المعجزة ٢٠٧ - 14
ماثيو سيبيستيان..
ولد ذلك الطفل…الى الظُلمات…
عاش في مهده حياةً لا تذكر،عادية..بل اقل من عادية،فلم يعرف سوى إثنين في بداياته،والدُه الصارم،رئيس مخبر التجارب صفر،إليوس سيبيستيان،مساعده الشاب لويس..ماذا عن والدته..؟
لا أحد يعرف مصيرها…يُقال بأنها ماتت و هي تلِدُه…
لا بأس،كان ذلك الرضيع سعيدًا في حياته البسيطةِ غير الشاقة،لا يلقى سوى الإهتمام…إستمرّ ذلك حتى سنّ الثالثة..
حلّ عيد ميلاده،و حلّت مأساته،ففي ذلك اليوم الجميل،قرر والده الرئيس أن يجعل إبنه وريثًا لذلك المخبر،و يخلفه..
كيف…؟بالطبع لم يحكم مخابر التجارب شابٌ عادي بلا قدرة..
قرر و بصرامةٍ على نفسه،إجراء التجارب على إبنه..
لكنه…كان يريد شيئًا…شيئًا مميزًا..قويًا…لم يشهد منه في حياته…
عقله…نعم…لما لا يصبح ماثيو مثالًا للتجربة المثالية و يجري تجربةً على عقله..؟فهو ذكي..إستطاع الكلام دون أن يحدث أحد،و تعلم الحساب بسرعة،و الكتابة،بل إنه ربما عبقري مقارنة بالأولاد في عمره
تقرر الأمر،أخذ ذلك الصبي ليتم إجراء تجربةٍ على عقله..
بالرغم من بكائه و صراخه،فلا أحد إهتم،ربطوه بإحكام في ذلك الكرسي،و رُكبت شتى الأسلاك في رأسه الصغير الذي كان يأبى الثبات
صعَقةٌ قوية!تم صعق دماغ ذلك الطفل بشحنات عالية التيار…
و يال سوء الحظ،حدث خطأ أثناء تلك التجربة،و تعطل الجهاز!و أصبحت الشحنات ذات طاقةً أكبر من أن يتحملها إنسان!
إنفجر ذلك الجهاز بالفعل!
و في وسط الدخان،يدخل ذاك الأب هالعًا لصغيره..
صغيره الذي غرق في بحر دمائه،دماءٌ جرت من فتحات وجهه..
فثد ذلك الطفل…أو هذا ما ضنه الجميع..
يالَ معجزة القدر!
إنه حي يرزق،يتنفس فقط..
لكن..لكل جريمةٍ عاقبتها..
فقد ذلك الطفل قدرته على النطق،المشي،الحركة،كل ما كان يستطيع فعله هو التنفس…
فقد تركيزه حتى،فلم يكن ينظر في وجه أي إنسان البتة
إستمر ذلك الحال،و إنتشرت الإشاعات في كل مكان…
شعر الرئيس بالعار و الذُل…
فإبنه الوحيد و خليفته،أصبح معاقًا ذهنيًا و جسديًا…
لم يكن أمامه سوى خيارٍ واحد..
تكرار تلك التجربة..
فلو فشلت،يكون قد تخلص من ذلك العار بلا ذنب،و ينجب إبنًا آخر غيره..
و إن نجحت،و هذا مستحيل،فسيكون ذلك الفتى..هو المُختار..
أخذ ذلك الفتى بعد عامٍ كامل..من الصمت..
و تعرض لصعقةٍ أقوى من سابقتها!!
و هذه المرة….
إستمر أحدهم بزيادة الشدة!حتى بدأ ذلك الطفل الاصم بالصراخ!
أوقف الجميع تلك الصعقات..
تصلب ذلك الرئيس في مكانه و هو يشهد صغيره الوحيد..و هو ينزف بشدة…
و قد جزم هذه المرة بموته..
لا….
تحققت معجزةٌ أخرى…
رفع ذلك الطفل رأسه!و إستطاع الحراك بعد عام كامل من السكون!
نظر في عيني أبيه…
بعينيه الخالية من النور،كجثةٍ إنقضى عليها الزمان…
رفع بسبابته و هو يشير لأحد العمال!
