لوحة الربيع - 6
بعد أن رحلا، أعادت يومي ربط الخنجر بفخذها وفكّت شريط شعرها لتجمعه بالكامل، وحسمت قرارها؛
– ” سأُنقذ كازو… “.
وهذا ما حدث؛ فقد سارا ونفذا الخطّة كما كانت، ذهبا خفية لمنزل السيد توماس النائي عند التلة، بدّل آلبرت ثيابه.
-” ما هذا الحال يابني؟”. سأل توماس هارو مستفسرًا
-” يومي التي حدّثتك عنها .. قد عادوا لمطاردتها و خطفوا كازو رهينة عندهم”.
-” إنهم ينوون القبض على كل من له علاقة مقربة من يومي لابتزازها بهم، إن كنت مقربًا منها ياسيدي أرجوا أن تبتعد عن القرية مؤقتًا لسلامتك”.
ابتسم السيد توماس ابتسامة صغيرة ونظر لمكتبه متذكرًا كتابة يومي ثم قال “للأسف أظنني بعيدًا كل البعد أن اكون مقربًا لتلك الفتاة .. على كلٍ من تكون أيها الأسمر الوسيم؟”
-“أتغازلني ياسيد؟” وضحك كلًّا من آلبرت وهارو ثم وقف آلبرت منتصبًا بكل احترام وأردف ” إعذرني، انا الحارس الشخصي ليومي وأخاها الأكبر المعنوي، أُدعى آلبرت”
-“يالك من شهم، متأكدٌ من أنك ستحمي أحبائك جيدًا وإن عنى ذلك حياتك” ابتسم بمرارة وقال بهمس “على خلافي”.
-” اذًا طالما ارتديت يا آلبرت كفانا تضييعًا للوقت ولنذهب لمستوصف القرية”.
-” سيجدانكما إن ذهبتما لهناك، سأذهب للمستوصف واستدعي لكما كايو، ستكون لكما خير عون”.
-” لا نريد اتعابك —”.
-” انت كابني ياهارو، ذهابك بنفسك يرمي بك وبرفيقك للموت، دعاني أتلافى ذنبي لتلك الصغيرة وأُساعدكم قليلًا”.
أرتدى السيد توماس معطفه وخرج متجهًا لمستوصف القرية قاصدًا ابنته كايو، اثناء انتظارهما سأل آلبرت هارو :
“من هي كايو؟”.
-” إنها ابنته، ممرضة موهوبة وصديقة الإبتدائية، كُلُّ الأطفال يدرسون سويًا في صف واحد يديره السيد توماس”.
-“إن كانت بعمرك كما تقول، أنّى لها أن تكون ممرضة؟”.
-” إنكما تنسيان أننا في قرية، كايو تتدرب على يدي أطباء القرية، مما يخولها أن تصبح ممرضة في هذا العمر، لا تحتاج شهادة علمية فشهادة أهل القرية تكفي”. وضحك هارو
-” مهلًا .. أستعالجني فتاة؟!”. وقطب آلبرت وجهه كارهًا وخَجِلًا
بعد نصف ساعة أتى السيد توماس رفقة فتاة نشيطة ذات شعر قصير كحلي، وعينان زرقاء واسعة، بمعطفها الأبيض الذي دل على مهنة عظيمة تمارسها بحب، بيدٍ هادئة نظفت جرح آلبرت وخاطته، وبقيا ذاك اليوم بكامله هناك محاولين التّخفي وإخفاء نفسيهما عن الحرّاس.
هارو وهو يراقب من النّافذة:
– ” هيه آلبرت.. أهناك خطر على أمّي؟ “
– ” لا أودُّ إخافتك لكن، قد تكون تحت الخطر أيضًا. “
– ” سآخذ أمّي وجدَّ كازو لمدينة أخرى وأعود لكما، بعد أن آخذك مجددًا ليومي في الكهف. “
– ” أنت شاب شهم يا هارو.. وعائلتك أيضًا، لطالما اِمتدحتكم يومي برسائلها وكأنّها وجدت عائلتها. “
– ” كم عانت كثيرًا يا آلبرت.. أحيانًا أشعر أنّي أريد وضعها بقفص كالطّائر الحبيس لتعيش بأمان، فكما تعلم يومي عزيزة علينا أيضًا. “
– ” أتحبُّها؟ “
اِتَّسعت عينا هارو ثمّ أبعد نظراتِه وحكّ رأسه خجلًا.
