لوحة الربيع - 5
ركضا يومي وهارو لفتح الباب، لكنّ المفاجأة كانت..
– ” ايييه!! آلبرت؟ ”
– ” حالًا، لا وقت للشرح، عليّ أخذكِ من هنا.. ”
– ” آلبرت، ما الذي يحدث!! ”
– ” أسرعي، أنتِ في خطر! ”
– ” لكن.. لكن، هارو والسيدة وردة؟ وجدّ كازو؟ “
– ” سأخبّئهم لاحقًا، علينا الإسراع. ”
– ” أين كازو؟ ”
– ” يومي كفاكِ أسئلة!!!! ”
صرخ آلبرت للمرّة الأولى في حياته على يومي التي كادت تبكي من خوفها.
وقف هارو أمام يومي مقابلًا لآلبرت:
– ” ٣ أسئلة سريعة أجب عليها؛ أين كازو؟ ما الذي يحدث؟ لِم تأخذ يومي وتخبّئنا؟ ”
– ” لا وقت أقسم، لا وقت كافٍ.. ”
– ” أجب إذًا! “
– ” قد كُشف أمر رفيقكم، وهو غالبًا محبوس في قصر قائد الجيش، وهم منذ هروبكِ يحاولون البحث عنكِ، ويبدو أنّهم سيجدونكِ بعد ما كشفوا ذاك الفتى، وأخيرًا عليّ إيجاد مكان آمن لها وإخفاء أثركم لكيلا يأخذوكم رهينة أو ما شابه. ”
يومي بصوت خافت بخنقة:
– ” يا لسوء حظّي.. يا لسوء أمري.. هارو.. ماذا أفعل؟ “
يا لِتقلب الأحوال العجيب؛ في آخر مرة كانت تسأل آلبرت، واليومَ هارو.. لم يعد آلبرت عائلتها الوحيدة إذًا…
– صوت توقف العجلات-
– ” من هنا؟ ”
ذهب آلبرت لِيرى من فتحة صغيرة بالنّافذة:
– ” كلّا كلّا كلّا، لقد وصلوا للقرية ! ”
أخرج آلبرت من جيبه خنجرًا صغيرًا مدّه ليومي:
– ” أردت إعطاءه لكِ حينما ذهبتِ، لكنّني تردّدت، استخدميه إن دعت الحاجة له. “
– طرقات الباب-
– ” نعلم أنّكِ هنا، أيّتها الهاربة الصغيرة… ”
نظر هارو وآلبرت لعيني بعضهما وكأنّهما يتهامسان بلغة العيون، ثمّ بحركة سريعة، أمسك هارو بيد يومي وخرجا من الباب الخلفي، وركل آلبرت الباب ليضربهم ويؤخّرهم عن اللّحاق بهما.
– ” هارو.. إلى أين نذهب؟ ” يومي بتوتر.
– ” هناك كهف سنختبئ فيه. “
– ” لكن.. وآلبرت؟ ”
– ” سيدبِّر أمر نفسه. ”
ظلّا يركضان وآلبرت هناك في معركة. من سيحصل على مراده؟ هذا ما سنعرفه..
بعد برهة، سُمِع دويّ رصاصة .
سقطت يومي من الرّعب ووضعت يديها على أذنها، ردّدت مرتعبة:
– ” آلبرت.. آلبرت.. آلبرت.. كلّا كلّا كلّا كلّا… ”
أتاها هارو يحاول طمأنتها:
– ” إيّاكِ والاِستهانة برجل ترك كل شيء لحمايتك.”
أجابت وقطرات الدّموع تنسدل على وجنتي يومي بحرقة وشدّة:
– ” لا أريده أن يموت ! ”
ضمّها هارو:
– ” بذل آلبرت كل جهده لإنقاذكِ، إيّاك وتركَهم يمسكون بكِ وتذهب جهوده هباءً منثورًا. ” وسحب يديها وأكملا ركضهما.
حلّ الليل واقتربا من الوصول لكهفهما المنشود، دخلاه واختبآ فيه منتظرين.
