خاتم من الماس و قلب من حجر - 1
لم أكن أتوقع أنني في يوماً من الأيام سوف أجدَ الدمَ يلطخُ بدلتهُ المفضلة، ولا أن أرى عيناه خاليتين من الحياة. كان المنظر من حكايات
الخيال، عندما يكتشف البطل أنهُ لا مهرب له سوى الموت.
لم يكن جُلنار الرجل الذي يتحكمُ بغيره كما يشاء، فقد كان امبراطوراً من سلالة الدم الأزرق الذين لطالما كانوا معروفين بالحِلم و كانت
معظم قراراته تُتخذ بعد الشورهٍ معي و ان لم يكن القرار بمهم فقد كان يفعل ما هو أفضل بالنسبة لشعبة، فكيف لي أن أقف اليوم أمامه و
هو مغمض العينين و شاحب الوجه؟
صوت بكاءِ والدته كان كالمزمار في أذني فقد كانت هذهِ المرأة هي نفسها التي تتحايل على جُلنار في محاولة منها أن تتخلص مني.
كانت في كل يوماً تأتي إلينا ومعها خادمة جديدة، إما أنها ابنة دوق او ابنة امبراطور الجنوب أو ابنة عمه التي لا أحد يحبها و في كل
مرهٍ تحاول أن تجعل جُلنار يقع في حُبها و كأنه ليس لديه زوجه. كان منظر الرفض الحاد الذي يأتي كل مرهً من جهته يجعلني أشعرُ و
كأنني جوهرهً لم يجد مثلها من قبل، فكل مرهً ذهب فيها إلى بلدٍ آخر عاد إليّ بكل الكنوز التي لا يمكن أن يتخيلها المرء و باقات الورد
التي تكون ممتلئة بكل أنواع الورود و الزهور مع الرغم من أنني لا احب اي نوع من هذه النباتات المهترئة، لكن استطعت أن أستفيد
منها بأن أزين قبره العتِم الذي يخفي حقيقة سبب وفاته .
لم يترك جُلنار أي وصيه أو رسالة يوضح فيها سبباً لما فعله فقد كان من أكثر الناس الذين يظنون أنهم سيموتون عن عمر يناهز الثمانين،
وبسبب ذلك ظنَّت أسرته أن هذه الحادثة ليست بإنتحار بل جريمة قتل و المتهم الأول هو: ساليناي، أنا.
الحقيقة المُرّه، أنه لا يوجد سبب لنفي تلك الاتهامات، فلم أكن أنا من الناس الذين يستطيعون إظهار حُبِهم، خصوصًا ان لم تكن تلك المحبة
حقيقة، فأنا لم أكن أحب جُلنار، ولا حتى أطيق النظر إليه، ولكن ليس لدرجة القتل.
تقابلنا في حفلة بمناسبة زواج الملك ألكنسدر لصديقتي جوزيفين، اللتي و إلى الان تعتبر من أقرب الناس إلى قلبي، فقد كنت معها أحتسي
شاي الصباح كل يوم، وأذهب إلى كل بلد على حساب والدها الذي لم يكن يكترث أين نحن مادامه بعيداً عنه و عن عمله، لطالما حلمنا
بالزواج من أُناس ذوي نفوذ عالي و مال كثير، فهذا كل ماكان يهمنا في ذلك الوقت.
بينما هي كانت تتهامس مع صديقاتها اللاتي لم يكن سوى اضحوكة تمشي على الأرض، كنت أنا في مقعدٍ ليس بعيد من عرش الملك،
أحتسي بعض من شاي الجبال؛ لأن رأسي كان قد بدأ في النبض.
صوت الأبواق التي تسببت في صمت الناس لم تساعدني لأرتاح، فقد جعلتني اشعر ان الارض قد اهتزت من تحت أقدامي ولم تكن
لتتوقف لولا نداء الفارس.
” نرحب بحضورِ جلالته، الإمبراطور النبيل: جُلنار ماكستيرلي ”
بتلك اللحظة وجدت الجميع متجاهلين الزوجين اللذان قد ألفت نظرهم إلى مدخل القاعة، فقد اختبأ السجاد الأحمر المقزز، تحت لونٍ ابيض
ناصع ذهب على مرار القاعة إلى أن وصل لدي، فالأول، ظننت أنني قد كنت في المقعد الخطأ، ولكن بعد ما اتجه جُلنار إلىِّ، لم يكن
هنالك آثار غضب في عينيه، بل كانت تأملاً.
