لوحة الربيع - 3
انتهى يوم الميلاد بسلام، يومي الآن فتاة ذات ١٧ ربيعًا.
نامت وهي تشعر وكأنّها أول مرة تنام فيها، تبدد شبح عمها المتربص لها في أحلامها ليقلبها كابوسًا.
حلمت، ولأول مرة، حلمًا لم ترغب بأن تستيقظ منه أبدًا…
– ” أمي، أمي، اُنظري ماذا صنعت لكِ “
– ” طوقًا من الورود! كم أنتِ مبدعة يا صغيرتي “
– “ماماااا، أخي ضربنييي.. اهئ اهئ.. “
– ” لم أفعل شيئًا، هو من حاول إسقاطي! “
ضمتهما يومي وقالت:
– ” كلاكما اعتذرا لبعضكما، والعبا سويًا بلا أذية “.
ناداها صوت دافئ وحنون من خلفها:
– ” زوجتي الغالية وأبنائي الأعزاء مجتمعون هنا دون إخباري؟ “
– ” أبي، لقد خبزت أمي كعكة شهية “.
– ” لقد أراد أخي الأكبر تناولها دونك، تخيل!! “
– ” لكنّ أمي أوقفته وأرادت أن تعطيها لك أولًا “.
أتاها وحضنها من الخلف: ” يا لزوجتي المحبة. “
أرادت يومي أن تلتفت لترى من هو، وحالما التفتت، استيقظت من حلمها على رائحة الكعك..
– ” اههه، كان مجرد حلم “. وبدأت تلكم وسادتها
لكن.. لقد كان جميلًا.. « اههه، ليتني رأيت ممن تزوجت ».
وحضنت وسادتها بعدما انتهت من ضربها.
نزلت لتستقصي عن مصدر رائحة الكعك اللذيذة، لتجد هارو جالسًا وأمامه رسالة مغلفة بظرفها.
-“صباح الخير، عسى مضمون رسالتك أيضًا خير”.
جلست يومي مقابل هارو ومد لها الرسالة، أخذتها لتجد أقصر رسالة قرأتها قط في حياتها.
(“ميلادًا سعيدًا”
توماس )
-“توماس؟”.
-“إنه معلم الابتدائية للقرية، رغم انطوائه إلا أنه يتذكر تفصيل كل طالبٍ درس عنده، مذهل صحيح!”.
-” ألا يوجد معلم سواه؟”.
-” ياعزيزتي نحن في قرية متواضعة صغيرة، كما أن السيد توماس عبقري كتب وكتابة، يبلغ في وصفه وكتابته مايؤهله ليصبح أشهر كاتب، لذا هو المثالي لتدريس الأطفال، ستفهمين ما أعنيه إن قابلته يومًا ما”.
-” أود ذلك، خالتي وردة في المطبخ صحيح؟”.
-” أجل تعد لابنها الحبيب مفاجأة”.
ضحكت يومي باستهزاء :”يالك من مغتر”.
ذهبت يومي للمطبخ :”صباح الخير خالتي وردة”.
– ” اوه، صباح الخير يا بنتي “.
– ” خالتي وردة، ماذا تخبزين؟ “
– ” أخبز كعكة لهارو، اليوم يوم ميلاده، أنسيتِ؟ “
– ” اوف! لم أكمل هديتي، يا لسوء ذاكرتي “.
وركضت مسرعة لغرفتها، أخرجت علبة لطيفة وُضع فيها وشاح مُحاك بصوف أحمر اللون.
– ” لم يتبقى الكثير، أتمنى أن يسعفني الوقت.. “.
أكملت حياكتها تسابق الوقت والزمان، حتى انتهت وقد قارب الوقت قبيل المغيب.
>قبيل المغيب؟؟؟ لم يتبق شيء على الحفل<!!
أسرعت ترتدي أقرب فستان أمامها ونزلت، وإذ بهارو يدخل، حالما سمعته سقطت من الدرج.
وضعت والدة هارو الكعكة على الطاولة، وذهبت لتجلب بعض الثلج ليومي، بينما ركض هارو ليساعد يومي على الوقوف ساخرًا:
– ” كم أنّكِ حمقاء، من يسقط مِن درج خشبي بهذه الطريقة؟ “
– ” مفاجأة ! “
رفعت له يومي هديته مباشرة، بشعرها المبعثر وهي تلهث ببطء..
لمعت عينا هارو وابتسم ابتسامة كبيرة خجلة:
– ” شكرًا لكِ، يومي الحمقاء.. “
دخل كازو حالًا، قائلًا ببروده المعتاد:
– ” كأنّني سمعت صوت سقوط دبٍ ما، هل ــ “.
ورأى يومي على الأرض، ممسكة بيد هارو الذي كان من المفترض أن يرفعها.
