الكتاب المسحور - 9
°|•———————•|°
*تنبيه: الفصل يحوي محتوى دموي*
منظور إيزرا•°
————–
حدث كل شيءٍ بسرعة؛ في غمضة عين أضحيتُ ألوح لإيف من الحجرة بسيفٍ مدمَّى، أراقبها و هي تُسحبُ من قبل الحارس. بالكاد تداركتُ الأمر حين أقفلتُ الباب على نفسي، رؤيتي ضبابيةٌ قليلًا و الآن لم يعد هناك غيري، جالسًا على الأرض أمام جثة الحارس السابق، أشاهده هامدًا غارقًا في دمائه.
لم أتمكن من إبعاد نظري عن جثته، و لم أتمكن من التركيز على شيء. هناك أمورٌ أهم من الجلوس هكذا لفعلها، أمورٌ أخرى علي التفكير بها!
لا بد أن باقي الحراس قادمون الآن للإمساك بي… علي الحراكُ و الإختباء، لكني مضطرٌ للبقاء مكاني حتى تتوقف قدماي عن الارتجاف؛ إثر منظر الرجل الميت أمامي…
مرت دقائق طويلة حتى تمكنتُ من التفكير بتمعُّن، و أول ما خطر في بالي كان إيف؛ أمسك الحارس بها، و لا بد أنها أمام الملك الآن تنتظر حكمه، بينما يقف ممسكها فخورًا بما سببه من فوضى.
علي الذهاب و إنقاذها، لكن ما بيدي حاليًا إلَّا الأمل بأن تترك الملكة تأثيرًا كافيًا حتى لا يُحكَم على إيف بالإعدام قبل وصولي…
ضغطتُ على قدماي متكئًا على الجدار، و وقفتُ مبعدًا عيناي عن جثة الحارس، أحاول إبقاء ذهني على مهمتي، حين نادى صوتٌ من بعيد “أسرعوا! إنه يختبئ داخل تلك الحجرة!” كان صوت حارسٍ آخر بالتأكيد. لم يكن لدي الوقت للتفكير بمهرب، ذهبت نحو النافذة لعلي أتمكن من القفز خارجها، لكن ارتفاع الحجرة كان عاليًا يحتمُ موتي إن أخطأتُ بخطوةٍ خارجه.
“اكسر الباب ماذا تنتظر؟!” أمر أحدٌ و بدأ الباب يتخبط بقوةٍ ستكسره في أي لحظةٍ الآن.
حاولتُ استخدام جدران الحجرة لكني لم أتمكن من تحريكها؛ فلم تتكون من حجارةٍ عادية، كانت ثقيلةً و ثابتةً بعناد. لم يتبقى لي إلَّا حلٌ أخير، أخذتُ نفسًا عميقًا، و عدت إلى الحارس الملقي. أخذت سيفه ليصبح في حوزتي سيفان.
وقفتُ أمام الباب مستعدًا، صورة الرجل الميت خلفي مازالت تطاردني، و ستزيد الصور في ذاكرتي سوءًا بمجرد فتح الحرس للباب.
تركيزي على الباب، أحكمتُ قبضتي على السيوف لتمر رؤيةٌ أمام عيناي. كانت مشتتة، بالكاد دامت لحظة لكنها أخذتني على حين غرة و بدأت يداي ترتجف دون سبب، حاولت تجاهلها فبدأت الرؤى أمثالها تجتاحني واحدةً تلو الأخرى، ألمٌ في رأسي يزيد مع كل رؤيةٍ تعيد نفس المشهد مرارًا و تكرارًا، جثث تحوم حول رجلٍ يقف وسطها، يوجه سيفه نحو رجلٍ آخر يقابله.
توقفت الرؤى و أغلقتُ عيناي ممسكًا رأسي “ماذا تفعلون؟ أتعجزون عن فتح باب؟! ابتعدوا!” سمعتُ الباب يبدأ بالإنكسار.
