دعهم يعلمون - 3
“أوراق الوردة الناعمة لا تغير حقيقة أن لها أشواكا حادة”
شمس جديدة تشرقُ…بداية جديدة أو تتِمة لِخطة سابقة
كان ذو العيون العسليَّة ينزل الدرج يَنوي المغادرة لمكان الإجتماع الذي سيعقده رفقةَ كبار الجماعة ، ارتدى ثيابًا غير رسميةٍ ؛ قميص أبيضٌ برقبة منخفضة وبنطال جلدٍ أسود بقبضتين عند الكاحل مع معطف جلد أسودَ وحذاء رياضيّ أبيض
ضحكةٌ صغيرة فلتَتْ من شفتيه دون استئذان ، لو رآه أحدهم لفكر أنه مجنون يضحكُ وحيدا ، لكن الأمر هو أنه ذاهب للإِجتماع مع كبار الجماعة اللّذين هم حقيقةً رفاقه الحمقى من كانوا يسْخرون منه بالأمس ، كبتَ ضحكته بصعوبة وتوجّه لغرفة الإجْتماعات في الطابق الأرضيّ
كانت الغرفة بسيطة مربعةَ الشكلِ ؛ متوسطة المساحة بجدران رمادية سادةٍ تتَوسطها طاولة سوداء دائريةٌ تحيط بها مجموعة من الكراسي المكتبيَّة الجلديَّة وعلى الحائط المقابل شاشة عرضٍ كبيرة وسبورة
دلفَ الغرفة من الباب الآليّ ذو بصمة الاصبع بملامح جديَّة وجلس على الطاولة المستديرة ، كان الآخرون قد اتَّخذوا مقاعدهم بالفعل
“الجميع حاضر إذن دعونا نبدأ الإجتماع”
تحدث جونار وقد اختفت أمَاراتُ المزاح من وجهه وطغَت على تقاسيمه الجديَّة
وقف ريكاردو وتوجَّه نحو شاشة العرض الكبيرة التي ظهر عليها خريطة
“هنا”
نبس يشير بيده لنقطة خضراءَ في الشَّاشة
“اِكتشفت أنَّها مخزن بارود ومتفجرات مهربة حدث بِسببها مشكلْةٌ بين عصابتَين ؛ فتَّم اِخفائها هنا من طرف جماعة موريل ، لا يسْتطيعون اِخراجها أو حتى وضع حراسةٍ عليها كون العصابَة الأخرى تراقِبهم لدى علينا استغلال الفرصة لمصادرتها وانهاء الصّراع القائمِ
تقدر بحوالي عَشرةِ أطنان من البارود و أرْبعةِ أطنان من المُتفجرات
مصنوعة يدويًا مما يجعل تتبُّعها مستحيلا ، ذخلتُ المكان وعاينته بنفسي فلاحظتُ بضع كَاميرات مراقبةٍ عادية دون أي مميزات أو قدرات خاصة”
أردف وعاد لمكانه
“مارأيكَ أيدوس؟”
نبس جونار فيما استقَام الآخر
“كونها يدويَّة الصنع كما أردف ريكاردو لصالحنا ؛ لكن المكان ضيّق والكميةُ معتبرة مِمّا يجعلنا في سباق مع الوقت ؛ المخزن موجود في أراضي واحدة من العشائر الكبرى هنا وبالتالي من الصعب اِذخال عدد كبير من الجنود دون لفت الإنتباه ، كما يجب التعامل مع الكاميرات ، دون اِهمال امكانية أن أصحابه يراقبون الطرق المُؤذية للمخزن و سيجذب أسطول السيّارات نظرهم ويجعلهم يشدّدون الرقابة على كاميرات المراقبة وحتى قد ينشرون قوات حول المستودعِ”
تحدث أيدوس بهدوء فيما أضاف لوفلايس
“زِد على ذلك اِمكانية أنْ يكون هناك شرائح تتبع مدسوسة في البارود و المتفجرات ، أيضًا قد يكون هناك رادار حوْل المستودع أو النطاق الخاص بهِ ويتم رصد سياراتنا أثناء ذخولها مجال المخزن ؛ والمشكلة الأكبر تكمن في أنه تم اغتيال فرد من عشيرة رايس منذ مدة وجيزة لدى هم قد شدّدوا الرقابة على أراضيهم بالفعل”
“ما قولُك جوزفين؟”
اِستفهم باترك يخاطب مخطّطهم الحربي العبقري
“أولاً يجب أن يقوم جيانغ مع جماعته بتمشيط المكان وتبيُّن كل أدواتِ المراقبة والتّتبع ووضع خريطة أمنيّة دقيقة لها مع كيفية تعطيلها ؛ عندها يمكنني حل الباقي بعد أن يمدني كوزموس بمعلومات عن الحراسة التي توفرها عشيرة رايس ومكامن القوة و الضعف فيها حينها فقط يمكنني بناء خطة محكمة للنّفاذ من الثّغرات الأمنيّة المَوجودة لهم
سأبدأ في دراسةِ تضاريس المكانِ و خريطته لأَستطيع حصر الإِحتمالات والطرق”
نبس جوزفين فأومأ له الرفاق فيما رد كوزموس بحماس
“سأنطلق لمعاينة المكانِ اليوم ؛ لديّ بالفعل صديق من حُلفاء العشيرة”
وأضاف جيانغ بجدّية
“وأنا سأبدأ العمل على موضوع الرّقابة فورًا ؛ لكن لديّ أمرٌ مهم لقولهِ”
وقف باِتجاه الشّاشة وعرض عليها سجلّا لآخرِ محاولات اِختراق لنظام الجماعة وأركانها
“في الفترة الأخيرة منذ شَهر أو أكثر ؛ لاحظت أن محاولاتِ الاِختراق من بريطانيا استهدفتنا بشكل مكثّف وملحوظٍ ؛ ما يُثير شكوكي أكثر هي أنها جميعها من الساحل الإنجليزيّ الشرقيّ أيْ أنه نفس الشخص غالبا مع تَمويه على مكانه ، بحثت خلف المَوضوع أكثر ووجدت أن المنطقة تابعة لعشيرة ذات سمعة في المافيا…عشيرة عريقة تحترم تقاليد و أعراف العالم السفليّ لكنها لم تُزامن التطور الحاصل في عالمنا لدى هي مهمّشة نوعا ما ، أيضًا تعثرت التّجارة عندهم لهذا هم غالبا يحاولون اِختراق نظامنا لمعرفة أساليبنَا في العمل وسَلاسل التوريد باِعتبارنا الجماعة الأُولى من حيث الأرباح”
“تقصد من حيْث كلّ شيئ”
نبس ديفين بتفاخر يُقاطعه فاِنفجر الرّفاق ضحكًا ؛ لقد أحرزوا تقدما بالفعل عندما قضوا ساعتين كاملتينِ دون أن يُدلي أحدهم بتعليقٍ سخيف
بعد نوبة ضحك جماعية هدأ الكل ؛ تحدث باترك بأرياحية مفرطة مقارنة بالوضع لكن بدا الأمر أن جميعهم لايلقون بالا له
“حسنًا سأتولى الأمر بنفسي وأحقق به ، أساسا لديّ عمل في بريطانيا قريبا لهذا سأتدبّر الأمر بشكل ممتاز”
“جيد”
علّق جيانغ يعود لمكانه فيما استقام ريستوس نحو الشاشة
عرض مجموعة مخططات وبيانات لذخل الفرقة وأرباحهَا
“لقد اِرتفع ذخلنا خلال الشهر الفارط ببادرةٍ جيدة بسب مقاطعة شركة الأفلام المعروفة بعد فضيحتها الأخيرة ، فقد توجّه المزيد إلى المستخدمين إلى المنصّة التي ندعمها باِعتبارها منافسًا قويا لها..أيضا حصلنا على أرباح معتبرة من مزاد السيارات الذي أقيم يوم أمسٍ
تعترضنا بعض المشاكل بعد انهيارِ عصابة رايمون والخيانة التي حدثت فيها ؛ فقد تعثرت أعمالهم وتوتّر الوضع في الطرق التابعة لهم نتيجة الاِنشقاق الذي حدث ؛ مما يهدّد مصالحنا وشراكتنا معهم على المدى البعيد والقريبِ
لدى علينا البحث عن بديل موثوق بسرعة في حال اِنهارت عصابتهم ؛ كما علينا التحضير لاِجتياح مناطق نفودهِم ”
“ما قولك كاباليرو؟”
تَسأل جونار يوجه حديثه لخبير أمور المافيا الذي وقف بشموخ يُخبرهم
“تولّوا البحث عن بديل وتجهيز القوات للإجتياح لكن دعونا نحاول أن نتوسط لهم ؛ هذا لن ينقذ شرَاكتنا معهم وحسب بل سيساعدنا للاِندساسِ ذاخلهم وأن نصبح من المُؤثرين على قَرارات العصابة المستقبليّة فنوجّههم بالطريقة التي تُناسبنا”
“رأيٌ سديد”
أومأ جوزفين ووافقه الآخرون
“أيمكنك تولي أمر التوسط فيما بينهم كاباليرو؟”
نبس باترك بتساؤل
“أجل قمت بأشياءَ مماثلة ولن يكون الأمر صعبا عليّ”
أردف المستشار بثقة
تابعت المجموعة مُناقشة بعض المواضيع الجانبيّة واِستعراض بعض الفرق التي قد تحل محل مجموعة رايمون
“إذن هل ننهي الإجتماع عند هذه النقطةِ؟”
اِستفهم باترك فأومأ له الآخرون ، كان منتصف النهار قد حل بالفعل
“يا إلاهي تصلّبت عظامي وكدت أتعفن ؛ خشيتُ أن أموت قبل أن ينتهي الإِجتماع”
نبس كوزموس بدراميته المعتادة وهو يسير في الرواق الأرضي الطويل مع الرفاق
“كل الشُّكر لديفين كونه قال شيئا سخيفًا ؛ كادت عيني تخرج من مَحجرها من فرطِ الجدية”
أضاف أيدوس بسخرية
“من سيعد الغذاء اليوم؟”
أردف جيانغ بتساؤل
“دبّر نفسك من المطعمِ لا أحد موجود ليطبخ لك ؛ الجميع متعب”
رد جونار يطقطق عظام رقبته بكسل
وسط تذمراتهم مرّ عليهم باترك بكامل حيويتهِ ونشاطه
وقفوا في صمت يراقبون ظهره يختفي ؛ عندها نبس ديفين
“ما بال هذا الرجل لا يتعب أبدًا؟”
هز الآخرون أكتافهم فلا أحد يعرف جواب هذا السؤال ؛ فيما رد جوزفين بنبرته الحكيمةِ الرّزينة
“هو يَستمتع بما بفعل ، ويجد السعادةَ في العمل عكسكم”
“أرجوكَ أتحِفنا بسكوتك يا حَفيد بونابارت”
نبس لوفلايس يقلب أعينه بضيق ؛ لماذا من دون كل الناس كان عليهم أن يختاروا هذا العجوز في عمر الخامسة و العشرين ليكون مخططهم الحربي؟
نظر له جوزفين باِستعلاء و زفر بملل يجيبه
“لا أعرف كيف تكون مهووسًا بالتحف ولا تفهم في التاريخِ ، دعني أُثقّفك وأملأ عقلك الصغير بمعلومة صغيرةٍ
نابوليون ذو أصول إيطالية لدى أنت أيضا تكون من أحفاده يا عزيزي الإيطاليّ لوفلايس”
اِبتسم جوزفين آخر كلامه بتكلّف فيما نظر له الآخر بفزع ؛ هو وهذا الكوالا قَريبان؟ لا مُستحيل هو يفضل أن يكون أخ كوزموس ملك الدراما على هذا
كانوا بصدد اِكمال نقاشهم عندما استوقهتهم طريقة سير كودو
كان يسير على أطراف أصابعه دون أن يحدث صوتا كشبح تماما
“هل كان معنا بالإجتماع؟”
تسأل جونار باِستغراب فيما رد عليه جيانغ
“طبعًا ، لقد جلس إلى جانبي”
