مولود القمر الدامي - 1
في ليالي معتمة، يخيم هدوءٌ غامض، خلفته افعال قاسية على سكان الأراضي الشرقية. في أعماق قلوبهم، يدركون جيدًا أن هذا الاستقرار يحمل في طياته أثر البؤس، حيث تتجلى الهموم اللانهائية والحزن الذي لا يعرف النهاية. الكآبة تحفر في أرواحهم فجواتٍ لا تمحى، وتنمي فيهم الحقد والبغض تجاه مسبب هذه الآلام، من يعرفونه بـ “الشر الكبير” تحت همسات غير مسموعة.
القارة الشرقية تعاني من شرور وظلم آلهة القمر منذ زمن بعيد. المعاناة التي فرضتها على الشعوب لا تُغتفر ولا تُنسى، وقد نقشت على قلوبهم مثل الخيوط التي تلتصق بالحرير، تاركةً خلفها جراحًا لا تشفى وذكريات لا تتلاشى. فارسة القمر، حاكمة ظالمة، ألقت بالبلاء والمحن على كل من خالفها. من رفض الانخراط في طقوسها، كتب له مصيرٌ لا يُحتمل ولا يُنسى. غادرت تلك الشعوب أوطانهم بشكل خفي تاركةً وراءها ثرواتهم وأحبائهم، بحثًا عن الحرية والسلام.
تذكيرًا بأن نازيريا، فارسة القمر، سعت لاستعباد مملكة الكينا وضمها إلى قائمة الأراضي التي تحتلها. ومع رفض ملكها الشاب الاستسلام لها وتسليم مملكته لرغبات السيدة الطاغية، غضبت نازيريا وتوعدت بأشد التوعدات، مهددةً إياه بأن سلالته ستعاني، حيث كانت الملكة حامل في الأشهر الأخيرة. هذا الحديث القاسي أثار القلق والخوف في قلب الملك، الذي لم يستطع أن يغفو لياليه بسبب القلق الذي نتج عن تصرفات غير متوقعة من فارسة القمر الغامضة.
ومع ذلك، جاءت لحظة في تفكير الملك حينما قال: “لن يترك هذا الملك الفخور مستقبل ابنه متعلقًا بنزوات امرأة شريرة تجلب الشقاء والمصائب.” فبدأ يخطط بحذر، مقررًا أن يتخذ إجراءات لإنقاذ ابنه من هذه الحاكمة الشريرة. يعكف الملك على رسم خطة محكمة، يسعى من خلالها لتحرير ابنه من قبضة نازيريا ولحماية مملكته من الشرور المحتملة.
بشكل متوقع، قامت الملكة بإنجاب طفلها الأول بحزن وألم، حيث علمت بفقدان ابنها بعد ولادته، مما أضفى حزنًا غامرًا على قلبها، الذي أصيب بالألم بسبب مصير ابنها الذي لم يُولد بعد. بكت الأم التعيسة بحرقة، وكان الأب يشاهد بأسى حالتها. أخذ الملك الرضيع بحنان من بين يديها، مصرًا على حمله بقوة وعلى الحفاظ على ابنه في تلك اللحظات الأخيرة.
أرسل الملك الطفل مع مربيته إلى إحدى الدول الصديقة، يسعى لبعده عن الكينا قدر الإمكان، بهدف حمايته من غضب نازيريا والحفاظ على سلامته. ولكن كما يقولون، “إلى حتفي مشت قدمي”، فبعد أيام قليلة تكاد تُحصى، وصلت الأخبار إلى أذن ملك الكينا بأن مملكة دوثيارين، المكان الذي أُرسل إليه ابنه، قد احكمت نازيريا قبضتها عليها، بعد تهجير سكانها على ما يبدو. لم يهدأ قلب الملك للحظة واحدة من قلقه على ابنه المغترب في أراضٍ أجنبية، ولم تلتبث الملكة حتى سقطت عليلة في مرضها بسبب صدمتها من هذه الأخبار المروّعة.
