الكتاب المسحور - 11
•°|————————|°•
منظور إيف°•
—————–
“ألن تخبرينا كيف هربتنَّ من الزنزانة؟” سأل ريهانش أثناء تسللنا لآخر طابقٍ في القصر، نحوم خلف الأعمدة و الحراس.
اختبأ القائد خلف أحد الأعمدة؛ فاختبأتُ خلفه هامسةً بحدة “أترى الوقت مناسبًا للحديث؟” التفت ريهانش و كاد يجيبني حتى وقع نظره خلفي، و عاد لمراقبة المارِّين مبتسمًا.
كانت تلك ابتسامةً ساخرة دون شك. التفتُّ خلفي بسرعة لأرى إيزرا يحدقُّ بي، عيناه ثابتةٌ بينما يتكئُ على الجدار.
حقًا… كان بوسعه سؤالي إن شعر بالفضول، حينها سيسهلُ عليَّ الرفض. مضى الحرسُ في طريقهم، و أكملنا طريقنا حين أجبت “حدث الكثير بعدما حُبست-“.
“ظننتُ الوقت سيئًا للحديث” قاطعني ريهانش بصوتٍ مليءٌ بالشماتة، فتجاهلته.
“بدأ الأمر حين كان كتفي ينزف دون توقف، ينزفُ و بألمٍ شديدٍ كذلك إثر طعنة السيف أنت تفهمني أليس كذلك؟ بما أنك جنديٌ ذو سوابق و كل هذا. مزقتُ زيي و ربطتُ كتفي به و أحسستُ بصداعٍ قوي! اضطررتُ للنوم من بعده، بعدها استعملتُ كرةً مائية و اتصلتُ ب-“.
“إيف، اختصري” نادى إيزرا.
أكمل ريهانش عنه “معه حق، نحن نجاري الوقت هنا”.
“سألتما عن القصة، اسمعاها للنهاية” تسارع ريهانش مع نزوله للطابق السفلي، فلحقتُ به مكملة “اتصلتُ ببرينا و أخبرتها بما حدث. أتت خلال دقائق برمحٍ في يدها و أطاحت بكلِّ الحراس بروعة!… لا أعلم كيف هربت من حجرتها لكن لأكون صريحة كنتُ سأؤدي أفضل منها لو أعطتني رمحها”.
“لا يوجد ما هو أفضل من هزيمة كل الحراس” سخر ريهانش، و تهكَّمتُ خلفه.
“بالتأكيد هناك، مثل قول جُملٍ رائعة قبل الإطاحة بهم؟”.
توقف ريهانش، و التفت نحونا متفاجئًا “حسبتني الوحيد الذي يفعل هذا…”.
“بالتأكيد هذا ما ستحسبه فأنت لا تهتم كفايةً بالآخرين لتلاحظهم!” ربما حسبتني الوحيدة التي فكرتْ في الأمر أيضًا، لكن أنا معي حق! من كان ليظن أن شخصياتٍ داخل كتابٍ قديمٍ-…
نظرتُ حولي لأدرك ما أراه، تتباطأ سرعتي لا إراديًا. أضحى ذكر الكتاب مريبًا لسببٍ ما…
“إيف؟” سأل إيزرا من الطابق السفلي، و ريهانش خلفه يتربصني. حدقتُ فيهم لوهلة، أشعر بجسمي يقشعرُّ قبل عودتي للواقع… أم الخيال؟
حاولتُ تجاهل أفكاري و أكملتُ قصتي، مسرعةً خلف الاثنان أمامي “لا عليك، على العموم! أخرجتني برينا من الزنزانة و بقيتُ في حجرتها بينما تعطي ريهانش إشارة الأمان، و بالتأكيد لتداوي كتفي بأدويةٍ من طبيبكم”.
“و ماذا عن الملكة، ألم تكن معكِ؟” سأل ريهانش.
“الملكة؟ اوه، بلى كانت معنا، ثم ذهبت لتهدد تريشولا”.
ضحك ريهانش و وصلنا أخيرًا لبابٍ بعيد في الطابق الأخير. دخلنا خلاله متأملين، لنجد الدروع و الأسلحة فقط معلقةً في كلِّ مكان.
“مستودع الأسلحة؟” سأل إيزرا.
فصححه ريهانش”بل الأسلحة و الدروع”.
“ريهانش… أتعلم إلى أين نحن متجهون؟” سألته.