“شباب من لديه دليل على أن هذا الشاب بالفعل بشر حيّ وليس روح أو ساحرا أو شيئا من هذا القبيل؟”
نبس ريكاردو بقلق
توجّهت الأنظار لجيانغ الذي أخبرهم يرفع يديه باِستسلام
“لا تنظروا إليّ ؛ تكلمت معه لمرة واحدة طوال سنتين أو أكثر من مشاركة الغرفة ، لدى معرفتي به أقل من مَعرفتكم حتى”
أعادوا نظرهم إلى كودو فوجدوه قد اِختفى بالفعل ، جوّ من عدم الرّاحة خيم عليهم ؛ لقد بدأوا يقلقون حياله حقا
قلب جوزفين أعينه بملل يقول بسخرية
“لا تكونوا حمقى حتى لو كانت الأشباح حقيقيةً..ما الّذي قد يجعل شبحا يعمل مع الياكوزا ثم المافيا وينفق عشر سنوات من عمره في التدريب؟ لا ولديه أختٌ أيضا ، كل ما في الأمر أنه قناص ويجب أن يملك طبيعة هادئة لينجح في عملهِ”
هز الرفاق رؤوسهم ببطئ يحاولون اِقناع أنفسهم بكلام حفيد نابليون المنطقي
“لكن الصّينيين معروفون بإيمانهم بالحياة بعد الموت والتجسيد وتناسخ الأرواح..كما يجيدون السّحر والشعودة ربما يكون روحا تجسّدت بالسحر”
أردف جونار بقلق
“باترك خرج مع أختهِ بالأمس”
نبس أيدوس
“ماذا؟؟؟”
صاح جونار بصدمة
“للمرّة المليار إنه ليس صيني هو يابانيّ..ياء ألف باء ألف نون ياء
ياباني وليس صيني”
نبس جيانغ بصراخ وبدا على حافة الجنون
“ياباني أو صيني أو كوري ؛ كلكم نفس الشّخص بتسميات مختلفة أنتم فقط تُحبون تعقيد الأمور”
تحدث ديفين بملل
بدا جيانغ كمن أصيب بانهيار عصبي فيما تابع الباقون نقاشهم غير مكترثين له
“هاي أنت أيدوس هل أنت متأكد أن باترك خرج معها؟ هل يَنوي الزواج ولم يخبرني؟”
استفهم جونار بدرامية وكأن كوزموس تلبسه
“من لَعب بالإعدادات؟هل تلبّسك كوزموس أم ماذا؟”
نبس ريكاردو باستهجان
“معذرةً عزيزي ، شرفٌ له أن يقلدني ثم إنّه ممثل سيئ وليس ممثلا قديرًا مثلي”
تكلم المعني بتعالي لكن الرفاق كانوا في كوكب آخر
“طبعًا متأكد ؛ أتعلم ما الجُزئية الأسوء؟ لقد تم رفضه غالبًا بل لقد عاملته كطرف ثالثٍ حسب قوله وفضّلت كاتب قصص أحمق عليه”
شهق جونار بآسى يقول
“كلّ هذا حصل لإبني ولم يكلّف أحدكم نفسه عناء إخباري؟ لما لم تقولوا هذا سابقا ؟ كنت سأبرحُ أخاها ضربا بدلا عنها ، ثم هي الخاسرة وأساسًا أنا لم أكن لأقبل بها كزوجة لباتِرك حتى لو وافقت فهي ستضيّع جيناته الرائعة هباءًا على كل حال”
هز الرفاق رأسهم بموافقة لكن كوزموس لم يستطع منع نفسه من التعليق قائلا
“لا أظنّ أنه سيطلب رأيكَ في زواجه مستقبلا على أية حال”
حدجه المعني بنظرة ساخطا يخبره
“ليس الجميع أولادًا عاقين وناكرين للجميلِ مثلك”
كان كوزموس بصدد الإنقضاضِ عليه في حين نظر لهم جوزفين باشمئزاز فيما نبس ريستوس بنبرته الآمرة ينهي النقاش
“تحرّكوا إلى أعمالكم وكفى مماطلة”
أومؤا له واِنصرف كل إلى عمله لديهم الكثير من الأشياء ليقلقوا حيالها بالفعل
في هذه الأثناء كان باترك قد ركب سيارته الفارهةَ وكعادته حرص على أن ينسقها مع ثيابه ألقى بسترته في المقعد الخلفي وانطلقَ ، أولاً سيذهب إلى إيفان ليحل له مشكلة الهجمات الأمنية.. أو إيف كما يحب أن يختصر اسمه ، كان أكثر براعة من جيانغ في الاختراق وحتى في نظره المُخترق الأول عالميا لكنّه لم يكن يعمل مع باترك لقد كان صديقا ، لدى كان يستعين به في الأمور المستعصية لا غير
بعدها سيرتب أمور سفره لبريطانيا و أخيرا سينظر في أمر عملية السّطو ، كما يجب عليه إيجاد مفاوض جيد لإرسالهِ رفقة كاباليرو إلى عصابة رايس ، كان يملك بالفعل فكرة عمن يريد إرساله لكن عليه أولا إستمالته لجانبه
وصل جامعة موسكو وتوقف عند المخرج ينتظر أن يلمح صديقه ذو العيون الألماسية والملامح الملكية كما يسميه
بطريقة ما إيفان كان يبدو لامعا وسط الحشود شاهده ينزل الدرج الطويل يتجه ناحيته لقد لمحه بالفعل ربما كان هو الآخر مميزا في عيون إيف أو أن صديقه دقيق الملاحظة وحسب
“هل اِشتقت إلي بهذه السرعة حتى أنك لم تطق صبرًا وجئت لإنتظاري أمام الجامعة؟”
تحدث إيفان بسخرية يعانق باترك الذي بادله العناقَ ونبس بتعالي
“حاشاكَ لديّ مصلحة منك لهذا جئت لأراك”
فغر المعني فاهه مدعيا الصدمة يعبس بغضب
“إذن أنا أرفض مساعدتكَ أيّها المستغل”
كتّف يديه بضيق فأردف باترك ينكز كتفه
“هيا أنا أمازحك لديّ مصلحة منك لكني اشتقت لك أيضًا ؛ كما جئت لأودّعك لأني سأذهب إلى بريطانيا لشهر من الزمانِ”
“ليس الأمر كما لو أنني سأشتاقُ إليك أيها الشرير”
نظر له ذو الملامح الملكية بجانبية ثم أرخى يديه وتحدث بجدية
“جئت لأجل موضوع الهجماتِ البريطانية أليس كذلك؟ لقد جلبت لك ما تحتاجه بالفعل”
قالها يتوجه نحو باب راكب السيارة فتحه ودلف فتبعه باترك أخذ الحاسوب الموضوع في الكراسي الخلفية وأردف
“اُنظر الهجمات كلها على الساحل الشرقيّ بالتحديد من هوستينج ، جميعها تمت من قبل نفس الشخص في نفس المكان و من نفس الجهاز
ينتمي هذا الشخص إلى عشيرة دايس وهي عشيرة مافيا صغيرة عريقة نشأت منذ حوالي نصف قرن انبطقت عن عائلة نبيلة…إنّه يحاول الوصول إلى الحسابات البنكية ، العملاء وحتى أعضاء جماعتك ومعلوماتهم
تريد هذه العشيرة الإنضمام إلى العشيرة الحاكمة للمافيا آل فاربيتن وبالتالي هم بحاجة إلى اِثباث قوتهم وكفأتهم ؛ جماعتك أحدثت جلبة في عالم المافيا لبراعةِ أفرادها وسرية أعمالها لدى فهو غالبا يريد سرقة أموال وعملاء وحتى أعضاء من الجماعة إن أمكن
هذه معلومات العشيرة ، اِخترقت أجهزة عدّة أفراد كبار ومهمين فيها وجمعت لك ما يكفي من الثغرات والمعلومات الأمنيّة ، يمكنك ارسال جواسيسك بأمانٍ”
أردف يناوله شريحة رقمية
نظر له باترك بشكر ثم أردف بسخرية يدعي الغضب
“لما لم تخبرني بهذا بالأمسِ ما دمت جهّزت كل شيئ بالفعل وجعلتني آتي اليوم؟ هل اشتقت لرؤيتي ورؤيةِ روعتي؟”
رسم ابتسامة آخر كلامه وراح يخلل أصابعه بين خصلاته الكسثنائية باستعراض
نظر له الآخر بقرف وقال باستهجان
“أولا ؛ أنت من تحدّث أمس كثيرا كعجوز في السّبعينَ من عمرها عن كل شيئ تافه وعن دوق أحمقَ ولم تدع لي فرصة للحديث ، ثانيًا ؛ أحتاج رؤيتك كثيرا هذه الفترة لأني أتبع حميَة غذائية وأنت تسد نفسي عن الأكل بشكل ممتاز”
أخرج لسانه آخر كلامه فيما لكم باترك كتفه بسخط ورد
“لا عليكَ لم يولد كل الناس بذوق جيد”
كشر ذو العيون الرمادية ملامحه ثم أردف بهدوء
“وصلتني معلوماتٌ في شأن آل فاربيتين ؛ هل تود أن تسمع؟”
نظر له بدفئ فبادله باترك نظرة عميقة…هذا الصّديق متفهم و مراع بشكل مريع ، أشاح بنظره للناحية الأخرى ونبس
“إيفان”
“نعم؟”
أومأ المعني بتساؤل
“أنا أكرهكَ..أنت مزعج ورائع ومتفهم وتجعلني أحبك”
نبس باترك وقد عاد بنظره إلى إيفان الذي مسح على خصلاته الشقراء المائلة للبياض بغرور يخبره
“أعرف أنني رائع وأنك معجب بي وتغارُ مني..لا تقلق لست الوحيد في هذا ، هناك الكثير غيركَ”
أنهى كلامه بابتسامة أظهرت غمازاته هز باترك رأسه بقلة حيلة ونبس
“هاتِ ما عندكَ صديق”
“حسنا تمّ التخلي عن آل فاربيتن من طرف مجموعةِ روتشستر التي كانت تعتبر شريكا استراتيجيًا لهم ، انضمت هذه الأخيرةُ إلى آل مالروني العدو اللدود للفاربيتن ، كما تعلم هناك منافسة مشتعلةٌ بينهم على حكم العالم السفلي”
“كيف وضع آل فاربيتن؟”
سأل باترك باهتمام
“حسنا إضافةً إلى الخسارة الكبيرةِ ؛ هناك تصدّع كبير في العشيرة..هنالكَ من يريد إغتيال الوريثِ..من أفراد العشيرة”
نبس إيفان بهدوء فيما نظر له باترك بصدمة صمت طويل مرّ ، لم يحاول قطعه فهو يعلم مدى شدة وقع الأمر على صديقه أن تتصدّع عشيرة الفاربيتن وتسقطَ…يعني أن يُصبح كل ما فعله بلا جدوى..لا واِنشقاق العشيرة واللّجوء لإِغتيال الوريث هذا كثير جدا
نظر إلى إيفان وسأل بقلق
“من هَذا الذي يريد إِغتياله؟ كيف عرفتَ؟”
“اِخترقت حساب اِبن الأخ الأصغر للزعيم الحالي ووجدت أنه قام بمراسلة فَامداس هاريمان..السّفاح الأمريكي ، سيذهب الوريث قريبا لبريطانيا كما تعلم لإِجراء محادثات مع العشائر الكبرى هناك والعصابات الأخرى ليحاول تعويض خسارة جماعة روتشستر ، لقد أرسل له رسالة واحدة فحواها
(عند عين لندن ، الواحدة صباحا ؛ يوم الميلاد)
لا أعلم لكن لما قد يراسل أحدهم فامداس هاريمان إلا لعملية اغتيالٍ؟ هو سيرافق الوريث باِعتباره أكبر أبناء عمومته والمرشح لكرسي الزعامة من بعده فأخ الوريثِ غير الشقيق مزال صغيرا لتولي الأمر ، أي من السهل عليه جرّه إلى المكان المتفق عليه في الوقت المناسب ولن يكون قادرا على مواجهة الاثنين معا هذا إن لم يكن هناك دعم و هاجموه جماعة”
