اللهب القرمزي - 18
الفصل 18
في مكان مظلم تمامًا، يخلو من أي أثر للحياة، يقف شخصان في صمت ثقيل الأول يتميز بشعر قصير بلون نيلي غامق ، تتخلله خصلة بيضاء تزين مقدمة رأسه، مما يمنحه مظهرًا فريدًا ولافتًا عيناه سوداء قاتمة تتوسطهما بؤبؤ أبيض حاد،كان لديه اذان طويلة و حادة ولكن ليس بطول اذان الإلف، مما يضفي عليه بهالة غامضة ، كان يرتدي ملابس سوداء بلا أكمام، تعكس شخصيته الباردة
أما الآخر، فكان ويليام يقف أمامه، متحدثًا بنبرة استفزازية :
“كاريليون، ألا تنوي توضيح سوء الفهم؟”
كاريليون، الذي كان واقفًا بذراعيه المتقاطعتين، اكتفى بابتسامة باردة وعلق بنبرة هادئة:
“ولماذا عليّ أن أوضح سوء الفهم هذا؟ مجرد مجموعة من الإرهابيين نسبوا أنفسهم إلى شاراد،في النهاية سأترك أتباعي يتعاملون معهم”
لم يتفاجأ ويليام كثيرًا، فقد كان على دراية بأن الرجل أمامه يمتلك برودًا مذهلًا
ارتسمت على وجهه ابتسامة خفيفة، وأمال رأسه مستمتعًا بالأحداث:
“هل رأيته؟ ذلك الشخص…انها مسأله وقت حتى يستدعينا”
“…”
ساد الصمت للحظة،
لكن الابتسامة لم تفارق وجه ويليام
كان يستمتع بمراقبة ردود أفعال كاريليون الباردة كعادته، لكنه هذه المرة أراد أن يضغط أكثر تقدم خطوة صغيرة نحو كاريليون و وضع إصبعًا على صدره و قال بنبرة واثقة:
“اه ~ كاريليون ، لا تظهر عدم اكتراثك ، لابد انك متحمس جدًا للقائه!”
رفع كاريليون حاجبًا ساخرًا، وأجاب بهدوء:
“ويليام الست تبالغ بكلامك ، ذلك الشخص سيدي بسبب العقد! و لن اذهب ابعد من ذلك”
ويليام أطلق ضحكة خافتة، ثم ابتعد قليلًا :
“ هل تظن انني لا اعرف؟، أتساءل… هل ستنتظر حتى تضيع الفرصة؟ اعني هل ستضيع فرصة نيل رضاه ؟ سيكون الأمر اسهل من قبل”
قال كاريليون بصوت منخفض:
“فقط اختفي من امام ناظري ، …و أيضًا لماذا تعاونت مع برج ليونيل ؟ هل له علاقه به؟”
ابتسم ويليام بارتياح، وكأنه كان ينتظر هذا السؤال :
“نعم ~ انه تلميذ سيد البرج! ليس من السيء لي استغلال البرج قليلًا”
كاريليون تنهد و من ثم حدق قليلًا بويليام قال و بنبرة هادئه :
“على اي حال لماذا جئت إلي ؟ هل انت هنا لتطلب مني شيئًا ؟”
ابتسم ويليام بخبث واضح و بدأ يصفق :
“لا أتوقع اقل من هذا !! حاد الذكاء كعادتك، أريدك ان تبحث عن سان ، مهما بحثت عنه فأنا لا استطيع إيجاده !”