– ” أوَتظُنُّ أنّه سيحين وقت يتعيّن عليّ فيه اِستخدام الخنجر ؟ ”
– ” لا أتمنّى ذلك، لكن، غالبًا هذا ما سيحدث. “
~~~~~~~~~
– في مكان آخر، عند كازو-
السّلاسل تلتفّ حول يديه، ساحبة إيّاهما لأعلى الجدار، وثيابه متقطعة من الجلد والضّرب، ويكاد يُغمى عليه لولا البرد القارس.
– ” أسَتُخبرُني أم لا؟ ”
– ” في أحلامك. ”
– ” يا لك من مسكين، بعدما تموت، سأرقص عليك في زفافي أنا ويومي. ”
– ” وكأنّه سيدعك. ”
– ” من؟ ”
– ” … ”
أمسك بياقة كازو وشدّها بعنف:
– ” أقول لك من؟ ”
– ” أتظنّ يا لوي العزيز أنّ يومي سترغب بك؟ ستحبّك؟ يا لك من مضحك.. ”
– ” سنرى من المضحك يا سيّد فجل. ”
– ” أجل، سنرى يا سيّد زيتون. “
بعدما خرج لوي وأغلق الباب على كازو، رفع بصره للشّباك الصّغير فوقه ليرى القمر المنير:
– ” يا ترى، ماذا حدث لكما ؟ “
– عند يومي وهارو –
نامت يومي مباشرة، وظلّت تحلم بكوابيس، تارة تصرخ بحلمها، وتارة تبكي ويربِّت عليها هارو فتهدأ، نام بجانبها وظلّ يلعب بشعرها ويتأمّلها.
– ” كفاكِ آلامًا وحزنًا… “
حلّ الفجر، استيقظت يومي ولم تجد هارو بجانبها. خرجت لترى أين ذهب، لكنّها رأت من بعيد شيئًا يمشي باِعوجاج.
ارتابت يومي.. من هذا؟ اِقتربت قليلًا ولمحت شعرًا بنيًّا..
ركضت ظنًّا أنّه هارو، وحالما اِقتربت كثيرًا، تبيّن أنّه أحد الحرّاس، رفع ناظريه لها وابتسم بخبث، وركض لها بأقصى استطاعته، وهي بدورها هربت.
حالما مدّ يده ليمسكها، أنزلت رأسها ومدّت قدمها ليسقط أرضًا، ثمّ هربت لأسفل التلِّ ناحية آلبرت الذي كادت تموت قلقًا عليه.
– ” سأمسك بكِ ! ”
قالها ذاك الحارس وهو يركض لها، مجهزًا قبضته لضربها.
ويومي المسكينة ظلّت تهرب بصمت؛ فلا تودُّ أن يجدها حارس آخر..
لكن، وللأسف، قفز الحارس كالقرد وأسقطها أرضًا وخنقها..
– ” اتتتـ.. اتركنـ.. اتركني يَـ.. يا.. يا هذا… ”
– ” لو تعلمين كم سيجني عليّ تسليمك من المكافآت والمنافع. “
ثنت يومي ركبتها لتقرِّب فخذها ليدها، وتحاول باستطاعتها أخذ خنجرها، لكنّه ويا للأسف، ضغط بشدّة على ركبتها لتستقيم.
– صوت طلق رصاص –
شعرت يومي بالدّماء تتصبب على وجهها.. لقد قُتل هذا القرد!
من أنقذها؟ لم تستطع يومي الجلوس أو التّحرك من الخوف…
اِقترب ظِلٌّ أكثر فأكثر، ويومي تتصبّب عرقًا من خوفها..
حالما رأت منقذها بكت بهدوء، وغطّت عينيها بساعدها.
– ” حمدًا لله.. أنت بخير . ”
– ” علينا الذهاب، يومي. “
بنظرات رحيمة سحب آلبرت يومي وأجلسها:
– ” اسمعيني، عليكِ الاِختباء بعيدًا. ”
أومأت يومي رأسها بالإيجاب، لم تسأل عن شخص أو تستفسر عن شيء، اكتفت فقط بالإشارة إلى الكهف.
ففهم آلبرت وذهبا إليه.
– ” أين هارو؟ ”
– ” لا أدري. ”
– ” متى ذهب؟ ”
– ” لا أدري. ”
تنهّد آلبرت ثم أمسك بكتفه متألمًا.