رد بقلق
“هو غالبا يريد اِغتياله ليحصل على كرسي الزعامة؟”
نبس باترك بتجهم
“دون شكٍ ، إن قتل الوريث في هذا الوقت ؛ فقد يحالفه الحظّ ويعين زعيمًا لفترة مؤقتة ، ستكون كافية على الأغلب ليتخلص من الوريث الآخر”
أردف ذو العيون الألماسية بضيق
“لا تقلق نفسك كثيرا باترك ؛ ستذهب إلى بريطانيا على كل حال يمكنك اِحباط مخطّط الإغتيال ، أنا واثق من أن جهودك لن تضيع سدى بهذه البساطةِ ، إنه عمل فردي غالبًا لا أظن أنه تمرّد جماعي ؛ ثم إن والده قويٌ لا أظن أنه سيغفل عن توفير الحماية الكافية لإبنهِ”
أضاف يهدئه
تحدث باترك وهو يمسح على وجهه يدلكه بعنف
“أجل هو عمل فرديّ غالبا ، حتى إن كان جماعيًا لن أدعهم يقلبون عالم المافيا ويضيعون تعب سنوات من عمري ، شكرا لك إيفانو لولاك ربما ما عرفتُ بالأمر و اِنهار كل شيئ أمام عيني شكرا لك”
“لا عليكَ هذا واجب الأصدقاء ، وضعت لك كل شيئ في الشريحة كن مطمئنًا”
غمزه آخر كلامه ، ثم فتح باب السيارة قاصدًا النزول
“إلى أين؟ دعني أوصلك”
نبس باترك
“لدي محاضرة مسائية”
رد الآخر بملل وهو يرتب ثيابه
“ماذا؟ إذن لما خرجتَ من الجامعة؟”
سأل ذو العيون العسلية وفي عينيه نظرة شك
“ربما ولأني وعن طريق الصدفة بالكامل وبسبب الملل خلال وقت الفراغ ؛ قررت أن أتتبّعك لأرى أين أنت وعندما وجدتك توقفت أمام الجامعة لفترة طويلة قرّرت النزول إليك لأرى ما يمكنني المساعدةُ به”
قالها بها ببرائةٍ كما لو أنه لم يفعل شيئًا يهدّد أمن جماعة باترك كاملة ولأجل ماذا؟ لأنه شعر بالمللِ
فغرَ باترك فاهه بصدمه ومدّ يده يحاول الإمساك بالآخر الذي هرب وقطع الطريق وصولا لدرج الجامعةِ الطويل
“سنتفاهم على هذا لاحقا”
صاح باترك فرد عليه الآخر مستهجنا
“ما خطبك يا هذا ؟ أردت الإطمئنان عليك وهكذا ترد علي؟ أيها الجاحد المستغل”
انطلق باترك بسيارته البيضاء بعد أن أشار للآخر يتوعّده بأن يقتله بلغة بالإشارة فسيفزع الناس إن صاح بها
فتح سقف السيارة وترك الهواء يلعب بشعره ، اتجه لمطار موسكو الدولي حيث حجز في أول طيارة متّجهة إلى بريطانيا باِسم مستعار ؛ لا يجب جذب الأنظار له سيذخل بريطانيا بشكل سري بالكامل ويحل المشاكل التي ظهرت من العدم هناك ، حتى لو لم يكن معروفا فهو لايود ترك أثرٍ له ؛ من يعلم قد يكون أحدهم محظوظًا بما فيه الكفاية ليريط الخيوط ويصل إليه والوقاية خير من العلاج كما تعلم
عاد لمقر الجماعة ؛ طائرته عند التاسعة مساءًا أمامه ست ساعات لينظر في أمر المستودع ويحزم أمتعته
رنّ هاتف السلك في مكتبه تزامنا مع إغلاقه لبابه ؛ توجّه نحوه ورفع السماعة فوصله صوت الطرف الآخر
“مرحبا باترك ، نريد جدولةَ اِجتماع مستعجل لمشاركة ما توصلنا له عن المستودع متى يكون مناسبا لكَ؟”
“الآن”
نبس باترك بحماس ، فصمت جونار بصدمة وأردف
“حسنا أراك في غرفة الإجتماعات خلال عشرِ دقائقَ”
أنزل السماعة ودلف خارج المكتب
اِتخذ مقعده على الطاولة المستديرة ؛ كان الرّفاق قد وصلوا بالفعل ثوان حتى وصل كوزموس الذي من الواضح أنه جاء راكضًا
“شباب ليس هناك وقت علينا اجتياح المستودع بحلول الغد”
تحدث يستجمع أنفاسه
“لما كل هذه العجلةِ؟”
أردف باترك
“سيتم زيادة التعزيزات الأمنية للمنطقة من طرف عشيرة رايس
بحلول نهاية الأسبوع كونهم على وشك بدأ مفاوضاتٍ مع عشيرة ريز ؛ ستكون أراضيهم مفتوحة وأقل تشديدًا على الذخول غذا يمكننا دسّ الجنود بطريقة ما قبل غروب الشمس”
قال على عجل
“رأيٌ سديد ؛ اِذخال شاحنة كبيرة أو سيارتي سفر غذا سيكون سهلا يمكننا الإكتفاء بخمس وعشرين جنديًا لنقل الحمولة وسيكونون قادرين على اِتمام الأمر مابين خمسة عشرة إلى عشرين دقيقة”
رد لوفلايس بتركيز
“بالنسبة لي فقد صممت بالفعل خطة لاستعمال الطريق الرئيسي هناك ، عندها لن يتطلب الأمر سوى عشر دقائق للوصول للمستودع كما يوجد طريق خلفي يمكن استعماله للهروب في حال تم الامساك بنا ، إن سار الأمر على ما يرام ولم تشعر بنا جماعة موريل فيمكننا العودة من الطريق الرئيسي وبهذا نبعد عنا الشبهات عند عشيرة رايس”
تحدث جوزفين يقلب أوراقه
“بالنسبة لي فيوجد بالمستودع كاميرة مراقبة عند الباب شديدة الحساسية ، لا حقل مغناطيسي ولكن من اختراق كاميرات المراقبة عند الشارع لاحظت أن الرجل العجوز الذي يسكن قريبًا من هناك ينظر إلى المستودع كثيرا من نافدة بيته لدى علينا التعامل معه
كما لديه عشر كاميرات مراقبة في بيته وعدد معتبر من الهواتف بأنواعها لدى هو حارس المستودع غالبًا”
استرسل جيانغ بهدوء يوجه نظره لجونار الذي قال بدوره
“شكرا لك جيانغ ، ما قولك جوزفين كيف نتعامل مع الرجل العجوز؟”
“حسنا ، أخبرني جيانغ بالأمر بالفعل و وضعت تخميناتي حياله ، هو لا يكون رجل عجوزًا من الأساس وإنما ممثلا متنكرا ، كونهم يضعون كاميرات وهواتف كثيرة شديدة الحساسية سيعرفون إن قمنا بتعطيلها بموجة تشويش لدى فصل الكهرباء حل أفضل ، بالنسبة للحارس يجب إلهائه كما سيكون ممتازا لو استطعنا تقليد صوته بالتصيد الاحتيالي للرد على الهاتف في حال اِتصلت الجماعة للاستفسار عن انقطاع التيار الكهربائي
لكن قطع التيار سيجذب الشبهات إلينا قد تلاحظنا عشيرة رايس لدى علينا قطع التيار عن البيت والمستودع فقط ، والشارع القريب للحظة إن تطلب الأمر
بالنسبة للجنود لنذخل عشرين جنديا وحسب في سيارة رحلات في سيارة أخرى سنضع خليطا من الصبيان و الشباب ليبدوا الأمر أكثر واقعية
بالنسبة للشاحنة فأرى أن نذخلها على أساس أنها سيارة لنقل الأمتعة ؛ فهذا الوقت من السنة مخصص للإنتقالات ونضع بها أمتعة يمكن اِخفاء الشحنة بها في حال تم تفتيشها”
أردف جوزفين بهدوء
“مارأيك أيدوس هل ترى الأمر ممكن لنقوم به غذًا؟”
نبس جونار بتساؤل
“أجل يمكن القيام بالأمر غذا إن تم توضيح كيفية التعامل مع الحارس أكثر فهي لازالت مبهمة بالنسبة لي”
وجه كلامه لجوزفين الذي رد
“جمع عنه جيانغ معلومات بالفعل ، إنه يحب الفن ؛ الرسم على وجه التحديد ، معجب بدافينشي ، نصف إسباني ، لديه أم مريضة يرسل لها المال ، لم يكن له صلة مع عالم المافيا قبلا ، هو كهل لكن شعره مبيض لازال بصحة جيدة نوعا ما للقتال ، عضو في جمعية الحي للفن ورئيس لهَا
معلومة أخرى هو يميل للمذهب الهندي ؛ لمذهب المهاتما غاندي لدى يمكن استغلال هذا ضده عند اِنقطاع التيار ببعض خزعبلات القناعة والهدوء والسلام النفسي”
نبس جوزفين يوجّه كلامه لأيدوس الذي أومأ فيما قال لوفلايس
“حسنا سأذهب إلى مقر المجندين بعد الإجتماع لاختيار عشرة رجال أقوياء لا يظهر عليهم ذلك وبضع صبيان وشباب ذوي ملامح مسالمة ومتقاربة ليبدوا من عائلة واحدة”
“سأبحث عن شخص سلس في الكلام وأثقفه حول مايجب أن يعرف للمهمة رفقة لوفلايس”
تحدث أيدوس بجدية وأومأ لوفلايس
“سأرتب المخطّط الأساسي وأوزع المهمات على المجندين غذا”
تكلم جوزفين
“وأنا سأتولى قطع التيار ومراقبة المذاخل وأجهزة المسح والترصد”
أضاف جيانغ
“ممتاز و أنا سأذهب لبريطانيا الليلة”
أردف باترك
“لما أنت مستعجل ؛ هل الأمر أخطرُ مما يبدوا؟”
سأله جونار بقلق ونظر البقية إليه بترقب
“لا ليس كثيرا لكنه أزعجني حقا ، كما علي البحث عن مفاوض جيد لإرساله إلى جماعة رايمون رفقة كاباليرو ، زد عليها أعمالي في بريطانيا لهذا قد أحتاج شهرا كاملا لإتمام الأمور”
نبس باترك بابتسامة
“يا إلاهي باترك أيها المسكين ، ستكون مضطرا للعيش شهرًا كاملً دون وسامتي وروعتي وحذاقتي ، تعازي لكَ أرجوا أن تصمد سأحاول زيارتك صديق”
تكلم كوزموس بدراماتيكية وهو يضم يدي باترك كجدة تودع حفيدها الذاهب للساحة المعركة
ضحك باترك بخفة فيما نظر الآخرون لكوزموس بملل وقال أيدوس بسخط
“تعني سيزيد وزنه أخيرا وترتاح نفسيته بعد أن تَغرب عن وجهه لشهر كامل ، لن يرى وجهك القبيح لشهر ؛ أنا أحسده حقا”
“أيها الحسود الغيور ؛ قل ما شئتَ الكلاب تنبح والقافلة تسير”
صاح به كوزموس باستهجان
“هيهيهي لا تحاول اِضحاكي ، لو لم تكن جبانا وعديم الحجَّة لأوقفت القافلة وأسكت الكلاب ثم تابعت المسير ، يا حفيد سقراط”
رد عليه أيدوس بتحد
“اِصمتا كلاكما ولينقلع كل لعمله نحن مشغولون بالفعل”
صرخ بهما ريستوس بصوته الخشن الذي يجعل الرعب يذبُّ في القلوب ، فأوقفا الشجار و سارع الجميع في المغادرة لإنجاز عمله