فقد الملك آماله في البحث عن ابنه، حيث استمر تنقيبه عن وليده عدة اشهر دون جدوى، ولكن يتبدد يأسه، وكأن تضرعاته للرب قد استجابت، استطاع استعادة التواصل مع مربية الأمير، حيث اعربت في رسالتها المهترئة انها نجت باعجوبة مع الأمير، واستطاعت الهرب في السفن قبل الكارثة، وانهت رسالتها بذكر موقعها المفصل. هذا ما جعل الملكة تستعيد صحتها شيئًا فشيئًا وتتحسن اثر هذه الاخبار المفرحة كما زرع الأمل في قلب الملك. لكن الحياة مثل البحر الساكن الذي قد يثور فجأة ويأتي بالأمواج الهائجة عليك في لحظاتٍ غير متوقعة؛ فان تواصل الملك مع الخادمة استمر عدة اشهر تكتب له عن حالة الأمير وصحته، ويرسل لها الملك جزيل شكره مع مصروف الأمير وراتبها. حتى فقده نهائيًا ذات مرة في ظروف غامضة، ارسل خلفها عدة جنود وجواسيس بحثًا عن الأمير، لكن الأمر لم يفلح.
وبعد الحزن الجياش الذي ألم بقلوب العائلة المالكة، توفيت الملكة نتيجة لوعكة صحية مفاجئة، مما أسفر عن تدهور الحالة النفسية للملك بسبب الأحداث المؤلمة الأخيرة. يعود تفكيره إلى رفضه لعرض نازيريا والشكوك حول احتمال نجاة عائلته وشعبه لو قبل العرض. في هذا السياق، يتسائل عن دوافع نازيريا ويخضع للواقع الذي قد يفرض نفسه عليه.
وفي وسط تلك الهواجس، أرسلت نازيريا إشعارًا بزيارتها الملك، مما زاد من توتر الملك ورعبه، حيث اخذ يتساءل عن أهداف زيارتها وما إذا كانت تخفي في جعبتها مزيدًا من المصائب التي قد تلقي بظلالها عليه.
ليس وكأنه يستطيع ان لا يفعل، قد استقبل الملك نازيريا فورا مجيئها يرحب بها بعبارات التمست الفارسة الحقد المنبعث منها؛ تبسمت على اثره، واخذت توزع انظارها هنا وهناك، تتجاهل الملك الجالس امامها محدب الظهر بصورة مثيرة للسخرية.
مرت عدة دقائق على هذه الحالة، كلا الطرفين صامتان ثالثهما وساوس ومخاوف الملك المتنامية حول زيارة نازيريا المفاجئة، التي لا مبرر لها ولا وجوب.
حتى عادت نظرتها نحوه، وقالت بابتسامة شريرة تتألق على ثنايا وجهها، تلقي بجملة قاسية وساخرة، مليئة بالحقارة: “هل أنجبت الملكة بأمان، حضرة الملك؟” صر الملك على أسنانه بشدة، وأصدر زمجرة غاضبة تشير إلى استياءه العميق، وكأنما يحاول إخفاء الحقيقة التي تعلمها جيدًا. ورغم ذلك، تنفس الصعداء بهدوء، يحافظ على هدوئه وينظر إلى الابتسامة التي لا تفارق وجهها منذ دخولها. بينما كان الملك يعبر عن انزعاجه، قال بصوت هادئ ومتزن: “يؤسفني القول إن هذا الملك التعيس لم يستطع الحفاظ على وليده الوحيد، وسرعان ما افرط به.” همهمت نازيريا، تنزل من شفتيها المبتسمتين، وعادت لتتأمل الأرجاء بنظرة مستبشرة. بعد لحظة من الصمت، قالت بتململ: “هذا مؤسف، تعازي الحارة.”
لمّ الملك بقايا شجاعته المتناثرة أمام فارسة القمر الشيطانية، وكأنه يجمع شجاعته المفتقرة بحذر. بدأ يسأل بحذر واهتمام: “هل يمكنني معرفة سبب زيارتك المفاجئة، جلالتك؟.” الكلمات خرجت كتنهيدة هادئة من بين شفتيه، تعكس التوازن بين الكره العميق الذي يكنه لها والفضول الذي يعتريه نحوها. كانت لفتة غير مألوفة أن ينادي الملك ذاته شخصًا آخر بجلالته غير إمبراطور مان خاندان، إلا أن ذلك كان ضروريًا في ضوء التطورات الأخيرة.
