الكتاب المسحور - 7
°|•——————-•|°
منظور إيف•°
————–
أربعة أيام قد مرت منذ بدأت كمستشارة تريشولا، أيامٌ كافية لأفهم حرب البقاء التي يعيش فيها الشعب. حربٌ طبقية لا نهاية لها لِقمَّة هرم السيادة حيث يحلم الجميع، حيث لا يتوقون إلَّا لرؤية أنفسهم أفضل حالًا من إخوتهم.
كل ظهيرة، يفتح تريشولا أبواب قصره لحل شكوى المواطنين، و كانت دائمًا ذات المشاكل: معضلة لمقاسمة أرض، حرمان مواطنٍ من حقوق النبلاء، أو قضية خداع قد تفسد محاولة عبدٍ لإثبات أصله النبيل.
لكن لم تكن مشاكلهم مزعجةً كثيرًا بقدر أساسها، فأساسهم في تحديد رتبة الفرد في المجتمع اعتمد تمامًا على مهارتهم في التحكم بالماء، كما لو أن هناك من أخبرهم أنهم سيولدون بقدرتهم الكاملة على التحكم فيه و إلا فدمهم غير نقي ما أزعجني؛ فسبب سوء باقي الشعب في التحكم في الماء هو جهلهم، و لن يكونو جهلةً هكذا إن كان التعليم مسموحًا لهم! كيف تمكن تريشولا من خداع شعبه هكذا إن لم تمر سوى تسع سنين على فراق الممالك؟!
وفوق خداع الشعب لم يكن الملك شيئًا سوى رجلٍ كسول؛ فخلال أيام عملي كلها لم يتدخل سوى بخمس قضايا بسيطة، تاركًا كل ماهو معقد و متعب لي بينما يجلس مراقبًا بصمت يشرب شايه الأسود. كنت أظن أن الإستشارة مجرد أخذٍ برأي أحدٍ خبير، لا الإعتماد عليه كليًا.
لكني سأكذب إن قلت أني أكره الحال؛ فإعطائي مسؤوليته فتح لي مجالًا لأجبر حكمي و أرحم الشعب من طبقيتهم المبالغ فيها لو قليلًا.
ربما حال المملكة ليس أولويةً في مهمتي الرئيسية، لكن بيدي السلطة للمساعدة و ما مِن أحدٍ ليعترض.
في آخر قضية لليوم خرج الجميع و معظمهم غاضبون من قراراتي مجددًا، تذمرهم يملأ القاعة حتى خروجهم. اتكأتُ على الجدار خلف ستار عرش تريشولا أتنهد عاليًا، أتجاهل ماسمعت و أنتظر إذن الملك لأنصرف و أبحث عن سارقة خطط ألفيلدا قبل فوات الأوان… جلستُ أحدق بتريشولا من خلف الستائر، يجلس متكئًا على عرشه مسترخيًا مع شايه غير مبالٍ لأحد، عكس أخته ألفيلدا التي لا يرتاح لها بال حتى تطمئن على مملكتها. لم يبدو ممن يعير اهتمامًا كافيًا للسلطة أو القوة أو النظام لإحداث حربٍ كاملة مع إخوته…
وضع تريشولا كأسه جانبًا قبل أن ينطق أمره بانصرافي، ليوقفه حارسٌ يفتح البوابة الرئيسية مجددًا؛ فتدخل جيلان بفستانها القرمزي اللامع و كعب تزلجها العالي، مرهقٌ فقط النظر إليه و إلى اتزانها فيه.
توجهت الملكة نحوي و تربصتُ حركتها حتى وقفت أمامي، عيناها بعينيَّ تتجاهل سؤال تريشولا عن سبب قدومها “عملٌ مرهق اليوم، أليس كذلك يا إيف؟”
إعتدلتُ في وقفتي مبتسمةً بتكلف “أبدًا يا مولاتي هذا لا شيء” أومأت لي الملكة برضا قبل أن توجه رأسها للملك.
“سأتحدث معها على انفراد، فقد أصبحت منَّا الآن و أريد التعرف عليها”.
