكِ؟!” ثار الملك.
“كلامك يجرحني يا تريشولا، بالتأكيد لن تتخلص مني بهذه السهولة، استمع إلي أولًا ثم احكم كما تشاء” ردت الملكة.
عمَّ الصمتُ لمدةٍ طويلة؛ فبدأت الملكة “أنا آسفة، و إن كانت مجرد نية، فقد كسرتُ ثقتك بي، و لا يمكنني الندم حتى على ذلك، لكني لا أطلب السماح لي، بل أطلبه لتعفي عن ابنتك. لم تُرد برينا المشاركة بمشاكلك الأخوية، و مرت فترةٌ منذ رأت أحدًا لا ينظر إليها كعدوةٍ أو مجرد أميرة”.
“هذا لا-“.
“أصمت” قاطعته الملكة “مقابلتها لابن أختك كان بصيص أملٍ لها، لكنك خنت ثقتها و دمرت صداقتها مع الأمير في ساعةٍ واحدة، و الآن عزلتها عن العالم دون نقاش. لا أظن أن ما يحدث لك ظلمٌ مقارنةً بما فعلته بها”.
توقف كلاهما عن الحديث؛ فنظرتُ للقائد لأراه مرتابًا من الهدوء هو الآخر، يبتعدُ عن الباب تحسبًا، حتى تكلم الملك بصوتٍ ثقيل “لقد تغيرتي…”.
“عليَّ التغير و إلَّا ستطغى تغيُّراتك هذه البلدة، و صدقني لا يريد أحدٌ ذلك” ضحكت الملكة بخفة.
“تسخرين مني حتى وقت الجد؟”.
“نصف سخرية، لكن نعم، أنت تعرفني”.
“… ماذا تريدين مني الآن؟”.
“اعفي برينا من حبسها و ألغي أي هجومٍ تنوي إليه على ألفيلدا”.
“لا يمكنني” رد الملك.
“ماذا عن-“.
“برينا؟ هناك هاربٌ في هذا القصر، خروجها سيزيد مشاكلنا. و قبل سؤالك، لا، لن أبطل هجومي. إن كانت تريد السلام فالتسعى إليه بعد فوز هذه المملكة، انتهى الأمر”.
“… لديه وجهة نظر” همس القائد.
استهزأت الملكة “أتظن أن بإمكانك معارضتي؟ سرُّكَ عندي! لا خيار لك سوى الاستماع إلي أو مواجهة آلاف الحاقدين!”.
تهكَّم الملك “لن تجرئي على فعلها؛ فسيأتي انقلابهم عليكِ كذلك”.
“أنت الوحيد الذي لا ينظر حوله يا سيادة الملك. أمامك يوم، نفذ كلامي، أو عاني العواقب” هددت الملكة.
أحسستُ فجأةً بياقتي تُسحب من خلفي؛ وقف القائد منذ مدة و سحبني خلف أحد عوامِد القصر، ملامحه جامدة.
خرجت الملكة فور اختبائنا، تختبئ هي الأخرى خلف عمودٍ في الجهة الأخرى.
اندفع الملك خارج الحجرة هائجًا، زائدًا غضبه مع أصوات الحراس المطاردين للأميرة المعنية و لحقَته الملكة، ابتسامةٌ فخورةٌ تعلو وجهها.
انطلقتُ خلف ريانش داخل الحجرة؛ حجرةٌ تليق بملكٍ بكل أثاثها، و رفوف الكتب الموجودة أكبر مافيها.
أقفلتُ الباب خلفي و انطلق القائد مسرعًا للبحث عن الكتاب المطلوب.
“وجدته! تعالَ و انظر!” نادى بعد عدة دقائق من البحث.
نظرتُ في صفحات الكتاب، كل صفحةٍ تتحدث عن شيءٍ له علاقة بكائنٍ أسطوري، و لكل كائنٍ رسمةٌ بجانبه توضح شكله، لم أكن لأعرف محتوى الصفحات لولا الرسمات.
أعدتُ الكتاب للقائد بسرعة، فسألني “ما رأيك؟! أخبرتك أن هناك شيئًا خاطئًا من المستحيل وجود تنينٍ واحدٍ فقط!”.
“… اقرأ المكتوب”.
“هاه؟”.
“لم أتحمل مُعلِّمَة اللغات، فلم أتعلم القِراءة”.
“… أنت جاد؟” لم أرد عليه، فبدأ “سأقرأ المهم. ‘ساركوفاغِس. ينحدرُ ضمن تنانين الماء، و رغم عنصره-… و رغم عنصره إلَّا أنَّ…’ ” توقف القائد متجهِّمًا.
“لمَ توقفت؟” سألته.
التفت حائرًا “هاه؟ لا شيء، دعني أكمل” ردَّ مشتتًا.