ضحك آلبرت:
– ” لا بأس، أخذت جوابي. “
-عند يومي-
حفرت قبرًا قرب جثّة الحارس، وضعت فيه قماشًا أبيضَ وقد لفّته حول كرات من الطّين ليبدو كالجثّة، ووضعتها داخل القبر، ثمّ أغلقت القبر ونقشت عليه ” يومي “.
أخرجت خنجرها وقصّت بعضًا من شعرها؛ وضعت قليلًا من الخصل على قبرها، والبقـيّة وضعته في كفِّ الحارس وأغلقته.
ثمّ تناولت عباءة منشورةً على أحد المنازل وهربت خِفية من القرية عن طريق الجبال.
أرادت الذّهاب للقطار؛ فهو أسرع خَيار، وعندما اِقتربت منه أدركت أمرًا؛ هل سيقومون بالتّفتيش هناك أيضًا للبحث عنِّي ؟
اِقتربت أكثر ولم تجد أحدًا من الحرَّاس.. حسنًا، هنا آمن، لكن عند الوصول بالتّأكيد هناك تفتيش وبحث دقيق؛ فعلى كلٍّ يقع فيه قصر عمّي وقائد الجيش.
ظلّت حائرة تفكّر، لكنّها قرّرت المغامرة وتجريب حظّها، فلا وقت لتضييعه..!
أخذت تذكرتها وركبت القطار السّريع ذاهبة إلى كازو للبحث عنه.
-عند حلول الليل-
اِقترب القطار للمحطّة بضع أمتار، واجتنابًا لخطر الخسارة، فتحت يومي نافذة مقطورتها، ووضعت قدمها متأهِّبة للقفز..
أخذت شهيقًا وزفيرًا وقفزت، ظلّت تتقلّب وتدور، حتّى توقفت وقد خُدشَت كثيرًا جرّاء قفزها..
أعادت ترتيب شعرها وربطه، ثمّ نظّفت ثيابها من الغبار واِرتدت عباءتها التي تمزّقت قليلًا، وأكملت سيرها بين الأشجار حتّى اِبتعدت عن محطّة القطار، وأكملت سيرها لحدود المدينة حتّى وصلت أخيرًا.
-عند كازو-
دخل لوي مشمئزًّا:
– ” أين تظنّ صاحباك قد هربا؟ “
– ” … “
– ” ليس في صالحك السّكوت، بعثت عددًا من الجنود والحرّاس للبحث عنها في قريتكم الغبيّة، ما هي إلّا ساعات حتّى يجدوها ويحضروها لقدميّ. “
– ” لن يحدث ذلك. “
– ” لِم؟ يبدو أنّك تثق كثيرًا بأحدهم. “
بدأ يلوّح لوي بسكِّينٍ بيده:
– ” ما رأيك بالتّحدث عنه. “
– ” إنّها أشباح ستطاردك ما حييت. “
– ” اوهه!! أكمل وماذا أيضًا؟ “
بصق كازو على وجه لوي:
– ” ستكره حياتك كما تكره لعابي عليك. “
هجم لوي على كازو:
– ” أيّها الـ- “
قاطعه حارس دخل مسرعًا:
– ” سيّدي! سيّدي! هناك أمر عاجل. “
– ” من سمح لك بالدّخول يا هذا !!!”
– ” سيّدي هناك تطوُّر بخصوص الآنسة يومي. “
رمى لوي جسد كازو أرضًا واِلتفت للحارس:
– ” تكلّم. “
– ” عُثر على أحد الحرّاس مقتولًا أرضًا وبيده شعر أحمر، شككنا أنّه شعرها، وعندما بحثنا، وجدنا قربه قبرًا كُتب عليه اسمها وفوقه بعض الخصل المختلطة بالتراب. “
تسمَّر كلٌّ من كازو ولوي مصدومين.
صرخ كازو:
– ” ما الذي تقوله !!!!!”
وظلّ يتحرك بقوّة محاولًا كسر السّلاسل:
– ” فُكُّوا وثاقي حالًا!!! “
بينما ركض لوي وأمسك برقبة الحارس بقوّة على الجدار، ووضع عينيه نصب عين الحارس المسكين بنظرات مخيفة:
– ” أتقول أنّها ماتت؟ “
الحارس بصوت مختنق:
– ” هـ.. هذا مـ.. ما يبدو .. ر.. ربّما حاول ا.. أحدهم الهجوم عليهما كليهما وقَتَلَ الآنسة بالخطأ بعدما قتل الحارس.. أو أنّ الحارس أراد الهجوم على شخص سحب يومي فأطلق عليه ذاك الشّخص، والحارس بدوره طعن الآنسة خطأً وشدّ شعرها.. هـ.. هناك الكثير مـ.. من الاحـ.. الاحتمالات يـ.. يا سيّدي.. “
صرخ لوي غاضبًا مغتاظًا، ورمى الحارس بأقصى قوّة على الجدار، لتتكسّر جمجمته ويموت..
