المعجزة ٢٠٧ - 3
فتحت ايفا عينيها…و الشمس الساطعة قد حجبت ناظريها..جسدها ملقىٍ على التراب الساخن..
تسأل ذاتها و هب تحاول ألإلمام بذاكرتها
“هل…انا في القاعدة..؟”
قطراتٌ من المياه اللزجة تتساقط بإستمرار على وجه ايفا..
يبدو بأن الجوّ ممطر اليوم..؟
هل تلك السماء تتعاطف مع حال إيفا…؟
وضُحت الرؤية..
لتجد امام وجهها ذلك الوحش الكبير!!!ذو الأنياب الحادة و الفرو الكثيف
يسيل لعابه اللزج على وجهها و هو يستعد لإفتراسها
توسع بؤبؤ ايفا ذعرًا!لتدفعه بأقوى ما عندها بساقيها القويتين!نهضت بجسدها و هي تسابق الرياح!بلا تفكير!بلا وِجهة!تحاول استيعاب وضعها!
ايفا بملابسها الإعتيادية..لا شيء قد تغير..يبدو بأن القاعدة لم تأخذها!تفكر و الغضب يتسلل لملامحها الخائفة،هل يعقل ان القاعدة قامت برميّ ايفا خارجًا!؟
تركض ايفا و ذلك الوحش يلاحقها!
“هل اقوم بقتله!؟لست كفوءةً لمواجهةِ شيء كهذا!”
تردد ايفا في نفسها و بتوتر
اخذت منعطفها لتجد فرعٌ صغيفٌ من شجرةٍ صغيرة،اخذته بين يديها،لتنطلق في طريقه بلا خوف!!
بذلك الفرع اللذي لم يتسبب في خدشه حتى!كانت مستعدة لإقتلاع رأسه!
ليسحبها احدهم بسرعةٍ فائقة و يحملها بين ذراعيه،يركض بها بعيدًا بإتجاه معاكس،ليهرب من الوحش بخوف..ذلك الشخص كان جاك!
صرخت ايفا بصدمة
“جاك!؟؟لماذا أنت هنا!؟أ ليس هذا المكان هو خارج المدينة!؟”
صرخ في وجهها بغضب
“هذا ليس وقتًا مناسبًا للأسئلة!لنهرب!”
اجابته بغضب
“كنت سأقتله!!!”
“بإستخدام عصًى خشبية؟!كنتِ ستقتلين نفسكِ يا بلهاء!!”
اجابها و هو يلهث بسبب ركضه
وصلا الى خندقٍ كبير..يفصلهما عن الجانب الذي يريد جاك الوصول اليه
الجانب اللذي يبدو كغابةٍ مطيرة،على عكس تلك الصحراء القاحلة!
نزلت ايفا من بين يديه حيث رجعت بضع خطوات،لتقفز قفزةً كمن يطير في الهواء!كاسرً قوانين الجاذبية حتى!
وصلت الى الحانب الثاني بسهولة!على عكس جاك الذي يخاف المرتفعات!
مدت له تلك العصا،لتصرخ في وجهه بثقة
“اقفز و تمسك بها!”
هو كان مرعوبًا و يرتجف لبعد المسافة،خطوةٌ خاطئة و ستجعله يصبح جثةً في ذلك السمتنقع العميق!
إلا انه لم يملك خيارًا آخر..
لطالما كانت ايفا كذلك،تعطيه الثقة في اصعب المواقف المصيرية!
قفز بلا تردد،ليتمسك بعصا ايفا،و يستعملها للصعود كحبلٍ لا ينقطع
وصل الى الجانب الآخر،ليعود ذلك الوحش ادراجه متكاسلًا عبور الخندق..
انهار جاك خوفًا و قد خارت قواه،سقط على ركبتيه جسده يرتعش..
شدت ايفا على كتفِه و هي تهمه بالنهوض
“هذا اسوء وقتِ لتنهار فيه!انهض و اخبرني بما يجري!!”
تباطئ تنفسه و هو يحاول السيطرة على خوفه
حاول النهوض ليتمسك بيد ايفا و يرفع جسده،خطى بخطواتٍ متباطئة ليسبق ايفا الى وجهةٍ تجهلها
تسائلت للمرة الثالثة و بفضول
“ما الذي يحصل!؟”
تنهد حيث عاتبها بنبرة غضب
“أ تسمين ما قمتِ به تصرفًا عاقلًا؟!أ تعلمين حجم المشكلة اللتي تسببتِ بها لنا!؟”
“لكم!؟؟لا تخبرني…”
“أجل،جميعنا قد تم نفيُنا خارج الحاجز..عدا اخيكِ الذي يبدو بأنه كان مطلوبًا للقاعدة و هو لا يعلم!!”
