شذا الشهداء - Chapter 4
منَ نحن!
القائد سيف: “السلام عليكم يا فتى هل أنت الضيف الذي انتظرته؟”
أوس: “نعم سيدي إنه أنا”.
القائد سيف: “إذا، ما مدى أهمية ما حدث لدرجة ضرورة مقابلتك لي ؟”، قال مشيرا للمحارب بالمغادرة خارجا. رد أوس و بعض من التردد قد طغا على نبرته : “أنا … بعد موت عائلتي تم أخذي رغما عني … إلى مخيم اللجون……..”
القائد سيف: “حسنا اكمل”.
أكمل أوس: “لم يكن مكانا سيئا، في الواقع لقد أحببت العيش هناك للغاية … وكوُنت الكثير من الصداقات”. أوقفه القائد سيف قائلا بنفاذ صبر: “يا فتى! أعلم أن هذا ليس ما جئت لتخبرني عنه، لا تخف ولا تقلق فإني لا أنوي إيذاء ذلك المكان”.
رد اوس مندهشا: “إلى ماذا تشير ؟ انتظر لحظة هل تعرف بما حصل بالفعل؟”.
القائد سيف: “لدي معلوماتي، لكني أحتاج إلى شاهد لكي أتاكد مما يجب فعله… لذلك أكمل”. اوس: “حسنا …. يأخذ الكفار أطفال هذا المخيم إلى مدارس الاحتلال الخاصة، وفيها يزرعون في عقولهم أفكارهم السامة، ككون المقاومة الفلسطينية هي الطرف السيء الطالح، أما كيانهم الغاشم فهو الصالح، كما يتم تعليمهم المهارات القتالية وحمل السيف وركوب الخيل، ثم يستعملونهم كبيادق يضحون بها في المعارك وهم يجهلون الحقيقة”.
“. القائد سيف: “هذا .. هذا أكثر من اللازم !! ظننتني أعلم الكثير بالفعل .. يا فتى تعال معي”. اوس: “إلى أين؟”.
القائد سيف: “إلى مخيمك العزيز”.
……………………………………………………..
في هذه الأثناء، كان الأطفال الذين بالكاد نجوا من القصف الذي أصاب العربة يقابلون مائدة تعج بأصناف عديدة من الطعام في نظرهم، لكن إن رأها شخص ترعرع في النعيم، فإنه سيأكلها مرغما وبكل أسى.
” فقد كان هنالك صحن امتلأ بالبيض المسلوق الذي يبدو صفاره كالشمس وقت الغروب، أما اللبنة فلونها أبيض كبياض ثلج “جبل الشيخ”، ثم الزعتر الملقى فوقها بمنظر يشبه الحشائش بعد ذوبان الجليد، وأخيرا اللمسة النهائية : زيت الزيتون، التي نسكبها فوقهم فتبدو كالنهر، ثم لدينا المنكوشة التي لا تخفى عنا ماهيتها ومعها قماجة الخبز وفوقها على ما يبدو “مية بندورة” .
ومن أفضل ما وجد على هذه المائدة : العرائس، فمجرد اشتمام رائحتها الزكية ننسى إرهاق الأحداث الفارطة، وكدت أنسى عصير البرتقال، أو كما يسمونه عصير البرتقان أو البردقان، ومعها كذلك عصير الليمون البارد، والمشروب اللامنسي : الشاي، بقي الكثير بالفعل لكني اكتفيت من التفكير في كل هذه الأصناف أريد تناولها فقط قبل أن يغمى علي”. قالت لورا بسعادة مفرطة.
وأثناء هذه اللحظات السعيدة نرى طفلة تهرس البيض بالشوكة، يبدو أنها تحب أكل البيض المهروس بينما تضع عليه القليل من الملح والفلفل الأسود، وفي الجهة الأخرى نرى صبيا يتحدى أصدقائه بمن يستطيع أن يرمي حبة الزيتون” في الهواء لتنتهي داخل فمه
أما في هذا الركن الذي في الزاوية فترى فتاة تعصر الليمون في كاسها الذي امتلأ بمزيج من الليمون والماء. وسط كل هذه الأوقات الجميلة وبينما كان معظم المحاربين بالخارج مع القائد سيف هجم عليهم جنود من الاحتلال وقد انتهزوا خُلوّ المكان من العديد من المحاربين.
جندي: “أيها النقيب هل يجب أن تهجم الآن؟”.