كاريليون وضع يده على كتف ويليام و ضغط عليه قليلا قال بنبرة بارده:
“هل تظن انه من السهل العثور عليه ؟ فقط غادر طلبك هذا لا استطيع تنفيذه”
ويليام لم يفقد هدوءه، بل على العكس، ازدادت ابتسامته اتساعًا وكأن الرد السلبي من كاريليون كان متوقعًا اقترب أكثر، متجاهلًا ضغط اليد البارد على كتفه، وهمس بصوت يحمل شيئًا من التحدي:
“كاريليون، أعلم جيدًا أنك الوحيد القادر على العثور عليه لأنك… تمتلك الوسيلة التي لا يمتلكها أحد غيرك”
ارتفعت عين كاريليون الباردة لتلتقي بعيون ويليام بثبات، ونطق بنبرة أقل حدة:
“حتى وإن كنتُ اقدر على ايجاد مكانه فأنا لن افعل، في الواقع لماذا تريد معرفة مكانه ؟ هل من سبب ؟ ام انك تود فقط إزعاجه بالهراء خاصتك..؟، مثل انك التقيت به و تكلمت معه اولًا؟”
ابعد ويليام يد كاريليون على كتفه و بدأ يهز رأسه ، قال بنبرة ساخرة:
“لماذا انت دائمًا ممل ؟ أنا أريد فقط ان امزح قليلًا، ليس باليد حيلة يبدو انك لن تقبل بطلبي”
كاريليون تنهد و اسند ظهره على جدار كان خلفه و قال بنبرة هادئة:
“ملك الغيلان ويليام ، حقير عديم القلب ، الحثالة الذي يسبب الفتنه في اي مكان يذهب اليه ، شخص لا احد يتوقع ما يخطط له”
كان وقع الكلمات كوقع السهام، فارتعش ويليام رغمًا عنه، متململًا من هذا الوصف الغريب ، قال بتهكم وهو ينفض ذراعه وكأنها لامست شيئًا مقززًا:
“يا إلهي، هذا كان مثيرًا للاشمئزاز لماذا تتحدث هكذا فجأة؟”
ضحك كاريليون بخفة و نظر إلى الاسفل:
“هذهِ الشائعات المتراوحة بين الناس عنك ، في الواقع انها اقرب إلى الحقيقه بدلًا من ان تكون شائعات”
ويليام تنهد مستسلمًا و فجأة رمى بلورة بلون الأحمر كان في جيبه ، تدحرجت البلورة ببطء حتى استقرت عند قدم كاريليون ، قال ويليام بنبرة ساخرة:
“كان هذا مقرفًا لا تكررها ، و أيضًا خذ هذه البلورة ~”
انحنى كاريليون والتقط البلورة، ثم حدق فيه لوهلة بدا وكأنه تجمد في مكانه حين استوعب ما كان بين يديه رفع عينيه بدهشة:
“هذا… لماذا تعطيني إياه؟ لماذا تعطيني المانا النقية الخاصة به؟”
تبادل الاثنان النظرات لثوان بدت وكأنها أبدية وأخيرًا، تنهد ويليام وتحدث :
“قبل أن يختفي، أعطاني ثلاث بلورات كهذه واحدة لي، و واحدة لك، و واحدة لسان”
كاريليون بدأ يمسح على البلورة و كان فيه لهب قرمزي جميل بالداخل … كان يضيء بشكل جميل بداخل هذا المكان المظلم ، عادت نظرات كاريليون إلى ويليام :
“أنا لا افهم لأي سبب اعطانا جزء صغير من قوته ؟”
“قال انه مثل مكافأة منه لنا ، ان ناخذ تلك القوة القليله و نستخدمها كما نريد نحن ، لابد انه كان يعرف انه سيفقد ذكرياته~”
كان كاريليون لا يزال يحدق بالبلورة و لا يركز مع ويليام الذي أمامه :
“اذن تقول انه مثل هدية وداع منه…”
ويليام استدار ليغادر، لكنه توقف للحظة ونظر إلى كاريليون بابتسامة باهتة تحمل شيئًا من التهديد:
“آه، كدت أنسى، هناك خبر مهم لك”
كاريليون، الذي كان لا يزال يحدق في البلورة القرمزيه ببرود، رفع عينيه ببطء وقال بنبرة خالية من الاهتمام:
“ماذا الآن؟”
ضحك ويليام بخفة ، ألقى كلماته ببطء وكأنه يستمتع بإثارة التوتر:
“ولي العهد… لقد بدأ يقترب أكثر من معرفة مخبأ شاراد، لا أعلم كم من الوقت ستتمكن من إخفاء الأمور، ولكن… أعتقد انه من الأفضل ان تغير المنطقه”
ارتفع حاجب كاريليون قليلاً، لكنه لم يظهر أي انزعاج واضح أجاب ببرود:
“ولي العهد؟ انه ذكي جدًا كيف استطاع حتى… هاه لا بد انه بسبب الارهابين لذا هو يبذل جهدًا اكثر لمعرفة مكاننا ، سأغير مكاني و انشر الأوامر على أتباعي فورًا”
ابتسم ويليام بخبث وهو يتراجع نحو الظلام:
“هذا جيد ~ لا اريد لقائدنا الحبيب ان تُعرف هويته!”