تجاهلتُ ألم رأسي، تماسكتُ واقفًا و شددتُ حكمي على السيفان بقوة و استعددتُ مجددًا لهجوم الحراس، حتى نادى صوتٌ من خلفي “مالذي تفعله أيها الأحمق؟! تعال من هنا، أسرع!”.
أتى الصوت من… الممرات الخلفية…؟ رميتُ أحد السيفان و تزلجتُ مسرعًا نحو الباب المؤدي للممرات؛ ليقتحم الحراس الحجرة للبحث عني حالما أغلقت الباب. لا أعلم كيف غابت الممرات عن بالي، لكن لم يكن الوقت مناسبًا للإستياء.
تركت الحراس لبحثهم و أكملتُ داخل الممرات المتداخلة، ممرات تقود لكل جزءٍ من أجزاء القصر، مصممةٌ خصيصًا للعاملين لدى النبلاء؛ لينجزوا أعمالهم دون إزعاجٍ أو تأخير. أن يفكر فيها رجلٌ كالذي يقود الطريق أمامي، رجلٌ عريض المنكبين مغطى بالدروع، من الجنود المتكبرين من لا تهمهم سوى الشكليات… هناك شيءٌ خاطئٌ في هذا الرجل.
لم يتوقف أحدنا عن الحركة، و لم يتكلم الرجل حتى خروجنا من الممرات، يقفلُ الباب بإحكام فور دخولي لحجرة نومٍ أخرى، اندفعتُ نحو الباب الرئيسي آملًا الهرب قبل أن يسلمني الرجل، لكني تأخرت، و وقفت مهدَّدًا بسيفٍ نحو رقبتي.
“أين تظن نفسك ذاهبًا؟” سألني الرجل.
حدقتُ في الرجل، حذرًا من كل حركة “ما دخلك أنت؟”.
رفع الرجل حاجباه “أهذا ردٌ تقوله لمن أنقذك؟”.
“لم أطلب مساعدتك. من أنت؟” سألته.
“… ماذا الآن؟” حدَّق الرجل بي كأني قلت شيئًا غبيًا، و تركني أبتعد عن سيفه لمسافةٍ آمنة “ماذا تعني بمن أنت؟ ألديك خللٌ في ذاكرتك أو شيءٌ ما؟” سأل الرجل “سأعطيك تلميحًا، أنظر لأزيائنا، ماذا ترى؟”.
… أهذه مزحة؟ وقف الرجل بابتسامةٍ ثابتة لحدٍ مرعب واثقًا من كلامه. لا، لم يكن يمزح… “لن أضيع وقتي بلغزٍ غريب”.
سحب الرجل سيفه و اتكأ على غمده، مغادرًا الإهتمام وجهه “خيبت أملي يا رجل، ما من أحدٍ في هذه المملكة لا يعرف قائد الوحدة الأولى، خصوصًا أحد أتباعه…” نظر إلي بنصف عين في آخر جملة.
“أدخل في الموضوع” قلت له، و تأتأ منزعجًا.
“حقًا، بدأت أشك إن كانت تهمتك حقيقية… على العموم، معك -ريهانش-، قائد الوحدة الأولى في الجيش. إن ركزت قليلًا بلباسي سترى أنه ذات ماترتديه، كل النبلاء القانطين يتشاركون به، و أغلبهم جنودي. لابد أنك جديدٌ هنا إلَّم تلاحظ من قبل” تجهَّم القائد.
تجهَّمتُ في وجه القائد، و جلستُ أبحثُ عن الشبه الذي تحدث عنه حتى لمحتُ ريشًا يخرج بالكاد من أطراف دروعه، ريشٌ رمادي كريش المعطف الذي أرتديه الآن. تجهَّمت أكثر دون وعي؛ فإمَّا أن هذا الرجل غبي فوق المعقول، أو أنه لا يتذكر ارتدائه لدروعه.
“أنت” قاطع القائد تفكيري “هل ستستمر بالتحديق هكذا؟ أصبح الأمر غريبًا نوعًا ما…”.