النقيب “انتظر قليلا حتى تخرج مديرة الميتم، فهي الهدف من كل هذه العملية”.
……………………………………………………..
كانت مديرة الميتم المسكينة متجهة لتعليق بعض الغسيل على الحبل، وإذا بسهم يخترق قلبها من الخلف.
سقطت أرضا تحاول التقاط ما بقى لها من أنفاس بينما تردد بخفوت : “الأطفال، أطفالي … احموا الأطفال!”
حاولت النهوض بما بقي لها من قوة تصارع موتها الوشيك، فإذا بها تسقط أرضا مرة أخرى وهذه المرة انكسرت يُمناها عند الاصطدام بصخرة حادة، فجعلتها تصرخ ألما … أردفت بصوت واهن ضعيف : أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا عبده ورسوله”.
ها قد ازهقت روح بريئة أخرى .. ومن قبل من؟
من قبل من يريدون تشريد الأطفال وقتلهم وترهيبهم، وحتى ما هو أسوأ … جعلهم يسلكون طريقا وعرة مظلمة، سيجعلهم هؤلاء الشياطين يقاتلون بني جنسهم من أصدقاء وعائلات يربطهم الدين والوطن والإنسانية والدم.
بعد قتلهم مديرة الميتم، واصلوا هجومهم العنيف على مأوى الأطفال، أين نجد الصغير والكبير، الضعيف والشديد.
قائد القسم :” أنت ، ماذا تظن أنك تفعل ؟! ”
محارب: ” ما-ماذا تريد أن أفعل يا سيدي ؟! “.
قائد القسم ” بسرعة احموا الأطفال وقوموا بإخلاء المكان وإخفاء
هم اين لن يجدهم العدو !”
محارب “حسنا يا أيها القائد ”
قائد القسم: “إذن ماذا تنتظر !؟ اذهب بسرعة !! ”
……………………………………………….
وكما تم أمر هذا المحارب والعديد من المحاربين مثله، تم محاولة إخفاء أكبر قدر ممكن من الأطفال وبطبيعة الحال لم ينجحوا في هذا كليا.
حيث الأطفال مجتمعين، حيث لا يسمع إلا صوت بكاءهم المكتوم وهمساتهم الخافتة بينهم.
نطق مصطفى بصوت هلع وجسد مرتجف وعينين جاحظتين حملتا دموع العالم فيهما: “ل- لا أريد الموت، هل تظنون أنهم سيحاولون قتلنا ؟ أليس لديهم قلوووب !! لم أعش من حياتي سوى 13 سنة ، لم أر منها شيئا بعد!”
انّبه ريان من يفوقه عمرا بصوت خافت محاول السيطرة على ارتجافه: “يا فتى تمالك نفسك، الآن ليس بوقت الانهيار والعويل”.
رد مصطفى والدموع تنهمر من عينيه وقد زاد ارتجافه: “عن ماذا !! تتحدث انهم هناك !! خلف ذلك الحائط !!! ولا تريد رؤيتي هلعا؟!، لا أريد الموت .. لا أريد هذا !!”.
….
“لا أعرف اسمك، لكني كنت أحد ركاب العربة التي تعرضت للقصف هل تعلم ماذا شهدت عيناي هناك؟”.
مصطفى: “ماذا؟!”
ريان ” كان هنالك محارب من محاربيهم، توجه لتفقد جثث الطفال !! جثث أشخاص كانوا أصدقائي يوما !! أشخاص كان ممكنا أن يكونوا معنا الآن يأكلون طعاما لذيذا كهذا !!
وماذا أيضا؟ كان يضحك أتفهم معنى أنه كان يضحك بينما يستمتع بمنظر جثث أطفال؟!
ولكن مع هذا لم أخف .. هل تعلم لماذا؟
لأني على يقين بأن ربي سيحميني، والحمد لله، لم أشك ولو للحظة بأن مكروها قد يصيبني، ورغم هذا فإني لا أمانع الموت شهيدًا ابدًا ، سأدخل من باب الشهداء في الجنة نحن المسلمون مختلفون عنهم، نحن لا نهاب الموت مثلهم، يجب عليك التفكير بهذه الطريقة، إنك فلسطيني، وفوق كل هذا فأنت مسلم!