دلف باترك غرفته لتجهيز حقيبته على جناح السرعةِ ؛ بقيَ ثلاثُ ساعات على الرحلة ويحتاج ساعة للوصول للمطار
مطار موسكو الدولي
الثامنة والنصف مساءا بتوقيت وسط أوروبا
زفر باترك بضيق وهو يجلس على الكرسي في قاعة الإنتظار
من المزعج ركوب الطّائرات العمومية و بدرجة اقتصادية أيضا ، لكنه مضطر بهذه الطريقة لن يلحظ أحد ذخوله إلى الأراضي البريطانية ولن يترك أي دليل يوصل إليه خلفه
“ليتوجه ركاب الطائرة الثالثة عشرَ المتّجهة إلى لندن إلى الممر السابع”
صدح صوت المذيعة في كامل المطار ، جرّ باترك حقيبته يتجه للممر كما طلب منه وقد ارتدى بنطال رمادي رياضي مع هودي يماثله في اللون وغطى رأسه بقلنسوته وأسدل غرته لتغطي عينيه وأكمل إطلالته بكونفرس أسود
وقف في الممر وتم التأكد من أوراقه الثبوثية ومر دون مشاكل صعد الطائرة واتجه ناحية مقعده ؛ ولسوء حظه كرسيه كان في الوسط ، قدره أن يجلس إلى جانب رجل عجوز مكشر الملامح وسيدة لا تنزل عينيها عن المرآة ترسم على وجهها بمستحضرات التجميل كما لو أنها تخط على لوحة زيتيه
جلس باترك بهدوء بينهما ، وضع وسادة الأسفار عند رقبته وأنزل غطاء العين الذي قد رفعه على شعره وأخفاه بالقلنسوة سابقا ليغطي عينيه به
اضافة إلى ثيابه ، ملامحه الطفولية ومنظره الفوضوي ؛ جعله يبدوا شاباً أحمق لم يخرج من مرحلة المراهقة بعد ، ولو رآه أحدهم على حاله هذا وأخبره أنه من المافيا لنقله إلى مشفى مجانين
مرت ساعتان من الزمن ، كان باترك نائما عندما أحس بثقل على كتفه ، أزالَ غطاء العين وهو شبه نائم وإذا به يلمح صلعة لامعة محاطة ببعض الشيب على كتفه ، استعمل ذلك العجوز كتفه وسادة
ولكونه نصف نائم فلم يستطع اِستيعاب ما على كتفه فصرخ بفزع وأرعب كل الطائرة
“ما الأمر سيدي ؟ هل أنت بخير؟”
نبست المضيفتان تخاطب باترك الذي كان يغطي وجهه بخجل فيما العجوز يمسك قلبه على وشك أن يموت أما السيدة بجانبه فقد أغمي عليها من الخوف ، رغم أنه لا علاقة لها بالموضوع ولم يخفها شيئ…تهويل النساء للأمور لا عليك
“سيدي هل كل شيئ على ما يرام؟”
نبست المضيفة تخاطب باترك تحركه فرد بصوت مكتوم وهو لازال يغطي وجهه بيده
“هل يمكنني تغيير مكاني؟”
“لحظة من فضلك سأرى إن كان هناك مقاعد شاغرة”
أردفت وتوجهت لقمرة قيادة الطائرة
أخيرًا استعاد العجوز أنفاسه وقال مخاطبا باترك يوبخه
“يا لك من شاب طائشٍ لم تعجبني منذ رأيتك في قاعة الإنتظار ، كيف تصرخ كإمرأة رأت فأرًا فقط لأني نمت على كتفك؟ هل أنت همجيّ؟ ألا يمكنك إيقاظي بهدوء وحسب ؟ جيل فاشل ؛ كيف تعامل شخصًا بعمر والدك بهذه الطريقة؟”
بزق عليه العجوز كلامه فحاول الرد بأكثر رد مؤذب خطر على باله
“أنا لست وسادة لتنام علي أيها العجوز الخرف أولا ، ثانيا لا أحتاج أن يُعجب بي خرقة مجعدة مثلك فأنت واحد من اللذين لم يحضوا بنعمة الذوق الجيد وهذا واضح على ثيابك ، ثالثًا أبي ليس عجوزا بصلعة لامعة و أخيرا جيلكم هو من ربانا نحن الجيل الفاشل ، فنعم أنتم جيل فاشل لهذا أنتجتم جيلا فاشلاً مثلكم”
نظر له كل من المضيفة والمرأة التي استيقظت من اِغمائها توا بصدمة ، فيما عقد لسان العجوز من كمية الإهانات الهائلة التي تلقاها توا
وصلت المضيفة الآخرى وخاطبت باترك
“هناك مقعد شاغر ؛ أتود الإنتقال إليه سيدي؟”
“أجل ؛ شكرا لك”
نبس باترك ونهض من مكانه يتبع المضيفة يتجاهل العجوز الذي يلقي عليه بالإهانات
وصل إلى المكان الشاغر رفقة المضيفة ؛ كان في نهاية الطائرة جنب طفلة صغيرة وعجوز غير مريحة …هو يكره العجائز عامة لا يطيقهم لكن لم يشعر أنه متضايق من حقيقة أنها عجوز بل من ملامحها
جلس بكل هدوء في مكانه وأخفض عصابة العينين ليتابع نومه فلازال أمامه ساعتان ليصل
ما كاد يغمض عينيه إلا وشعر بالعصابة تُزاح ، فتح عينيه بانزعاج ونظر للطفلة التي تدعي الإهتمام بلعبتها أعطاها نظرة ساخطة وغطى عينيه مجددًا ، ثوان كُشف غطاء عينيه مرة أخرى هذه المرة لم تهرب الفتاة بل نظرت إليه بأعين بريئة وقالت
“أرجوك يا عم إلعب معي”
كان ينظر سخطا عليها بالفعل وكلامها زاد الأمر سوءًا
هل يغضب كونها أيقظته لأجل شيئ تافه كاللعب معها أم لأنها نادته بالعم فشعر أنه عجوز على مشارف الأربعينَ؟
“أين أمك يا صغيرة ؟”
نبس بانزعاج فأشارت الطفلة للكرسي الأخير من جهتها كانت أمها نائمة بفوضوية بجانبها ابنها الذي كان يضع قدميه عليها يغط في النوم هو الآخر
شعر باترك بالشفقة على الطفلة فمن الواضح أنها حصلت على أم أروع من اللازم ، لكنه بحاجة للنوم ولديه جبل هموم على رأسه ليزيحه بعد وصوله بريطانيا زفر بضيق ورد
“ماذا تريدين أن تلعبي أيتها الصغيرة؟”
“أريد أن ألعب لعبة الأم وابنها”
نبست ببرائة وابتسامة لطيفة تزين ثغرها ، كان باترك على وشك أن يسحب عرضه لكنه تراجع وقرر مجاراتها فسأل بتكلف
“وكيف تُلعب هذه اللعبة؟”
“حسنًا أنا سأكون الأم وأنت تمثل أنك الطفل ؛ هيا اِبكي”
تكلمت بحماس فيما نظر لها باترك يحاول استيعاب ما قالته ، هل تريد منه هو نائب الزعيم المُبجل الذي يخاف منه الجميع أن يبكي كطفل رضيع؟
هذا الكثير من السّخرية ، أولا مجعد عجوز يعامله كوسادة والآن طفلة حمقاء تريد منه التصرف كرضيع.
إن كان هذا كابوسا ليوقضه أحد رجاءًا
نظر لها بملل وأردف
“أنا متعب ولم أحب هذه اللعبة دعيني أنام”
قالها ورفع يده ينوي أن ينزل غطاء عينه عندما فاجأه اِنفجار الطفلة بالبكاء نظر لها بصدمة فقد كانت تبكي بصوت عالي وقبيح و مزعج كما لو أن أحدهم صوب رصاصة لصَدرها
“هشششش اِهدئي اِهدئي”
نبس باترك بعصبية يحاول تهدئتها فقد اِستيقظ الركاب في المقاعد المجاورة ونظروا له بسخط فهذه المرة الثانية التي يقطع فيها نومهم ، كما أعطوه نظرات شك و تأنيب لجعله الطفلة تبكي
يا إلاهي كل ما أراده هو أن يسافر بسرية إلى لندن كيف انتهى به الأمر يلعب دور الشرير في القصة؟
حسنا هو شرير ، ولكنه لم يحاول أن يكون كذلك هنا.
لما الحياة مصرة على وضعه في الدور؟
تابعت الطفلة البكاء فخاطبها بقلة صبر
“اِصمتي اِصمتي سألعب معك”
صمتت الشيطانة الصغيرة كما سماها كما لو لم تكن تبكي قط منذ لحظة ، من قال أن الأطفال ملائكة؟ من هذا الأحمق الذي قال ذلك؟
لو قابلته في الطريق يا صديق فلا تبخل بارساله لباترك ليلقنه درسا ما
“حسنًا اصرخ وععععع كما كنت أبكي منذ قليل”
نبست الطفلة بمرح
نظر لها باترك بقرف ، هل هي جادة؟ هل الحياة جادة؟ هل ركب عن طريق الخطأ طيارة تقل مرضى إلى مستشفى المجانين؟
زفر بضيق ورد باِختناق
“حسنا أيتها الشّيطانة الصغيرة أعني الطفلة القبيحة ”
“أنا قبيحة؟”
نبست تبوز شفتيها على وشك أن تبدأ شوطا ثانيًا من البكاء فاسترسل باترك مسرعا
“لا لا أعني جميلة ، انجليزيّتي سيئة لاعليك لا داعي للبكاء”
“حقًا؟”
إستفهمت بشك فرد باترك بتكلف
“نعم نعم بالطبع ، لا يمكننا لعب لعبة الأم والطفل لأننا سنثير الضجيج والناس نيام لدى لنلعب لعبة الأب والإبنة”
“ما هذه اللُّعبة؟”
سألت ببرائة
“لعبة بسيطة جدًا أنت ستجلسين بهدوء وأنا سأمسد لكي يدك بلطف فقط”
أردف باترك بابتسامة مصطنعة
“تبدوا مملة”
نبست الشيطانة الصغيرة
“لا ليست كذلك ؛ لنجربها ثم نقرر”
أردف باترك بقلة صبر
فوافقت الطفلة وامتثلت لكلامه ومدت له يدها فراح يمسّدها بطريقة دائرية ، بدأت جفنا الطفلة تثقل شيئا فشيئا حتى نامت أخيرا
كل الشكر للشخص الذي اِكتشف هذه الطريقة وإلا كان سيقضي وقتا عصيبا جدًا
أخيرًا اِستطاع تغطية عينيه و النوم لكن ليس لوقت طويل…
هو في طائرة مجانين كما سلف وذكرنا
اِستيقظ هذه المرة على صوت العجوز بجانبه تقرأ طلاسم ما ، فتح عينيه وهو شبه نائم إلتفت إليها فوجدها تحذق بالسقف بطريقة مرعبة وشفافها تردد شيئا ما ، لم تكن لغة يفهمها وهو متأكد أنها ليست من العربية أو لغة لاتينية أو هندوسية كانت لغة أقرب للسحر ، قبض على قلبه بيده في قلق وهو يقول في نفسه
“يا إلاهي ما الذي فعلته في حياتي لألقى كل هذا في رحلة من أربع ساعات؟”
شعر بتنميل في طرفه الأيمن بجانبها ، فقرّر النهوض للحمام كحل أخير ربما تنهي شعودتها بعد عودته ، استقام وقطع عليها جلسة شعودتها فنظرت له بسخط بعينيها الجاحضتين فأسرع خطواته للحمام