“لمَ ساعدتني؟” سألته.
تنهد القائد… رينش؟ “لا مجال للحديث معك أليس كذلك؟… كما قلت، أنت أحد جنودي، و شيءٌ أتعهد به لكل أتباعي هو إعطائهم ثقتي الكاملة حتى أرى الحقيقة بعيناي”.
“ستعارض قرار حاكمك هكذا، أبستطاعتك تحمل العواقب؟”.
هز القائد كتفاه “حسب كلام الفتاة أنتم تخططون لكشف مؤامرة، صحيح؟”.
“صحيح…”.
“لا أحد في خطرٍ إذًا! سِواك أنت، إن كنت تخدعني.”
رفعتُ حاجبي، بدأ ريش بالتخفيف من دفاعه “و ما أدراني أنك لا تخدعني بنفسك لأي هدفٍ تفكر به؟”.
ضحك روشي و وقف باعتدالٍ متفاخرًا، جنون العظمة يلازمه “أتظن نفسك تهديدًا أمام قائد؟ بإمكاني رميك للحبس في غمضة عينٍ إن أردت! كما رأيت كل أنواع المجرمين، و تعاملت معهم بأفضل الطرق، إن كنت أحتاج مساعدًا لأتم هدفًا لفعلتُ قبل مجيئك بزمن!”.
اقتربتُ من الباب خفيةً أثناء اندماجه بالحديث حتى أصبح الهرب سهلًا علي؛ فاندفعتُ بسرعة و حاولتُ فتح الباب، لكنه كان مغلقًا. التفتُّ خلفي لأرى ابتسامةً تثير الغضب على وجه الرجل، تبعها بضحكٍ حتى أدمعت عيناه “أطحت بك! يا إلهي لقد خدعتك تمامًا كان عليك رؤية وجهك!”.
تركت الباب، و وقفت أحدِّقُ فيه حتى توقف عن الضحك، و استطاع النظر إلي بوجهٍ شبه جاد “اه، لست محبًا للدعابة، أليس كذلك؟”.
“ليس حِسَّك فيها”.
“حسنًا إذًا” أخرج القائد مفتاح الباب من أكمامه و رماه علي “بإمكانك الخروج، لكن الحراس في كل مكان يبحثون عنك، و عدد المجموعات في كل طابقٍ كبيرة، لذا إمَّا أن تخرج و تفشل في الهرب، أو تنصت إلي و تزيد نسبة نجاتك أنت و أختك”.
تهكَّمت “تزيد لأي حد؟ ثلاثةٌ بالمائة؟”.
“اثنان و أربعون”.
… ركزت في ملامحه، لم يكن يمزح، و لم يكن العرض سيئًا، لكني ظننت أنه جادٌ فيما سبق كذلك…
“أعلمني بخطتك أيها القائد رايش” لا أحتاج التضحية بثقتي لأستغله، فلن أراه كثيرًا بعد خروجي من هذه القصر على أي حال.
ضحك الرجل متحمسًا “كنت أعلم أنك ستصيب الاختيار! و أدعى ريهانش أيها الجندي، لا تخطئ فيه مجددًا” تقدم القائد و أخذ مفاتيح حجرته مني أثناء جوابه “خطتنا بسيطة، نهرب، تخبرني عن المتآمر، نمسك بالمجرم و تتم تبرئتكم!”.
“و كيف سنهرب من هنا؟” سألته؛ فتحرك القائد متجهًا نحو أحد الشعلات الكهربائية، سحبها للأسفل بقوة، لكن لم يحدث شيء.
مرت عدة دقائق دون أن يحدث شيء “اصبر قليلًا، يحب هذا الشيء أخذ وقته…” فسر القائد، و فور انتهاء جملته سمعت أصوات أجسامٍ حديدية ترتطم ببعضها “ها نحن ذا!” ابتهج رانش، و ظل الصوت يتكاثر حتى أصبح مزعجًا.
