فتاةُ السّبات - 1
داخلَ غابةٍ غُطِّيـتْ بالثلوجِ، وغَرقَت بينَ حبّات الجليد القاسيِة.
ومن بين بَواطِن السكِينةِ وبراءَةِ الثلجِ الأبيضِ النقي…
كانت هناك آثارٌ يمحيها زمُوعُ الصـقيع، وتُخفي بينَ ثناياها الحقيقة، حقيقَةُ ما يحدثُ ها هُنا.
فتاةٌ صغيرة تجري حافيةً عجولة، أعيَتْ مِن الركضِ سيقانُها لكنّها دأبَتْ بلا انقِطاعة، إلامَ تجري يا غابةُ أخبريني، لحريِّةٍ أم مِن رهبةٍ وارتِياعة.
مُضطربةٌ أنفاسُها، خائِفة، وارتعدتْ بردًا بشرَةُ بدِنها الشّاحِبَة، تلوّن وجهُها أحمرًا مِن جوٍّ زمهرِير، واقتُلِعَ جِلدُ رجلِيها الخائِبَة.
لم تعِ ألمًـا قد حلَّ بِها، تنقاد مِن رياحٍ تُسَمّى حرورًا هائِجة.
شَعرُها كان قدِ إقمرّ صبغُه كالشّيبِ، وكـفروِ الذين يُلاحقونهَا بلا هوادَه.
قطيعٌ من الذئاب يطاردُها بسلاسلٍ منسدلةٍ من الأطواقِ حولَ رقابِهم، عشرٌ منهم يتّبعونها خطوةً خطوة، لا رحمةٌ انطوت في قلوبِهم، ولا رأفةٌ رافَقت عقولَهم…
أصبحتِ الأرضُ كالرّمال المتحرّكة، تخطو عليها فتنجَرِفُ أسفلًا، وتقترِب الذئاب شيئًا فشيئا، كُل خطوةٍ تخطوها كانت تُبعدها أكثرَ عن النجاة، وتقرّبُها أكثر من المنيّة…
تُهرولُ هربًا نحو المجهول في أرضٍ غريبة، حتّى تعثّرَت من على مرتفعٍ ما، وسقطت تتدحرَجُ فأضحت عُيونُها كاسِفة.
وبينما أخَذتْ تحْبِي، وتُحاول النجاةَ…
إنقضّ عليها ذئـبٌ كبيرٌ منهم ومنعهَا مِن الإفلات. وهجمَ الآخرون على جسدِها الهزيل… منهم من هشّم عظامَ سيقانها حتى انفصلت عن جِسمها، ومنهم من اقتاتَ على لحمِهَا القليل…
مَن يعضُّ رقبتها حتى بلوغِ حبائلِ عنقِها، ومااشتملَ عليهِ تامورُ صدرِها، ونياطُ حجابِ قلبِها حتى تفجّرت دماءُها على الثلجِ فـأصبح ورديًّا محمرّا، وقلبُها بهِ أمسى مسودًّا مُسمرّا…
كل هذا وعينيها مجحوظتان، تدمعُ بالقليلِ بينما تقدِر، ويشاهدانِ ميتَتها الشنيعَة حتّى ذَبُلـَت قرنيّتَاها، واضمحلّت أنفاسُها، وأُفِلَت نظراتُها الشجيّة في عدمٍ أدهمٍ مدلهمِ…
موتٌ خطَفها بـغتةً من بينِ يديّ الحياةِ العاسِفة، و شُعاعُ أحلامها الفتيّة قد إختفى من عينِها الآنيَة البالية…
مصيبةٌ قد حلّت في هذه الأرضِ المشؤومة، أطرافٌ قُطِعت وقلوبٌ شُجّت، أشجارٌ صَرخَت ودماءٌ سُفِكَت، ولعلّ نفوسَ الإنسِ قد علِمت ما فَعلَت…
ومِن قُبحِ ذلكَ قد ندمَت…
فإن لم تفعَل فـيومُهم لآت…
هذا ما وَعدَتْ بهِ فتاةُ السُّبات…