– ” ألا يمكنكما توفير بعض الرومانسية لوقتٍ آخر؟ وأنا الذي كدت أطير فرحًا من وجود الدب، الذي اتضح أنّه الخرقاء يومي “.
احمرّ وجه يومي خجلًا بينما خرّ هارو ضاحكًا.
أتت والدة هارو ويدها على خدها محبطة:
– ” يا للأسف، نفذ الثلج يا عزيزتي “.
– ” لا بأس، ساعدني هارو بالوقوف، أنا الآن بخير، هيا لنبدأ بتقطيع الكعك “.
________________
وبينما كازو يساعد السيدة وردة في غسيل الأطباق، كانت يومي رفقة هارو ينظفان الطاولة وما حولها.
فتح هارو هدية يومي ليجد وشاحًا أحمر ناعمًا، وتتورد عيناه بريقًا:
– ” لونه كلون شعرك “.
لفه حول عنقه برفق:
– ” يبدو أنّي سأشعر وكأنّك معي حينما أرتديه، لحظة، أخاف أن أفسده، أظنّني لن أرتديه ،آااههه! ماذا أفعل ؟! “
ضحكت يومي:
– ” أصبحتَ ١٩ عامًا ولا زلت كالطفل “.
نظرت لهارو وابتسمت بحب:
– ” لا بأس، ارتده كثيرًا وأفسده، سأحيك لك المزيد والمزيد دائمًا “.
شعر هارو برعشة في قلبه.. هل ستبقى دائمًا حقًا ؟ خاف حينها حقًا من فقدانها..
– ” اسمع هارو، ما الذي يحبه كازو كثيرًا؟ “
– ” سؤالك بسيط، بالطبع أنا “.
ضربت يومي رأس هارو بالمنشفة:
– ” والآن، ما الذي يحبه؟ “
حك هارو رأسه متألمًا:
– ” إن كنتِ تفكرين بهدية ميلاده، فلا تُجهدي نفسكِ؛ كازو لم يحتفل بميلاده قط، وأيضًا، شكرًا لغسول الشعر الوسخ هذا “.
– ” لكن.. عندما أتيت هنا لأول مرة، لم أعلم بأنّ أيام ميلادكم مقاربة لميلادي، ولم يتسنَ لي إقامة شيء لكما، أردت أن أقوم بشيء مميز في أول يوم ميلاد أقيمه معكما “
– ” نيتكِ الطيبة كافية “.
ظلّت يومي تمسح وهي تفكر وتفكر، حتى أتت لها فكرة رائعة؛
– ” اسمع، سنقيم لعبة! “
❀ ❀ ❀
-بعد أسبوع-
خرج كازو باكرًا قبل الفجر كعادته، يبحث عن بعض العسل والدببة، وعاد بعد ساعتين ولم يجد أحدًا في المنزل، استغرب لذلك وناداهم، إلّا أنّه لم يجبه أي أحد..
بحث عنهم في أرجاء المنزل، لكن بلا نتيجة تُذكر..
انتظر ساعة.. ساعتين.. ثلاث، حتى سأم وقام ليحضر بعض الخضروات من الحديقة ويستعد لتحضير الإفطار، وجد رسالة على طاولة أدوات الزراعة تقول:
{ إن أردت إيجاد المفقودين، عليك البحث؛ أنا شيء داخلي مهم للحياة، وخارجي قاسٍ كالصندوق.. من أنا؟ }
– ” هاه؟ “
وضع الرسالة في جيب سترته، وقطف بعض الخضار ودخل للداخل، وضعها ليغسلها بالمطبخ، همّ بتقطيعها لكن رسالة الحديقة شغلت فِكره.
أخرجها وفكر قليلًا ثم قال:
– ” الثلاجة؟ “
فتح الثلاجة وخرجت ورقة أخرى؛
{ ممتاز! حسنًا، تناول إفطارك ثم أكمل الجولة التالية؛ تجدني في مكان مليء بالأشكال والألوان ومختلف الخامات، من أنا؟ }
تناول شريحة من الخبز وهو يقرأها، ثمّ فكّر قليلًا « مختلف الخامات؟ »
فتح كل خزانة ملابس بالمنزل، حتى وصل لغرفته، وسقطت ورقة من خزانة ملابسه؛
{ بدأت تتقدم، حسنًا؛ أنا طويل بلون واحد، أُدفع فأُفتح، وأُسحب فأُغلق، من أنا؟ }
كازو بابتسامة ساخرة:
– ” على الرغم من سخف ألغازكم، إلّا أنّكم لا تُحددون مكانًا مميزًا؛ عليّ أن أبحث بكل الأبواب “.