سخر تريشولا “أهذا عذرٌ آخر لأحد حفلات الشاي خاصتك؟”.
“تعرفني جيدًا” إبتسمت جيلان، و اتجهت نحو الباب حيث أتت، متيقنة أني أتبعها. تحركنا خلال الممرات الزلقة و الحراس و الخدم حولنا يتنقلون بانتظام شديد و سرعة عالية، لا يتركون وقتًا لرؤية من حولهم، أو فرصةً للخطأ في حركاتهم.
مع ذلك لم تبتسم جيلان أو تفتعل تعبيرًا يمكن تنبؤها منه حتى أدخلتني غرفةً صغيرة، جدرانها ملونة بدرجات الأزرق القرمزي، مصابيح ذهبية شديدة الإضاءة معلقة على أطرافها.
استرخت جيلان فور وصولها للغرفة، حيث توجد طاولة بكراسيها الخشبية البسيطة. كتفاها راخيان و ابتسامة خفيفة على وجهها حالما جلست على كرسيها أمام الطاولة الدائرية فوقها إبريق شاي نيلي مزخرف، و بجانبه طبق مليء بالكعك، آخر بشرائح الليمون، و آخر مليء بمكعبات السكر.. هذا رغم قلة ضغط الشعب عليها و تريشولا… ظننت أن الحياة مرفَّهة للعائلة الحاكمة هنا، نظرًا لراحة تريشولا بمحادثاته مع أتباعه من جندٍ و خدم… مازلت لا أفهم الكثير عن الحياة الملكية.
كنت سأظنها قارئة طالع كما الأفلام لولا الليمون.
لكني لم أرتح من رؤية المكان فوقفتُ قرب الباب للحيطة. لاحظت جيلان قلقي، فأذابت جزءًا من الأرض الجليدية بحركة من يدها، ليأخذ الثلج شكل يدٍ بشرية تحكم بها إغلاق الباب.
اندفعت قدماي تترددان في الحركة، كدت أقع عدة مرات قبل جلوسي حيث أشارت جيلان مقابلها مباشرة.
بالكاد أدركت ما أنا فيه عندما عندما بدأت جيلان مبتسمة “أتفضلين الشاي بالليمون، بالسكر، أم الاثنان؟”.
من يسأل سؤالًا كهذا؟!! كان علي الهرب حين أتتني الفرصة! لم تنتظر جيلان اجابة مني حتى؛ فقبل أن أدرك وجدتُ كأسًا بشريحة ليمون داخله. لم أمسَّ شيئًا منه، ليس لخوفي مما فيه (نوعًا ما)؛ بل لكرهي لليمون في الشاي، لكن لم تفهم الملكة ذلك.
“ممَّ أنتِ قلقة؟ أريحي بالك فلن أسممك؛ ستكون اهانة لجلسات الشاي”.
لم تكن مزحة مضحكة، لم تكن مزحةً أساسًا أهذا تهديد؟! “ماذا تقصدين بإهانة؟” سألت دون إدراك، و بدأت جيلان تضحك بنبرةٍ ملكية هادئة، لكنها لا تخفي متعتها بخوفي.
“… أعتذر على وقاحتي،” توقفت عن الضحك عندما لم أبدي ردة فعل، و عادت لجديتها برأسٍ مرتفع “لنأتي برأس الموضوع، شابةٌ غريبة من منطقةٍ هجرها معظم قاطنيها منذ عقود تدعي أنها من النبلاء و هدفها خدمة الملك كمستشارةٍ موثوقة، ألا يبدو أمرًا غريبًا لكِ؟”.
“مالغريب فيه؟” سألتُها، لكن أكانت منطقةً مهجورة؟ كيف نسيت قصةً مهمة كهذه؟ ظللتُ و إيزرا نحفظها لأيام… دام صمتي مدةً طويلة و أنا أفكر بعذرٍ مناسب؛ فالتجئت للمماطلة أملًا في إيجاد ردٍ مناسب “أعلم أن عيشي في منطقة يظنها الجميع فارغة أمرًا محيرًا، لكنها قصةٌ طوي-“.
