الكتاب المسحور - 4
قررت أجرب أسلوب جديد، لو ضبط بكمل فيه بدون تعديل على الفصول القديمة
°|•————————•|°
Pov إيف•°
————-
لم أستطع النوم ليلة البارحة، جلست أفكر إن كنت ضمن المختارين لمهمة مملكة الماء حتى لم يبقى على شروق الشمس غير ساعتين. كان إحتمال اختياري منخفضًا نظرًا لما حدث بالأمس مع تايمر.. ربما يحسب غضبي صراحةً بريئة فيرشحني؟ أم عدالةً حازمة فيرشحني؟ ربما أضطر للهرب و اللحاق بهم دون معرفة أحد، لكن كيف سأقابل تلك الفتاة دون إمساكهم بي و أنا لا أعرف شيئًا عن المملكة؟ من أين سأبدأ؟ فكرتُ بالكثير طيلة اليوم و لم أعرف عواقب السهر حتى طرق الأمير بنفسه – رغم وجود الخدم في القصر – على باب غرفتي يناديني لإجتماع مهم بعد عشر دقائق من إستسلامي لنومي.
عندما دخلت قاعة الإجتماعات الكبيرة كانت الملكة واقفةً أمامي، متكئة على طاولة مستطيلة طويلة، و الشموع الخافتة المعلقة على الجدران حولها تعطي لمعة ذهبية على حلتها المهيبة. أمام بوابة القاعة وقف اثنان آخران بجانبي، لكن لم يكن هذا أكثر ما فاجئني، ما تعجبت منه حقًا هو أن -إيزرا- فتى الإسطبل أحد هذان الإثنان، قد يكون رجلًا هادئا و من الصعب الشك به ، لكن من الصعب جدًا التواصل معه، حاولت التعرف عليه عدة مرات و في كل مرة كان يقابلني بابتسامة أو رد ينهي المحادثة قبل أن يعود لعمله، لم أعرف شيئًا عنه حتى سألت سِديولِس.. لمَ قد يختاره لجمع المعلومات؟
“أعيروني آذانكم.” بدأت الملكة “جمعتكم الثلاثة لحدثٍ مهم، يعتمد فيه مستقبل بلادكم عليكم، لكونكم أكفئ من نحتاج لإطالة سلامنا. جائنا خبر في الآوِنة الأخيرة عن جاسوس إخترق جدراننا و جمع بيانات جنودنا و خططنا. لحسن الحظ استطعنا تحديد هويته و موطنه، لكننا لم نتمكن من إمساكه، و هنا يأتي دوركم.” أنهت ألفيلدا خطابها الذي لم يضغط علينا! –بل وترنا جميعًا، أحسستُ بالجميع يتجمدُ مكانه– و بدأتْ بخطتها بسرعة.
“سنبدأ من إيف و إيزرا، سنستغل وجود إيف الجديد على ذاكرتهم، ستبقين في واجهة كل سائل بينما يحلل إيزرا كلامهم و معلوماتهم في الخفاء، حاولوا إبعاد أي لفت إنتباه شديد لكم حتى تجمعوا كافة المعلومات عن خطط هجومهم و أوقاتها. سيخبركم قائد الوحدة -توم- بكل مايعرفه عن مملكة الماء و مايضمن دخولكم السهل بين الجنود، أكلامي مفهومٌ لكم؟”
لم يكن مفهومًا، هو ما أردت قوله من سرعة كلامها و بعثرته، لكن تكلم الرجل الطويل بجانبي، اسمه توم على ما أتذكر “أتقصدين أن أعطيهم أدوارهم و أعلمهم كل مايحتاجوه عن أهل الماء، ثم يذهبون و يجمعون كل مايستطيعون من معلومات في أقصر مدة قبل هجوم جنود الماء علينا؟”
“تمامًا أيها قائد توم، تمامًا ما قلته.”
شعرت بإيزرا يرتجف بصمت بجانبي ما جعلني أشفق عليه قليلًا؛ فالتحول من راعي اسطبل لجاسوس يحمل مسؤولية المملكة و مستقبلها على كاهله خلال يومٍ و ليلة ليس سهلًا على أحد—.