كازو:
– ” أخرجني حالًا! أخرجني، أخرجني !!! “
ولكم بيده الجدار محاولًا فكّ السّلاسل أو كسرها.
اِقترب لوي بوجه متجهِّم عبوس:
– ” إن أزعجتني مجددًا ستلقى حتفك مثل ذاك الغبي. “
وخرج بوقع أقدامه الشّديدة والتي كادت تكسر الأرض.
كازو بصوت حزين وقد فقد الأمل في تحرير نفسه:
– ” كلّا! كلّا! أرجوكِ فليكن هذا كذبًا. “
-صباحَ اليوم التالي-
أخذ هارو آلبرت وعادا ليومي في الكهف، أسرعا في سيرهما ووصلا باكرًا لكن، لا أثر ليومي بتاتًا.
افترقا وظلّا يبحثان عنها يمينًا وشمالًا، داخل الكهف وخارجه، بلا فائدة تُذكر…
– ” هل حدث شيء ما برأيك؟ “
– ” التّفكير لوحده مُخيف. “
– ” ربّما عادت لكازو. “
– ” رفيقكم ذاك في مكان لا يُحسَد عليه !”
– ” لِم، أين هو؟؟ “
– ” إن ذهبت يومي إليه، فبلا شكٍّ سيَقبِضُ عليها.. “
– ” أَقائد الجيش نفسه؟ “
– ” هو بعينه. “
– ” سحقًا! “
– ” لا تتعجّل، فلنبحث أبعد من هنا قد نجد دليلًا. “
مشيَا ومشيَا حتّى تعثّر آلبرت بشيء بارز.
– ” اهههخ مُؤلم ! “
رفع بصره ووجد جثّة ذاك الحارس أمامه مباشرة.
– ” يا لكآبة المنظر، هارو هلّا ساعدتنـ- “
نظر لهارو الذي اِسودّ وجهه وتجمّدت نظراته محدقًا بالأرض.
– ” ما الذي حدث لك- “
اِنتبه آلبرت لقبر يومي وشهق بشدّة.
– ” لا يُعقل ذلك! “
– ” آلبرت… مـ.. ماذا حدث بالله عليك ..”
اِعتدل آلبرت في وقفته، وظلّ يفكّر ويحلّل ما حدث.
رفع هارو إصبعه المُرتجف مُشيرًا للحارس المُمدّد :
– ” ا اُنظر، شعرها بيده. “
– ” اسم القبر خطُّ يومي يا هارو. “
– ” ما الذي حدث برأيك ..”
سكتا كليهما ونطقا في آن واحد:
– ” ذهبت لإنقاذ كازو.. ! “
-عند يومي-
مرت ساعات تجوب المدينة وقد ضاعت، فلم ترى طرقاتها قط ولم تعلم ملامحها، حتى قرُب المغيب لتتوقف عند مخبز، جلست قليلًا قربه مختبئة وهي تتضوّر جوعًا وتلهث عطشًا.
فكّرت؛ أين يمكن لكازو أن يكون.. قصر عمّها؟ أم قصر قائد الجيش؟ أم أنّهم وضعوه في مكان آخر ؟
– ” تبًّا، أشعر بأنّي ضائعة. “
سمعت باب المخبز يُفتَح من رنين جرسه فوق الباب. مالت برأسها قليلًا لترى من يخرج، فوجدت الخبّاز يرمي بقايا خبز اليوم في صندوق. انتظرته لكي يعود أدراجه داخلًا، وذهبت لتأخذ نصيبها من الخبز المرميّ أرضًا للقطط والطّيور. أمسكت خبزًا بدأ يجفّ، وتناولته بشراهة وهي تبكي بحرقة.
قضمةً تلو الأخرى، حتى أنهت خبزها الأوّل المختلط بدموعها المالحة.