توقفت الأصوات، و بدأ جزءٌ من أرضية الحجرة ينقسم، يُحدث منحدرًا عميقًا زلقًا تحت الأرض. التفتُّ للقائد مذهولًا، أحتاج أن أعرف الذكي الذي صنع شيئًا كهذا قبل اتمام مهمتي “ريشا-“.
“ريهانش!”.
“حُجرة من هذه؟!”.
تفاخر ريهانش متحمسًا أكثر مني “أنا! أنا اخترعت هذا! أتصدق هذا؟ أنا أصدق هذا! ألست عبقريًا؟!”.
لسببٍ ما لم أعد فضوليًا جدًا بأمر الآلة… “إلى أين سيقود-“.
“سيدي، أكل شيءٍ على مايرام؟ ماكان ذلك الصوت؟!” نادى أحدٌ من الخارج.
“هذا أحد الحراس، أهرب م-” لم أنتظر حتى يكمل جملته، اندفعت داخل المنحدر الجليدي الحاد، لا أعلم لأين سيقودني لكني بالتأكيد سأكون خارج هذا القصر نظرًا لعمق المدخل.
لن أتمكن من الاستمرار لمدةٍ طويلة مع رجلٍ لا يمكنني التنبؤ بأفكاره، خاصةً و أنه خبيرٌ بأمر المعادن و الكهرباء تلك؛ لذا سأكمل وحدي من الآن بما أني لم أعد أحتاج مساعدته.
أضحت سرعتي عاليةً في النفق حتى لم أتمكن من فتح عيناي، لم أشعر بشيء سوى البرد القارس حتى أحسستُ بضوءٍ خفيف، و علمتٌ أني اقتربتُ من المخرج.
أجبرتُ أحد عيناي على مواجهة ضغط الهواء وفتحتها، أُقدِّم قدماي لأتمكن من تخفيف ألم اصطدامي بالجليد.
مازال اصطدامًا، و آلمتني قدماي إثره فبقيتُ جالسًا لمدة. أحاطتني مبانٍ خشبية عديدة، لكنها كانت مهترئةً قديمةً يخلو بعضها من النوافذ.
التفتُّ يميني و شمالي أبحثُ عمَّن أسأله عن المكان حتى وقعت عيناي على فتاةٍ صغيرة لباسها خفيفٌ على جوٍ متجمدٍ كهذا. اختبأت الفتاة خلف منزلٍ قريبٍ منها حالما لاحظتني فناديتها.
أتتني مترددة، ترتجف و لا أعلم إن كانت خائفة أو تشعر بالبرد “بماذا أناديك؟” سألتها.
“ماديسون يا سيدي…”.
“ماديسون، أين والداك؟”.
رفعت الفتاة رأسها و رجعت للخلف تهز رأسها باكية “لا آباء لدي، اتركنا و شأننا!” بكت الفتاة و شعرتُ بأعيننٍ تتربصني من ظهري، اقشعر جسدي و حاولتُ اسكاتها لكن بلا نفع.
“ماديسون ابتعدي عنه!” نادى رجلٌ من خلفي لكن الفتاة لم تسمعه من بكائها العالي؛ خلعتُ معطفي و وضعتها حولها قبل أن يزيد الأمر سوءًا، فتوقفت الفتاة متفاجئة، و ركزت نظرها علي.
أخذتُ نفسًا عميقًا و وقفتُ مواجهًا الرجل الذي ناداها “أنت والدها؟” أومأ الرجل فأكملتُ “لم آتي لآخذ أحدًا للعمل عندي، أتيتُ باحثًا عن مكانٍ آخذ منه زيًا أبسط مما هو علي”.
لم يرد والدها، تجاهل وجودي و ركز على مناداة ابنته فحسب، فأتى رجلٌ آخر من بعيد رادًا “أتريد منا تصديق نبيل؟ حقًا، قد لا تكون أول المستهزئين لكنك أفشلهم بالتأكيد، ابحث عن أحدٍ آخر لإذلاله”.