لقد كنت مستعدة أن أرفض طلبه إن كان أن أذهب لمكان آخر، ولكنه لم يسأل عن ذلك حتى، بل أمسك بيدي و بكل رقة رحب بي و
كأنني كنت أنا العروس في ذلك الزواج.. كم كنت اتمنى انني كنت مع صديقتي في تلك اللحظة ، فذلك الوجه الذي كان مضيئا بابتسامته و
تلك العينان الرقيقتان هما اللذان قد اعطاني شعور الأمان لأول مرة منذ عشرة أعوام .
بقي جُلنار بجانبي على عرشه يتحدث معي عن كل شيء يخطر في باله، و كأنه لم يتأتي بسبب زواج الملك من الأساس، فلم يفعل شيئا
سوى انه بارك لهما و منها عاد للحديث معي، كان صوته أشبه بالصبيان الذين على وشك البلوغ، فقد كان يملك نعومة تمتزج مع غلاظة
بين كل جملة و الثانية، و كأنه يحاول أن يعدل صوته لكي يُظهر لي أنه أكبر من شكله.
لا ادري ما الذي لفت انتباهي إليه لتلك الدرجة، ألي أنه كان يحكي لي عن شجاعة عائلته؟ أم عن كنوز الدنيا التي كانت تحت سلطته ؟
كل ما أعلمه، أنني في أقل من أسبوع بدأت في ترتيب حفل زواجي.
لازلت أتذكر طريقة تقدمه لي، فقد كان العاشر من كانون الأول، كنّا قد اتفقنا ان نتقابل أمام ميناء المدينة، لقد ارتديت إحدى الفساتين التي
قد اشتراها لي، فستانٌ كان بسيط التصميم، لكن ثمنه كان أغلى من ثلاث لؤلؤات من أعماق البحر.
كان قد تأخر ذلك اليوم، كان موعد لقائنا في الثالثة وخمس دقائق، لكنه لم يأتي إلا السابعة و العشرون دقيقة، كنت في غاية الغضب من
تصرفه، إلا أنه اعتذر لي بإعطائي خاتمَ زواج .. كان هذا الخاتم مرصعًا بالألماس، يبرق بكل حركة له،لم اكن ادري كيف له ان يعرف
حجم اصابعي، فقد كان الخاتم يحتوي نفسه حول البنصر الخاصة بي كأنه ثعبان عثر على فريسته. لم يمر وقت طويل لتجهيز الزفاف،
بل مرة يومين ووجدت نفسي الآن بين الإمبراطور وأهله، الذين كانوا قد اقتنعوا ان لي شأن وسبب في زواج ابنهم المفاجئ .
لم يمر وقت طويل من زواجنا حتى و ان بدأت بالملل من جُلنار وحياته، فقد كان خارج القصر طوال اليوم،يفعل ما يفعله الامبراطور،
بينما أنا بقيت بين تلك الجدران المزخرفة بالذهب والتحف الفنية، كل ما كان علي فعله هو رفع اصبع و سيكون الخدم كلهم تحت طاعتي
.
لقد كان الامر مسليًّا فالبداية، فكنت اطلب ما أريد متى ما اردت، و كله كان يعطى إلي في طبق من ذهب: نقود، ثياب، مجوهرات، طعام،
كله كان بحوزتي، ولكن اين الممتع في شيء يوجد لدى كل الاغنياء ؟
لذلك قد قررت ان اذهب معه أينما ذهب، كان توقعي لهذا الطلب هو الرفض الحاد، فإنه من العادات ان الامبراطور يسافر وحده أو مع
الوزير لعدم تشتت انتباهه، ولكن ..
” بالتأكيد يمكنك، و كيف لي ان ارفض طلب كهذا منك؟”
رده لم يكن متوقعا بالنسبة لي، و خصوصًا عندما لحقته ابتسامة كادت ان تمزق اطراف شفتيه .
” أحمق .”
كم كنت لا أطيق تلك التصرفات المزيفة، كيف له أن يبتسم لي هكذا و ان يتصرف وكأنه أفضل إنسان في الدنيا، هو ليس سوى
امبراطور متعجرف، لا شيء جعلني اتحمله إلا المال الذي كان يجلس عليه بكل سهولة .
” إذهبي و حضّري ثيابك، سوف أسافر غدًا إلى مملكة كازمانا.”
قوله تلك الجملة هو ما جعلني أشعر بالقليل من الحماس، إنها مملكة جوزيفين.
♕ ♔