كاريليون وضع الحجر في جيبه، نطق بهدوء دون أن يرفع عينيه:
“اذن جلالة الملك هل تستطيع المغادره الان ؟”
اختفى ويليام في الظلام، تاركًا وراءه ضحكة خافتة تتردد في المكان، بينما استقر كاريليون في مكانه
مغمضًا عينيه للحظة وكأن الظلام الذي حوله يزداد كثافة
كاريليون بدأ يبتسم بشكل تدريجي و عيونه بدأت تضيئ بلون ابيض خافت كان ملحوظًا بالظلام، همس لنفسه :
“هذا ممتع جدًا ، سيدي الجديد يا ترى كيف سيكون ؟”
رفع رأسه محدقًا بالفراغ مستوعبًا شيئًا ما :
“مهلًا … ويليام كيف اكتشف موقعي ؟”
******
[بعد اسبوع – نزل دموع الحوريات]
في تلك الليله بعدما عدت إلى النزل نمت على الفور ، غير مهتمًا بشيء حولي، نمت لثلاث ايام كاملة ، لابد انني قد فقدت الوعي و أنا لم ادرك ذلك
كان كوهن ينام على الاريكه مدعيًا انه مرتاح اكثر هكذا ، لابد انه قد ارتاح جيدًا خلال هذا الأسبوع
في صباح مشرق و هادئ
كان كوهن جالسًا على الاريكه مسندًا ظهره ، كان يحدق بي من الأعلى إلى الاسفل بشكل يزعجني…
“بعد التفكير بالأمر فأنت تمتلك بنية جيدة جدًا بالنسبه لساحر !”
كنت أمام المدخل اكلم النادل يجلب
بعضًا من الطعام لي و لكوهن حالما استدرت إليه معطيًا له نظرات انزعاج واضحة ، زفرت لإظهار انزعاجي له و قلت بنبرة هادئه :
“أنا دربت جسدي ، ففي المقام الاول لم اكن اود ان اصبح ساحرًا”
أبدى كوهن ملامح ساخرة قال و بنبرة تحمل قليلًا من السخريه :
“اذن لماذا اصبحت ساحرًا ؟”
و بخطوات هادئة اقتربت من السرير ناويًا ترتيبه قليلًا قبل ان اجلس ، بينما كنت أتفادى النظر إلى كوهن :
“معلمي هو من اجبرني على تعلمه ، في الواقع أنا امقت السحر … لستُ من محبينه”
حالما جلست على السرير محاولًا الراحة قليلاً ، كوهن الذي و كأنه لديه فرط حركه و غير قادر على الجلوس بهدوء
نهض من على الكنبه و وقف امامي ، قال بنبرة حازمة:
“هذا خاطئ جدًا ! لكي تكون بمجال ما يجب ان تحبه و تكون موهوبًا به أيضًا ، اليس كذلك ؟”
نظرت إليه غير قادر على فهم كلامه ، طوال الثلاث ايام الماضية التي كنت معه عندما استيقظت ، كان شخصًا يتمتع بشخصيه … غريبه إلى حد ما.