“ذلك…الرجل…حاول قتلي…”
هلع الجميع!
إبن الرئيس الذي لم ينطق بحرفٍ منذ عام!
قد جزم بأن ذلك العامل يحاول قتله!
و بالفعل!كان يتلاعب بأزرار تلك الآلة و يحاول التخلص منه!
امر الرئيس بإعدامه فورًا!
لمع محجري ذلك الأب،فإبنه…على قيد الحياة…
لا أحد يعلم كيف نجى من كل ذلك!
بعد ذلك،تعرض للكثير من الإختبارات،و إكتشف الجميع…
قدرةً جديدة…
ذلك الطفل،يتحكم بالعقول!
قدرته جبارة!شيء لم يوجد له مثيل من قبل!
العينة مئتان و سبعة،كانت من اكثر العينات دهشةً على مر التاريخ
فجئة،إزداد ذكائه بشكل غير معقول!
أصبح ينافس علماء كبار و عباقرة،لا يقضي وقته إلا في التعلم!
نجح في كل إختباراته الذهنية بمعدلٍ يفوق الطبيعي!
ذلك العقل الذهبي…
يجب أن يبقى كما هو،نقي،بعيدٌ عن تفاهات الحياة..
قرر ذلك الأب،بأنه سيحافظ على إبنه،و يجعله رئيسًا لم يشهد التاريخ أذكى منه
أصبح ماثيو يتصرف كرجلٍ بالغ لا كطفلٍ في الرابعة من عمره،طفل بلا مشاعر،او اي احساس،يتدرب ليقوي قدرته طوال الوقت و يدرس وحيدًا و يتفوق على الجميع في كل شيء،طفل يجهل ماهية حنان الام،اما والده فكان لا يهتم الا بشيء واحد،هو ان يرى ولده المعجزة يصبح خليفته و يغير العالم بقدرته!
لم يتلقى ماثيو اي اهتمام لحالته النفسية،ببساطة لانه لم يشعر بشيء البتة،كان مجرد آلةٍ تطيع كل ما يطلب منها حتى لو كان الموت
اقتصرت حياة ماثيو على غرفةٍ صغيرة،غرفة نومه التي كانت كغرفة مريض في مستشفى،لكن،في احدى الايام،يستيقض شيء في ماثيو،اول شعورٌ قد احس به غير الألم!و هو الفضول!
كان ماثيو عبقري بالفطرة،لطالما تسائل عن حجم هذا العالم..هل يقتصر حجم هذا العالم على القاعدة العسكرية؟هل يوجد مخلوقات غير البشر؟
فضوله سبق أفعاله…
لذا،حين سأل والده لأول مرةٍ عن شيءٍ لا يخص دراساته…
رفض والده الإجابة على سؤالٍ تافهٍ كهذا..فهو لا يريد تخريب عقل إبنه العملي بأشياء مادية و غير مجدية
يجب أن يحافظ ذلك الطفل على لقبه…
المعجزة..
تم قمع فضول ذلك الفتى…
عامان من السكينة..
أصبح عمره ست سنوات..
ست سنواتٍ من اليأس،فهو لا يشهد والده إلا في المناسبات،و يقضي أيامه في التدريب بجد..
في إحدى الأيام الهادئة،كان ذلك الكفا يجلس في غرفته وحيدًا،حتى دخل أحد الأولاد الى غرفته
شريكُ سكن،بسبب قلة الغرف و كثرة العدد…
كان شريكه طفلٌ عادي،عاش حياةً مماثلة لحياته،فهو لم يشهد ما خارج هذا المخبر قط،لكنه كان مختلفًا تماما…
كان ذلك الطفل الملقب بريو،مجرد طفل ذو شعرٍ بني عادي و نمش خفيف و عينين بنيتين…لا شيء مميز..
