ظلال البقاء - 4
استمر سامر ومالك في السير عبر الغابة، وكأنهما يحاولان الهروب من ظلال الماضي التي لا تزال تطاردهما. المسافة بينهما كانت أعمق مما كانت قد تبدو على السطح. سامر، الذي كان عليه أن يصبح الأب والأخ والحامي في آنٍ واحد، كان يشعر بثقل المسؤولية على كتفيه أكثر فأكثر، بينما مالك كان يعيش في عالمٍ داخلي يعج بالخوف والشكوك التي كانت تتسلل إلى روحه مع كل خطوة.
بينما كانا يسيران، كانت الغابة تحيط بهما وكأنها عالم مستقل، حيث تلتف الأشجار العالية بأغصانها لتشكل قبة ضخمة تمنع الشمس من الدخول. كانت الأوراق الجافة تحط تحت أقدامهما، والصمت يلف كل شيء باستثناء أصوات الرياح الباردة التي تعصف عبر الأغصان. لكن هذا الهدوء كان خادعًا، فالعالم الخارجي كان دائمًا على حافة الفوضى.
سامر، هل تعتقد أننا سنجد طريقًا للخروج من هذ؟”، سأل مالك بصوتٍ هادئ، بينما كانت عيناه تلمعان ببصيص من الأمل المختلط باليأس.
توقف سامر للحظة، نظر إلى مالك، ثم ابتسم بابتسامة صغيرة مليئة بالحزن. “سنجد طريقًا، مالك. لكن علينا أن نكون أقوياء. مهما كانت الظروف سيئة، نحن لن نستسلم.” لكنه كان يعلم في داخله أن هذا الوعد قد لا يكون كافيًا. كان العالم يسحق الأمل ببطء.
أثناء رحلتهما، وصلا إلى أطلال مدينة كانت قد دمرتها الكارثة، ولم يتبقَ منها سوى بقايا الخراب والمباني المحطمة. كانت الشوارع تعج بالحطام والأنقاض، والمباني التي كانت شاهقة ذات يوم، أصبحت الآن مجرد هياكل مشوهة. دخل الأخوان المدينة بحذر، يبحثان عن أي مؤن أو ماء.
“ابق قريبًا مني يا مالك”، قال سامر وهو يمسح المكان بعينيه الحذرتين. كان يعرف أن هذا المكان قد يحمل خطرًا جديدًا. وبينما كانا يتقدمان عبر الأزقة الضيقة، لم يستطع سامر التخلص من الشعور بأنهما مراقبان.
وفي لحظة، سمع سامر صوت خطى غريبة تقترب. التفت بسرعة، ليرى رجلين مسلحين يخرجان من الظلال. بدا أنهما كانا ينتظران.
ما الذي لدينا هنا؟” سأل أحد الرجال بابتسامة ساخرة وهو يرفع سلاحه.
رفع سامر يديه محاولًا تهدئة الوضع. “نحن لا نريد المشاكل. فقط نبحث عن بعض الطعام والماء.”
الرجل الثاني ضحك بصوت عالٍ، وهو يقترب من مالك. “الطعام والماء نادران هنا، صديقي. وإذا أردتما البقاء، فستدفعان الثمن.”
اندفعت مشاعر الخوف عبر جسد سامر. لم يكن أمامه خيار سوى حماية مالك بأي ثمن. تحرك بسرعة محاولاً التصدي للرجال، لكنهم كانوا أسرع. في لحظة، شعر سامر بيد قوية تدفعه على الأرض.
“لا!”، صرخ مالك محاولاً الدفاع عن أخيه، لكنه كان صغيرًا جدًا وضعيفًا أمام هؤلاء الرجال القساة. وبينما كانت الأمور تزداد سوءًا، سقط مالك على الأرض بعد أن تعرض لضربة قوية على رأسه.
توقف الزمن بالنسبة لسامر وهو يرى أخاه يسقط. تحرك نحو مالك بسرعة، يحتضنه بين ذراعيه. “مالك! مالك! اصمد!”، قال بصوت مختنق بالدموع.
لكن مالك لم يرد. كان جسده ساكنًا وباردًا. سامر شعر وكأن الأرض قد انهارت تحته. في تلك اللحظة، كان العالم حوله يبدو وكأنه فقد كل معناه. لقد حاول، لقد بذل قصارى جهده لحماية أخيه الصغير، لكنه فشل.
في تلك اللحظة، اندفع الرجلان مبتعدين، لكن سامر لم يكن يهتم. كل ما كان يشعر به هو الألم العميق الذي مزق قلبه. احتضن جسد مالك الميت، والدموع تنهمر من عينيه دون توقف.
“أنا آسف يا مالك… لقد وعدتك أنني سأحميك… لكنني فشلت”، همس سامر بصوت خافت مليء بالندم.