ظلال البقاء - 3
السماء كانت قد بدأت تتحول إلى اللون الرمادي الداكن مع اقتراب الغروب، وكانت الرياح تحمل برودة غير طبيعية. جلس سامر بجانب مالك الذي كان قد غطى وجهه بيديه، محاولًا كتم بكائه. في كل مرة كان يشعر بالخطر أو الخوف، كان يلجأ إلى تلك الطريقة كما لو كانت تحميه من العالم الخارجي القاسي. سامر لم يكن قادرًا على حماية أخيه من هذا العالم، وهذه الحقيقة كانت تلتهمه من الداخل.
لم يستطع سامر أن يتحمل رؤية أخيه بهذا الحال. جسده كان يؤلمه من الصراع الذي خاضه مع الرجل المسلح، لكن الألم الحقيقي كان في داخله، حيث بدأ يتساءل عما إذا كان بإمكانه حقًا حماية مالك إلى الأبد. حمل هذه المسؤولية، في عالم قد تحول إلى غابة من الفوضى واليأس، كان يكاد يطيح بعزيمته.
وضع يده بلطف على كتف مالك، محاولًا أن يكون مصدرًا للراحة رغم أن قلبه كان مملوءًا بالقلق. “أنا آسف يا مالك… أنا آسف على كل هذا. لو كنت أستطيع تغيير أي شيء…”، تمتم سامر وهو يحاول أن يخفي صوته المرتجف. كانت دموعه قريبة من الانفجار، لكنه كان يعرف أن عليه البقاء قويًا. لم يكن هناك وقت للضعف.
رفع مالك رأسه ببطء، وعيناه محمرتان من الدموع. “أنا… أنا خائف يا سامر. ماذا لو لم أستطع التحمل بعد الآن؟ ماذا لو…”، قال وهو يتوقف فجأة، كما لو أن الكلمات قد خانته.
انكمش قلب سامر عند سماعه تلك الكلمات. كانت مشاعر العجز والخوف تتصاعد داخله مثل موجة جارفة. لم يكن يعرف كيف يرد. كيف يمكن أن يطمئن مالك حين لا يملك هو نفسه الأجوبة؟ كيف يمكن أن يعده بأن الأمور ستتحسن في حين أن كل يوم يمر يزيد الأمر سوءًا؟
”مالك…”، قال سامر بصوت مبحوح، ثم صمت للحظة محاولًا اختيار كلماته بعناية. “أنا أيضًا خائف. كل يوم يمر عليّ وأنا أتساءل عما إذا كنا سننجو حتى اليوم التالي. لكن الشيء الوحيد الذي أعرفه هو أننا معًا… طالما نحن معًا، يمكننا أن نتحمل. لقد مررنا بأشياء فظيعة، وسنمر بالمزيد، لكننا لن نستسلم، فهمت؟”
تسللت كلمات سامر إلى قلب مالك ببطء. كان يعرف أن سامر يحاول أن يطمئنه، لكنه كان يشعر أن هناك شيئًا أكبر من مجرد الكلام. كان هذا الشعور بالوحدة، العميق والمظلم، يسيطر عليه. رغم وجود سامر بجانبه، إلا أن الخوف كان يزداد قوة في داخله. كان يشعر وكأن العالم قد انقلب ضده، وأنه مهما حاول، لن يستطيع الهروب من هذا الواقع القاسي.
”أحيانًا، أشعر أنني لن أستطيع الاستمرار. أنا… أفتقد ماما وبابا كثيرًا”، قال مالك بصوت مختنق بالدموع. كان يضغط على نفسه للبقاء قويًا، لكنه لم يعد يستطيع تحمل هذا العبء. كان صغيرًا جدًا على تحمل كل هذا الألم.