“بالتأكيد أعلم! علينا تحرير ذاك السجين أليس كذلك؟” رفعتُ حاجبي، و ابتسم القائد آملًا تصديقي.
“لا أصدق أننا تبعناك دون تساؤلٍ بأمرك… أتصدقُ هذا يا إيز؟” لم يرد علي؛ فنظرتُ حولي حتى وجدته واقفًا أمام أحد المصابيح “ماذا تفعل عندك؟”.
أجاب متمعنًا في المصباح “إن كانت الزنزانة تحت الأرض فلابد من وجود مدخلٍ سري”.
“أنت تعلم أن هناك خمسة عشر حجرة في هذا الطابق أليس كذلك؟ إلَّم يكن الحلُّ هنا فسنضطر للتسلل من جديد” ضحك ريهانش، بينما يهمُّ بالبحثِ معه.
انصبَّ تركيز الرجلان على المصابيح فحدَّقتُ فيها من مسافة، أبحث عن رابطٍ أو اختلافٍ فيها حتى وقع نظري على سيوفٍ معلَّقةٍ على الجدار، ثلاثُ سيوفٍ مختلفةٌ في معدنها وتصميمها، و قد علَّقَت واحدًا تلو الآخر بين كل مصباحين.
“ريهانش، ما أمر تلك السيوف؟” سألته مندفعةً نحو أحدها.
“هذه؟ إنها مجرد سيوف، أمر الملك بثلاث سيوفٍ مختلفة، و حين أنهاها الحدّاد اختار سُمّوه سيفًا رابعًا يليق بملك، و يمكنني القول أنه لم يمكن أفضل اختيارٍ له”.
أمسك ريهانش بسيفٍ ذهبي، يعاينه بدقة “إن تمكَّنتُ من استعمال واحدٍ منهم فسيصنعون تمثالًا جليديًا لروعتي و أنا أقود أسطولي للمجد، ألا تظنين ذلك؟”.
تجاهلتُ القائد و سحبتُ السيف من يده. ربما أكونُ مخطئة، لكني أشعر أن لتلك السيوف غايةٌ أكبر من قصتها.
حصرتُ اختياراتي؛ هناك سيفٌ ذهبي، حديدي، و آخر نحاسي. رتبتها حسب قيمتها أولًا، ولم يحدث شيء “جربي العكس” قال إيزرا من مكانه، فبدلتُ بين الذهب و النحاس، لم يحدث شيء.
“ربما إن ابتعدنا عن الروابط المنطقية قليلًا…” اقترح ريهانش “كترتيبهم من أقرب إلى أبعد تفضيلاته؟”.
“كيف نعرف ذوق رجلٍ لا يفعل شيئًا سوى شرب الشاي الأسود؟”.
“لا تُسيئي إلى الشاي الأسود! إنه رمزٌ وطنيٌ لمملكتنا! أجربتِه بالليمون؟”.
أخذ ريهانش الأمر بجدية؛ فأجبتُه ضاحكة “أجربتَهُ أنت بالليمون؟ يستحيل أن تسألني عنه إن جربته من قبل”.
“لعلمكِ فقط، لا يخلو بيتٌ أو مخزنٌ من الشاي بالليمون، و لم يجربه أحدٌ إلَّا و أُعجِبَ بنكهته!”.
“قُل ما يريحك، الآن لنعد لأمر السيو-” بدأت أصواتٌ تتخبطُ من داخل الجدار، و قبل أن أُدرك فُتحَ ممرٌ واسعٌ طويل، يقود لمكانٍ تحت الأرض “مالذي حدث هنا…؟” نظرتُ نحو إيزرا، الوحيد الذي لم يبدي أي ردِّ فعل.
“كلُّ الأدوات هنا معدنية، مصابيح المملكة صفراء، ولا أحد يحب النحاس، هذا هو الحل”.
“… سأدَّعي أني فهمتك” قلتُ له؛ بسعادةٍ غامرة لكوني محقةً بأمر اللغز من البداية.
تقدَّم ريهانش نحو المدخل ضاربًا إيزرا على ظهره “أنتَ أذكى مما تبدو أيُّها الخادم” لم يردَّ أحد، لكني شعرتُ أنها مسألةُ وقت قبل أن يهجم إيزرا على القائد.