وجد بابه مفتوحا وبذاخله شابتين بدأتا تقومان بوضع تبرجهما توا فكر في العودة لكن فكرة البقاء مع المشعودة لم تكن مريحة بالنسبة له ، لدى قرر انتظار الفتاتين ريثما تنتهيان ، خمس دقائق ، عشر دقائق الفتاتان لازالتا تتبادلان النميمة عن فتاة يعرفانها اسمها آشلي وزوجها الذي تقدّسه خانها وهي وتحسب نفسها رائعة..حسنا ما شأنه هو بهذا على كل حال؟ مرت عشر دقائق وهما لم تنتهيا من دمج كريم الأساس حتى!!!! نظر إلى العجوز فوجدها عادت لشعودتها فقرر الإنتظار أكثر بعد ، تحولت اِحدى الفتاتين لمراسلة خطيبها..أمر طبيعي أليس كذلك؟
أجل هو كذلك لكن الجزئية التي لم يفهمها هي ما شأن صديقتها الأخرى؟ لما تقرآن الرسائل معا وتفكران في الجواب معًا؟ هو سيتزوج خطيبته فقط لما يجب أن يعجب كلامه وشكله وشخصيته الأخرى؟
الفتيات حقا مخلوقات غريبة
هذا ما فكر فيه ؛ مرّت عشرون دقيقة وهو واقف أمام باب الحمام ، كان منزعجا لكنه أفضل من الجلوس مع مشعودة
أخيرًا اِنتبهت له احدى الفتاتين فنبست بابتسامة
“نحن آسفتان لكننا سنتأخر قليلا”
“لا عليكِ ؛ خذا وقتكما”
أردف باترك بابتسامة متكلفة
فل يأخذا أطول وقت ممكن كي لا يضطر للإقفال على نفسه في الحمام في أول ساعات الفجر ، الأمر مرعب بنفس قدر الجلوس جانب مشعودة
تابعت الفتاتان حديثهما تقرآن الرسائل معا وتناقشان الجواب بجدية أكبر مما يناقش بها هو و رفاقه أعمالهم وخططهم
رؤية النظرات في عيون الخطيبة وصديقتها التي لم تنفك تقول لها أن خطيبها رائع وهي محظوظة جعلته يشعر بالفضول لرؤية هذا البطل الخارق الذي هما مهتمتان به بهذا القدر فنبس بنبرة لعوبة
“خطيبك محظوظ جدا لإمتلاكه خطيبة رائعة مثلك”
نظرت له الفتاتان باِعجاب ونبست المخطوبة بنبرة حالمة
“بل أنا المحظوظة لإمتلاكي شخصًا مثله في حياتي”
وراحت تسرد قائمة طويلة من المحاسن والخصال في خطيبها وصديقتها تعزز لها كما لو اقتسمت مهرها معها
وجدها باترك فرصة ليطلب رؤيته فتحدث بحسرة
“حقا؟ رجاءًا توقفي أنا شاب وحسدتك عليه ، لقد جعلتيني متحمسا لرؤيته حقا”
ردت الخطيبة بحماس
“لديّ صورة له بالفعل انظر”
قالتها و وضعت الهاتف في وجهه
ومع كل احترامي وأسفي
كان هذا الرجل أبعد ما يكون عن ما وصفته
كلمة عادي كثيرة بحقه من الناحية الشكلية ، ومن النظر إلى وجهه يمكنه أن يؤكد أن كل ما قالته عن مكانته وذكائه إما ملفق من طرفه أو أنها تعيش في دنيا الأحلام ؛ لا تفهموه خطأ هو ليس شخصا سطحيا أو قصير النظر ولا يهتم للمظاهر لكن هذا تجاوز الحد الذي يغض عنه البصر
“رائعٌ ؛ أليس كذلك؟”
أردفت الفتاة تسأل بترقب
حاول باترك ابتلاع امتعاضه وتفاجئه وأعقب بتكلف
“أجل هو كذلك ، أرجوا لكما التوفيق في حياتكما”
أردفت صديقتها بتساؤل
“هل أنت مرتبط؟”
كان على وشك الإجابة عندما قاطعه صوت المضيفة في مكبر الصوت
“أعزائي الرّكاب يرجى اِلتزام أماكنكم وربط الأحزمة فنحن على وشك الهبوط”
“إذن سررت بمعرفتكما وداعا”
نبس بها وهرب يعود إلى مقعده ربط الحزام ولحسن حظه اِستيقظت الطفلة وعائلتها ولن يكون مضطرًا للبقاء مع المشعودة لوحده
هبطت الطائرة في مطار لندن وتوجه إلى حقيبته ليستلمها
لقد كانت رحلة عسيرة وفي المرة القادمة سيفضل اثارة جلبة وأن يلحقه القتلة والسفاحون لذخوله بلدا ما على الذهاب بشكل سري هكذا مرة أخرى.
دلف خارج المطار واِستقل سيارة أجرة نحو أحد الشركات العقارية حيث حجز باِسمه المستعار شقة مريحة معقولة السعر حتى لا يجذب له الأنظار ، وهو يدعوا في سره ألا يندم على قراره هذا كما فعل سابقا
توجّه إلى متجر لتأجير السيارات وأخذ سيّارة للطرق الوعرة وقصد مكانا مقطوعا من لندن ؛ غابة بعيدة خارج حدودها
أخرج المجرفة التي اشتراها في طريقه و سار من عند شجرة البلوط سبع خطوات نحو الأمام ثم ثلاثا نحو اليمين ثم واحدة للأمام ثم أربعا لليسار ثم خمس خطوات للأمام وأستدار ناحية الشمال الشرقي وبدأ الحفر بعد ربع ساعة من الحفر المتواصل وصل للصندوق
أخرجه ونفض عنه الغبار ثم فتحه
أموال ، مسدسات ، ذخائر ومتفجرات
هذا ما احتوى عليه الصندوق لقد هربه بطريقة غير قانونية منذ سنتين ليستخدمه في مثل هذه الحالات ، هو لديه مقر هنا فيه مجندون وأسلحة ولديه شقة لكن هو يريد اِنهاء عمله بسرية لدى سيعمل وحيدا ريثما ينهي الأعمال المهمة على الأقل
أخذ أربع مسدسات وحوالي نصف مليون دولار مع عشر قنابل وكيلوا من الديناميت وضع الكل في السيارة بعد أن وضع الذخيرة في حقيبة سفر وأعاد الصندوق لمكانه وأهال عليه التراب
ركب السيارة وعاد لشقته رتب أسلحته وأخفاها جيدا في أماكن متفرقة ثم ذخل ليأخذ حماما سريعا بحلول الثامنة صباحا
وقف تحت المرش قطرات الماء البارد تتساقط على جسده تنشطه ، رغم أن الجو كان خريفيا وباردًا إلى حد ما إلا أنه تعود على أخذ حمام بارد ليستفيق جيدا ويكون في كامل تركيزه
وهو بحاجة ليكون كذلك الآن أكثر من أي وقت مضى ، لديه عمل كثير ومهم وحتى مصيري لإنجازه ودون مجال لأتفه خطأ
بعد أن أنهى حمامه توجه إلى تسريحته وجفف قطرات الماء التي بدأت تأخذ طريقها على جبهته ثم جفف شعره ، اِرتدى بنطال كارجو بلون ترابي فاتح مع قميص رسمي أبيض سادة بأزرار ونسق معه حذاءا باللونين مع بعض التفاصيل بالأسود وختم اطلالته بمعطف حينز واسع مبطن بلون البنطال
دلف خارجا من شقته ينزل الدرج ؛ أخذ سيارته المستأجرة وتوجه لمقهى قديم في لندن ليتناول افطاره
استطاع تجاوز الطابور كونه الوحيد الذي جاء لتناول الإفطار بمفرده ، الجميع جاء إما مع عائلته أو مع أصدقائه ، فكانت الطاولات الإنفرادية فارغة تقريبا.
جلس على بار المطعم المطل على الشارع النابض بالحياة ، وصل طلبه البسيط كان عبارة عن فطور تقليدي كرواسون وفنجان قهوة ساخنة مُرَّة أكثر من حياتك رفيق
استمتع بفطور هادئ مع اطلالة جميلة وعندما شارف على اِنهاء كوب قهوته وهو يفكر بشرود خاطبه أحدهم بلكنته البريطانية الطاغية
“معذرة سيدي أيمكنني الجلوس بجانبك؟”
نبست الآنسة الإنجليزية ، كانت شابه في العشرينيات من عمرها بملامح بريطانية تقليدية وبسيطة ، جمال طبيعي بعيد عن عمليات التجميل والمكياج المبالغ فيه
“بالتّأكيد تفضلي يا آنسة…؟”
تحدث باترك برسمية مع ابتسامة مشرقة واِستفهم عن اسمها آخر كلامه فردت بأدب
“ليزا..ليزا مونتروز”
“تشرّفت بمعرفتك آنسة مونتروز أنا باترك”
رد عليها بنبرته العميقة الهادئة وكأن حياته تعتمد على رده وقد كانت كذلك نوعا ما…
“أرجوا ألا أكون أُزعجك ، لكنتك ممتازة لكن تبدو ملامحك أجنبية؟”
نبست ليزا بخجل طفيف
ضحك باترك بخفة ورد يمثل التفاجئ
“أوه لقد أمسكتي بي ، أردت أن أدّعي أنني بريطاني ، هل تعملين محققة أو شيئا من هذا القبيل آنستي الذكية؟”
ضحكت الأخرى بنوع من الخجل والتوتر وأردفت
“لا ولكن لون عينيك مميز جدا ، إنها أول مرة لي أرى فيها شخصًا عيونه عسلية ؛ كما تبدوا ملامحك العامة روسية أو ألمانية؟”
نظر لها باترك بتفاجئ واعجاب وأعقب
“آنسة ليزا أيا كانت وظيفتك استقيلي منها وإعملي في سلك التحقيق والبحث الجنائي ؛ صدّقيني خلقت لهذا الأمر”
قهقت بخفة ونبست
”شكرا لك سيد باترك هذا لطف منك ، إذن ماذا تفعل هنا بلندن في حي شعبي؟ألم تأتي للسّياحة؟”
نظر لها باترك بعمق واستفهم
“أأنت متأكدة أنكِ لست مخابراتيّة تحاول جمع معلومات عني؟”
انخرطت ليزا في نوبة ضحك قوي ، كان هذا آخر ما توقعت أن يقوله لكنه محق لقد أكثرت بالأسئلة حقا فنبست باعتذار
“آسفة إن أشعرتك بعدم الراحة سيد باترك”
فرد بابتسامة
“لا لاعليك كنت أمازحك فقط ، استأجرت شقة في مكان قريب من هنا لأن لدي عملاً في بريطانيا لشهرٍ من الزمان تقريبا ، ماذا عنك ماذا تفعلين للعيش؟”
ابتسمت بخفة وأردفت
“أنا أنهي دراساتي العليا في الجامعة أدرس علم النفس وتفسير الأحلام ، كما أعمل كممثلة في مسرح محلي”
صفق باترك باعجاب و نبس
“هذا رائع ؛ تبدوا حياتك مثيرة للإهتمامِ؟”
“أجل هي كذلك ، لكن الأمور لا تسير على ما يرام مؤخرًا مع عائلتنا”
نبست ببعض الإمتعاض والخجل
“إن كان يناسبك يمكنكي مشاركتي ما يزعجك ؛ أنا في الإِستماع”
تكلم باترك بنبرة اِهتمام
زفرت ليزا بضيق وأردفت
“أبي مريض وأخي يود الترشح لإنتخابات الحزب الحاكم إنه يعول على الأمر ليستطيع علاج والدي..لكنه يفتقر للخبرة والنفوذ لدى هو لن ينجح غالبا ، وأبي بحاجة لعملية عاجلة ، لا يمكننا الحصول على قرض لعلاج أبي والأمور تسير من سيئ لأسوء”
أومأ الآخر بمواساة عدة مرات ونبس بتفهم
“شعور العجز هو أصعب شعور قد تجربينه خلال حياتك…وفي كل مُعضلة خير..هذه المشكلة قربتكم كعائلة أكثر ؛ ألم تفعل؟”
“أجل ولكن أبي..”