يتصرف بطريفةٍ عادية،يصدر تلك الأصوات الغريبة الذي جعلت ماثيو يتحير في أمره
ضحك،بكاء،غضب
كل تلك الأشياء،جهلها ماثيو…
يبدو بأن بيئة ريو كانت مختلفةً عنه…
إقترب ذلك الطفل الشغوف و جلس بجانبه،و بينما كان ماثيو يدرس كعادته
“ما إسمك؟!ينادوني هنا بمئتان و ستة،لكن إسمي هو ريو!أعرف بأنك مئتان و سبعة!الجميع هنا يتحدث عنك!أنت مشهور!هل حقًا تستطيع تحريك الأشياء بمجرد النظر إليها!؟”
ثرثر ذلك الطفل بمواضيع عشوائية،بينما كان ماثيو غير مباليًا بكل ما يقول
“أ تعلم؟!الطعام الذي يقدموه هنا لذيذ للغاية!انا أحب اللحم!هل تحب تناول اللحم؟!أوه!!هل تعرف لدي قدرةٌ ايضًا!تنبؤ المستقبل!!أ ليس هذا رائعًا؟!”
إلتفت ماثيو ناحيته،لأول مرة،متجاهلًا الدراسة
إستكمل أسئلته العشوائية و الطفولية
“هل رأيت ما يدعى بالغيوم!؟أضن بأنها رائعه!يقال بأنها تشبه القطن!اوه هل تجيد لعب كرة القدم؟!نستطيع اللعب سويًا إن أردت ذلك!!هل تجيد الكلام..؟أعرف فتاةً فقدت سمعها بسبب التجارب!!”
كان ذلك الطفل ريو مفعمًا بالحيوية،بخلاف ماثيو..
مجرد طفل عفوي،ينطق بكل ما يخطر في رأسه بلا تردد!
نطق ماثيو مقاطعًا ثرثرته
“اريد…معرفة المزيد…”
لمع محجرا ذلك الصغير ضاحكًا،و هو يتسائل
“المزيد؟بشأن ماذا؟!”
“الغيوم…و ما تسميه بكرة القدم..”
إشتعل الحماس في ذلك الصغير،ثرثر بلا كلل او ملل
و على غير العادة،كان ماثيو يصغي بعناية و قد أخذت حدقته تتوسع مع تلك المعلومات…
جُذب ماثيو لتلك الأشياء…التي منعه والده منها..
و إستمر بالتسلل خلسةً في منتصف الليل،الى مكتبةِ المخبر
يتصفح في تلك الكتب التي تتحدث عن ما يظعى بكوكب الأرض،كان ذلك الصغير مولعٌ
بالإستكشاف،غريزةٌ كتلك تغلبت على رغباته في إطاعة والده
ناهيك عن بعض روايات الأطفال،و التي كانوا ببساطة،يمرحون و يلعبون فيها…
في إحدى الأيام،إستدعى ذلك الأب البليد إبنه…دخل ماثيو و قد واجه والده وجهًا لوجه
“ماثيو،كنت أريد أن أعلمك،بأنك ستكون خليفتي،ذلك التدريب لم يذهب سُدًا،ستصبح الرئيس عند بلوغك الثامنة عشرة!”
مشاعر تدفقت في ذلك الجسد الفارغ،شيءٌ جديد…غير الفضول و الألم…
هذه المرة،شعر ماثيو بأنه يريد ان يواجه والده و يتحدث و يبدي برأيه!
نطق ذلك الطفل فارغ العينين
“أبي…أستطيع رؤية العديد من الأطفال…و هم…يلعبون،اريد اللعب بدوري”
عقد ذلك الوالد حاجبيه و هو يتذمر
“أخبرتك لتوي بأنك ستصبح الرئيس!عن أي لعبٍ تتحدث؟!من علمك تلك التفاهات!؟؟”
“لا…لا أحد…أنا فقط…أريد أن…ألعب و…استكشف الخارج…”
تجلى غضب ذلك الأب،حتى لكم إبنه لكمةً جعلته يترنح و يسقط أرضًا،جهر فيه
“ماثيو!!!ماذا دهاك بحق السماء!؟لما أصبحت متخلفًا!؟كوالدتك تماما!!توقف عن التفوه بالتفاهات و عد لواقعك!”
والدته…؟
تلك الكلمة…
أيقضت شيئًا في ذلك الصغير…
لا،لم يكن حزنًا…
نهض و هو يشد على كفه،محاولًا إستذكار وجه أمه..
بالطبع هو لم يتذكرها حتى مع مرضه فرط الإستذكار…
ببساطة…
لأن والده أخذه مباشرةً…
حرمه من حنان أمه،و طفولته..