أُغلق باب الممر المنحدر حالما دخلنا، و فُتِحتْ مصابيحٌ خافتة على الجدار؛ ذكرتني برعبٍ لستُ مستعدةً لعيشه من جديد…
“هناك” أشار ريهانش للزنزانةٍ في آخر الممر “هناك رجلٌ نائم في الداخل”.
وقفنا أمامها، و كان يستلقي داخلها رجلٌ يبدو أكبر من تريشولا بقليل، و كانت هيئته في أسوء حال، لم يتفاعل حتى حين طرقنا على بابه الحديدي “أمتأكدٌ أنه نائمٌ فحسب؟” سألتُ بينما أجلبُ المفتاح المعلَّق على الجدار.
فتحتُ الزنزانة و انطلق ريهانش ليهزَّ الرجل حتى أفاق بعدما تحقق من نبضه “أفلتني أيُّها المزعج- من أنتم؟! ألا ينام أحدٌ بسلام؟!” صرخ الرجل بصوتٍ مبحوح.
“نعتذرُ عن الإزعاج يا سيدي” بدأت “أُدعى إيف، وقد أتينا هنا لتحريرك مقابل إخبارنا بما حدث بينك أنت و تريشولا”.
“مهلًا، سيدي؟” تعجَّب ريهانش “منَ المفترض أن تتسمَّري مكانك إثر رؤية والدك، تمامًا مثل إيزرا!”.
“مهلًا، ألديَّ أبناء؟” سأل الرجل.
“بالتأكيد لديك! أليس كذلك-…” أدرك القائد ما حدث و حدَّق بإيزرا متجهِّمًا “نسيتُ أنك العدو لوهلة”.
التفتُّ لإيزرا سائلة “أهذا والدُك؟”.
“سيحدِّدُ اسمه الإجابة”.
تهكَّمَ الرجل “لن تستفيدو الكثير من سؤالي فلا أذكُر شيئًا، لا شيء سوى ما كُتب على الأقل”.
أغلق الرجلُ عيناه قبل أن يسأل أحد، جالسًا بأحدِ وضعيات الماء، و كوَّن دوامةً صغيرة من الأرض الجليدية تحته، تُخرج منها كتيِّبًا جافًا رغم التماسه مع الماء “كل ما أعرفه مكتوبٌ هنا” قال الرجل تاركًا الكتيِّبَ لي.
فتحتُ أول صفحاتها لأُصدمَ بكمِّ الكلمات الكثيرة فيها، أوضحُ مافيها كان رقم اثنان. شعرتُ بالنعاس لمجرد النظر إليها فقلبتُ عدَّة صفحات، و توقَّفتُ عند صفحةٍ تحوي رسوماتٍ متفرقة فيها.
“إيز، ريهانش، انظرا لهذا” أدرتُ الكتيِّب ليراه الجميع.
“لغزٌ آخر؟ جميل” ضحك ريهانش و بدأتُ بتحليل الرسومات.
“لنفكر في أمرها فحسب؛ جوهرة، نقوش، رمح، و كتاب. كيف نربط تلك الأشياء معًا؟”.
“هذا صولجان” صحَّح إيزرا، و تجهَّمتُ نحو الرسومات.
“أيُّ جزءٍ من هذا الرمح يخبرك أنه صولجان؟”.
“كلُّ جزءٍ فيه؟” ردَّ إيزرا و زادت حيرتي فحسب، لكنه خطُّ والده المحتمل، لذا ليس بوسعي الإعتراض.
“حسنًا إذًا… ريهانش، أيذكِّرك بشيء؟”سألتُ القائد بجانبي.
“ألا يشبه صولجان الملك؟ لربما تنقصه بعض الأجزاء، لكنه يشبهه حتمًا” أجاب متيقنًا.
“أنت أيضًا تراه كصولجان-“.
“مهلًا” بدأ إيزرا “لمحتُ نقوش ذاك الكتاب، كان على سرير الملك حين دخلنا حجرته”.
ضحك ريهانش و ضرب كتف إيزرا بقوة “عظيم! إلَّم يعد الملك لحجرته بعد فسيكون الكتاب في مكانه! بإمكاننا أيضًا البحث ع- توقف، هذا مؤلم!” داس إيزرا على قدم ريهانش بقوٍة أشعرتني بالألم.
“ما مشكلتك؟…” أكمل ريهانش عندها “بإمكاننا البحث عن الصولجان في طريقنا”.