فُتح باب المخبز مجددًا وأخفت يومي وجهها وحاولت الاِبتعاد، إلّا أنّ الخبّاز أوقفها:
– ” اُدخلي للدّاخل يا بنتي؛ العشاء جاهز، لا تأكلي من بقايا البشر وطعام الحيوانات. “
أدخلت يومي يدها في جيبها لتُخرِج بعض المال.
– ” لا عليكِ، لن آخذ منكِ فلسًا. “
– ” شكرًا لك .. سيّدي. “
دخلت يومي وجلست على المائدة مخفضةً عينيها المحمرّة من البكاء.
– ” تفضلي الحساء يا بنتي. “
– ” أشكرك. “
شربت يومي الحساء الدافئ وتذكرت حالًا حساء والدة هارو، السيّدة وردة. يا ترى، هل آلبرت الآن بخير؟ أوجد هارو قبرها؟ ماذا عن كازو المفقود؟ وجدّه المسكين الوحيد؟
اِبتلعت يومي الحساء وقد أحسته أبرد ممّا كان؛ كانت تلك دموعها مجدّدًا وقد اختلطت بحسائه.
– ” ما الذي حلّ بكِ يا ابنتي؟ أيّ حالٍ وصلتِ إليه!؟ “
رفعت يومي بصرها أخيرًا لترى الخبّاز للمرّة الأولى، ودموعها لا تتوقّف بتاتًا، وكأنّها غيوم حالكة السواد تُمطر مطرًا غزيرًا بلا توقف.
– ” ءَ أنا..- “. وأجهشت بالبكاء.
– ” هوّني عليكِ، على رِسلك، كلُّ عسير سيمرُّ، وكلُّ مظلوم سينتصر؛ نهاية كلِّ ضيق الفرج، وبداية كلِّ مصيبة الصّبر. “. وربّت عليها.
تناولت يومي طعامها وهي تشعر بحنانٍ وعطف في منزل الخبّاز وطعامه وكلامه وهدوءه.
أصرّ عليها أن تبيت ليلتها عنده وتواصل مسيرها في الصّباح.
ترك لها سريره، بينما نام هو على أريكة المعيشة.
حدّقت في نافذته الدّائريّة المطلّة على القمر: ’’ الشّمس تبدّد ظلام الكون كلّه، ألن تبدّد حزننا ؟ ‘‘
همست بها يومي وكأنّها تنادي الشّمس للشّروق حالًا، وغفت فورًا من شدّة تعبها.
استيقظ الخباز بعد الفجر وأثناء الشروق، ليبدأ عمله وخَبزِ خُبزِه.
ريثما وضع الخبز بالفرن، ذهب لإيقاظ يومي، طرق عليها مناديًا ولم تجب.
حينما دخل وجد السّرير وقد رُتِّب وعليه رسالة؛
’’ العمّ الخبّاز العزيز.. لن أنسى فضلك وعطفك عليَّ ما حييت؛ شكرًا لمشاعرك اللّطيفة، وحساءك الدّافئ، وخبزك اللّذيذ، وسريرك الحنون. أرفقت خطابًا آخر، أرجوك سلّمه لشخص يمكن أن يوصله للقاضي أو المحكمة .
هذا عنواني إن طرأ أيّ أمر
ضيفتك البكّاءة: يومي ‘‘
– ” أتمنّى لكِ يُسر الدّرب وسهولة الطّريق، وفرجًا بعد صبرك يا صغيرتي. “
~~~~~~~~~~
ترك هارو وآلبرت القرية بعدما نقلا والدته وجدّ كازو، وذهبا منطلقين لمدينة يومي باحثين عنها وعن كازو. وفي تلك الأثناء، كانت يومي قد وصلت أخيرًا لقصر قائد الجيش.
– ” حسنًا الآن، كيف لي أن أدخل دون أن أُكشَف؟ “
قرّرت كسر حديدة من حدائد السّور لتدخل من خلالها. اختارت جهة لا يقربها أحد، وتناولت حجرة صلبة وبدأت تكسر مقدّمة الحديدة الرّقيقة حتى كُسرَت؛ رمت الحجر وبدأت في ثنيِ الحديدة لتُميلها، وتُحاول الدّخول من خلالها. أدخلت قدمها ويدها اليمنى وأمالت برأسها، ثمّ أدخلته.
كانت فتحةً ضيقة، ولم يحالفها الحظّ جيّدًا؛ فقد ضغطت رأس الحديدة العلويّة على ظهرها وجرحتها جرحًا يطول حجمه كلّما تحركت أكثر لتدخل.