جحِضت و إجتمعت تلك الشاريين فيها
و بعِناد!رفع ناظريه نحو أبيه…
كان أنفه ينزف بشدةٍ و قد توّرم وجهه..
إلا أنه إستمر بالنظر لأبيه،نظراتُ تحدٍ و غضب!
إرتجف ذلك الأب!إنحنى لمستواه و هو يقول بنبرةٍ هدأت
“م..ماثيو..ستستطيع الخروج من هنا و رؤية العالم بعد
سن الثامنة عشر،لا داعي للإستعجال..يبدو..بأنني آلمتك هذه المرة..”
إلتفت ماثيو للناحية الأخرى،و بصق أرضًا أحد أسنانه!
يبدو بأنه
رفع برأسه و قد إجتاحت عينيه السواد…
نظراتٌ تحمل في طياتها الكره،الحقد…
نطق ببرود نبرته
“حاضر سيدي الرئيس..”
ارتجف ذلك الأب…
توالت على انظاره بعد المسافة بينه و بين إبنه الوحيد..
إرتمى على ركبتيه و قد تمسك بكتفه!إنهار باكيًا كالطفل الرضيع!و هو يصرخ
“لماذا لا تناديني بوالدي؟!ماذا حدث لك بحق الجحيم!؟؟”
صدم ماثيو…لمعت عينا ذلك الصغير…
لا،لم تكن نظرات أملٍ أو سعادة
بل لمعت بالبغض و الهيجان…
تراجع بضع خطواتٍ و هو يقول
“أستمحك بالرحيل سيدي..”
خرج من تلك الغرفة،و هو يحمل في ذلك القلب الفارغ نوعًا واحدًا من المشاعر…الحقد..الرغبة في الإنتقام..
لم يغمض جفن له..فقد توالت تلك الأفكار الشيطانية في رأسه واحدةً تلوا الأخرى…لا يخطط سوى للإنتقام!
في اليوم التالي،كان يجلس برفقة ريو..
تذمر ريو بشأن رغبته في الخروج من هنا كعادته…
إلا أن ماثيو،بادر في حديثه هذه المرة و قال
“ريو…لنهرب من هنا…”
اشرق ناظري هذا الطفل!و قد سيطر عليه الحماس!
اندفع صارخًا
“هذا ما أتحدث عنه!لهذا السبب إخترتك صديقًا لي!”
صديق…؟تلك كلمةٌ جهلها ماثيو،ربما فد قرأها في أحد كتبه دون معرفة فحواها…
لكن،لم يكن ذلك بالشيء المهم بالنسبة له،أصبح كل ما يصبو إليه هو الهروب و ترك والده يعاني…
..صعد ذلك الطفل على خشبة المسرح،و إبتدأت مسرحيته
في ساعات النهار،إنه المعجزة ٢٠٧،التجربة الناجحة،الذي يطيع مالِكه بلا كلل او ملل
و في المساء،يتسلل برفقة صديقه الى غرفةٍ مهجورة
و يبدأ تخطيطهما للهروب سويًا!
في الخفاءاصبحت حياة ذلك الطفل تتغير..
ظهرت فيه مشاعر جديد لم يجرب منها في حياته..
كلمات ريو شجعته على اجتياز الكثير..
عامان من التخطيط،أصبح جدار غرفته الابيض مشوهًا بتلك الخربشات التي لا يستطيع كائنٌ فهمها سواه…
مزيج شفرات من اختراعه،تحمل في رموزها…خطةً للهرب!!
تطلع ذلك الولد لمغادرة تلك الحلقة المفرغة،الى العالم الجديد..
دون معرفة كمية الخطايا التي ستفتعلها يداه
فأول خطية…
كانت قتله لأعز اصدقائه..أريان..
إنهار ماثيو…بل و كمن قد فقد عقله،أنهمرت دموعه خشية كشفه،لكن بطريقةٍ ما…
فور النظر لكل تلك الدماء..
ابدى ذلك الطفل عديم المشاعر…إبتسامةً عريضة..
كمن تجلت في نفسه نشوة ما..
لم تكن بسعادة..
بل…طمع…
و من تلك النقطة،تحولت حياة الة التجارب…الى عقدةٌ متشابكة..