فقد قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه: “كنا أذل أمة فأعزنا الله بالإسلام، ومهما ابتغينا العزة في غيره أذلنا الله”. نحن نحب وطننا وهذا ما لا شك فيه، لكننا نحب ديننا أكثر، نحب القدس بقدر ما نحب مكة، فهم مقدسون بالنسبة لنا وبالنسبة للأرض منذ نشأتها”.
جودي: “ألم تلاحظ أن كلامك قد طال ؟ أظنهم على وشك الهجوم علينا وأنت مازلت تتحدث”.
رد ريان بارتباك: ل-لكني لم أتحدث عن شيء ممل، كنت فقط أحاول رفع معنوياته….”.
جودي: “أعلم لكن ليس الآن علينا التعاون لابتكار خطة ما”.
حارث: “هل يمكنني أن اقترح شيئا؟”.
ريان: “أجل، تحدث”.
حارث: “بدون أسئلة الآن ليس لدينا وقت كاف، معي بضع مقالع، من يرى أنه جيد في استعمالها سأعطيه إياها، هنالك حجارة على الارضية، وفي تلك الزاوية يوجد تقريبا 4 عصي خشبية، سنستعمل كل هذه الأدوات، من يخاف من الهجوم، فليأخذ صحنا أو كأسا ،يملؤه بالعصير في ذلك البرميل وعند دخول الجنود يرشهم به.
وافق الجميع على خطته، لم يملك أحد خيارا آخر، وكلٌّ توجه لموضعه ينتظر دخول الأعداء.
حانت اللحظة المنتظرة !
محارب : ” يالهذا الملل … لا بد أن المحاربين قد أخفوا الأطفال في مكان ما”.
نطق رفيقه: “صحیح یا رجل كنت أريد رؤية الخوف على وجوههم”.
“لنفحص إن ما كان أحد في ذلك المخزن”.
وفي اللحظة التي فتح الجنود الباب رش عليهم الأطفال ماكان بيدهم من عصير ليمون وبرتقال .
صرخ محارب : “يا أغبياء !!! لا أستطيع الرؤية !!!”.
حارث: “ريان ومن معه … هجوووم !!”.
هجم الأطفال بالعصى الخشبية على عدة جنود وضربوهم ضربا مبرحا، فبدأ أحد الجنود الذي بدا مراهقا في البكاء بينما يرجوهم ليرحموه !!!
وكأنه سيفعل ذلك لو كان مكانهم.
حارث : “جودي هاتِ الحجارة التي جمعتوها، مصطفى وماريا اسكبا عليهم المزيد من العصير !! والآن من يحمل المقالع فليرشق الجنود بالحجارة !!”
كانت الخطة تسير بخير لكن الأطفال أصابهم التعب والإعياء، فبدأ الجنود في التقدم وبدأوا في إصابة الأطفال بسيوفهم.
جودي: “حاااررث … ريياان ماذا يجب أن نفعل الآن ؟!!”.
رُفع سيف بنية قطع رأس طفل صغير، لكن … فجأة ومن اللامكان، اخترق سهم الهواء لينغرس في ظهر ذلك الجندي، بعدها و من نفس الملقي .. بدأت مزيد من السهام تخترق الجنود وتطيح بهم واحدًا تلو الآخر، فسقطوا يتلوّون أرضًا من شدة الألم، فهم يشكون من أتفه الإصابات وأبسطها، فما بالك بألم إصابة سببها سهم اخترق العظام؟
صرخ جندي ألما : “قدمييي ..!! ما الذي حصل الآن بحق الإله ؟!!”
ريان : “هل أنت متأكد من أنك تعرف الله ؟!”.
محارب : “أصمت أيها الفتى اللعين فقط لو أن ذلك الشخص المجهول لم يظهر!”.
حمحم مصطفى وابتسامة شريرة تعلوه: “أحمم …. لدي فكرة”.
قام الأطفال بجلب تفاح وحبال وربطوا الجنود بها، وكم كان مضحكا رؤية الأطفال يدخلون التفاح في أفواه الجنود رغما عنهم، أو عندما قال أحد الأطفال بصوت مسموع : بصراحة، فقط الآن تذكرت كيف أخبرني والدي ذات مرة عن ما يفعله الأجانب بالحيوانات التي يريدون أكلها، تحديدًا الخنازير”.
بعد تلك الجملة عمّت الضحكات ذلك المكان معلنة عن أنه وأخيرا قد حل بعض السلام والهدوء على قلوب هؤلاء الأطفال، مهما كان ضئيلا بسيطا أو مؤقتا.