” ‘كل ما يحومه يتكوَّن من جليد. يُكوُّن سقفًا جليديًا من أي مسطحٍ مائيٍ يسعه ليتمكن من النوم حتى استد-…’ ” توقف القائد مجددًا، يمسكُ رأسه بإحدى يديه بحدَّة.
عندها أحسستُ به؛ ألمٌ مفاجئ يقتحم رأسي، و رؤيةٌ تلحق بالألم. كانت رؤيةً لوالدي، يجلس بجانبي، و يتحدثُ بحماس عن أمورٍ لا معنى لها ‘حتى استدعائه من قِبَل سيِّده’ قال والدي، و كان ما سيقرؤه رانش…
“أكمل القراءة” أمرتُ القائد.
” ‘سيعدُ بالحماية، الدفاع، و الإنتقام، حين يجدُ رابطًا مشتركًا، و أمرًا مباشرًا بينه و بين صاحبه. احرص على كسب ثقت’- صبرًا”.
جلس القائد على الأرض غارزًا أصابعه في رأسه، و الكتاب ملقيٌ أمامه ليكمل ” ‘أو سيدمر كل ما تراه موطنًا، نافثًا صقيعًا يجمد الأرض بما فيها’ ” زاد ألم رأسي حتى أضحت الرؤية ضبابية، و واتتني رؤيةٌ أخرى.
والدي، يجلس على درج الباب، كنتُ في السابعة، أنظر إليه و هو يتحدثُ عن أحدٍ ما… و يصنعُ… كرةً مائية…؟ كانت كاللتي عالجني الرجل بها…
“أنت! لا تفقد الوعي هنا!” نادى القائد “أيُّها الجندي!” بالكاد سمعتُ صوته، و آخر ماعرفته كان ارتطامي بالأرض…
.———————-.
المكان خانق، مظلم، و ضيق. نهضتُ لأتكئ على الجدار خلفي، أدرك ما حولي من ازدحام أدواتٍ و أثاث. أنا في المخزن…
“أفقت أخيرًا؟” التفتُّ للجانب الآخر من المكان، أرى القائد يجلس مدلِّكًا رأسه.
“منذ متى و أنا غائب؟ ماذا حدث؟” سألته.
“أمرتك بأن تبقى مستيقظًا ففقدت الوعي، ثم عاد الملك و اضطررتُ لتخبئتنا هنا” حكى القائد، و تجهَّمتُ في وجهه؛ فحدق نحوي بحيرة “إلى أي حدٍ تذكر؟”.
“كنا في طريقنا لإقناع الملك بإعفاء الملكة، ثم استيقظتُ هنا”.
تهكَّم القائد ضاحكًا “مثيرٌ للإهتمام. لا تقلق، غبت لساعتان فحسب، لكن هناك الكثير لمعرفته”.
بدأ رانش بالسرد، منذ تنصتنا إلى محادثة الحاكمان و حتى فتحنا الكتاب. لم أتمكن من تذكر شيء، بل لم أتمكن من تخيله مما أخافني، لكني كنت أشعر بضيقٍ غريب، كأني بحاجةٍ لفعل شيءٍ ما…
توقف القائد عن الحديث و التفتُّ له، القلق بادٍ في وجهه. رفعتُ حاجبًا، فأجاب مسرعًا “هناك ما يصدُّني. كل شيءٍ على طرف لساني، لكن لا يمكنني الحديث…”.
“حاول مجددًا” أمرته، و أعاد كلامه.
“بدأت أقرأ معلوماتٍ عن تنيننا، و حين وصلتُ لكيفية التعامل معه بدأ-… بدأ رأس-” لم يتمكن من إكمال جملته، و استسلم بعد ثلاث محاولاتٍ أخرى.
وقفتُ متكئًا على رف الأدوات، و نظرتُ للقائد “لن نتمكن من الوصول لمكانٍ هكذا. سنبحثُ في الأمر لاحقًا، علينا الذهاب لإخراج إيف” قلتُ له؛ فوقف متجهًا للباب، قبل أن يتوقف فجأة.
“شيءٌ آخر، بينما كنتَ فاقدًا للوعي وقف الملك بالقرب من المخزن ليتحدث مع الحراس. لن يوقف الهجوم، بل سيشدد الحراسة على سجنٍ ما” أومأتُ و تحركنا للخارج.
بالكاد واكبتُ سيره السريع، أضحى متعجلًا و يستمر بتدليك رأسه بقوة.
دخلنا لممرٍ مليءٍ بالحُجرات. لم يبدو أننا نتجه للزنزانة حيث إيف، و لم اسأل، عالأقل ليس بعد. وقفنا عند أحد الحُجرات، و القائد يستمر بتدليك رأسه بقوة حين طَرق على الباب “من هناك؟” ردت فتاة.