نبست ليزا والدموع في عينيها فرد باترك بهدوء
“أتؤمنين بالقدرِ؟”
“نعم”
“للقدر حلقات ، كل شيئ مقدر ومدروس ولا مكان للصدف.تقابلنا هنا وتكلمنا ليس محض صدفة ، لديّ صديق بريطاني يعمل طبيبا ويملك مشفى خاصا به ، سأكلمه وأرى إن كان يقبل إجراء العملية لوالدكم بالدفع على أقساط”
نظرت له ليزا بتفاجئ وأردفت
“لكن لما تفعل هذا لشخصٍ لا تعرفه؟”
نظر باترك في عينيها العشبية الحادة طويلا ثم نبس
“لأننا نحتاج هذا”
“نحتاج؟ نحن”
أردفت باِستفهام
فأومأ بتأكيد
“أجل كلانا بحاجة لحدوث هذا”
مد إليها هاتفه وأردف
“دوّني لي رقمك أو رقم أخيكي”
أخذت الهاتف من بين يده ونقرت الأرقام
“هذا رقمي ، بأي اسم أسجله؟”
نبس باترك بمزاح يحاول تغيير الجو الكئيب
“سجليه باِسم المحققة ليزا”
ضحكت بخفة وسجلت الرقم باسمها أعادت له الهاتف ثوان حتى رن هاتفها ، أخرجته لترى المتصل فنبس بابتسامة
“سجلي رقمي عندك”
“حسنا ؛ سأسجّلك باسم النبيل باترك”
نبست مع ابتسامة مشرقة ، ضحكة خفيفة فلتت من شفاه باترك وأردف
“كما تريدين أيتها المحققة مع أنه ليس عليك ذلك حقا ، على كل علي أن أودعك الآن سررت بمعرفتك ؛ سأتصل بك في أقرب وقت”
“مع السلامة سيد باترك ؛ وشكرا لك مقدما على ما ستفعله لأجلي”
دلف باترك خارجا من المقهى بعد المحادثة اللطيفة التي خاضها ، ركب السيارة وطلب رقمًا ما وصله صوت الطرف الآخر الذي لم يتوقع أنه سيسمعه بهذه السرعة
“صباح الخير عزيزي باترك ؛ لا أصدق اِشتقت لي بهذه السرعة؟ هل أُرسل لك صورتي لتجعلها خلفية هاتفك؟ كيف كان النوم في بلد غير الذي أنا موجود فيه؟”
دلك باترك ما بين عينيه بندم ، لما الحياة مصرة أن تذله لشخص مثل كوزموس؟
“صباح النور يا نجم أثينا أنا بخير شكرا على اِهتمامك ، كيف حالك أنت؟”
“بخير ، إذن كيف أساعدك أيها الأمير؟”
“هل تعرف شخصًا في بريطانيا يعمل طبيبا ولديه مشفا خاص؟”
شهق كوزموس بفزع وصاح
“هل أنت بخير باترك ؛ هل أُصبت؟”
“لا أنا بخير ، أريد اِجراء عملية لرجل عجوز وأخبرت ابنته أني أعرف شخصا بتلك المواصفات سيقبل أن يتقاضى أتعابه بالتقسيط”
ضخكة خفيفة من كوزموس وصلته عبر الهاتف ليردف المعني
“عزيزي باترك ؛ أنتَ حقًا تعاني من انفصام زر طبيبا نفسيا في أقرب فرصة”
“أعلم ، أتحفني هل تعرف شخصًا كهذا أم لا؟”
تحدث باترك بملل فيما رد الآخر بتفهم
“أجل ؛ أعرف شخصًا من هذا القبيل إنه من معارف أحد معارفي ، سأحل لك الأمر ركز على أعمالك الأخرى الآن ولا تقلق”
“كوزموس…أنت رائع ؛ شكرًا لك”
نبس باِمتنان وكان بوسعه الشعور بكوزموس ينفض نفسه باِستعلاء ليُعقّب
“أعلم أعلم ، هذه ليست معلومةً جديدة على كل حال ، أنا محبوب الجماهير كما تعلم”
قلب باترك عينيه بملل
“أسحب كلامي شكرا لك على المساعدة”
قالها وسارع بانهاء الإتصال وهو متأكد من أن كوزموس كان ليقضي عليه لو كان أمامه
الآن عليه التركيز على ما جاء لأجله
عاد لشقته وحزم حقائبه حقيبة ثياب وأخرى حقيبة سلاح وأموال
طلب رقما ما بالهاتف المؤمن ونبس بجدية
“هوستينج بروك ستريت المنطقة 23”
أغلق الهاتف وتوجه لإعادة السّيارة التي اِستأجرها للمحل واِستقل سيارة أجرة إلى مهبط مروحيات في قلب لندن ، حيث ركب مروحية أجرة ليذهب بها إلى هوستينج
بحلول العاشرة صباحا كان يستقل المروحية ؛ سلّمه السائق سماعات الأذن هو والراكب الآخر معه ، ربطوا الأحزمة و إنطلقوا
كان منظر مدينة لندن من الأعلى في وضح النهار وهي في أوج نشاطها أنيقًا للعين ، وقد بدى جمال هندستها المعمارية بطرقها الضيقة ومبانيها العتيقة ، القصر الملكي ومنظر الجنود الملكيين اللذين يبدون كنقاط حمراء لطيف حقا
مروا بمدن أخرى مزدحمة خلال رحلتهم ومزارع طويلة ذات لون برتقالي يجعلها تبدوا لوحة فنية للناظرين
خلال نصف ساعة هبطت المروحية قرب بارك هوستينج ، توجه إلى مقر الجماعة الذي يحتوي على المعدات والجنود
ذخل باترك بهيئته طاغية الوقار ، يرتدي حذاء قتال بأربطة وعنق طويلة من الجلد البني الداكن نسق معه بنطال جينز ضيق نوعا ما باللون الكحلي مع قميص أسود شبكي شفاف مع معطف جلد بني داكن قصير إلى الخصر
حياه أفراد الجماعة باِحترام ثم تحدث قائدهم مايك بآلية
“تم تجهيز كل ما طلبت سيدي النائب ، فرقة الاستطلاع تمشّط المكان بالفعل ، المخترقون يقومون بعملهم و الجنود يتدربون ويجهزون أسلحتهم للإجتياح
في إنتظار أوامرك القادمة سيدي”
أومأ له باترك برضا ونبس بهدوء
“لنعقد اجتماعًا في غضون ساعة ونصف من الآن ؛ فليحضر ممثل عن كل فرقة مع شرح كامل لما توصلت له مجموعته إضافة إليك أنت وكيفن”
“علم ويُنفذ سيدي”
أردف مايك وهو يحييه تحية عسكرية رفقة مساعديه
توجه باترك إلى الغرفة التي خصصت مكتبا له وأخرج حاسوبه ، يمكن لجماعته تولي هذا بدونه خصوصا مع المعلومات التي جمعها إيفان ، عليه أن يركز على المهمات الأخرى التي جاء لأجلها والتي عليه انجازها بنفسه
فتح انستغرام وأذخل رقم ليزا خلال ثواني كان قد اخترق حسابها ووصل إلى جميع أقربائها وصورها ومحادثاتها الخاصة
أعلم في أنك تفكر الآن في كم أنه شرير وسيئ وعديم أخلاق خدع فتاة مسكينة وثقت به وأفضت بمكنونات صدرها له ، لكن هو ليس أيا من هذا صدق أو لا تصدق!!!
كان يبحث عن شخص ما بالتحديد وقد وصل إليه بأبسط مما تخيل كان هذا الرجل شخصية مشهورة ، طبعا كان لديه حساب عمل يعرفه الجميع لكنه لا يحتاج ذلك ، يحتاج حسابه الشخصي الذي ينشر فيه دون تكلف ليستطيع معرفة معدنه الأصلي ونسخه
كيف ؟ ولما ؟ ستعرف لاحقا صديق
قد تتساءل الآن كيف للقدر أن يكون بصفه بهذا القدر؟ كيف كان محظوظا ليقابل شخصًا على اِتصال مباشرة بهذا المشهور بعد ساعات من وصوله؟
قطعا الحظ غادر مجموعة باترك منذ سنين ، والصدفة فعلت الأمر ذاته
كل شيئ يتم ، كل حلقة تُقفل من حلقات قدره ، يكون لباترك يد وتأثير عليها ، يمكنك التحكم في قدرك لكن ليس بالتمني طبعًا
على كل كان الأمر بسيطا ، بحث عن دائرة معارف المشهور ووجد ليزا مونتروز ، تصفح حسابها على انستغرام ومدونتها ووجدها ترتاد ذلك المقهى بصفة متكررة في أيام عطلها
لدى اِنتظر أن يحين أحد أيام عطلتها وشد الرحال إلى المقهى وكما توقع قابلها وبهذا خلق رابطا مشتركا بينه وبين المشهور ، الآن يمكنه أن يتقرب إلى هذا الشخص بواسطة ليزا وفي دور البطل المنقد ، فريد أليس كذلك؟
الآن بقي لك سؤال واحد لأجيب عليه وهو
“من هذا الشخص وماذا يحتاج باترك منه؟”
سأجيبك لاحقا وربما أقرب مما تظن على كل أخرج باترك دفتر ملاحظاته ودوَّن ما دوَّن ، ثم كتب بعض الإستنتاجات ورسم مخططا ، كان يُراجع عمله يسد الثغرات فيه ويضع الخطط الإحتياطية حين قاطعه طرق الباب
“تفضل”
نبس وعيناه لازالتا على الدفتر
فتح الباب ودلف كيفن مساعد مايك حياه وهو يقول
“الجميع جاهز في غرفة الإجتماعات سيدي”
“إذن أنا في طريقي إليكم”
رد بابتسامة خفيفة على شفاهه يلملم أوراقه
“علم سيدي”
أردف كيفن باحترام يغادر الغرفة
رتب أوراقه وأخذ دفتر ملاحظاته ينطلق ، يطرق على الأرض بحذائه القتالي ويمشي بتبختر سيحل أمر هذه العشيرة اليوم بطريقة أو بأخرى ، عليه التخلص من الذباب بسرعة فلديه عمل أهم من اِبادتهم للقيام به ، ثم كيف يجرؤون على محاولة اختراق نظام جماعته ومحاولة سرقة معلومات عنها وسرقة تجارتها؟
الأمر أكثر من مجرد ذباب مزعج متطفل ، هم بق بتعبير أصح
إن سكتت الجماعة عنهم فسيتكاثر أمثالهم أكثر وينخرون الجماعة ويحطمونها ، لدى إن أردت أن لا تعاني من البق ، اقتل أول بقة تجدها ولا تسمح لها بالتكاثر
بسيط أليس كذلك؟
دلف غرفة الإجتماعات كانت غرفة مستطيلة واسعة بجدران بلون الكراميل تتسطوها طاولة خشبية بكراسي ؛ جلس على رأس الطاولة المستطيلة التي تحوي ست كراس موزعة على طرفيها
جلس مايك وكيفن على طرفيه وتبعهما شينغ ممثلا عن المخترقين على يساره ، لويس ممثلا عن فرق التمشيط يقابله ، وأخيرا جلس أنجيلو ممثلا عن فرقة المشاة المسلحين جنبه يقابله جيسون ممثلا عن عن فرقة المدفعية والقناصين
جال باترك بنظره على الحاضرين وهو يربع قدميه على شكل الرقم أربعة فيما نبس بحزم
“ليبدأ الإجتماع ، لنبدأ من عندك شينغ ما الذي توصلت إليه جماعتك؟”
وقف المعني من مكانه واتجه للشاشة في الحائط المقابل لباترك ووصلها بحاسوبه ثم أردف وعيناه على الشاشة
“كما ترى سيدي لقد تم الأمر بشكل جيد كما طلبت وتأكدنا من ألا يبدوا الأمر كإكتساح للموقع بحيث يتخوفون من هجوم مسلح قريب حتى أننا زورنا موقعنا ليظهر أننا اخترقناهم من ألمانيا”
“ممتاز وما الذي توصلتم إليه حيال النوايا ؟ هل هم يهذفون لسرقة تجارتنا وحسب ؟ أيعملون وحدهم أم لهم شركاء ؟ أهم رأس الأفعى أم ذيلها؟”
تحدث باترك باستفهام
أخذ الآخر نفسا عميقا ونبس بعد أن أظهر على الشاشة صفحة تحتوي على كامل الرسائل التي ذخلت نظام العشيرة خلال السداسي السابق
“الأمر يا سيدي كما توقعت يريدون سرقة التّجار وحتى أعضاء الجماعة كما يبدوا ، أستبعد أن يكونوا يهذفون لإبادة جماعتنا ، لقد قاموا بنفس الأمر لعدة عصابات وجماعات حاولنا الربط بينها ، الرابط الوحيد هو أنها جميعها لديها كفاءة عاليةٌ وأعضاء مميزون ، كما عرفنا أنهم يحاولون الإنظمام إلى حكام العالم السفلي وهذا يفسر فعلتهم ، يحتاجون إلى أن يزيدوا قوتهم ويثبثوا أنفسهم لآل فاربيتن حتى يقبلوهم ، ولن يتم الأمر دون الإستعانة بأشخاص كفء وخطط جيدة لدى هذا يفسر محاولة اِختراقنا بالنسبة لي”