“ولكن لستُ احب السحر و كذلك لستُ موهوبًا به ، فأنا فقط اتبع أوامر معلمي لا غير”
كوهن ابتسم امامي قال و بصوت عال قليلًا :
“هراء ! صحيح اني لن اقدر على معرفة قوتك فأنا لم ارى سوى تعويذة واحده منك،
وهو الدرع الذي صنعته وقت الانفجار ولكن استطيع الجزم من انه الدرع يحتاج إلى العديد من السحره للقيام به !”
نظرت إلى الأعلى و يدي على عنقي متنهدًا منزعجًا من صوته العالي :
“أنا أحب استخدام السيف اكثر من السحر”
كوهن حدق بي قليلًا و نظر نحو سيفه الذي وضعه في زاوية الغرفه :
“إذن هل معلمك منعك من تعلم فنون السيف ؟”
لم ارد فورًا حدقت بالنافذة قليلًا قبل ان ارد :
“لا ، لم يمنعني بل بالعكس حتى انه أعطاني سيفًا باهض الثمن”
تنهد كوهن و بدأ يمرر أصابعه على شعره :
“اذن هل تعرف كيف تلوح بالسيف؟”
أومأت برأسي و أنا أهمهم :
“نعم، فقط الأساسيات”
كوهن وضع يده على كتفيّ و قال :
“اذن لماذا تكره السحر ؟”
أبعدت يده فورًا و نظرت إلى عيونه مباشرتًا :
“بسبب امر حدث بالماضي -”
“اذن لماذا لا تنسى ما حدث و تحاول التركيز على ما انت عليه الان ؟، اعني هذا سخيف مهما كان السبب في الماضي ، فأنت الان لا تمتلك سببًا لكره السحر اليس كذلك؟”
“…”
عم الصمت بالغرفه و شردت أمامه …
في الواقع هو محق، طأطأتُ برأسي غير قادرًا على الرد ، هل كان تأثير والدتي قويًا جدًا ؟ ام هل كنت فقط غير قادرًا على تقبل حقيقة انني استطيع استخدام السحر ؟
اشعر بالفراغ … هل كنتُ حقًا اكره السحر ؟ ام كنت فقط محاصرًا من قيود والدتي ؟ ، قيود لا استطيع الهرب منها مهما حاولتُ جاهدًا …
قبل ان ادرك ذلك يدي بدأت ترتجف ، و صدى كلمات والدتي لا تزال محفورة بعمق بداخلي …
«مجرد دمية مظهرية لا اكثر ، لا ارى فائدة من إبقائك بالمنزل لو كان لديك مانا لكانت الأمور مختلفة، لذا لا تلمني بل لُم نفسك و احتقر نفسك التي لم تستطع فعل شيء»
رفعتُ نظري بصعوبة، لكن الصمت بقي سيّد الموقف
ربما، في النهاية، كنتُ مجرد دمية فارغة كما قالت، مجرد دميه لا تتبع إلا أوامر والدتي ، غير قادرًا على الهرب من قيودها
نظر الي كوهن بهدوء ،و لا بد انه ينتظر ردًا مني… عندما فتحت شفتي كي أتحدث, كوهن تحدث:
“يبدو انك مررت بالكثير يا رجل ! فقط أيًا ما حدث لك بالماضي لم يعد موجودًا اليس كذلك ؟”
أومأت برأسي موافقًا ، قبل ان ادرك ذلك ادركت إني هدأت:
“نعم انت محق … يبدو انني سأبدا بتقبل السحر”
بينما كان كوهن على وشك قول شيء آخر ، طرق احد الباب ، كوهن ذهب و فتح الباب ، كان النادل و احضر الطعام لي و لكوهن ، كوهن اخذ الأطباق منه و اغلق الباب
نظر إلى طعامي بأستغراب شديد ، و من ثم نظر إلى بنظرات مستغربة :
“مهلًا يا رجل ، هل هذا كل ما تتناوله بعد ثلاث ايام من استيقاظك؟ ، انها بطاطا فقط !”
اقترب مني كي يعطيني الصحن و لا يزال يتكلم :
“في الواقع أنا مستغرب حقا ، مظهرك يظهر انك صحي و نبيل!”