زمت نازيريا شفتيها بضجر، وقالت مسترسلة: “ليس هناك سبب وجيه، كنتُ مارةً وأفضلتُ زيارة صديقٍ قديم.” كان كلامها يملأه المكر والتحايل، وكأنما تلعب دورًا في لوحة معقدة. نظرت إلى الملك بنظراتها التفصيلية المعتادة، تُظهر مدى دهاء هذه المرأة الشريرة وحسن تمثيلها. أظهر الملك تفهمًا عميقًا، يعلم جيدًا أن هذا ليس السبب الحقيقي لقدومها، وأن هناك مبررًا أكثر أهمية من مجرد زيارة صديق. استقامت نازيريا بعد لحظات، وقالت وداعًا بابتسامة غامضة، غادرت المكان وهي تخفي نواياها بمهارة.
كانت هذه المرة الأخيرة التي يقابل بها ملك الكينا فارسة القمر الدامي.
قلت تحركات نازيريا وضجيجها بعد تلك الظهيرة، كأنها دخلت إلى سُبات أنعم على أهل الأرض بالسلام والهدوء. لم يعد هناك خوف في قلوب العامة، ولا رهبة في أفئدة الملوك والأباطرة من هالة حضورها الدائمة. وزراؤها، الذين يقودون حكومة الأراضي التابعة لها، يديرون بحكمة شؤونها العامة، مُلهمين الثقة والاستقرار. يسعون إلى تنفيذ السياسات والقوانين بكفاءة، موفرون الخدمات العامة للمواطنين بعيدًا عن تسلطات الحاكمة العليا، وذلك بروح من التعاون والتفاهم.
ومع سيادة السلام العالمي على الأرض، غدى ملك الكينا الشاب كهلًا بالفعل، دون أن يخوض تجربة الزواج مرة اخرى أو ينعم بفرح الإنجاب. كان يلهث ويلتقط أنفاسه الهاربة بصعوبة على فراش الموت، وهو يأبى ان يترك عرش اسلافه المتوارث الى غريب، ومع وجود ذاك اليقين في قلبه، استدعى تنينًا، وساحرًا وقزمًا، اوكل اليهم مهمة عصيبة، تبدو وكأنها مستحيلة التنفيذ، يضع بها اخر آماله ينتظر ان ينتصر على عدوان الشر النائم في جحر من الظلمات. يضع على عاتقهم مهمة البحث عن الأمير المفقود في الاراضي المجهولة ويتوقع منهم الكثير في هذه المحنة.
وبهذا القرار سوف يسافر احد سحرة البرج الملكي في الكينا، رفقة تنين من فصيلة التنانين اللهيبية، ويصحبهم قزم فائق الإدراك من مقاطعة دوارفز لاين في رحلة ملحمية طويلة بحثًا عن الأمير ثورين، الذي من المفترض انه اتم عامه الثالث والعشرون قبل شهرين.
حيث كل شيء مجهول، كان على عاتق الثلاثة مهمة العثور على طرف الخيط الذي يقودهم الى الغنيمة في اللامكان، كان الملك مناط بهم، ويتأمل النجاح.
_____
كانت ظهيرة غير مناسبة لإجتماعٍ طارئ في مهجع سحرة البرج الملكي، على غفلة، حيث تم ارسال امر حضور لجميع الطلاب من قبل مسؤول المهجع. كان يقف على منصة القاعة وبجانبه مسؤول السحر الأول في المملكة وبجانبه رجل يرتدي حلية مهيبة، يمسك رسالة مختومة بالشمع الذهبي، الذي يعود للعائلة المالكة فقط. كان من المعروف في الأوساط الإرستقراطية احتكار الشمع الذهبي حصرًا للختومات الملكية الصادرة عن الملك.
بناءً على هذه الملاحظة التي ادلى بها احدهم، ارتفعت اصوات الهمسات والتمتمات بين المتواجدين يتناقلون فيما بينهم اقوال متفاوتة حول مايحدث. اصمتهم تحمحم المسؤول بعد ان فتح المبعوث الملكي على ما يبدو رسالة الملك، واخذ يتلو فحواها عليهم: “في ظل هذا الوقت المبارك والمواتي بالرخاء والسلام، أتوجه إليكم يا معشر السحرة المباركين بأعلى درجات التقدير والود. يسرّني أن أرفع إليكم مشاعر امتناني العميقة على محاولاتكم المشرفة في تعزيز مملكتنا بشكل مستمر، كما أتمنى أن تجدوا هذه الرسالة وأنتم في احضان الرفاه والازدهار. يحمل قلمي أطياف الاحترام لكم ايها الساعون الى النجاح، في سعينا المشترك نحو تقوية اركان مملكتنا الحبيبة اود ابلاغكم ان البلاط الملكي يود استدعاء ساحر واحد من البرج الملكي لاداء مهمة غاية في السرية، ومن سيحصل هذا الشرف العظيم هو ساحر يستطيع اجتياز الاختبارات التي تم وضعها باتم العلامات. في ختام هذه الرسالة، أتمنى لكم سعادة دائمة ورخاء لا ينتهي. يسرني أن أؤكد تفضلكم في حال تقدمتم لاداء هذه الاختبارات. في رحاب التعاون والصداقة، نتطلع لمستقبل يتسم بالتقدم والتفاهم. مع خالص التحية، برنوس دي الكينا.”