تحدث توم سائلًا عندها، يحرك يداه مع كلامه كما لو أنه يمثل في مسرحية “لا أفهم يا مولاتي لمَ لا يمكنني مرافقتهم؟ فقد مرت سنين منذ آخر مرة تلاحم جنودنا فيها” لم أعِر إنتباهًا لرد الملكة عليه؛ فقد لاحظتُ من حركته وجود ندوبٍ قديمة مرسومة على يده، حروقٌ تمتد من كفه و حتى معصمه، ربما تصل لباقي ذراعه لكني لا أستطيع المعرفة من أكمام ردائه الطويلة، بدأت أفكر في من أقدمَ بالهجوم خلسة بين الإخوة.
سرحتُ بالأمر حتى أصبحت الأجواء ثقيلة في القاعة، ملامح الجميع جدية متأزمة، التفتُّ حولي أحاول معرفة ماحدث قبل قليل عندما تدخل الأمير “يا مولاتي، إن الزمن المتوقع لتواجه جيوشنا يكون بعد ثلاثة أشهر من الآن، كيف يمكننا إتقان عنصر معقد كهذا في مدة قصيرة؟!” اوه.. أوه! علي تعلم عنصر الماء الآن و أنا لا أستطيع إستخدام عنصر الأرض للآن، بل لا يمكنني تعلم أي عنصر من الأساس! تخطي كلوي لهذه المصيبة إنجاز كبير حقًا—.
تقدمتُ خطوة للأمام، محاولةً إدخال بعض الفكر في رأس الملكة، “مولاتي، ربما نستطيع تعلمه و إتقانه خلال شهر لكني و إيزرا مضطران للذهاب في أسرع وقت ممكن، كيف سنتعلمه بهذه السرعة؟” أظهرتُ كل ما أملك من جدية أثناء حديثي، أملًا في أن تجد الملكة حلًا آخر حتى قاطع إيزرا محاولتي.
“أيمكنك إمهالنا أسبوعًا واحدًا سيادتك؟” إقترح إيزرا و يا ليته لم يقترح. التفتُّ إليه و ظللت أتربص الفتى المتردد خلفي، آملة أن يخترق شرار عيني عقله، أوقعنا في أزمة من أول جملة يقولها!
إبتهجت ملامح الملكة حتى تشكلت ابتسامةً بسيطة نحو إيزرا “إن كان هذا ممكنًا فلا بأس،” وافقت ألفيلدا “لديكم ثمانية أيام، استغلوا كل جزء منها بحكمة.” أنهت قرارها، و ابتسامة التقدير المرسومة لا تغادر وجهها. جميل.. مشكلةٌ جديدة و يوم واحد زائد على الأسبوع يالها من مساعدة… عدت مكاني ضاربةً بالخفاء ذراع إيزرا الذي ردها بسرعة، ربما استحقيتها لكني مازلت غاضبة.
عدت للتركيز مع الملكة لأراها تتحدث مع توم “ستغير خطة تدريبك من اليوم، أعلِم جنودك بهذا” أكان قائد أسطول؟ نسيت ذكر الملكة لمنصبه.. نادت ألفيلدا إسمي و عدت لأنظر إليها، رافعةً رأسي من طولها لأرى وجهها “إيف، أخبري باقي القادة عن تغييرٍ في الخطة، سيضيفون عنصر الماء ضمن التدريب اليومي.” أومئت موافقتي. و مع حركة منها إنصرف الجميع لبدء يومهم.
خرجت من القاعة متجهةً لتيرا بأسرع مايمكن و شعرتُ بالنوم يكاد يغلبني فور خروجي من ضغط الإجتماع. داهمت غرفتها لأراها محكمةً أربطة دروعها عليها، خوذتها المعدنية على طاولتها، توجه رمحها نحوي فور دخولي.
“إيف! أطرقي الباب على الأقل!” أبعدت تيرا رمحها فور إدراكها من على الباب، ملامحها تخرج من وضع المعارك. تعمقتُ داخل غرفتها و جلستُ على سريرها الكبير بصمت، عندما لم تفعل تيرا شيئًا رفعت حاجباي مشيرة لها أن تجلس. عبست تيرا، و تركت رمحها مغلقةً الباب، آتيةً تجلس على الكرسي قرب سريرها.