كانت خيوطها معلقةً بالأشواك التي يعجز شخصٌ ضعيفٌ مثله على فكُها…
بالرغم من تصرفاته الناضجة،فهو لا يزال بعقل طفل،لذا..ضن ان التعجل بالهروب..سيخلصه من تلك الأصوات في رأسه..
اصوات الندم..
نعم…فور ترك هذا المكان…الذي افتعلت فبه يداه جريمةً لا تغتفر…ستتلاشى تلك الأصوات من رأسه..
اختلط ريو بماريا،و اصبحا نقربين بالفعل،بينما ماثيو كانت علاقته جيدةٌ بذلك الطفل الذي اعتبره كأخيه…لوكاس..
هاؤلاء الأربعة،فقط لا غير،قرروا الهرب..
كيف..؟
الخطة كالآتي،مساء الخميس،الثالث عشر من سبتمبر،ستنفجر غرفة مئتان و سبعة…و سيكون ميتًا…
او بالأصح،سيوهمهم بموته
بينما يكون الجميع مشغولًا بذلك الإنفجار البسيط،سيتسلل هاؤلاء الأربعة خارجًا!
لكن…أ ليس من الجنون أن يقوم طفل في الثانية عشرة من العمر بصنع قنبلةٍ بنفسه..؟
لكننا لا نتحدث عن أي طفل،إنه ماثيو…
فقد نجح بالفعل…
باشرت الخطة!
انطلق هاؤلاء الأربعة و قد استعدوا لتفجير القنبلة عن بعد،كانوا يختبأون في انابيب الهواء،لكن..حصل ما لم يكن في الحسبان…فحتى العبقري قد يغفل…
تلك القنبلة،كانت قويةً بحق!!!
انفجرت انفجارًا دمر نصف المبنى!مات فيه آلاف الأبرياء!!!
طار هاؤلاء الاربعة،لكن…الى الخارج!
نجوا بمعجزة!!
نهضوا راكضين و هم يحملون اغراضهم!
حتى توقف ماثيو للحظات…
إلتفت و هو يشاهد ما صنعت يداه…
يتوقف قليلًا و هو يشهد تلك الارواح اللتي سلبتها يديه،و امل والده اللذي دهسه بقدميه،في تلك اللحظة،ابدى ماثيو رد فعل غير متوقع
اخذ يرسم في ملامحه الخالية..تلك الإبتسامةَ العريضة…
لاول مرة في حياته،ضحك ماثيو بشدة،ضحك من قلبه!
هم لا يعلمون انه كان يضحك على ملامح ابيه الذي كان يشاهده من سطح تلك البناية التي تحترق!…
ابيه المنهار و الدموع متراكمة في عينيه الذي خانه امله الوحيد في الحياة
و ايضا…يضحك على خيبته…لقتله هذا العدد الهائل من الناس
إستمتعت عيناه بذلك المشهد…
المكان الذي احتجزه…يحترق…و والده سيموت في ذلك الحريق ربما…
منظرٌ لا يقدر بثمن..هذا ما فكر فيه عقله محدود القدرات…
ضن ريو و من معه ان ماثيو قد جن فعلا،منظر شنيع كهذا لا يستدعي الضحك..بل كل ما سيطر على ريو كان الحزن و الندم..
اخذ ماثيو يركض بعيدًا…تاركًا والده في خيبته
مرت الأسابيع..
كانت الحياة خارج المخبر عجيبة…
كان عالمًا واسعًا…
ممزوجًا بجمال الطبيعة الساحر و وحشيتها
استطاع هاؤلاء الأربعة الصمود و بجدارةٍ امام وحشيتها،و التمتع بجمالها…
بالرغم من مقاومتهم،فقد واجهتهم بعض الأمراض…بسبب إعتيادهم على المخبر المغلق..
لكنهم اجتازوها بالفعل..إلا ماريا…
كانت ضعيفةً و ترتعش..
طوال الوقت..كان ريو يهتم بها بحق،يبدو بأنها كانت
حبه الأول!
نظراته الغريبة،عينيه اللامعتان،ذلك ما لم يستطع ماثيو فهمه البتة
لماذا كل ذاك الإهتمام يوجه لاجل إنسان..؟
سؤال..لم يجد له ماثيو إجابةً البتة..
و مع مرض ماريا،استطاع هاؤلاء الأربعة الذهاب الى البحر،و الى اماكن لم يشهدوها سابقًا…
في طريقهم..للبحث عن مسكن..