“كان أخاكِ يعمل في اسطبل عائلة غرانت قبل انفصال الإخوة،” قاطعتني جيلان و رفعت حاجبها “كما أن قدرتك على التزلج ليست بمستوى مواطنٍ مائي نبيل… أو ماهو أدنى.”
“أخبرته أننا سنُمسك لهذا!” همستُ بحدة.
في لحظة أحسستُ ببخارٍ ساخن على وجهي، كان كأس الشاي يغلي رغم كونه دافئًا منذ لحظات، و بدأت أتسائل إن كانت جيلان قد تعلمت التلاعب بالنيران في فترةٍ ما. شرد فكري في الأمر حتى أدلت جيلان، معيدةً تركيزي “أنتِ هي المختارة، أليس كذلك؟”.
…”هاه؟”.
ضحكت جيلان “لا تحسبيني جاهلةً كتريشولا فأنا أعلم بالنبوءة، و إلَّا فكيف تفسرين وصول ستيف لحجرة ألفيلدا في الوقت المناسب؟”.
“… ستيف؟” سألتها.
أخذت جيلان قطعة من الكعك قربها “ستيف، البوم الذي أتاك عند النافذة؟”.
اقشعر جسدي بشدة، كانت هي من أرسل البومة؟ أكانت تعرف عن أمر الغرفة المهجورة طيلة الوقت؟! ثبتت عيناي واسعتان على جيلان “كان أنتِ من كتب الرسالة؟”.
ابتسمت جيلان ابتسامة خفيفة مترددة “امم… من أرسل الرسالة؟ نعم. من أرسلها لكِ؟ لا”.
جلستُ أنتظر شرحها، لكنها لم تكمل، فقط تشرب شايها كما لو أن المحادثة قد انتهت “أهذا مالديك؟”.
“مم؟ اوه، المعذرة ظننت أنكِ فهمتِ الباقي-“.
ابتسمت جيلان محرجة، و تركت كأسها لتحكي “ستكون قصةً طويلة؛ فقبل عدة اسابيع، و أثناء انشغال تريشولا بالتخطيط لهجوم مفاجئ على إخوته شعرتُ بشعورٍ غريب، أن هناك شيئًا خاطئًا، أني نسيت شيئًا مهمًا أو ماشابه و كان محتمًا علي فعل شيء لإيقاف تفكيري في الأمر. لم أعرف سبب قلقي المفاجئ، لكن كل ما خطر في بالي كان ألفيلدا و أن علي الحديث معها”.
عبست جيلان، عيناها تسرح بعيدًا لمحاولة تذكر ما حدث “أرسلت ستيف مع رسالةٍ لها، و جلستُ أتتبعه بزجاجةٍ مائيةٍ صغيرة؛ فحتى بعد إرسالي للرسالة كنت أشعر بالقلق”.
“زجاجةٌ مائية؟” تعجبت “لم أرى أي زجاجة عندها.. أو أي ماء”.
“مؤكدٌ لن تريها؛ فقد سُرقت قبل وصولها لك.” بدأت جيلان تفرك كأسها بخفة، قلقًا من شيءٍ ما “أعلم أن الأمر غريب، لكن لا مجال لكِ سوى تصديقي الآن؛ ففور دخول ستيف لحدود مملكة الأرض اختفى مجال رؤيتي. لم أعد أرى أو أشعر بشيء حول ستيف أو الزجاجة، مجرد فراغٍ مخيف داخلي كأني فقدت جزءًا من إنسانيتي-” احتد صوت جيلان، و بدت يائسة، فقدانها لحواسها دون سبب لم يكن بالشيء البسيط لها-.
“حاولتُ صنع عدة كرات ماءٍ صغيرة أمل أن تصل للمملكة لكن النتيجة كانت واحدة؛ فتوقفت عن المحاولة، حتى أتى يومٌ شعرت فيه بالفضول للمحاولة ثانية.”