أومأتُ له، و عدتُ للصفحات الأولى، الرقم واحد مكتوبٌ على أحدها، فبدأتُ بقرائتها ” ‘لا وقت لدي للبوح بكل شيء. المملكةُ في تدهور، عليكَ مساعدتنا!! الحاكم هو السبب. هو من بدأ، عهدتُ بولائي و ضمنتُ أماننا. لكن الأنانية لا تكفُّ التحكم بنا!’ “.
“إيف، توقفي عن القراءة!” نظرتُ لإيزرا، و كان ثابتًا على الأرض، غارزًا أصابعه في رأسه بقوة، لا يختلف الآخران عنه كثيرًا.
“إيف!” سمعتُ نداءً من بعيد، كانت جيلان.
“جلالتك! مالذي تفعلينه هنا؟”.
“لم نتمكن من إيقاف تريشولا، لقد أرسل جيشه بالفعل علينا القيام بشيءٍ حيال-… ماذا حدث لهم؟”.
“سأخبركِ بكلِّ شيء لكن دعينا ننتهي من الأمر أولًا!” لا أعلم مايحدثُ للجميع الآن، لكن عليَّ قراءةُ كلِّ شيءٍ بسرعة.
” ‘المكان يتجمد، حلفائي يصرخون لكن لا أحد يمسهم، لا بد أنه من صنع الملك، لكن العدل قوي، و قوى ساركو تنتمي لمن يثقُ بهم، لن يتمكن من التحكم به للأبد. ابحث عنا. ابحث عن سر الكتاب و أعد الصولجان لصاحبه. حرر التنين و أعد المياه لمجاريها.’ “.
عدتُ بسرعة لأول صفحةٍ فتحتها، الرقم اثنان! رفعتُ صوتي فوق نحيب من هم حولي ” ‘حلفاؤه أيضًا عاجزون، الجميع يصرخ حولي و حالي ليست أفضل منهم، لا علمَ لي عن سبب قيامنا بالهجوم، لمَ أنا بينهم من الأساس؟ هناك شيءٌ يتلاعبُ بي، يُفقدني ذاكرتي، تذكر اسمي! تذكرني! ابحث عني! أدعى -آشِر-، جدني و استمع لكل مايقوله الأكبر في العائلة، لا تكرر أخطاء والدك!’ “.
… رميتُ الكتيِّب، و نظرتُ للجميع حولي إذ بهم فاقدي الوعي، حتى وقعت عيناي على جيلان “لمَ لا تؤثر الرسالةُ عليكِ؟”.
“هناك ما يحميني، مهما كان ما سمعته أو فعلته لن أتمكن من التذكر، لكن يمكنني حفظه، و قد أتمكن من قوله إن بذلتُ جهدًا في مقاومة رأسي”.
“ولا فكرة لديكِ عن السبب؟”.
“لا، الآن… أعلم أني الملكة و صاحبة القرار، لكن الأمر عائدٌ للمختارة… ماذا ستفعلين؟”.
تهكَّمتُ ضاحكة “سؤالٌ جيد… أتعلمين أين أجد صولجان تريشولا؟”.
“دائمًا ما يتركه في صندوقٍ تحت السرير، يجعلُ أحدًا يتفقده كل ربع ساعة حين يزدحم جدوله”.
“جميل! أريد لأحدٍ أن يجلبه هو و كتابٌ موجودٌ على سريره، خلال هذا الوقت سنحذِّرُ تيرا بأمر الجيش”.
“سأنادي أحد الحراس حالًا”.
بحثتُ خلف جيلان و تعجبتُ قليلًا؛ فلا أثر للأميرة معها “أين برينا؟ ظننتها معكِ” سألتُها، فضحكت بتردد.
“تلك الشابة متحمسة… ذهبت خلف الجيش قبل أن ندرك…” لسببٍ ما توقعتُ أن هذا ما ستفعله.
تركتُ الرجال خلفي و أسرعتُ خلفَ الملكة. أمرتْ جيلان حارسان بجلبِ الصولجان بكتابه، بينما أتوجَّه أنا لقاعة العرش. اقتحمتُ القاعة و وقفتُ أمام تريشولا.
“أعرفُ سرَّك!” صِحتُ بأعلى صوت ليركِّزَ كلُّ من في القاعة معي.
“التزمت بكلمتها إذًا؟” ضحك تريشولا “أخبريهم به”.