حتى قرروا،المرور بالمنطقة الشمالية،فما بعدها،يوجد الربيع..
غاص هاؤلاء الصغار في الثلوج الباردة…
كان كل شيء على ما يرام..
حتى سقطت ماريا مغمى عليها بسبب المرض…
استطاع ريو حملها،و التعب بادٍ عليه أيضًا..
قطعوا مسافةً ليست بقليلة…
لكن…
ظهر امامهم عائق اكبر من مرض ماريا…
ظل ضخم مخيف…
ارتعش ماثيو و ردد في نفسه
“لقد…جاء الوحش…”
كان ذلك الوحش…هو من اكبر كوابيس ماثيو…
لم يمتلك ذلك الوحش أسنانًا مخيفة…
بل لم يكن شكلهُ يرعب الناظرين البتة…
فما كان يرتعد من يراه إلا و لهالته الضخمة و المهيبة…
المساعد لويس..
كان يجرّ بذلك السيف العملاق خلفه،صوت جلجلة سيفه الثقيل في الثلوج،دبت الرعب في تلك القلوب الصغيرة
انزل ريو ماريا من على كتفيه،و اخرج مسدسًا بيدسه الراجفتين…
بينما ماثيو…تجمد عن الحركة…كمن رأى ملك الموت يخطو اليه…
صرخ ريو بنبرته الراجفة
“ماذا تريد منا!؟اتركنا نذهب بسلام!!”
لم يهتم ذلك الرجل بريو البتة،اخذ بناظريه نحو ماثيو،و هو يخطو ناحيته بصلابةٍ و ثبات
توقف امامه و هو ينطق بنبرته العميقه
“آسف…لكن..يجب أن اتخلص منك..”
وجه بسيفه نحو ماثيو!!
بطريقةٍ ما،كان متقبلًا موته…
او خائفا و يتظاهر بالإستسلام…
اخذ يلكمه بشدةٍ حتى تشوه وجهه بالفعل!
نزف ماثيو بغزارةٍ من رأسه…
كانت ضربة اخرى..كفيلةٌ بإنهاء حياته…
لكن!
طلقةٌ جائت من خلف لويس!طلقةٌ من بين يدي ريو الراجفتين!صرخ بتحدٍ
“لم تلمس ماثيو و أنا على قيد الحياة!”
“هكذًا إذًا…”
قالها كما لو كان يسايره…
بالرغم من أنه لم يصبه حتى…
اخذ بسيفه الكبير و انطلق ناحيته!!
صرخ ماثيو بنبرته المرتفعة و الهلع اجتاح قلبه
“لا!!!!ريو!!!”
طعن ذلك الرجل ريو بالفعل!!!
و يبدو بأنه لم يكتفي بريو…
التفت و هو ينظر نحو ماريا،ثم اعاد بناظريه لماثيو…
كان ذلك الطفل… متصلبًا…بلا حراك…
تلونت تلك الثلوج البيضاء باللون الاحمر،و تمازجت الألوان كلوحةٍ تبكي لها العينين…
فصديقه ذو العينين المشرقتين…
قد اصبح باهتًا…و غرق في الثلوج…
انطفأ نور عينيه…
و انتهى امره…نازفًا حتى الموت…
تعالت صرخات ماثيو باكيًا!
بكى حتى تلاشى صوته…
و….تلاشى كل شيء….
و بما فيه..رؤية ماثيو…
فما سيطر عليها سوى الظلام..
قيلولةٌ صغيرة..قد تأخذه لعالم ريو…لا بأس بها…
تريحه…من كل هذا…
او هذا ما ضنه…
فقد فتح عينيه بعد مدةٍ من الزمن…
وحيدًا…
و لا توجد سوى جثة صديقه الغارقة في الثلوج…
اما باقي الجثث..فقد…تلاشت تحت الثلوج بالفعل…
برد…و ظلام….و ألم…..
لم يبقى شيء لذلك الصبي…سوى الندم…
الذي ذاقه لأول مرةٍ في حياته…
و سيلازمه حتى آخر أيامه…
خطوةٌ واحدة…اخذت بهم الى الهلاك…
فقد انهى ذلك الوحش…كل شيء…