استطاعت الدّخول أخيرًا، لكنّ جرح ظهرها المؤلم جدًا ليس جيّدًا.
مزّقت الجهة الأخرى من ثوبها لتواسيه وتلفّ جرحها به، ذهبت جانبًا وأنزلت ثوبها ولفّت جرحها بالخرقة، ثمّ أعادت ثوبها ووضعت فوقه العباءة لتخفي شقّ ثوبها.
حينما رأت القصر، شعرت وكأنّها تتذكّر شيئًا مُبهَمًا؛ ففي ذكرياتها، هناك رجل يُمسك بها ويدخلان سويًا للدّاخل.. يا إلاهي، القصر مألوف فعلًا لها! ليست المرّة الأولى لها فيه، لكن وللأسف، لا تتذكّر يومي شيئًا عن الشّخص الذي في ذاكرتها.. متى سبق لها أن تدخل هنا؟ مع من؟
شعرت بصداع وتناست أسئلتها لوقت لاحق.. دخلت من بابٍ جانبيٍّ للخدم في القصر، وحاولت تذكّر أين يجب عليها الذّهاب.. فتحت أبوابًا لا تدري ما هي، ومضت في طريقها داخل ممرّات وغرف.
– ” غالبًا هو في مخبأ سريّ أو قبوٍ ما.. “
ظلّت تبحث وتدور وتمشي وتتجنّب الخدم وتختبئ كلّما شعرت بأحدهم.
فجأةً، تذكّرت أمرًا غريبًا؛ طفلًا يسحب يدها ليُريَها غرفة موسيقى ليست بعادية؛ فهناك باب مخفيّ في الأرضيّة يقود لمكان مهجور بالأسفل، مُهيّأ للتّعذيب.
كان الطّفل يُريها المكان فخورًا به:
– ” أحبُّ اللّعب مع بعض الحرّاس والخادمات فيه، أُعلِّقهم وأبدأ بدغدغتهم بالسّوط وهم يصرخون، أليس ممتعًا؟ “
– ” هذه الذّكريات.. إنّه ابن قائد الجيش!! يا له من مختلٍ عقليٍّ! كازو بالتّأكيد بتلك الغرفة.. “
بدأت تفكّر بالحلّ الأمثل، أهو الذّهاب إليه بقدميها؟ لكن، قد يكون وضَعه فيها منتظرًا قدومها لمساومته. وقد يكون مجرّد هراء طفل في الماضي ولا تجد أحدًا فيه..
قضمت شفتها حانقة، وجزمت على الذّهاب للتّأكد، حتّى وإن كان فخًّا.
فتحت الباب وتفقّدت الأرجاء ولم تجد أحدًا، خرجت بخفّة وظلّت تدخل الغرف وتدخل، حتّى وصلت لغرفة الموسيقى..
أخذت شهيقًا وتنهّدت، ثمّ بحثت عن البوابة الأرضيّة وفتحتها، نزلت بهدوء حتّى وصلت لممرٍّ قصير، لِتجد أمامها بوّابة حديديّة وخلفها.. كازو!!!
– ” يومي!!! حمدًا لله أنتِ حيّة !”
– ” أخيرًا وجدتك، حمدًا لله ! “
ركضت مسرعة ولفّت مفتاح البوّابة وسحبته لتفكّ قيود كازو – الذي أوقفها محذّرًا إيّاها بالعودة والذّهاب -.
كان مظهر كازو يكسر القلب ويكدر الخاطر من سوءه، ثياب مقطّعة، وجروح تنزف، ودمٌ يتصبّب، وعينان تصرخ طالبةً بعض الرّاحة.
ضاقت عينا يومي، وقالت بكلّ أسى وهي تحاول فكّ وثاقه:
– ” آسفة.. حقًا آسفة يا كازو، كلّه بسببي. “
– ” بل كلّه بسبب تهوّري، أوقعت نفسي بنفسي. “
– ” لو لَمْ أُعطِك الرّسالة، لما أتيت لمنزل عمّي. “
– ” كنتُ سأرى آلبرت، سواءً أعطيتني رسالتك أو لا. “
– ” أيّ حال فيه أنت الآن.. “
– ” أسرعي أرجوكِ، علينا الخروج حالًا قبل أن- “
– أهلًا أهلًا بخطيبتي العزيزة الهاربة، أخليْتُ لكِ المكان حتّى تأتي بسرعة.. “
يُتبع..
حساب الانستغرام : @imamy03