أكملت جيلان شرحها بهدوء. لم يكفي لإخفاء قلقها المفاجئ، و بدأت أقلق معها دون سبب، لكن مازلت لم أقل شيئًا “كوَّنتُ كرة ماءٍ كثيفة اتجهت بها لقلعة ألفيلدا لآخر مرة، هذا عندما اختفى الفراغ الموحش داخلي؛ عادت حواسي و تمكنت من تخطي حدود المملكة، استطعت الوصول لقلعة ألفيلدا، لكني مازلت لم أتمكن من تحديد مكان ستيف”.
لم تتوقف جيلان عن شغل نفسها بشيء طيلة حديثها، ظننت قلقها نتيجة تذكرها لأحداثٍ مريبةٍ لها، إلَّا أن هدوء ملامحها و إصرارها على الكلام جعلني أعيد التفكير في الأسباب.
أكملت جيلان “عند وصولي رأيت كل النوافذ و المداخل إما مغلقة أو مراقبة، إلا نافذة الحُجرة المهجورة. عندما دخلتها كنتِ مسرعةً للإختباء تحت الفراش. تعجبتُ من أمرك فتوقفت عند أحد أركان الحُجرة أراقب الأمر. بعدما اقتربت ألفيلدا منك دخل ستيف للحجرة مع الرسالة، قرأتُها خلف ألفيلدا قبل أن تطويها، و لم أعلم ماكان علي توقعه حقًا؛ فقد كانت الرسالة الموجودة طلبًا لحضورها أحد قاعات قلعتها، مع أن رسالتي كانت إذنًا لمقابلتها. كما أني لم أرسل أبدًا أي رسالةٍ خفية لك.” أنهت جيلان و أخذت أنفاسًا عميقة، ابتسامتها عريضة فخورة، رغم الحيرة في باقي ملامحها.
اقشعر جسدي مجددًا و أخذته دليلًا على صدق كلامها، فسألتها “أتقصدين بقولك أن هناك من يمكنه التلاعب بحواسك؟”.
ضحكت جيلان ضحكةً عالية، أسنانها بارزة مثل حماسها “بل أقصد أني كنت محقة يا إيف! هناك مؤامرةٌ مريبة و صاحبها يعلم بمعرفتي بالأمر!” هدأت جيلان بعد لحظة “… ماقلتِه أيضًا، لكنه أقل أهميةً من كوني محقة”.
هففتُ ضاحكة “حسنًا، لكن ربما يمكننا إعادة التفكير بكلمة مؤام-“.
“إيف، عليكِ بفهمي، إن كان ما أظنه صحيحًا فعلينا إيجاد المسؤول عن سرقة ستيف قبل الحرب!” أضحى الأمر صعبًا للغاية لسببٍ ما…
بالتفكير في الأمر ربما تكون جيلان محقة؛ فمهما كانت هوية خاطف ستيف لابد أن تكون له علاقة بكاسر الهدنة إما بطريقةٍ أو بأخرى. إيجاده قد يقودني للحل، لكن من أين علي البدء؟ ما من سؤال محدد في ذهني و ما من حدث يدلني لما علي فعله… إلا إن احتسبت معرفتها لآلفيلدا من البداية. لم أرد تضييع وقتي فمازالت الفتاة التي خدعت تايمر طليقة، فسألتها مباشرة.
“سيدتي، أتعرفين بأمر رجل غريب جاء بعد وفاة غرانت؟ من تسبب في انفصال الإخوة مجددًا؟”
عبست جيلان “رجل غريب؟ لا أعلم.. لم أقابل أحدًا خارج العائلة سوى -أوريست-“.
“من؟” سألتها.
“أوريست؟ صاحب الإخوة منذ عرفتهم لابد من سماعك عنه من قبل” صديقهم؟ اه…
اتكأتُ على كرسيي أتذكر محادثتي مع إيزرا. كنت قد نسيت أمره حتى الآن… ابتسامة نصرٍ علت وجهي، و شربت قليلًا من كأس الشاي أمامي، قبل أن أتذكر أمر الليمون داخله… “سمعت عنه، ماذا بأمره؟”
ابتسمت جيلان حاملةً شايها مجددًا، تشرب منه بين كل فترة و أخرى أثناء حديثها “كان أول من عرفته، رجل فضولي مثابر، اعتاد القدوم لمملكتي و قضاء وقته يقرأ كتبها و يدرس طبيعة الحياة في أرضي كل شهر. كانت له الجرأة ليأتيني بمحادثاتٍ و اسئلةٍ جمة لإرضاء ملله. عندما أخبرني بمملكة غرانت و أمر قدراتهم تركت الحكم لوالدي و ذهبتُ لزيارته-”
رفعتُ رأسي من يداي المحكمة على كأسي و إلى جيلان بحماس “ماكان هذا مجددًا؟”
عبست جيلان “… تركتُ الحكم-”
“ليس هذا بل ماقبله”.