ابتلع سامر غصة في حلقه، محاولًا إخفاء دموعه. لم يكن يريد أن يرى مالك ضعفه. كان يجب عليه أن يكون الجدار الذي يستند إليه أخوه، لكن كيف يمكن للجدار أن يبقى ثابتًا عندما تبدأ أساساته بالتصدع؟
”أنا أيضًا أفتقدهما يا مالك”، قال سامر أخيرًا بصوت ناعم، يكاد يكون همسًا. “كل يوم أفكر فيهما… أفكر في كيفية كنا نجلس معًا في المنزل، وكيف كانت ماما تحضّر لنا العشاء، وكيف كان بابا يحدثنا عن قصص من الماضي. تلك اللحظات كانت تبدو بسيطة، لكنها الآن… تشعر وكأنها حلم بعيد.”
السماء كانت قد بدأت تتحول إلى اللون الرمادي الداكن مع اقتراب الغروب، وكانت الرياح تحمل برودة غير طبيعية. جلس سامر بجانب مالك الذي كان قد غطى وجهه بيديه، محاولًا كتم بكائه. في كل مرة كان يشعر بالخطر أو الخوف، كان يلجأ إلى تلك الطريقة كما لو كانت تحميه من العالم الخارجي القاسي. سامر لم يكن قادرًا على حماية أخيه من هذا العالم، وهذه الحقيقة كانت تلتهمه من الداخل.
لم يستطع سامر أن يتحمل رؤية أخيه بهذا الحال. جسده كان يؤلمه من الصراع الذي خاضه مع الرجل المسلح، لكن الألم الحقيقي كان في داخله، حيث بدأ يتساءل عما إذا كان بإمكانه حقًا حماية مالك إلى الأبد. حمل هذه المسؤولية، في عالم قد تحول إلى غابة من الفوضى واليأس، كان يكاد يطيح بعزيمته.
وضع يده بلطف على كتف مالك، محاولًا أن يكون مصدرًا للراحة رغم أن قلبه كان مملوءًا بالقلق. “أنا آسف يا مالك… أنا آسف على كل هذا. لو كنت أستطيع تغيير أي شيء…”، تمتم سامر وهو يحاول أن يخفي صوته المرتجف. كانت دموعه قريبة من الانفجار، لكنه كان يعرف أن عليه البقاء قويًا. لم يكن هناك وقت للضعف.
رفع مالك رأسه ببطء، وعيناه محمرتان من الدموع. “أنا… أنا خائف يا سامر. ماذا لو لم أستطع التحمل بعد الآن؟ ماذا لو…”، قال وهو يتوقف فجأة، كما لو أن الكلمات قد خانته.
انكمش قلب سامر عند سماعه تلك الكلمات. كانت مشاعر العجز والخوف تتصاعد داخله مثل موجة جارفة. لم يكن يعرف كيف يرد. كيف يمكن أن يطمئن مالك حين لا يملك هو نفسه الأجوبة؟ كيف يمكن أن يعده بأن الأمور ستتحسن في حين أن كل يوم يمر يزيد الأمر سوءًا؟
”مالك…”، قال سامر بصوت مبحوح، ثم صمت للحظة محاولًا اختيار كلماته بعناية. “أنا أيضًا خائف. كل يوم يمر عليّ وأنا أتساءل عما إذا كنا سننجو حتى اليوم التالي. لكن الشيء الوحيد الذي أعرفه هو أننا معًا… طالما نحن معًا، يمكننا أن نتحمل. لقد مررنا بأشياء فظيعة، وسنمر بالمزيد، لكننا لن نستسلم، فهمت؟”
تسللت كلمات سامر إلى قلب مالك ببطء. كان يعرف أن سامر يحاول أن يطمئنه، لكنه كان يشعر أن هناك شيئًا أكبر من مجرد الكلام. كان هذا الشعور بالوحدة، العميق والمظلم، يسيطر عليه. رغم وجود سامر بجانبه، إلا أن الخوف كان يزداد قوة في داخله. كان يشعر وكأن العالم قد انقلب ضده، وأنه مهما حاول، لن يستطيع الهروب من هذا الواقع القاسي.