لقد أعاد بالفعل ما قاله له أيف منذ يوم ، لكن هذا مريح فقد فكر في خطة بالفعل وحتى الآن ليس في حاجة لتعديلها مما يعني توفير المزيد من الجهد والقوى العقلية للمهمات الأخرى
“ممتاز شكرا لك شينغ سأعود لك مرة أخرى لتطلعني على نظام أمانهم وكيفية تعطيله”
أومأ له شينغ وعاد لمكانه فيما خاطب هو لويس بهدوء وابتسامة
“تفضل لويس أطلعنا على ما توصلت إليه مع رفاقك”
استقام المعني إلى الشاشة وعرض خريطة للمدينة ثم قال بجدية
“كما ترى سيد باترك هم يسيطرون على عدة مناطق حيوية في المدينة ، لكن عيبها أنها في أماكن متفرقة ما يجعلها عرضة للهجمات والسرقات من طرف العصابات ، يعانون من نقص في التمويل ونقص في السيولة المالية ، جنودهم متعبون و يبدوا أنهم لا يحصلون على كفايتهم من النوم والطعام ، كما أن عددهم الكلي قليل جدا مقارنة بعشيرة تأسست منذ نصف قرن ، هناك ضعف ووهن في أوساطهم مما يعني أنه يمكننا أن نستغل مجموعة منهم ليذخلونا وكر العشيرة وحتى يقتادوا إلينا أفرادها دون قتال
أرى أن إبادتهم ستكون سهلة جدًا وقد نبيدهم بمئة جندي من المدفعية والقناصين ولاحاجة للمشاة المسلحين حتى”
“إذن عشيرة على حافة الإنهيار تسعى للمجد؟ مثير للإهتمام”
أردف ذو العيون العسلية بنبرة تحمل من الإختلال الكثير ثم ضحك بخفة واسترسل
“شكرا لمجهوداتك أنت وجماعتك لويس ، جيسون ما أحوال رفاقك؟”
أردف المعني بابتسامة قائلا
“نحن على أتم الإستعداد في انتظار أوامرك سيدي ، أربعون قناصا محترفا مدربا على التسلق والباركور ، ثلاثون فردا من المدفعية على أهبة الإستعداد مع قاذفات صواريخ متطورة ومعدلة تم تدريبهم على يد أمهر المدربين وأكفئهم
تم تأمين ما يكفي من الأسلحة والذخيرة مع احتياطي معتبر ، كما أمنا شاحنات لنقل الجنود والأسلحة والتعزيزات إن لزم الأمر”
“هل أمنتم ملابس وشاحنات مضادة للرصاص؟”
استفهم باترك يرفع حاجبه الأيمن
“نعم فعلنا سيدي”
رد جيسون بتأكيد
“ممتاز ننتقل إليك أنجيلو كيف حالكم أنتم المشاة؟”
أردف باترك بابتسامة خفيفة
“إنهم يقومون بالتسخين حاليا استعدادًا للإجتياح بانتظار أوامرك للإنتقال للموقع سيدي ، مئة من الرجال ضخام البنية ، عالي المرونة والقوة العضلية ، يمكنهم فتح الأبواب الحديدية ، الفولادية وغيرها ، وفرنا لهم مسدسات وقنابل يدوية الصنع وأيضا متطورة ، ملابس وشاحنات واقية للرصاص ، لدينا احتياطي كاف لعمليتين أو أكثر”
صفق باترك باعجاب ونبس بفخر
“لم تخيبوا أملي ، أجد صعوبة في ترك شخص غيري يقوم بالعمل لكنكم تثبثون لي في كل مرة أنكم أنتم أفراد الجماعة اِستثناء ، الآن حان دوركما أنتما سيد مارك وكيفن لتضعا الخطة باشرا العمل رجاءا”
أومآ له ونبس مايك
“هلا تستعرض لنا نظامهم الأمني سيد شينغ ؟ فيما تعرض لنا مخابئ الجنود و السلاح سيد لويس”
تقدم لويس نحو السبورة في جانب الغرفة وجذبها يضعها بمحاداة طاولة الإجتماع ، أخذ القلم وبخفة رسم خريطة تقريبية للمدينة وعلم عليها مناطق نفوذ الجماعة وأوكارها ثم قدم مجموعة صور للأماكن من كل الزوايا الأساسية والجهات
بدأت المناقشة وراح كيفن يدون الأفكار المهمة والإقتراحات ليقوموا بفرزها لاحقا قبل وضع الخطة النهائية
“حسنا لنبدأ من مخازن الأسلحة وأوكار الجنود
جهزوا شاحنات لنهب الأسلحة و المتفجرات وغيرها ، أحرقوا القذارة الآخرى على غرار المخذرات وغيرها فنحن لا نتاجر بشيئ عديم الفائدة ، بالنسبة للجنود قوموا بأسرهم في مقرهم وحسب”
نبس باترك بتفكير فأومأ له الآخرون
“بالنسبة لمخازن الأسلحة فحمايتها ليست شديدة ويمكن اختراقها في خمس دقائق من حيث الجنود”
نبس لويس بجدية فيما تابع شينغ
“أيضا نظامها الأمني ليس عالي الحساسية هناك كاميرات مراقبة دوارة في الزوايا الأربع و حقل ليزري عند المذخل تعطيلها سهل جدا
لكن المشكلة هي المغناطيس الموجود في المخازن مما يزيد الجاذبية ويصعب الحركة يجب قطع أسلاكه الكهربائية ليتوقف عن العمل”
“ألا يمكن قطع التيار الكهربائي عن كل المخزن وحسب؟”
سأل مايك باستغراب
“إنه مزود بألواح شمسية وبطارية تخزين لدى لن يجدي الأمر نفعا يجب الذخول إلى المخزن والحفر في الأرض ثم فصله عن جميع مصادر التغذية الكهربائية”
أردف شينغ باستدراك
“هل يوجد شيئ مثل قمرة قيادة رئيسية تتحكم في كل شيئ؟”
قال باترك يرفع حاجبه الأيسر بتساؤل
“يوجد لكنها في وكر الجماعة الرئيسي ، وأرى الفصل بين اجتياح أوكار الغنائم والعشيرة أفضل سيدي”
أردف شينغ بهدوء
“أجل أوافقك الرأي لكن لا مشكلة في تعطيل قمرة التحكم عن بعد ، أعني أن تخترقوا نظامهم وتسيطروا عليه أنتم المخترقون خاصتنا”
تحدث باترك بابتسامة وهو يمسد رقبته
“غاب عنا الأمر بالفعل سيدي ، سأبدأ العمل رفقة مجموعتي على هذا بمجرد خروجي من الإجتماع”
أردف شينغ بنوع من الخجل والإعتذار ، حقا كيف لم يفكر أحد منهم في هذا؟
“حسنا بعد أن استعرضتم ما لديكم سنقسم المجموعات كالتالي:
خمسون من المشاة و خمسة من المدفعية سيطوقون ثكنة الجنود ليحجبوا الدعم عن بقية أفراد العشيرة
عشرون قناصا مع عشر من المدفعية سيسطفون فوق الحائط المحيط بوكر العشيرة سيفصل بين كل اثنين خمسة أمتار
عشرون من المشاة سيقتحمون القصر معي”
نبس باترك بثقة ، أومأ له الآخرون
“حسنا انتهى الإجتماع يمكنكم الإنصراف ، شينغ لا تنسى اللوحة المركزية”
أضاف باترك بابتسامة هادئة
“أمرك سيدي”
رد شينغ ينحني له باحترام قبل أن يغادر ويبقى ذو العيون العسلية وحده في سكون
الفاربيتن في حاجة إلى الدعم بالفعل إن هو اجتاح وكر هذه العشيرة وأبادها عن بكرة أبيها ، فهو بهذا يدفن حليفًا محتملا للفاربيتن خصوصا أنهم في مرحلة يحتاجون فيها أي حليف ، مهما كانت قوته أو ذكاءه
فكر في هذا ثم راح يدلك ما بين عينيه بتعب وبعثر شعره بانزعاج ، لما عليه أن يكون من يفكر في الحلول ويحل مشاكل العالم السفلي بأفضل طريقة على المدى الطويل والبعيد؟ ثم لما يفكر في أمر الفاربيتن حتى؟ فل ينهاروا هو بخير في الحالتين
قد تحدث حرب دموية بين العشائر لأجل من يأخذ مكان الفاربيتن وهذا يعني أن يبيع المزيد من السلاح ويكسب ، لكن في المقابل سينعدم الأمان وتزيد محاولات الهجوم والنهب من جماعته ، بل حتى سيكثر عدد الخونة والجواسيس لدى من الأفضل انقاذ الفاربيتن بدل الرمي بهم في وجه المدفع
مثيرون للشفقة…لكنه لن يخسر شيئا ، كل شيئ يفعله باترك لسبب ، سيعود عليه بالفائدة اليوم قبل الغد
استقام من كرسيه على رأس الطاولة وأخذ بخطواته خارج الغرفة عائدا لمكتبه ، أخذ جولة أخرى من التفكير قبل أن يتخد قراره ، مد يده البيضاء ذات الأصابع الرفيعة بارزة العروق يرفع سماعة الهاتف ثم نبس بنبرة عميقة
“مايك ، أريدك في مكتبي خلال عشر دقائق”
أنزل السماعة وأراح ظهره على الكرسي ، بعض التعديلات البسيطة للخطة لن تضر ، أليس كذلك صديق؟
ربما يضيف بعض المكر ويلعب دور البطل المغوار كالعادة ، لكن الأمر ليس مشكلة حقا مادام الجميع بخير وهو مستفيد؟
باترك طيب القلب…بعيون عسلية مسحوبة وشعر كسثنائي مع لفحات من لون الكراميل ، بشرة أطفال ويد بعروق بارزة مع جسد معضل…لاتنسى ابتسامته اللطيفة
إنه نبيل ، نبيل هارب من القصص الخرافية باختصار شديد
حسنا ، حسنا يكفي مغازلة لنعد لموضوعنا
طرق على الباب جعل النبيل يستقيم في جلسته
“تفضل”
نبس بهدوء وحزم
“فيما طلبتني سيدي؟”
نبس مايك يومئ له باحترام
“قررت وضع بعض التعديلات على الخطة وهي كالآتي….”
أردف باترك يسرد الخطة الجديدة فقد كانت تعديلات عميقة ، بل حتى يمكن القول أنه غير الخطة عن بكرة أبيها
سيرياخوف – روسيا
طرق على الباب هو ما قاطع جلسة قراءة العجوز قرب النافذة ، استقام من مكانه يسير في أروقة بيته العتيق اسكندنافي الطراز الذي تغطي جدرانه لوحات ثمينة لفنانين كثر ، فتح الباب وظهر من كان يقبع خلفه شاب في الثلاثينيات يحمل لوحة مغلفة بيده
نظر له العجوز باستفهام فاسترسل الشاب قائلا
“مساء الخير ياعم ، أنا كين رسام هاو ، أنت تكون رئيس جمعية الفن لهذا الحي ، أليس كذلك؟”
“أجل ، أنا رئيس الجمعية كيف أساعدك؟”
أردف العجوز باستفهام فتابع الشاب قائلا
“أنا مولع بالرسم لكن لم تسنح لي الفرصة لذخول معهد الرسم لكني موهوب حقا ، لقد درست تخصصا آخرا وأعمل في مجال الهندسة المعمارية لكني لم أستطع التخلي عن حلمي بالرسم ، أود أن الإنضمام إلى جمعيتكم لوسمحت ، حتى أُنظر إلى رسمي وقيم بنفسك”
قالها يزيل غلاف اللوحة نظر العجوز إلى اللوحة باعجاب وأردف
“هل أنت من قام برسمها حقا؟”
“أجل أنا من فعل ذلك ، يمكنك أن تطلب مني رسم أي شيئ في اللحظة لقد جلبت عُدّة رسمي معي بالفعل”
قال الشاب بحماس
“حقا؟!!إذن تفضل بالذخول”
نبس العجوز يفتح الباب على مصرعيه
“حسنا سأجلب عدة رسمي من السيارة وألحقك”
قال كين راكضا نحو سيارته ، فيما نظر له العجوز بإعجاب وهو يذخل اللوحة التي تركها عند الباب إلى الذاخل يمعن النظر فيها.