كلماتٌ كانت كالصاعقة على ايفا،جعلت جسدها يرتعش رافضًا تلك الفكرة
ماذا..عن الإتفاق…؟
كل ما شَقته..
ذهب سُدًا…
بدلًا من أن يؤخذ اخيها للقاعدة..بمفرده..
تم نفيها و نفيُ من معها…
لتتحول حياتهم الى جحيم…يصارعون الموت كل يوم…
إثم ما افتعلته يداها…لم يغتفر…
فِعلٌ مشين..عرض حياتها و حياة من تحب للفناء..
كيف لها ان تنظر في عينيهم مرةً اخرى…؟
جائوا ليسعدوها…فأنهت حياتهم بأكملها…
انهمرت الدموع من عيني أيفا،لم تكن دموع حزن على حالها،بل دموع ألم على حال رفاقها و اخيها..
وضع جاك كفه على رأسها،ليبعثر شعؤها و هو يقول
“أعلم بأنكِ..لم تفعلي ذلك عمدًا او انانية…انتِ تفكرين فينا قبل أي احد..و نحن ربما..صادف مجيئنا في وقتِ لم تريدينا فيه..اردتِ توريط نفسكِ فقط…لكن يبدو بأننا سنلاحقكِ مدى الحياة!”
كلمات جاك،زادت ايفا ندمًا و حزنا بل لم تهوّد عليها،فبالرغم من انه يتقبل خطأها،إلا انها لم تغفر لنفسها..
وصلوا الى وجهتهم،كان جميع رفاقها يجلسون تحت ظل تلك الشجرة العملاقة،نهضت تاليا تركض بأسرع ما لديها بإتجاه ايفا!
استعد ايفا لتلقي صفعةً منها..لكن بالعكس،هي احتضنتها بأقوى ما لديها،لتنهار باكيةً و هي تنطق
“أين كنتِ!؟؟قلقنا عليكِ!!”
قلق…؟
هذا ليس ما كانت ايفا تنتظره…
يبدو بأنهم بالفعل…كانوا قلقين عليها،شدت ايفا عناقها على تاليا و هي تجيبها بنبرتها الراجفة اللتي هزها الحزن
“لا اضن..بأنني سأجد عائلة افضل منكم…”
..
استقبلها رفاقها بحنان،على عكس ما توقعت،رفاق طفولتها و حاظرها
جلست امامهم لتستمع لما حصل،نطق فيكتور
“بعد سقوطكِ،انطلق جرس انذار،اخذونا الى القاعدة،اخذو وليام الذي حاول المقاومة…بكى و صرخ بشدة…كان يصرخ بإسمكِ..تم معاقبتنا نحن..جميعًا…و نُفينا خارجًا،كلٌ في جهة…اجتمعنا شيئًا فشيئًا،و انتِ آخر من عثرنا عليها”
حاولت ايفا تغطية عينيها الغارقتين في الدموع،اقتربت ايزابيل لتمسك بكفِها الراجف،و تشد عليه،تنظر اليها بعينين لامعتين و إبتسامةِ املٍ تحمل في طياتها الخوف، و هي تنطق
“قد لا نستطيع العودة…لكننا معًا…سنتجاوز كل ذلك معًا..”
اجابتها ايفا بهدوء و رزانة
“كل ما حصل هو خطأي…لذا…انا سأتحمل المسؤولية…سأحافظ على حياتكم…سأحميكم لو كلفني ذلك روحي…”
ضحك ايدوارد بتعالي و هو يجيبها
“تحميننا؟و أين ذهبتُ انا؟أ تريدين ان نتشاجر لأُثبت لكِ قوتي!!”
تنهدت تاليا بإنزعاج لتجيبه عوضًا عن ايفا
“هذا ليس الوقت المناسب لسخافاتِك!”
التفتت تاليا نحو ايفا لتقول لها
“قد يكون هذا خطأكِ،لكنه ايضًا خطأُنا،لأننا لم نوقفكِ..او لم نستمع اليكِ..انتِ فعلتِ ذلك لسببٍ نحن نجهله..لكننا متأكدين انه سبب مقنع…هل كنتِ تريدين حماية وليام؟”
لمع محجري ايفا،كما لو قرأت تاليا ما في داخلها دون ان تنطق بحرف
لتومئ بالإيجاب،ابتسمت تاليا لتقول
“حسنًا…اضنه في حال افضل من حالنا الآن”
اردفت ايفا بنبرةٍ راجفة
“اسفة…لم ارد أن اشرككم في كل ذلك…اردت ان اتحمل المسؤولية بمفردي”
ابتسمت ليزابيل لتجيبها
“يبدو بأن القدر يأبى ان يتحمل احدنا المسؤولية بمفرده!”