“هذا ما كنت سأفعله الآن! ما مشكلتك؟! الآن أُفسدَ دخولي اللامع!” تنهدت، و التفتُّ للحراس و الخدم “أنتم لستم من تحسبون أنفسكم. لا وجود لنبلاء ولا لعبيد، لا وجود لدمٍ نبيل، و حتمًا لا وجود للولادة بمهارة التحكم بالماء!”.
استدرتُ للملك، لا وجود للقلق في نظرته، لكن أكملتُ على أي حال “يعرفُ جميعكم أمر ساركوفاغِس، تنينٌ يتحكم به الملك بصولجانٍ خاص، لكن لم يكن من المفترض أن يتحكم به هو من البداية، بل كان آشِر!”.
أُنزِل حاجباه، و بدأ تريشولا بتدليك رأسه، فابتسمتُ مكملة “لم يكن لدى الملك سوى كتابٌ بسيط، بينما امتلك آشِر القدرة على التواصل مع التنين. شعر الملك بالغيرة و غدر به، حينها بدأت حربٌ بين الطرفين. لكن لم يفز أحد!”.
“من أين لكِ بتلك المعلومات-“.
“لم يفز أحدٌ لعدم وجود فرصةٍ لتحديد الفائز. بدأ الجميع بفقدان ذاكرته أثناء الثورة، و لا يعلم أحدٌ السبب” صوتُ معدنٍ يرتطم بالأرض، بدأت إحدى الخادمات بالصراخ، و تبعها الموجودون في القاعة.
وقف الملكُ من عرشه، و أضحى أمامي في لمح البصر، قابضًا على كتفي بقوة “توقفي عن الحديث!”.
“لم يُعفَ حاكمكم من أمر الذاكرة، لكنه لم يهتم كثيرًا فالفوز أمامه؛ أمسك بآشِر و حبسه تحت الأرض، حارمًا كل معاونٍ له من الحياة العادلة في هذه المملكة! أليس كذلك أيها الحاكم؟! قل أني مخطئة إن استطعت!” ضحكتُ عليه بعدما فقد معظم الموجودين وعيهم.
“أنتِ مخطئة!” صاح الملك، و أمسك رأسه بقوة.
“… مهلًا ماذا؟”.
دفعني الملكُ بقوة “قلتُ أنكِ مخطئة! لم أحبسه استغلالًا للفوز! صحيحٌ أني شعرتُ بالغيرة لكن من يلومني؟! يمكن لأونورا و ألفيلدا التحكم بتنينهما بينما أضطر أنا لطلب الإذن من مستشاري؟! من يفعل هذا؟!”.
“في الحقيقة-“.
“و رغم ذلك، لم يكن هذا ما حبسته لأجله. تمكن آشِر من كتابة مقتطفاتٍ مما حدث بطريقةٍ ما، و كلما قرأها حاول تذكير شعبي، عندها يبدأ الجميع بالصراخ و البكاء، و حين يتوقف ينسى الجميع كل شيء. أمرته بالتوقف لكنه لم يستمع لي، و لن يرضى حاكمٌ باستمرار عناء شعبه”.
“لهذا حبسته؟”.
“نوعًا ما؟… حبسته أيضًا لأنه رفض إطلاعي على ما كتبه، قائلًا أني السبب في ما حدث، و أن عليه إيجاد المقصود في الرسالة؛ فحبسته لأقنعه أني ضحيةٌ مثله و بإمكاني مساعدته، لكنه خبأ اللفائف و مع الوقتِ نسى أمرها، و حالي ليست أفضل منه…”.
“مع احترامي لك يا مولاي، هذه أسوء محاولة إقناعٍ سمعتُ بها”.
“دعيني أنتهي” تثاقلت أنفاس تريشولا؛ و حينها أدركت، إنه يفعل ما بوسعه لمقاومة رأسه “تعلَّمتُ كيفية التحكم بساركو من كتابي، لكنه يحتاج للترابط مع حاكمه، و يرفض التعامل معي”.
“وماذا عن الطبقية المنتشرة؟ ألست المتسبب بها؟” سألته، فضحك بحرج.
“بهذا الخصوص… كانت هناك مشاكل أهلية منذ استيقاظ المواطنين. استمر العراك بينهم دون قوانين تحدهم، فاختلقت أمر الدم النبيل، لكن زاد الصراع، و مللتُ من مشاكلهم في مرحلةٍ ما و ركزتُ على الحرب القادمة”.