“أمر قدراتهم؟” أومأت لجيلان فأنار وجهها تشوقًا.
“اه! نعم، لم يكن التحكم بالعناصر مكتشفًا بل تم تعليمه! ابتدأ الأمر من الآباء، ثم وُلد الإخوة: -أونورا-، -ألفيلدا-، و -تريشولا-” أونورا… أخمن أنها ملكة النار. الوحيدة التي لم أسمع عنها بعد…
أكملت جيلان “كلٌ منهم ولد بعنصر مختلف. أخذ الأمر فترةً قبل أن يأتيهم أوريست و يكتشف قابلية تعلم التلاعب بكل عنصر منهم. عند اكتشافهم للأمر حاول كلٌ من ألفيلدا و تريشولا تعلم التلاعب بعنصر الآخر لكن كان الأمر مختلفًا لهم، فقوتهم داخل دمهم، لا يمكنهم ردعها كما لا يمكنهم إضافة عنصر آخر و إلا فستتدهور حالتهم…، هذا ما أعلمني به أوريست” تذكرتُ قلق تايمر عند أمر والدته بتعلم عنصر الماء. ألهذا كانو قلقين؟ رغم أن تعلمه ممكن لمن لا يحمل دمًا ملكيًا…
“حسنًا، و ماذا حدث بعدها؟”
“ليس الكثير، تعرفتُ على أفراد العائلة، صادقتهم، و أعجبني الحال فأطلت بقائي قليلًا قبل العودة لمملكتي. بعد عدة أسابيع لم أعد أرى أوريست كثيرًا. آخر ما أذكره عنه كان إعطاء هدية لكلٍ من الإخوة قبل اختفائه تمامًا. لم أفكر كثيرًا في الأمر فهو يهوى الترحال، لكن عندما ذهب غرانت للبحث عنه شعرت بأمر خاطئ، هذا عندما عدت لمملكتي لآراها محض سراب.”
فركت جيلان كأسها بخفة، فارغٌ من الشاي الذي كان يملؤه منذ لحظات “لا أعرف ما حدث بعدها، كنت منشلغةً بالبحث عن أثرٍ يعطيني طريقةً لإرجاع قومي، حتى أتاني تريشولا و ألفيلدا معه قلقان لأني لم أعلمهم بذهابي. عدت معهم، و عشت معهم حتى أضحى الحال كما ترينه الآن.”
لم يكن هناك ما يدعو للشك في قصتها، إلا أني شعرت بشيء خاطئ، هناك شيء ناقص لا أعلم ما هو، لكني لا أريد إطالة الأسئلة. أومأت لجيلان باسمة “أشكرك يا مولاتي على وقتك، و أعتذر منك، أردتي استجوابي فأضحيتِ المستجوبة. لا أعرف كيف أرد جميلك على مساعدتي”.
ابتسمت جيلان مبتهجة “أيمكنني إخبارك بطريقة؟”.
حسنًا.. لم يكن هذا ما توقعته “مؤكد…؟”.
“ساعديني بقتل تريشولا” أسحب كلامي، هذا مالم أتوقعه.
“ماذا تعنين، مادعاك لفكرٍ كهذا يا مولاتي؟”
ضحكت جيلان “اوه إيف، لا تدَّعي محبتك له فقلقك و كرهك له واضح كلما رأيته!”
“بالتأكيد سأقلق من الرجل الذي بيده تدمير مملكةٍ كاملة في أي لحظة! لكني أحتاجه حيًا لإصلاح حال الممالك”.
“أمتأكدة من حاجتك له؟ أستطيع أخذ الحكم عنه و إعطائك ماتريدين”.