ضحكت ايفا لتجيبها
“ربما انتِ محقة!”
..
استكشف هاؤلاء المراهقيين تلك الغابة،انطلقوا في رحلةِ البحث عن بر الأمان،او مكانٍ يأويهم،و في طريقهم،تفكر ايفا في حل،لتتوالى ذكرياتها عن تلك الحادثة الشنيعة…حادثة مئتان و سبعة!
سأل ايدوارد و هو يعبث بإحدا الشجيرات
“هل سأموت إن اكلت هذا التوت؟يبدو لونه غريبًا!”
التفتت ايفا لتقاطع ايدوارد و تقصّ ما توالى على بالِها
“نحن…لسنا أول من يطرد خارجًا…هناك…من هربوا قبلنا..”
التفت فيكتور بصدمةٍ و هو يقول
“أ يعقل انكِ تقصدين…حادثة مئتان و سبعة!؟”
التفتت نحوه بعينين ميتتين…لتجيبه
“قرأت الكثير من الأقاويل عنها”
بضع خطواتٍ ليلمح جاك بركةَ مياه،ليصرخ
“أضن ان تلك المياه صالحةٌ للشرب!”
اقترب الجميع لتتذوقها ايفا بلا مبالا!!
اجابته
“طعمها كطعم مياه صنبور الحديقة،اضنها صالحةٌ للشرب”
صرخ جاك بغضب
“و ماذا لو لم تكن؟!كنتِ ستقتلين نفسكِ!”
“جسدي منيع ضد السموم،جاك،انت اكثر من تعلم ذلك،اكلتُ دودةً و لا ازال على قيد الحياة!”
تمتم ايدوارد
“مجنونة..”
جلس الجميع حول البركة،ليرتشفوا من تلك المياه
لتسرد ايفا
“الرواية الأصح لحادثةِ مئتان و سبعة!قبل إثنى عشر عامًا،يُقال أن مجموعة من المجندين الخوّنة قرروا ترك القاعدة العسكرية و المدينة،و الهروب خارجًا،و قادهم رجُلٌ بالغ،يمتلك قوًى خارقة للطبيعة!!يتحكم في الناس!استطاع تفجير نصف البناية،و الهروب بمئات المجندين،كالإنتحاري المجنون،ليؤسس بلادًا يحكمها بنفسه،لم يعثر اي انسانٍ عليهم…اختفوا…يقال بأن رئيسهم الكبير استطاع تأسيس دولته الآن..دولةٌ مستقلة تبحث عن السلام…اضنهم قد..يستقبلونا..؟”
كان الجميع يصغي بتركيز،لعبت تاليا بشعرها لتردف
“و هل انتِ متأكدةٌ ان تلك القصةَ حقيقية؟أعني اشعر بأنها ركيكةٌ للغاية…لماذا قد يقوم شخصٌ قويٌ مثل ذلك الرجل بالهروب من قاعدةٍ هدفها السلام و حماية بلاده؟و هو يبحث اساسا عن السلام؟”
اجابتها ايفا
“لستُ متأكدة،انا ايضًا حين سمعت القصة،شعرت ان هناك ثغراتٍ كثيرة في القصة..”
اضاف فيكتور
“و من قال بأن ذلك الرجُل قد نجا؟نحن بالكاد على قيد الحياة و قد رُمينا خارجًا ليوم واحد..”
تنهدت ايفا لتنهض و تمدد جسدها النحيل و هي تجيبه
“لنقل انها محض خرافات و قد ماتوا،او ربما حقيقة و هم على قيد الحياة،في كلتا الحالتين يجب علينا النجاة بمفردنا،نحن مجموعة كاملة،لم نخسر امام ظروف بيئيةٍ لا غير”
اخذت ايفا تخطوا خطواتها و يتبعها رفاقها،خطواتٌ واثقة لمن يشهدها،لكنها ترتجف خوفًا في نفسها،خائفةٌ من الموت،الجوع،العطش،او كل ما سيواجههم..
مرّ يومين…
و هاؤلاء الشباب خالي الوفاض،يجولون تلك الغابة
الكثيفة،بلا مأوى،تارةً ينامون في كهف،و تارةٌ اخرى تحت ظل الاشجار الضخمة
تشهد عيونهم،عالمًا عجيبًا،عالمًا لا يخضع لأي قانون،تشرق الشمس و تغرب متى تشاء،و الغيوم تتزاحم في السماء لتختفي بعد لحظات،رياحٌ قوية تهب دون سابق انذار و تختفي،و امطار تحرق الجلود!