“ريهانش يا سيدتي، أتي-” لم يكمل جملته حتى فتحت الفتاة الباب، تسحبنا كلانا لحجرتها قبل إحكامه مجددًا.
“تأخرتم! ظننتكم ستأتون منذ نصف ساعة” سألَت الفتاة ذات الشعر البني، و نظرتُ خلفها فورًا؛ لأرى إيف جالسةً على كرسيٍ بعيد.
“إيزرا!” نادت إيف، و تقدمت مبتعدًا عن الباب لتخفض صوتها “نترككم ليومٍ و نصف فيعود هو بصداعٍ و أنت بحروق؟! أين كنتم؟”.
“بل الأهمُّ من ذلك،” قاطعت الملكة، تجلس على السرير “ماذا فعلتم؟ بالنظر لوجهكم لابد من وجود مشكلةٍ جديدة”.
“نظرٌ حادٌ كالعادة جلالتك” ضحك القائد. وجلس على الأرض بجانب الفتاة “كم أودُّ إخبارك لكنَّ لساني معقود، مهما حاولت فلا يمكنني البوح بشيء”.
أنزلت الملكةُ حاجباها، تأخذ الأمر بجدية “… لا يمكنك البوح، لكنك تذكر صحيح؟”.
“أجل جلالتك” رد القائد.
“لهذا أنت تدلِّكُ رأسك منذ دخولك للحجرة، أليس كذلك؟”.
“بل قبلها بساعتان… لكن أجل، جلالتك…” تجهَّم رانش “أمرٌ غريبٌ يحصل، أتعرفين ما يجري هنا؟”.
“ريهانش أنا ملكة؛ بالتأكيد سأعرف ما يجري هنا”.
نظرتُ لإيف، تضع تركيزها الكامل على محادثة الاثنان حتى علا صوت القائد “المهم الآن! أعتذر سيادتك لكننا تنصتنا على شجارك مع الملك-“.
“شجار؟! قلتي أنه موافق!” قاطعته إيف.
“ريهانش! لا تكذب! لم أتشاجر معه بل هددته، لا خيار له سوى الموافقة يا إيف!”.
أنبأها القائد “بهذه المناسبة يا سيدتي، لا أظنه سيستمع لكِ، لقد تنصتُّ عليه…” ابتسم رانش و سألها “ربما عليكِ كشف سرِّه الآن؟”.
“… منذ متى و أنت تتنصت؟” سألت الملكة، و أوقفت الفتاة القائد عن الرد.
“أمي، هذا ليس مهمًا، ماذا علينا أن نفعل؟” اوه، كانت تلك الأميرة إذًا.
أجابت الملكة، توجه كلامها للجميع “سنذهب أنا و برينا لنوقف تريشولا بأي طريقة. بينما يذهب بقيتكم لزنزانةٍ تحت الأرض، يحبس ملككم رجلًا هناك، حرروه و سيخبركم بما تحتاجون لمعرفته، حسنًا؟”.
خرجت الملكة و ابنتها، حينها سألت إيف القائد “ريهانش، أيمكنك رسم ما حدث؟ تعلم، ما لا يمكنك قوله…”.
“اسمك إيف صحيح؟ بإمكاني المحاولة، لكن لا وعود”.
حدقتُ بالقائد، أمرٌ يزعجني بشأنه حتى تذكرتُ كلامه ‘إن كنتُ أحتاج مساعدًا لأتم هدفًا لفعلتُ قبل مجيئك بزمن!’.
“أيها القائد” ناديته، و التفت الاثنان نحوي “أنت تعلم بأمرنا أليس كذلك؟”.
“هاه؟” سأل الاثنان، و أكملت إيف “مالذي تتحدثُ عنه؟”.
أكملتُ “قلت أن بإمكانك تحقيق أي هدفٍ قبل مجيئي بمدة، لكنك استمررت بسحبي لمهامٍ جانبية، مصدقًا كل كلمةٍ أقولها دون شك”.
لم يرد القائد لمدة قبل أن يتنهد “تذكُر جملةً قيلت قبل يوم و لا تذكر اسمًا ذُكر للتو. عرفتُ الآن لمَ تزعجني”.
ابتسم القائدُ مكملًا “أجل، استخدمتك كعذرٍ لدخول حجرة الملك، و أعلم أن لا أحد منكما ينتمي لهذه المملكة لذا لم أهتم بأمر استغلالي لك، لكني أريد مساعدتكم الآن”.
“لماذا؟” سألت إيف.
“ستعرفون الإجابة حين نحرر سجيننا” أجاب القائد، و خرجنا خلفه للبحث عن الزنزانة المطلوبة… .
°•|—————————|•°