انه لا يسكت حقًا …
تنهدت و اخذت الصحن منه :
“أنا استطيع ان اصمد بدون اكل لمده أسبوعين ولكن أنا فقط اكل كل ثلاث ايام لأنني اتعب بعدها”
كوهن اخذ كرسيًا و جلس امامي ، كان يحمل طبقًا مليئًا باللحم و الرز كان لا يزال مغلفًا:
“واو هذا يبدو رائعًا! يبدو هذا مريحًا إذا كان لديك طريق طويل بالسفر ”
قبل ان يفتح كوهن الطبق المغلف أوقفته فورًا : “مهلًا لا تفتحه هنا !”
تجهم كوهن و تجمدت يداه في الهواء :
“هاه … اليس لديك حل مع هذا ؟”
“لا للأسف”
“همف ، سأكل بالخارج”
نهض كوهن وغادر الغرفة منزعجًا، وأغلق الباب وراءه ،بقيت جالسًا في مكاني، أحدق بالطبق أمامي.
تنهدت بعمق، أشعر بثقل الصمت الذي عاد ليغمر المكان. كانت كلمات كوهن تدور في رأسي، تركت شعورًا غريبًا بالارتياح:
“أيًا ما حدث معي بالماضي ، لم يعد موجودًا الان”
قلتها لنفسي بصوت بالكاد يُسمع،
كان محقًا لابد انني كنت مجنونًا ، منذ هروبي و أنا فقط كنت خائفًا من والدتي ، كنت خائفًا من أشياء لم اكن قادرًا على فعلها قبلًا.
فجأة بدأت أسمع صوت كوهن وهو يتحدث مع أحد المارين بصوته المرتفع المعتاد
ابتسمت بخفة،ربما لم يكن سيئًا أن أجد شخصًا لا يأخذ كل شيء بجدية، ربما فقط كنت احتاج إلى نوع من الهراء لكي يذهب ذلك الشعور الغير مريح في قلبي.
بعد عشر دقائق ، انتهيت من الأكل و كنت شارد الذهن قليلًا ، ثم فجأة كوهن فتح الباب و تعبيره مشرق
“لنغير الجو قليلًا! هذهِ المرة انت أيضًا فالتخرج !”
تجمدت في مكاني قليلًا :
“و ماذا عن طعامك ؟ الم تنهيه ؟ لم تمر إلا عشر دقائق”
دخل كوهن الغرفه وهو يأخذ السيف الذي وضعه في الزاويه :
“أنهيته بالفعل ! ، هيّا اسرع”
نهضت من مكاني و أخذت العبايه و أرتديتها، و أخفيت شعري جيدًا ، رغم ان خصلاتي قد تكون ظاهره في الأمام .
“هل تحتاج إلى إخفاء شعرك ؟”
“لا اريد جذب انتباه غير ضروري…”
“هذا هراء !”
…
عم الصمت قليلًا تنهدت و حدقت به لعدة ثواني :
“انت تدرك ان هذه المملكه لديها عنصرية قوية جدًا ؟ و خصيصًا العاصمه ، من المحال ان استطيع التحرك بحرية مع لون شعري هذا”
…
كان كوهن فقط ساكتًا لا يرد ، و على الفور خرج قبلي و هو يشير الي : “تعال لنذهب !”
خرجنا من النزل إلى شوارع العاصمه التي كانت تضج بالحياة. كانت أشعة الشمس الذهبية تسطع، تلقي بوهج دافئ على المباني
كوهن، الذي كان يمشي بجانبي بخطوات واثقة، نظر إليّ وقال بابتسامة مرحة:
“إذن، هل تعرف اي مكان جيد ؟”
رفعت نظري إلى السماء المشرقة قبل أن أجيب بهدوء:
“هناك سوق مركزي هنا سمعت أن لديهم بضائع فريدة من كل أنحاء المملكة ، قد نجد شيئًا يعجبنا“
كوهن ابتسم و نظر إلى الأمام مباشرتًا:
“السوق إذن؟ ممتاز، ربما أجد سلاحًا أفضل من هذا السيف القديم!”