تهكَّمتُ منزعجًا، سيأخذ إقناعهم وقتًا طويلًا هكذا… “إليك هذا” سللتُ سيفي من غمده، و دفعته نحو الرجل الملتحي بحذر “إن اتضح أنك محق، و أني هنا لإيذائكم، فبإمكانك قتلي بذاك السيف. أهذا كافٍ لك؟”.
انخفض الرجل آخذًا السيف، عيناه ثابتةٌ علي حذرة. ابتسم الرجلُ مترددًا “اتبعني”.
مضيتُ خلفه حتى دخلتُ أحد المنازل، قاطم الظلمة برده قارسٌ أكثر من الخارج “اجلس في أي مكان ريثما أعود” قال الرجل و اختفى خلف أحد الستائر. توجهتُ نحو طاولةٍ صغيرة أمامي، ثلاثُ كراسٍ خشبيةٍ حولها، قد تكون الأثاث الوحيد في هذا المكان.
خرج الرجلُ معه طقم ملابسٍ قديمٍ خفيف. وقفتُ لآخذه فابتعد الرجل “عدني أنك لن تفعل شيئًا لنا بعد خروجك من هنا”.
أنزلتُ حاجباي مشيرًا للسيف في يده “ألم أسلِّمكَ سلاحي؟ مما أنت قلق؟”.
“لا يمكن توقعكم أنتم النبلاء، تستغلون سلطتكم في أي شيءٍ لأتفه غرضٍ على حساب حياتنا”.
“كل هذا الخوف؛ أُخذت عائلتك منك، أليس كذلك؟ ألهذا أنت حذرٌ مع-” لم أتمكن من إنهاء جملتي قبل أن ينقض الرجلُ علي، يضربُ بقبضاتٍ أحاطها بالجليد و ينحبُ عاليًا
“غلطة من تظنها هذه؟! غلطةُ من أني لم أتمكن من رؤيتهما مجددًا؟! غلطة من اكتشاف جثة زوجتي و ابني الوحيد مغطيان بالثلج في طريقٍ مهجور!”.
“حسنًا فهمتك! أنا آسفٌ لتذكيرك فقط اهدأ!” أكمل الرجل بكاءه و زادت ضرباته قوةً مع كل جملةٍ قالها حتى أحسستُ بطعمِ دمي.
أبى الرجل الهدوء؛ فكوَّنتُ أصفادًا مائية أبعده فيها حتى الجدار المقابل لي، و حتى عندها حارب لتحرير نفسه و الهجوم مجددًا.
لم أستطع النهوض بسرعة، أخذتُ نفسًا عميقًا و انتظرتُ حتى هدأ الرجل “أيجعلك هذا سعيدًا؟”.
“أجل يسعدني! و أنا مستعدٌ للإطاحة بكل نبيلٍ هنا”.
تبسَّمتُ متحمسًا، لم يكن الرد الذي توقعته، بل ردٌ طائشٌ تسهلُ قيادته “إذًا اقضِ علينا” تسمَّر الرجل مكانه، يستمع إليَّ أخيرًا “بدلًا من لوم الكل و الإندفان في أحزانك، اخرج و اقضِ علينا. أم أنك جبانٌ لا يقوى إلَّا على الكلام؟”.
صرَّ الرجل على أسنانه “الأمر ليس بتلك السهولة، فهم من أصلٍ نبيل، التحكم بالماء لعبةٌ في أيديهم عكسنا، ما من طريقةٍ للفوز عليهم بسهولة”.
“لم يقل أحدٌ أن الإنتقام سهل” نظرتُ للرجل، مكبَّلٌ و غارقٌ بأفكاره، حفَّزتُ لتوِّي على الإنتقام، إن استمع لكلامي ستعمُّ الفوضى في مدةٍ قصيرة داخل حدود المملكة، و قد تصبح تلك الفوضى سببًا في تخريب نوايا الملكِ بإرسال جيشه لموطني…
“أنت لستَ من جنود القصر… من أنت” سأل الرجل.