ظلّ يفتح بابًا بابًا، حتى وصل لباب المنزل؛
{ حسنًا لن نطيل، سنعيد رهائنك بشرط واحد؛ انتظر حتى نهاية البداية، لتأتيك بداية النهاية. }
– ” أنتظر نهاية البداية؟ أي بداية؟ أهي بداية اللعبة؟ هممم “
« انتظر؟» ابتسم ابتسامة متحدية:
– ” أيعقل المقصود بالبداية وجود الشمس؟ بوجودها يبدأ اليوم، وبغيابها انتهت البداية؛ حسنًا إذًا، لننتظر ونرَ يا آنسة يومي “.
قرُب الغروب، وفجأة، وجد رسالة تحت نافذة المنزل:
– ” أنا في مكان لا يعرفه سوى أربعة، ولم يبنه سوى اثنان، ولا يقطن فيه سوى واحد “.
– ” هاه؟؟؟ “
ظلّ يفكر ويفكر، أتقصد بيت الشجرة؟ جيّد لكن، من الواحد الذي يسكنه؟ أتقصد أنّنا أحيانًا نبقى فيه أغلب يومنا وكأنّنا سكانه؟ لا، هذا ليس بواحد..
دار في مكانه ودار مفكرًا، حتى صرخ
– ” وجدتها! “
ركض لبيت الشجرة؛ فالشجرة هي الواحد المقصود، تسلق حتى فتح بابه، ليصرخ يومي وهارو معًا:
– ” مفاجأة! “
– ” ما هذه اللعبة الغريبة؟ “
وقفت يومي ومدت شريطًا يلم مشرطًا خشبيًا بتطريز مميّز لأشكال الدببة.
– ” لم أشأ أن تمر سنتي معكما دون شيء مميّز، هذه منّي ومن هارو، كلانا عملنا عليها “.
– ” يومي اقترحت اللعبة حتى نترك أثرًا مميّزًا لميلادك الأول معنا “.
– ” يا بني، لم أرد خبز كعك تقليدي، لذا بحثت لك عن عسلٍ مميّز لأصنع به كعكة العسل التي تحبها كثيرًا “.
– ” يومي.. هارو.. خالتي وردة.. شكرًا جزيلًا لكم.. “
وابتسم ابتسامة كبيرة؛ ملؤها الفرح والسعادة.
دُهشت يومي، إنّها لمرّتها الأولى ترى ابتسامة كتلك على محيا كازو..
~~~~~~~~~~~~~~~~~ ✿ ✿
أثناء سيرهم للعودة لمنزلهم، قالت يومي وهي تفكر:
– ” الآن أدركت أنّ كازو لم يحضر مولد هارو العام الماضي، حيث كان في طريقه لأخذي لهنا “.
– ” أجل، لم تكتفي بتأخيري عن المنزل في يوم ميلادي بل لم تتوقفي حينها عن إخراسي “.
– ” أنت من كنت تطرح أسئلة مستفزة “.
– ” كنت أساعدك، لذا عليك إخباري طبعًا “
– ” بالله عليك؟ “
– ” كفاكما الآن، ستبدآن عراكًا آخر أيّها الطفلان “.
– ” هل أنت من يقول هذا، أيّها الأحمق الكبير هارو ؟ “
– ” على ذِكر الأمر، عليّ العودة مجددًا إلى المدينة”.
توقفت يومي فجأة عن المسير:
– ” لـ-لماذا؟ “
التفت هارو وكازو عليها وتعابيرها القلقة تزداد، ونبضات قلبها تتسارع بقوة.
– ” اهدئي، لن أذهب بالقرب من عمّك وذاك النبيل، يبدو أنّكِ نسيتِ أنّني أيضًا كنت هناك بالعام الماضي؟ لدي أعمال جدي هناك أيضًا “.
مشى هارو وربّت على كتف يومي:
– ” لا تقلقي، لن يأخذكِ أحد من هنا “.
اقترب وهمس في أذنها:
– ” أنتِ معي “. ثم غمز
تنفست يومي الصعداء، لكنّها ما زالت مترددة من ذهاب كازو.
~~~~~~~~~~~~~~~~~ ✿ ✿
في صباح اليوم التالي، ودّعوا كازو، وأخذ منتجات مزرعة جدّه ليذهب في تجارته للمدينة.
لم تأت يومي بعد.. ألن تودعه أيضًا؟
تنهد كازو؛ فيومي لم يزل خوفها بعد، وحالما همّ بالذهاب، نادته يومي من بعيد وأعطته رسالة:
– ” أعطها لآلبرت لطفًا إن استطعت “.
– ” قد أجده قلقًا بدوره، لن أرتاح منكِ هنا وهناك “.
ضرب حصانه وذهبت عربته للمدينة.
– ” أرجو أن يسير كل شيء على ما يرام “.
قالتها يومي وفي قلبها مئات النغزات الحادة؛ هناك شعور سيء يحيط بها…
يُتبع..
حساب الانستغرام : @imamy03