“لماذا أخفيت الأمر عن جيلان؟”.
“حاولتُ إخبارها! لكنها ظلَّت منشغلة بأمر… حاسَّتها السادسة؟ ثم بومها، ثم توقفت عن الحديث معي بعد حادثة برينا… أيكفيكِ هذا للتوقف الآن؟”.
حسنًا…لم يكن هذا ما توقعتُ سماعه… لكن الآن بما أنه يتذكر ما حدث، سأتمكن من سؤاله “ماذا حدث بينكم الثلاثة و غرانت؟”.
لم يُجب فورًا، ظلَّ يأخذُ أنفاسًا عميقةً حتى خفت أن يغشى عليه قبل أن يتحدث “قبل أن تفقد تحكُّمك، أخبرني!”.
اقترب تريشولا و همس بصعوبة “غرانت- ذاك الرجل ليس من يظنُّه الناس، اسألي أونورا عمَّا حدث، ستخبركِ كيف بدأ كلُّ شيء”.
أخذ الملكُ نفسًا عميقًا، و ظلَّ يمسك رأسه بصمت حتى هدأت أعصابه “لا يمكنني قول أكثر من هذا، و ذكرياتي ستختفي في وقتٍ قصير كما حدث سابقًا، لكني أعتمدُ عليكِ بإنقاذنا”.
“تريشولا!” دخلت جيلان القاعة مقاطعة، يلحقها آشِر و ريهانش، يسحبان إيزرا معهم “اعذرني؛ لدى ريهانش عادة تنصتٍ سيِّئة”.
“فقد هذا الرجل الوعي للمرة الثالثة على التوالي! أتصدقون هذا؟” ضحك ريهانش.
تقدَّمت جيلان حتى وقفت أمام تريشولا “لربما أخطأتُ بحقك…”.
شعرتُ أن المحادثة خاصَّة فابتعدتُ عنهما، لكن أوقفتني الملكة قبل خروجي “مهلًا، ابقي هنا، فسيأتي الحراس قريبًا بما طلبته”.
“ماذا طلبت؟” سأل تريشولا، و عاد تركيز الملكة عليه.
“صولجانك و كتابك. إن كان ما قلته صحيحًا فلن تمانع استخدام آشِر لهم، أليس كذلك؟”.
ابتسم تريشولا متأملًا “بالطبع! ما من شيءٍ يمنعني…”.
ذهبتُ نحو ريهانش، جالسًا عند إيزرا و والده المحتمل، مع صوت الملكان واضحًا حتى بعد ابتعادي.
“انحدرت الأمور دون سبب” بدأت جيلان “نسيتُ مبادئك و ماتقفُ عليه حتى حسبتُك رجلًا حقيرًا يستحقُّ الموت… تريشولا أنا جدُّ-…”.
هفَّت ضاحكة “المعذرة، أشعرُ بخجلٍ يمنعني من الإعتذار الآن…”.
“أهو الخجل أم حماسكِ الضائع لرؤيتي أغرق في دمي؟” سخر تريشولا، و زاد ضحكُ جيلان.
“لا يعقل أنك صدقتني، من المستحيل أن أقتل أحدًا بكل بساطة ظننتك تعرف هذا!”.
“لا، حتمًا ليس بتلك البساطة”.
“… أمن الطبيعي أن يضحك المرء أثناء التفكير بجثته؟” همستُ للشَّابَّان، و أجاب ريهانش، مركزًا على جثة إيزرا النائمة.
“لا يحبُّ الملوك الإفصاح عن مشاعرهم أمام الشعب، حتى و إن فقد هذا الشعب وعيه… على أيِّ حال أريد أن أرسم على وجهه، أيمكنكِ إحضار الحبر من حجرة الأميرة؟”.
“لمَ ليس من حجرتك؟”.
“لأني استعملتُه بالفعل على بعض الحراس” أراني علبة حبره الفارغة.
ابتعدتُ عنه لأتحدَّث مع آشِر، الذي طمأنني قبل أن اسأل “اعتمدي علي، و إن نسيت أيَّ خطوة فالحاكمُ و كتابه موجودان، لا داعي للقلق”.
أومأتُ له، و في الوقت المناسب دخل حارسان، الكتاب المزخرفُ و الصولجان في يدهما. الآن، سينتهي هذا الأمر أخيرًا…
°•|—————————|•°