اه تبًا، بدأ يشكُّ بي… أزلتُ الأصفاد من أذرعِ الرجل ناكرًا “بلى لكني جنديٌ جديد. مازلتُ أعتاد على المكان…”.
أخذتُ الملابس من على الطاولة و لفت عيناي ضوءٌ أزرق، التفتُّ للرجلِ بسرعة قلقًا “ماذا الآن؟!”.
“اهدأ، سأعالج إصابتك فحسب” ضحك الرجل.
وقفتُ مكاني و بدأ الرجل عمله، كرةٌ مائيةٌ باردة امتصت الأورام فور لمسها لوجهي “أعتذرُ على ماسببته لك من ضرر، أخطأتُ الظن بك، و أقلُّ ما أمكنني فعله لتعويضك هو علاج جروحك”.
“أنا شاكرٌ لك، لكن إن كنت تريد تعويضي فأعد سيفي و لا تخبر أحدًا بأمري”.
———————/
جلستُ خارج منزل الرجل أراقب الحراس منتشرين للبحثِ عني. تعجبتُ من عدم تعرُّفِ أحدهم علي، لكن بالتفكير في الأمر فأنا لم أخرج من حجرتي طيلة الخمس أيامٍ الفائتة.
بمعرفتي بالأمر ماكان علي الآن إلَّا إيجادُ طريقةٍ لتحرير إيف دون جلب انتباه و الهرب بعد إنهاء مهمتنا.
بقيتُ أراقب بوابة القصر و حراسها حتى رأيتُ ظلًا يقتربُ خلفي. التفتُّ ممتشعًا سيفي دون وعي، موجهًا النصل نحو رقبة المتسلل؛ ليصده بسيفه هو الآخر “حقًا لا حد لوقاحتك! تهرب قبل أن أكمل كلامي و الآن تهاجمني؟” اندفعتُ للخلف مبتعدًا عن القائد، يقفٌ خائب الأمل بي “لا وجود لشيءٍ كاحترام القادة في معجمك أليس كذلك أيها الجندي؟”.
ابتسم القائدُ ساخرًا “متفاجئٌ من أني وجدتك؟” أنزلتُ حاجباي حائرًا، أنتظر تفسيره؛ فأعاد سيفه إلى غمده قائلًا “من الصعب إيجادك و أنت مختبئٌ هكذا، لكن تجاهل رجلٌ من الطبقة الدنيا بسيف جندي أصعب بكثير”.
أعطيتُ سيفي للقائد بضيق نفس، قبل سؤاله “على ماذا تخططُ الآن؟”.
“أولًا ستصبح خادمي-“.
“إنسى الأمر”.
“أتريد التسلل كأي رجلٍ مريب و تستمر باختلاق الأكاذيب كلما أمسكك أحدٌ إذًا” تجهَّم منزعجًا. لم أرد عليه، فأكمل “ستتظاهر بأنك خادمي، ثم سنبحث عن المتؤامر، و نبرئك أنت و أختك من تهمكم. أهذا جيدٌ لك؟”.
أومأتُ له، و انطلق القائد و أنا خلفه بين الأزقَّة حتى وصلنا لكوخٍ صغير، أقرب من القصر من باقي المنازل في المكان “سنبقى هنا حتى نجد فرصةً للدخول إلى القصر؛ إن كان المتآمر طليقًا حتى الآن فمن المرجَّح انه يختبئ في الداخل”.
دخلنا الكوخ و أغلقتُ الباب خلفي بإحكام. الآن ما عليَّ سوى إيجاد طريقةٍ للتعامل مع رانش هذا دون التسبب بمشاكل، و عندها سأتمكن من تحرير إيف و العودة للخطة الأساسية. ما عليَّ إلًا الإنتظار للنجاح بالأمر…
°|•————————•|°