ثوان حتى كان يسير رفقة الشاب في ممر منزله الطويل العتيق ، كان واضحا أن صاحب هذا المنزل مولع بالفن ، الفلسفة وكل ماهو غريب وفريد.
وصلا غرفة الجلوس ذات الطابع الملكي ستائر من المخمل الأحمر ، أرائك بتفاصيل بيضاء وذهبية مع سجاد بطراز قديم.
جلس الرسام الشاب يتأمل الغرفة ريثما ذهب العجوز لجلب الشاي
“”هذه الغرفة حقا تعيدك للقرن التاسع العاشر
قال الشاب مبتسما
أجل ، إنها كذلك””
رد العجوز بمجاراة
“أحببت أن هذا السجاد قديم الطراز ، كما الأواني من الخزف الفاخر و التحف هنا من شتى البلدان ، يبدوا أنك شخص مولعٌ بالأسفار سيدي؟”
نبس كين متسائلا فرد العجوز هو لم يكن عجوزا في الأصل كان كهلا لكن شعره المبيض و حجمه وهندامه يوحون بذلك
“أجل ، حصلت على السجاد من متجر في فرنسا قبل حوالي الأربعين عاما و الأواني الخزفية حصلت عليها من صديق لي في ايطاليا من حوالي خمس وعشرين عاما ، أما التحف فقد حصلت عليها من أماكن عدة حصلت على هذا التمثال من اليونان ، أما القناع فقد اشتريته من سوق شعبي في تايلند و هذا الرمح من اليمن.”
نبس بها بفخر يستذكر ماضيه فأردف كين بحماس
“هل ذهبت إلى اليمن؟ أوه أنوي زيارتها هذا العام ، زرت مصر خلال العام الماضي وتمكنت من اِمتطاء واحد من أفضل سلالات الخيول في العالم ، خيل عربي أصيل نقي الدماء ، أمارس الفروسية في روسيا هنا بالفعل بأحصنة من مختلف السلالات لكن الأحصنة العربية تفوز حقا إنها قوية حقا وتعطي راكبها تجربة خيالية ، بالمناسبة كيف كان طعم القهوة العربية هل اِستطعت تجريبها في اليمن ؟ سمعت أن اليمن هي أصل البنّ في العالم وتم نقل البن منها وزراعته في مناطق أخرى ملائمة”
ابتسامة صادقة ارتسمت على وجه الآخر وهو يرد
“أجل القهوة اليمنية رائعة ، أتذكر أنني لم أحتج لشرب القهوة لأسبوع بعد تجربتي لرشفة صغيرة منها ، أنت مُهتم بالخيول أيضا ؟ هذا مثير للإعجاب”
“أوه أجل ، كفنان لدي حس فني راق حتى اسمح لي أن أريك الصورة التي أخذتها لفرس عربية من نوع الكحيلان الذي يصنف كأفضل فرس عربية لقوتها وكحلة عينيها ولونها البني الأخّاذ”
قال كين باستحسان فأومأ له العجوز بإيجاب فتقدم نحو مجموعة اللوحات المغلفة التي أسندها إلى الحائط سابقا أخذ إحداها و بسطها على الطاولة الخشبية الدائرية التي تتوسط الصالة وما إن أزال الغلاف حتى ظهر ما كان يخفيه من جمال
أخذ العجوز اِطار الصورة وراح يتأملها وأقل ما يقال عن ما إجتاحه من مشاعر أثناء ذلك أنها كانت خليطا من كل شيئ جميل
القوة ، السلطة ، الرفاه و الحرية والكثير المشابه
لم يستطع أن يشعر بشيئ غير ذلك وهو يتأمل صورة هذه الفرس ، عضلاتها الكبيرة المشدودة التي تنم عن قوتها ، كحلة عينيها الظاهرة بخفة كما لو أنها ملكة قد كحلت عيناها بعناية فائقة ، وأخيرة جلدها البني الكحلي الذي يلمع مع الشمس.
“إنها صورة رائعة حقا تبدو متعدد المواهب ، هل حقا اِلتقطتها بنفسك؟”
أردف العجوز بنبرة تحمل خليطا من الشك والإعجاب فرد كين بهدوء
“أجل ، إلتقطتها بنفسي في سباق الخيول العربية الذي حضرته في مصر”
“لقد كنت من عشاق الخيول في شبابي ولازلت أركب الخيل أحيانا لكني تقدمت في السن لهذا أصبحت أكتفي بالمشاهدة أكثر ، كم أحسدك أيها الشاب دعني أريك بعض الصور التي التقطتها وأنا أمتطي الخيل منذ زمن بعيد”
نبس يتجه إلى درج في الخزانة التقليدية يخرج ألبوما منه ، من الواضح أنه مر عليه زمن قلب صفحتاه ونبس
“انظر هذه هي صورتي عندما شاركت في أول سباق خيل محلي”
همهم الشاب باعجاب يخبره
“من الواضح أنك كنت شابا متعدد المواهب مفعما بالحياة يا عم”
ضحك المعني بخفة يرد
“أجل كنت كذلك حتى أنني….”
وتابع يستذكر شبابه وبطولاته
السادسة مساءا – هوستينج – انجلترا
الشمس بدأت في الغروب متخفية خلف الأبنية الشاهقة ، بقي ساعة واحدة للإنطلاق
دلف باترك إلى مكان تجمع الجنود ليلقي عليهم النظرة الأخيرة ويتأكد بنفسه من أن كل شيئ تم بمثالية…
أعراض وسواس قهري كما تعلم
عاين بنفسه الأسلحة والمدفعيات من أيدي الجنود ليتأكد ، تفحص الذخائر والشاحنات وجرب اطلاق النار عليها للتأكد من كونها مضادة للرصاص ، لم يكتفي بهذا بل سأل الجنود عن حيثيات العملية التي هم مقبلون عليها
أخيرا بعد أن تأكد من كل شيئ صعد على المنصة التي نصبت له ووقف عليها شامخا ، رفع يده اليسرى في شكل أفقي مائل قليلا للأعلى ، كانت التحية التي اعتمدتها المجموعة ونبس بصوت جوهري محبب
“أيها الجنود الأشاوس ، تحية للأبطال”
“تحية للأبطال”
رد الجنود بحماس فتابع
“يسرني كوني بينكم اليوم ، أن يتاح لي أنا نائب الزعيم بالعمل معكم هذا تشريف كبير لي لقد راقبتكم بنفسي وأود القول أنني فخور ومدهوش بالمستوى اللذي أنتم عليه ، حرصكم وعملكم الدقيق ، حبكم واخلاصكم جميع هذا جعلني أقشعر حقا…نحن أكثر من جماعة ، ربما رفاق أو حتى عائلة…الطريقة التي نفهم بها بعضنا ونعمل بتناغم بها ، حقا أنا عاجز عن وصفها أو تفسيرها ، شكرا لكم أيها الأبطال”
ختم كلامه بابتسامة وملامح دافئة مع تحية الجماعة الرسمية
فرد عليه الجنود بالمثل ، ذخلوا جولة من التصفيق أنهاها باترك برفع يده في اشارة للصمت والاستماع إليه
“الآن بخصوص مهمتنا أيها الرفاق ، فهي كما أخبركم الإخوة الممثلون لكم ، ستطوقون المكان وتنتظرون التعليمات الجديدة بعد ذلك ، لكن خلال هذا احرصوا على أن لا يذخل أو يخرج نملة من المكان ، أثق بكم وبدقتكم وتفانيكم ، إنني متأكد من نجاح هذه العملية مئة بالمئة لدى دعوني أسمع اقتراحاتكم حول كيفية الاحتفال به بعد أن نعود منتصرين”
صفّر الجنود بمرح ، بعضهم صفقوا وآخرون بدأو المناقشات حول كيفية الإحتفال بالفعل
ترجّلَ باترك من على المنصة وتوجه لمرأب السيارات فهو سينطلق قبل البقية ، تفحص معداته في صندوق سيارته البنية للمرة الأخيرة قبل أن ينطلق مسدسات ، متفجرات ، مصباح يدوي وقفازات اِرتداها بالفعل
أخرج المسدس عند خصره وتأكد من أن مخزنه معبئ وانطلق ، انطلق لتطبيق واحدة من أكثر الأفكار التي خطرت على باله جنونية على الإطلاق ، وغالبا لن يطول الأمر لتفقد الصدارة فلديه قائمة بالكثير من الأشياء المجنونة لفعلها في انجلترا خلال الفترة القادمة
السابعة إلا ربع مساءا – بروك ستريت – هوستينج
ركن سيارته في ناصية الشارع ثم وقف عند بوابة القصر العتيق في الشارع ، و الذي أحاطت به حديقة شاسعة على مد البصر تحرك بضع خطوات لليمين ثم بقفزة سريعة كان فوق الجدار الحجري للحديقة ، لقد قامت جماعة المخترقين خاصته باختراق نظام الأمان بالفعل وقطع التواصل بين مختلف الحراس ذاخل وخارج القصر على حد سواء
أخرج هاتفه يتفحص الخريطة التي أرسلها له لويس ، ذلك الشاب حقا ماهر في عمله قدم خريطة شاملة حتى لمخارج الطوارئ ،
جال باترك بعينيه في الخريطة كمن يجري مسحا لها ، توقفت أعينه عند ضالته…سيستخدم الطريق السري الذي سيوصله إلى غرفة الطعام حيث تتناول العائلة حاليًا عشاءها ، جنوده بالفعل يطوقونهم على طاولة الطعام دون أن يعرفوا
قفز إلى الحديقة بخفة ثم راح يمشي متخفيًا في الأشجار دون صوت ، هو قادر على الخروج وقتل جميع الحرس والخدم اللذين يعترضون طريقه ، لكن ذلك دون جدوى شعاره كان
“تجنّب كل قتال غير ضروري”
لدى هو سيذخل ويخرج بهدوء دون جلبة
تابع سيره الصامت ووصل مذخل القبو القديم الذي أهيل عليه الكثير من التراب والحشائش لتغطيته ، نفضه وجذب دفة الباب التي أصدرت صوتا ثبث الحشائش عليها بيده بحيث تغطي جزءًا من الباب بعد اقفاله لتقليل الشكوك ثم قفز وأقفل الباب خلفه بسرعة خاطفة
دون انتظار شغل المصباح اليدوي الذي أخرجه من جيبه وراح يعدو وهو يستشعر حركة الحراس اللذين سمعوا صوت اقفال باب القبو القديم
اختبئ خلف خزانة قديمة ثم شغل هاتفه ليتصفح الْخريطة ، خلف تمثال الأسد الشامخ يوجد طريق يؤذي مباشرة إلى قاعة الطعام يسده تمثال يماثل الموجود في القبو
تحرك من مكانه بخفة وهو يغطي فمه وأنفه لكثرة الغبار وشباك العناكب في هذا القبو كما لو أنه لم يُفتح منذ العام 1990 ، وصل إلى زواية الغُرفة حيث يقبع التمثال وكان بوسعه الإحساس بتيار هواء دافئ يأتي من خلفه وسط سقيع القبو
ضرب على الأرض حول التمثال وكان بوسعه سماع صدى صوت أقدامه أي هناك فراغ لتحريك التمثال ، وضع المصباح في جيبه وبحركة بسيطة أُزيح التمثال مظهرا خلفه جدار..
تفقد الخريطة ليرى ما إن كتب لويس أو شينغ أي ملاحظات عن الأمر لكن يبدوا أنهما لم يفعلا
تحسس الجدار بيديه يبحث عن نتوء ، قرميدة مميزةٌ أو شيئ لكن لا علامة مميزة سوى نسمات الدفئ التي تأكد أن هناك بابا هنا ، فرك شعره بانزعاج إلى أي قدر مصمم هذا المنزل ذكي؟ ما الذي قد يضعه كمفتاح لشخص بصدد الهروبِ من محاولة قتل أو اجتياح للمكان؟