“أعتذر ياسيدتي لكن لن يمكنني مساعدتك في قتل الملك… ألم تفكري بزيادة الأمر سوءًا عند معرفة أخواته بمقتل فردٍ من العائلة في شفى الحرب؟ و لمَ كل هذا الحقد على أي حال؟”
“لكِ الجرأة لمعارضتي؟!” ضربت جيلان الطاولة بقوة، محتوياتها ترتطم ببعضها. اضطررت للصمت قبل زيادة الأمر سوءًا، حتى ابتسمت الملكة ساخرة “أعرفتِ لمَ أريد قتله الآن؟”
“… لأنه هددك؟” سألت حائرة.
“إيف! لستُ بهذه السطحية!” ضحكت جيلان “بل لأنه هدد ابنتي” … لم أرد خوض محادثةٍ كاملة عن كيف لا يكون السببان مختلفان كثيرًا.
بررت جيلان “كل ما أرادته -برينا- كان التجوال و استكشاف العالم بنفسها. لم تهتم يومًا بالمشاكل بين الممالك، و لم أرد إقحامها في هذه المشاكل فتركتها لتفعل ماتشاء”.
رفعت جيلان كتفها في تعجب مكملة “ثم بعد عدة اسابيع، و عند معرفة تريشولا بأمر مصادقتها لابن ألفيلدا لم تُترَك برينا طليقة؛ حاول تريشولا إجبارها على خداع الأمير و تسريب كل المعلومات اللازمة منه لكنها رفضت؛ فأرسل تريشولا جواسيسًا يتتبعونها ليسجلوا كل ما يمكن الإفادة منه قبل حبسها في حجرتها! أتصدقين هذا؟؟ يرسل جواسيسًا! على إبنته!!”
“أبدًا لا أصدق!! ياله من ظالم…!” كنت سأقول ردًا معبرًا أكثر إلَّم تشغل بالي كمية المعلومات السريعة اللي أتتني. ألم يكن الأمر أسهل من اللازم؟ أعطتني جيلان كل ما أحتاجه قبل أن أبحث حتى…
“أرأيتي؟!” تنهدت جيلان؛ تهدئ غضبها كفاية لتسأل بهدوء “الآن و قد عرفتي سبب حقدي، هل أنتِ معي أم ضدي؟”.
… لم أجاوب لمدة، لا يمكنني إختيار دورٍ محايد، لن أتمكن من تحديها و هي تعرف بأمري، ولن أستطيع الوقوف معها و توحيد الممالك يعتمد على تريشولا. لا أعلم ماعلي فعله، ربما أفكر في الأمر… بدأت أشعر بصداع حاد في طريقه لرأسي، حقًا، متى بدأت آخذ هذه الأمور بجدية؟!
“أيمكنني أخذ مهلةٍ للتفكير في الأمر؟” سألتها أخيرًا.
“لديك يوم واحد يا إيف، فكري بحكمة، فلن أنتظرك لأنتقم لابنتي” ابتسمتُ احترامًا لها، كم أن برينا محظوظة لوجود جيلان بصفها…
أنهت جيلان كعكتها و وقفت بعد إنتهاء كل الحوارات المهمة، و اتجهت الملكة نحو الباب و توقفت هناك “شيءٌ أخير! سأبذل جهدًا أكبر لإخفاء سري لو كنت مكانك؛ هذا إن أردتي ضمان الثقة بمن حولك…” فتحت جيلان الباب و تزلجت خارج الغرفة، ليدخل خدمٌ لينظفوا الطاولة و يأخذوا الكؤوس. لم أتحرك من مكاني لفترة، أسمع صوت احتكاك كعب جيلان مع الجليد يختفي في الممر… مالذي أوقعتُ نفسي فيه…
خرجتُ من الغرفة الفارغة الآن بعد ساعةٍ من مكوثي، أفكر في صمتٍ أحلل المعلومات التي أتتني. اتجهتُ لغرفتي أفكر في هدفي الجديد، حتى غابت الشمس و ذهبت للنوم حتى اليوم التالي.
°|•———————•|°