ذلك عندما بدأت أتحدث “حسنًا.. ماحدث هنا، إختارتني الملكة للمهمة، و لكن لأستطيع النجاة علي تعلم عنصر الماء. اوه، و كلمة ‘علي’ أعني بها الجميع أي كل الجنود هنا..” عند اتساع عينا تيرا تأكدتُ أن الأمر صعب للجميع، فلم تكن تيرا ممن يخاف الخبرات الجديدة من قبل “حاولت إقناع الملكة بتغيير رأيها لكن من يُفترض به أن يكون شريكي جعلها تعطينا أسبوعًا واحدًا فقط لتعلمه، أسبوع! أتصدقين هذا؟”
محتارةً مثلي مثل باقي الجنود قريبًا شرحت تيرا متكئةً على كرسيها، “حتى و إن علمتي بشروطها ستحتاجين للإعتياد عليها إن أردتي إبعاد الشك. لإتقان عنصر الأرض عليك إيجاد حافز واستعمال خيالك. لإتقان عنصر الماء عليك التركيز بحركة يديك و موضع قدمك، مع تركيز كبير على حركة الماء نفسها دون نسيان خيالك و حافزك. يحتاج عنصر الماء صفاء ذهن و تركيز تام من مستعمله… ماذا ستفعلين الآن؟..”
“ماذا سنفعل؟ لا أعلم! لا يمكنني تعلم أي عنصر بحالتي و لابد أني سأحتاج لإستعماله في وقت ما!”
“ربما لا يمكنك، و ربما يمكنك…”
“أنلعب نحن هنا؟”
“لا أعلم.. هل جربتي استعمال عنصر الأرض من قبل؟”
هززتُ رأسي نافية “لمَ قد أُتعب نفسي باحتمالٍ مستحيل؟”
“قد لا يكون مستحيلًا، حاولي اليوم التدرب على عنصر الماء بجدية، إن لم يفلح الأمر فسنأتي ببديل.”
أومأتُ موافقة، فلن تُخسِرني التجربة شيئًا سوى بعض الوقت، لكن بالتفكير بالأمر إن أثمرت محاولتي سيكون علي التدريب كل يوم على كل الأدوات قبل تدربي على الماء باقي اليوم، لن تحتمل روحي كل هذا العمل!
أخذتُ نفسًا لأخبرها، عندما قاطعتني “لن أعطيكِ إجازة من التدريب.”
أخرجت أنفاسي كضحكةٍ متعجبة “دعيني أتكلم على الأقل!” رفعت تيرا حاجبًا باتجاهي؛ فضحكت مجددًا، “حسنًا، نعم، هذا ما كنت سأقوله— ما رأيك بهذا، بدل إلغائها سنقلل منها. أتدرب على السيف، الأسهم، و أحد أنواع الدفاع، ربع ساعة لكل واحد، و باقي اليوم أتدرب به على الماء، ذكي أليس كذلك؟”
جلست تيرا تفكر، أي تفكر بشدة. كما لو أن ترك تدريبين سيقضي على حياتي— تنهدت المدربة، و نظرت إلي مستسلمة “لا بأس بهذا على ما أظن، طالما أنكِ ستتدربين على الماء معنا لساعتين. لكن، لنحسب أنكِ تستطيعين التلاعب بالعناصر مثلنا، كيف ستتقنينه بهذه السرعة؟ وسيلة تعليمنا الوحيدة هي الكتب، و على ما أذكر أنك هنا أساسًا لكرهك للقراءة، أليس كذلك؟”
رفعت حاجبًا غير مصدقة، مضى أسبوعان كاملان من معرفتها لي و مازالت لا تعرف أسلوبي في الحياة “تيرا، ظننتك تعرفينني أكثر من مجرد فتاة تكره العمل، ألا تذكرين أن لدي شريك؟” ابتسمتُ ابتسامةً طفيفة “هو يقرأ و أنا أنفذ، سيكون الأمر سهلًا.” ضحكت تيرا، ضحكةٌ تدل على شفقتها علي الرغم من عدم وجود شيء مضحك في استغلال أحدهم.. “مالمضحك الآن؟” سألتها.
“أبدًا ما من شيء مضحك! إلا لو كان شريكك من العامة بالتأكيد، ربما لا تعرفين لكن لا يتعلم القراءة و الكتابة سوى الطبقة العليا هنا.”
قُلِبت ابتسامتي رأسًا على عقب “لابد أنك تمزحين الفتى يعمل في الإسطبل..” كيف لم أفكر في الأمر مع اختلاف الطبقات الإجتماعية هذا؟ ماذا سأفعل الآن؟ لكنه ليس خطئي، ظننتها قصة خيالية! أين الخيال في هذا؟!.. تآوهت تعبًا من هذا الكتاب المزعج، و إن أصبح تثاؤبًا بعد استلقائي على السرير فهذا يوضح سوء الحال فقط.