وبعد ان اتم المبعوث الملكي حديثه، سارع مسؤول السحر الأول بالأكمال: ” وعلى ذلك، من يود التقدم لحيازة شرف المحاولة فليكتب اسمه على لائحة المتقدمين الآن.” حالما انهى كلامه، سارع مسؤول المهجع بالنزول مع ورقة طويلة في يده، يكتب فيها اسماء السحرة المتهافتين عليه بعد سماع الخبر.
تقدم كل السحرة تقريبًا، منهم من كان يود الفوز فعلًا وتجاوز الاختبارات والذهاب في هذه البعثة بكل فخر، ومنهم من اراد اللهو فقط.
على جانبٍ آخر في جبال الجنوب النارية حيث الكهوف النائية منتشرة بكثرة، وهي المكان الأنسب لتعيش فيه تنانين الكينا، كان الوضع مغايرًا نوعًا ما.
حيث اجتمع زعيم التنانين بعد مناداة كل تنانين الجبال إلى جبل كشتال للإعلان عن رسالة الملك، وبعد ادلاء ذات الرسالة على التنانين ورحيل المبعوث الملكي، انفرد التنانين بزعيمهم، تقدم زعيم التنانين واستهل قائلًا بعد حين: “يا معشر التنانين النارية، في ظل هذه الأجواء المتوترة والمتسائلة حول احقية هذا الدور فأود الأعلان انه سوف يقدم إلى خليفتي الأول والوحيد، التنين الذي نعتز به جميعًا… فايروكس!.” تعالت اصوات التنانين الصارخة بمتعة وحماسة اثر الخطاب الجهوري الذي ادلى به زعيمهم، وفي قلوبهم.. كانوا دائما معترضين على استبدادية الزعيم التي يغلفها بحديثه المنمق ويظن انه خدعهم بمهارة الاقناع خاصته، لكنهم فقط كانوا يتغابون ويستمعون مثل الحمل الوديع اليه دون اعتراضات، لأنهم يعلمون عواقب الانقلاب على زعيمهم، وما يعني تنين مغدور جيدًا.
وهكذا تحضر فايروكس للذهاب بكامل فخره وغطرسته كتنين فخور.
اما في الشمال، كان جبل مقاطعة دوارفز لاين، الذي يُلقب بجبل الأقزام، هادئًا حتى بعد وصول المبعوث ورحيله. تكتم الزعيم بحرص على موضوع البعثة، ولم يمض وقت طويل قبل أن يستدعي حفيده المزعوم. في غرفة مظلمة، يتسلط الضوء فقط على المنضدة العتيقة من مصباح اعتق صغير يحمل آثار الزمن، كان الزعيم يتحاور مع حفيده وابنه، يناقشهم حول رسالة الملك، ويوضح أنها فرصة ذهبية لتعزيز علاقة الأقزام مع البلاط الملكي. يشدد عليهم بأنه يجب استغلال هذه الفرصة بشكل جيد، وعلى برونارد القزم أن يبذل جهده في هذه البعثة المجهولة ويسرق الأضواء من بقية المشاركين.
وهكذا، ترتبط حياة السحرة، وتنانين الكينا، وأقزام جبل دوارفز لاين بمهمة غامضة، تعد تحديًا حقيقيًا يستلزم الجميع الوقوف على قدم المساواة وتوحيد القوى السحرية المتنوعة في مواجهة التحديات المستقبلية.
وبعد شهر من الحدث، كان الثلاثة مجتمعين امام الملك في البلاط، راكعين لجبروته وكهولته العظيمة، ينتظرون منه بفارغ الصبر الأعلان عن قصة هذه البعثة السرية، حتى يمضوا في سبيلهم لاتمامها.