”أحيانًا، أشعر أنني لن أستطيع الاستمرار. أنا… أفتقد ماما وبابا كثيرًا”، قال مالك بصوت مختنق بالدموع. كان يضغط على نفسه للبقاء قويًا، لكنه لم يعد يستطيع تحمل هذا العبء. كان صغيرًا جدًا على تحمل كل هذا الألم.
ابتلع سامر غصة في حلقه، محاولًا إخفاء دموعه. لم يكن يريد أن يرى مالك ضعفه. كان يجب عليه أن يكون الجدار الذي يستند إليه أخوه، لكن كيف يمكن للجدار أن يبقى ثابتًا عندما تبدأ أساساته بالتصدع؟
”أنا أيضًا أفتقدهما يا مالك”، قال سامر أخيرًا بصوت ناعم، يكاد يكون همسًا. “كل يوم أفكر فيهما… أفكر في كيفية كنا نجلس معًا في المنزل، وكيف كانت ماما تحضّر لنا العشاء، وكيف كان بابا يحدثنا عن قصص من الماضي. تلك اللحظات كانت تبدو بسيطة، لكنها الآن… تشعر وكأنها حلم بعيد.”
سحب مالك قدميه إلى صدره وجلس مطويًا على نفسه، كأنه يحاول أن يحتضن نفسه ضد البرد القاسي الذي كان يعصف بقلبيهما. كان الخوف والحنين يلتهمانه ببطء، كما لو أن شيئًا مظلمًا وعميقًا كان يسحبه إلى الهاوية.
تقدم سامر وجلس بجانب مالك، ثم وضع ذراعه حوله وجذبه نحو صدره. كان يعانقه بإحكام، وكأنه يحاول أن يحميه من كل شيء سيئ في العالم. في تلك اللحظة، لم يكن هناك حاجة للكلمات. فقط كانا يجلسان معًا، يتشاركان في صمت حزين يعبّر عن كل ما لم يستطيعا قوله.
بعد لحظات طويلة من الصمت، بدأ الظلام يزحف على الغابة. كان عليهما أن يتخذوا قرارًا: البقاء هنا طوال الليل، أو المخاطرة بالبحث عن مكان أكثر أمانًا. في النهاية، قرر سامر أن يتحركا. لم يكن هناك أمان في هذا العالم، ولكن البقاء في مكان واحد لفترة طويلة كان يعني فقط الانتظار حتى ينهار كل شيء.
”علينا أن نواصل السير، مالك. لا يمكننا البقاء هنا”، قال سامر وهو يحاول أن يعيد التركيز إلى الهدف. “سنجد مكانًا أفضل. فقط اتبعني.”
وقف مالك ببطء، ومسح دموعه بكمه. كان لا يزال مترددًا، لكن ثقة سامر أعطته القوة للتحرك. مع كل خطوة كان يأخذها، كان يحاول أن يتجاوز الخوف العميق الذي كان يسيطر عليه.
بينما كانا يسيران عبر الغابة المظلمة، تذكّر سامر شيئًا كانت والدته تقوله دائمًا لهما عندما كانا صغيرين، عندما كانا يخافان من العواصف. “في النهاية، دائمًا ما يظهر النور بعد الظلام”، كانت تقولها وهي تبتسم لهما، محاولًة طمأنتهما. تلك الكلمات كانت تبدو بسيطة في حينها، لكنها الآن أصبحت بمثابة الحقيقة الوحيدة التي يمكن لسامر التمسك بها.
”مالك، تذكر هذا… مهما كان الظلام كثيفًا، سيأتي النور يومًا ما. ربما ليس اليوم، وربما ليس غدًا، لكننا سنجده”، قال سامر وهو ينظر إلى أخيه في محاولة لزرع بعض الأمل في قلبه المكسور.
رفع مالك عينيه نحو سامر، ورغم أن الخوف لم يختفِ تمامًا، كان هناك شيء جديد في عينيه—بصيص من الأمل. ربما لم يكن النور قريبًا بعد، لكنه كان موجودًا، وكان عليهما فقط أن يواصلا المسير للوصول إليه.