أثناء السير، كنت أحاول قدر الإمكان الحفاظ على هدوئي، لكن عينيّ لم تتوقفا عن مراقبة الأشخاص حولنا. بعضهم كانوا يحدقون بخصلات شعري التي لم أتمكن من إخفائها تمامًا.
كوهن و الذي كان جاهلًا بكل هذا قال بثقة :
“قد الطريق فأنا لست خبيرًا هنا!”
تابعنا السير نحو السوق وسط أجواء العاصمة النابضة بالحياة ،
أصوات الباعة تتعالى، والروائح المتنوعة من التوابل والمأكولات تملأ الهواء.
كنت احاول الهدوء قدر الإمكان و تغطية انفي.
لم أكن مرتاحًا تمامًا مع تلك النظرات التي كانت تتجه نحوي بين الحين والآخر.
كان كوهن ينظر حوله و حين إلى الآخر يلاحظ نظرات الناس .
حين وصلنا إلى مدخل السوق المركزي، أوقفنا كوهن للحظة وهو ينظر بفضول إلى واجهة أحد المتاجر التي كانت تعرض دروعًا وسيوفًا براقة
قال بحماس وهو يضرب ظهري بخفة :
“أوه! انظر إلى هذا! أعتقد أنني سأجد شيئًا يناسبني هنا!”
ألقيت نظرة سريعة على المعروضات :
“هذا يبدو مبتذلًا ، لماذا كل شيء ذهبي و براق بشكل مبالغ فيه؟ … اعني يبدو متجرًا ينصب على الآخرين”
ضحك كوهن بصوت عالٍ، مما جعل بعض المارة ينظرون إلينا، وقال بينما يدفعني برفق إلى داخل السوق:
“بفتت انت محق بالفعل ~ لنذهب إلى مكان آخر”
عندما تعمقنا أكثر إلى الداخل، وجدنا أنفسنا في الجانب الآخر من مملكة جينيا، حيث يمتد السوق المخصص للعبيد كأنه عالم منفصل بحد ذاته
كان المكان منظمًا بشكل مُذهل، نظيفًا لدرجة غير متوقعة. البائعين يرتدون ملابس أنيقة تعكس انتماءهم لعالم التجارة الراقية، في حين أن العبيد المصطفين خلف الأقفاص كانوا مشهدًا متناقضًا تمامًا.
الوجوه كانت متعددة، والأعراق أكثر تنوعًا مما توقعت: بشر، إلف، إلف الظلام، أقزام، وحتى متحولون. لكنهم لم يكونوا سوى بضائع مُقسّمة إلى فئات.
هناك من كانت قيمته في جماله الأخّاذ، وهناك من اختيرت بنيته الجسدية ليصبح حارسًا أو محاربًا في خدمة سيده الجديد، أما البعض، فقد كُتبت عليهم أقدارهم ليصبحوا دمى في يد النبلاء.
توقفتُ للحظة أمام إحدى الأقفاص
أعينهم التائهة كانت تلتقي بعينيّ، وأفكار ثقيلة أخذت تقتحم عقلي
هل كنتُ سأكون واحدًا منهم لو لم أهرب؟ تساءلتُ في داخلي بمرارة، ماذا لو نجحت والدتي في محاولاتها لبيعي؟ كيف كانت ستصبح حياتي؟ هل كنت سأقف هنا الآن، خلف قفصٍ حديدي، أنتظر من يساوم على ثمني؟
ضاقت عيناي و أنا أحدق بهم هكذا ، لم أرفع رأسي حتى ناداني كوهن الذي قد سبقني بضعه خطوات :
“يا رجل مالذي تفعله هناك واقفًا ؟ هل تنوي شراء واحد؟”
تنهدت و أنا بدأت أتقدم ببطئ :
“محال ، لا أظنني بحاجة اليهم”
كوهن لاحظ انزعاجي و وضع يده على كتفي، وقال بهدوء نادر هذه المرة:
“هيه، أنت بخير؟ تبدو شاردًا”
أومأت برأسي بصمت، محاولًا أن أتماسك، رفعت نظري إلى العبيد في القفص مجددًا، شعرت بنظراتهم الفارغة من الحياة ، يبدو و كأنهم تخلوا عن فكرة الهروب …
نطقت أخيرًا بصوت منخفض و أنا انظر اليهم : “لنذهب فقط ، انه يشعرني بالضيق”
كوهن نظر إلى العبيد للحظة، ثم تنهد و قال بصوت هادئ:
“هل انت حقًا لن تشتري واحدًا؟تبدو مهتمًا”
نظرت إلى الأمام و تقدمت بضعه خطوات :
“لا ، لستُ مهتمًا لنذهب”
كوهن اتبعني وهو لا يزال ينظر اليهم و بعدها أشاح بناظريه عنهم : “حسنًا حسنًا ~ ، لنذهب إلى القسم المخصص للأسلحه !”