كائناتٌ غريبة،لم تشهد اعينهم منها سابقًا،اشياء شبيهةٌ بالحشرات،كبيرة الحجم،و سحاليٍ مخيفة ذو حجم عملاق،و فيلةٌ صغيرة الحجم!
عالمٌ مقلوب رأسا على عقب!
و بالرغم من كل تلك العقبات الغريبة و الصعبة،إلا انهم استطاعوا البقاء على قيد الحياة ليومين كاملين،بأتم الصحة..
كان هاؤلاء الفريق يمشون في تلك الغابة،في ذلك الظلام الحالك،باحثين عن مأوى للنوم ليستقبلوا به يومهم الثالث
اردفت تاليا تتذمر بصوتٍ مرتفع
“انا جائعة!”
تنهد جاك بإنزعاج و هو يجيبها
“اخفضي صوتكِ!ستجلبين لنا الوحوش!”
اجابه ايدوارد بغضب
“وحوش،وحوش،وحوش!!هذا كل ما ترددونه!بحقكم لماذا قد تؤذينا تلك الاشياء!استطيع سحقهم بنفسي ان كنتم جبناء و تخافون الدفاع عن انفسكم!”
نظر فيكتور اليه بإنزعاج و هو يقول عاقدًا حاجبيه
“ايدوارد…انا اتضور جوعًا…و لستُ في مزاجٍ لسماع صراخك المزعج هذا،إخرس”
ردّ ايدوارد بعنف
” انت اخرس يا ابن اللعينة”
غضب فيكتور ليصرخ
“تلك اللعينة لديها كرامة،بعكس والدتك اللتي قامت بإغراء والدي!”
صرخ ايدوارد بصوتٍ اعلى و قد شدّ قميص فيكتور
“ماذا قلت!؟”
اردفت ايزابيل بتوتر
“يا رفاق!اعلم بأنكم جائعين!لكن هذا لا يعني بأن تقتلوا بعضكم!!ايدوارد و فيكتور!انتما من أب واحد!توقفا عن التفوه بالتفاهات!”
افلت ايدوارد فيكتور بعنفٍ مُجبرًا،ليسبقه بخطواتٍ قليلة متسارعة و غاضبة
تنهدت ايفا بإنزعاج تحاول التظاهر بأنها لا تستمع لجدال رفاقها
و ما هي لحظةٌ حتى استشعرت بتلك الرياح اللتي تأتي من يمينها..
انه وحش!
قادم بأسرع ما لديه بإتجاه ايدوارد المتسرع!
اندفعت ايفا بأسرع ما لديها لترمي بجسدها فوق ايدوارد،لحسن الحظ،لم يستطع ذلك الوحش اصابتهما!
كان ذو فروّ كثيف بلونٍ اسود غامق،عينين صفراوتيين براقتين مرعبتين،رباعي الاقدام،و ضخم الحجم..
صرخت ايفا بذعر
“اهربوا!”
ركض الجميع و من ضمنهم ايفا و ايدوارد،صرخ ايدوارد لإيفا اثناء ركضهم
“من اين جاء ذلك اللعين!؟”
امسكت ايفا بيد ايدوارد لتصرخ في رفاقها
“انعطفوا بسرعةٍ لليسار،استطيع رؤية شجرةٍ ضخمة،حاولوا تسلقها كما كنتم تفعلون منذ طفولتنا!لا اضن ذلك الوحش قاردٌ على التسلق!”
بالفعل،بلا تردد،نفذ رفاقها تلك الفكرة،ليتشبثوا بتلك الشجرة،الأمل الاخير،متسلقين عاليا
وصل ذلك الوحش..و بالفعل،لم يتسلق الشجرة،بل تجاهلهم و عاد ادراجه..
بعد بضع دقائق،نزلوا بعد الإطمئنان برحيله،ليقرروا،ان تلك الشجرة،ستكون مبيتهم هذه الليلة
استلقوا على العشب الكثيف،تذمرت تاليا و هي تقول
“اشتقت لفراشي…و لروتين عناية البشرة الخاص بي..”
اردف فيكتور لها
“ما اللذي تتحدثين عنه،اضن بأنني اشتقت للحمام اكثر”
ضحك الجميع ليضيف جاك
“انت محق يا رجل…هذا هو اسوء جزء..”
تسائل ايدوارد بتعجب و هو مستلقٍ بجانب ايفا
“كيف شعرتِ بقدومه ايتهالمختلة؟”
احابته بهدوء
“لا اعرف….سمعت صوته لا غير”
تعجب ايدوارد..لكنه تجاهل هلاوس ايفا الغريبة كعادتها،و خلدوا جميعًا للنوم..
إلا من كان يتألم…
ايفا!
التي ادخل ذلك الوحش احد انيابه في ساقها اثناء هجومه على ايدوارد..