تذكرت توم و إصراره على أخذ مكان أحدنا في المهمة و تمنيت لو يأخذ مكاني.. لكن أمر الحروق هذا–. “كيف انتهى بكم الأمر بهذه الحال؟” سألتُ تيرا “أنتم، مملكة الماء، والنار. لمَ أُعلنت الحرب بينكم؟”
بقت تيرا صامتة، و تثاقلت أجواء الغرفة دون إنذار، جديةٌ و مريبة، بدأتُ أندم على سؤالي عندما ردت “قد لا أعرف التفاصيل، لكن ما أعرفه أن ملكة الأرض، النار، و ملك الماء جميعهم إخوة. كانوا مجتمعين في مملكة واحدة قبل موت والدهم، الملك السابق -غرانت- لكن حتى عندها كانت المشاكل و المنافسةُ أساسًا بعلاقتهم، لم يعلم أحد السبب، هل هي عداوة طبيعية أم رغبةٌ باستحقاق الورث أم ماذا؟ لا يعلم حقيقة الأمر سوى الثلاثة و والدهم، و ربما رجلٌ آخر كان دائمًا ما يزورهم، لكني لا أظن ذلك.. عند وفاة غرانت قرر الإخوة الثلاثة عقد هدنة بينهم لمدة استمرت عدة سنين، أظن أن للأمر علاقة بوالدهم، ربما كانت وصيته أن يتصالح الإخوة؟ لقد كان رجلًا جيدًا في النهاية.”
توقفت تيرا لفترة، مبتسمة بحزن، بينما أنا بقيت في مكاني دون حراك، لم أعلم ما يجب علي التفكير به مع معرفتي لهذا، أومئت لتيرا لإكمال كلامها. “إستمر الصلح بينهم لعدة سنوات إلى أن جاء رجل غريب لقلعتهم، لا أعرف من هو أو الغرض من زيارته، لكنه بلا شك من بدأ الخلاف بينهم مجددًا؛ فبعد خروجه بأسبوع قرر الإخوة الإنفراد كلُّ بمملكته. منذ ذلك الحين، تسع سنين و نحن في معارك مستمرة بينهم الثلاثة، و نهاية الحرب قادمة لنعلم سببها أخيرًا بعد شهورٍ قليلة.”
بقيت صامتة حتى بعد انتهاء تيرا من كلامها، لم أعرف بماذا أرد، كل ما خطر في بالي أنه علي إيجاد الرجل كاسر الهدنة هذا و معرفة ماحدث بين الثلاثة.
أومأتُ لتيرا ناهضةً من على سريرها. “سأحاول إيقاف هذه الحرب قدر المستطاع، خلال هذا الوقت عليك و وحدتُكِ إتقان عنصر الماء جيدًا، فمع المعلومات الموجودة معهم سيستطيعون شن هجومٍ مفاجئ في أي وقت.”
رفعت تيرا حاجبها و ابتسمت بسخرية “لم أظن أنك تهتمين لأمرنا.”
ضحكتُ قليلًا على ذلك “فِعلي مابوسعي للخروج من عالمكم لا يعني أني أريد موتكم.”
لم ترد تيرا، جالبةً صمتًا مريحًا معها. أطبقت على شفاهها مبتسمةً بخفة، ملامحها تحمل مشاعر معقدة رغم بساطتها، تعاسة؟ لا أظن، لكنه شعور سلبي أضاق فكري. فتحت فمي نية سؤالِها؛ لكن بات الهواء أثفل من أسألها، فقررت تجاهلها أملًا في أن يكون أمرًا عاديًا لا شأن لي به. نهضت تيرا عندها و بدأت تسحبني للخارج متنهدَّة كالعادة “أُقدِّر صدقكِ معي يا إيف، لكن لديك ساعةٌ فقط قبل التدريب فاذهبي و تأكدي من حضورك على الوقت.” أمرتني و أغلقت الباب بوجهي، حقًا يا لها من وقحة! مع أني لم أستطع سوى الضحك على ردة فعلها و الإسراع لباقي أقسام القلعة لأخبر القادة بتجديد خطة تدريبهم، قبل أخذ غفوة بسيطة قبل التدريب بربع ساعة. يبدو أنها ستكون أيامًا مُتعِبة من الآن…
°|•—————————•|°