رحب الملك بهم بحفاوة، وبعد ان قص عليهم حكايته مع نازيريا ومولوده سيء الحظ، توعد لهم بثروة عظيمة ما ان وجدوا الأمير، ومكانة لا يرتقي اليها احد وخدمات حصرية لمسقط رأسهم. يجعل كلامه هذا قلوبهم تنتفض حماسة وتتراقص بين اضلعهم، كل واحد منهم رسم مشهدًا في مخيلته وهو منتصر يحمل على متونه السلطة والثروة جالبًا للفخر الى ذويه.
جهز الملك الثلاثة بأرقى الملابس، واشهى المأكولات، واحسن المعدات، وعربة ملكية من الطراز الحديث، ومن ثم ارسلهم نحو العالم بحثًا عن اميره المفقود.
حملت هذه العربة برونارد، قزم صغير الحجم، يتسم بهيكل ضعيف، إلا أن ذكاؤه ودهاؤه يتجلان في قدرته على التلاعب بالوضع ببراعة. وفايروكس التنين الضخم الذي يتمتع بقوة هائلة ولكن بطابع ساذج، يظهر بتكبر متعالٍ، ينعم بحجم هائل يعكس هيبته، ولكن يبدو مستهترًا وغير مدرك للأمور بذكائه الضئيل. اما الفرد الأخير الذي جاء من برج السحرة، ساحر ذو مهارات استثنائية، يتسم بالنرجسية حيث يستمتع بتألق قدراته الفذة، ولكنه متحفظ وغير مكترث بآراء الآخرين، يتألق بسحره في صمت متألق، كان يدعى إلمير.
ثلاثة اشخاص متفاوتين في كافة صفاتهم، لكن هذا ما يجعلهم متكافئين سويةً، يعملون مثل المثلث الذهبي بكفاءة، او هذا ما كان يأمل به الملك.
كان الصمت يلاحق الثلاثة بعد خروجهم من حدود الكينا، في عربتهم الفاخرة كل ما كان يسمع هو ضجيج العجلات وصهيل الأحصنة، حتى تحدث التنين الضخم بعد ان احس بالضجر من الأجواء الكئيبة بينهم: “ايها القصير، اين وصلنا؟.” ليس وكأنه لا يعلم، لكن فايروكس كان يود الحديث فقط. ولسوء حظه، لم يجد ما يتحدث عليه غير السؤال. لم يبخل برونارد عليه بالإجابة، وقال ممتعضًا: ” لقد ابتعدنا للتو من حدود الكينا، هل انت جاد؟ ما زال امامنا الكثير حتى نصل الى فالها.”
“لمَ فالها اول ما سنبحث بها؟ يمكننا الذهاب الى ميلركاك.” اعترض فايروكس على وجهتهم، فرد القزم عليه صارخًا بإنزعاج: “فقط اصمت! ما الذي تعلمه انت؟ فالها اقرب من ميلركاك ان كنت لا تدري!.” تمتم فايروكس بتفهم بعد حديثه، وعاد الصمت يسود عليهم. كانت العربة موحشة بالنسبة لفايروكس الذي اعتاد الصخب والهلاهل، بعد محاولته الفاشلة في الحديث مع القزم، التفت الى إلمير لتفقده.
كان يطالع كتاب صغير، يتكأ في زاوية العربة بعيدًا عنهم. اخرج فايروكس رأسه من العربة وقرر عدم ازعاجه، واستمر بالسير الى جانب الحصان.
كانت رحلتهم الى فالها هادئة، لم يواجهوا وحوشًا او قطاع طرق او عوائق عويصة، من جهة اخرى، كات الساحر قلقًا بشأن هذا الهدوء المريب متيقنًا ان هناك عاصفة ستلوح بهم بعد شعور الطمأنينة. وقد اصر على عدم التخلي عن حذرهم خلال الفترة القادمة.
بعد اسبوع من المسيرة، وقبل ان يصلوا الى فالها، توقفوا عند مدينة قريبة من الحدود. كانت تضج بالحياة والصخب، وعرفت بانها مدينة البين والما بين لم يكن فيها حكام يديرونها بشكل فعلي، كان كل شخص يدير عمله ويتفاعل مع القادمين والراحلين بحيوية.
دخل ثلاثتهم اليها وبقلوبهم تنبض الحماسة بشغف، يتطلع كل شخص منهم لرؤية شيء ما.
وهناك ستبدأ قصة هؤلاء الثلاثة، ملحمة حماسية يجولون فيها بقاع الأرض لأيجاد ملكهم المستقبلي.