في داخلي شعرت بخيبة امل صغيرة من نفسي ، هل أنا الوحيد الذي ارى هذا شيء غير مقبول؟ ، في النهايه هذا المكان لا يرى شيء كهذا بشكل مختلف.
بعد بضعه دقائق من السير ، كنا بالفعل تعمقنا بالسوق اكثر .
كان السوق يعج بالبضائع الغريبة والمثيرة، من الأسلحة النادرة إلى الأحجار السحرية والجرعات الطبية التي تلمع تحت ضوء الشمس الخافت. توقفنا أمام أحد الأكشاك التي تعرض خناجر مزينة بنقوش دقيقة ومعقدة، وكوهن بدا مفتونًا بها، كأنه يرى شيئًا لم يره من قبل.
“ما رأيك بهذا؟” سأل كوهن وهو يرفع أحد الخناجر بيديه، يتأمل النقوش التي تزين نصلها اللامع.
“يبدو بحالة جيدة، لكنك عادةً ما تفضل السيف، أليس كذلك؟ لماذا هذا الاهتمام المفاجئ بالخناجر؟”
أجبت، محاولًا فهم سبب انجذابه لهذه القطعة الصغيرة.
بدأ كوهن بتحريك الخنجر بسرعة في الهواء، وكأنه يجرب حركات قتالية خفيفة. “استخدام أشياء جديدة يبدو ممتعًا! سأشتريه بالتأكيد.”
“افعل ما يعجبك.” قلت متنهدًا، مستسلمًا لحماسه.
اشترى كوهن الخنجر وواصلنا السير حتى وصلنا إلى متجر يبيع السيوف بأنواعها المختلفة
بينما كان كوهن يتصفح المعروضات بالداخل، كنت أتفحص السيوف المعروضة على الجدران بالخارج ، لكن شيئًا ما جعلني أشعر بعدم الارتياح. شعرت بنظرات ثقيلة تتجه نحوي، كأن عيونًا خفية تراقب كل حركة أقوم بها. التفتُ خلفي، لكن المكان كان خاليًا من أي شخص. حاولت تجاهل الشعور، لكنه ظل عالقًا في ذهني.
توترت قليلًا و ابتلعت ريقي ، تحركت بضعه حركات ناويًا الذهاب إلى منتصف السوق.
قبل أن أتمكن من التحرك، قطع كوهن صمتتي وهو يحمل سيفًا طويلًا بنصل رفيع وحاد. “ما رأيك بهذا السيف؟ أليس رائعًا؟ النصل قوي ومصمم بدقة!” قال بحماس واضح في صوته.
تنهدت ونظرت إلى السيف الذي كان يرفعه بفخر. “نعم، يبدو جيدًا. هل ستشتريه؟”
“بالطبع!” أجاب بابتسامة عريضة، وكأنه وجد كنزًا ثمينًا.
وهكذا واصلنا تجوالنا في السوق، بينما كنت أحاول تجاهل تلك النظرة المزعجة التي لم تفارقني، وكأنها تتبعني في كل خطوة.
———————————————————