– ” آلبرت، ماذا حدث لك؟ ”
ركضت مذعورة ترى كتفه:
– ” إصابة رصاصة.. إذًا أنت من أُصيبَ بالطّلق النّاري هاه… ”
أخرجت خنجرها وأزاحت قميصه من جهة كتفه، وبدأت برفق تحاول إخراج الرّصاصة من على سطح
ذراعه حتى سقطت، مزّقت قطعة من فستانها ولفّت بها جرحه.
– ” أنت بخير، عليك الرّاحة. ”
– ” شكرًا لك. ”
صكّت يومي بأسنانها ولم تنطق حرفًا، شعرت بالإحباط الشّديد والضّعف.
– ” آلبرت، استمع إليّ، كفاك إرهاقًا لنفسك.. بعد نهاية كلّ شيء، أطلب منك الذّهاب بعيدًا والمضيّ في حياتك. “
ظلّ آلبرت يحدّق بها مستفسرًا، لِمَ قالت ذلك الآن؟
خرجت يومي إلى نهر قريب من الكهف، لكنّ آلبرت استوقفها:
– ” سآتي معك. ”
– ” عليك الراحة. ”
– ” الإصابة بكتفي لا بقدمي، لا بأس بالقليل من المشي. ”
– ” اِفعل ما تريده. “
خرجا معًا إلى خارج الكهف قاصدين النّهر القريب.
حالما وصلا وارتويا وغسلا وجهيهما، أخرج آلبرت قِربة ماء وملأها بماء النّهر.
– صوت من بين الأشجار-
– ” يومي، اِقتربي لجانبي. ”
تأهّب آلبرت للدّفاع، وحالما خرج شخص ركله آلبرت.
– ” اوه، إنّه أنت.. ”
– ” بربّك، اِنتظر حتى ترى من القادم!! ”
– ” هارو، أين ذهبت! ”
– ” آسف لذهابي دون إعلامك؛ كنت خارجًا لأبحث عن آلبرت، وعندما لم أجده، قرّرت تفقّد الأرجاء، وشكرًا له؛ حالما عثرت عليه ضربني… ”
وقف آلبرت وقفة الحارس، وانحنى برقبته:
– ” اعتذاراتي لك سيّد هارو، لعلي تماديت بالحذر. ”
– ” هوّن عليك، لا بأس. ”
– ” لنعد الآن. ”
أسند هارو آلبرت عليه، وعادوا للكهف.
– ” صحيح، أين سنضع جثّة هذا القرد؟ ”
– ” قرد؟ “. ضحك هارو وآلبرت بشدّة.
– ” أيّ قرد يا هذه؟ ”
– ” حارس كاد يقبض علي لولا أن ان آلبرت قتله، كان يسير ويقفز كالقردة، وأمسكني بيديه الطويلتين، قرد بشريّ مقرف ! ”
– ” لا عليكِ، سأرميه بعيدًا بعد أن أُجلس آلبرت في الكهف. “
بعدما استراح آلبرت في الكهف واستند، خرجت يومي لهارو.
– ” هوّن الله عليك عملك. ”
– ” إنّ القرد لَثقيل، خلع كتفاي وأنا أنقله. ”
– ” أين وضعته؟ ”
– ” رميته هناك قرب القرية لأُشتّتهم عن الكهف، لكن، لن نبقى به طويلًا. “
– ” أريد منك أن تأخذ آلبرت لمستوصف البلدة. ”
– ” وأنتِ؟ ”
– ” لا تقلق، سأبقى هنا مختبئة حتى عودَتِكما، وإن اِقترب أحدهم مجددًا، سأبتعد وآتي إليكما. ”
– ” لست مطمئنًّا لذلك… ”
– ” كفاكَ خوفًا بلا داعٍ، خذه هناك ليتعالج ودعه يسترح، ثمّ عودا إليّ غدًا. لقد أصيب برصاصة يا هارو… ”
– ” حسنًا، إذًا وأنتِ اِبقي هنا، إيّاكِ والذّهاب لأيّ مكان. ”
– ” سمعًا وطاعة، أيّها القائد الذهبيّ. “
هارو ضاحكًا:
– ” أتحاولين ردّ لقبكِ بهذا اللّقب؟ ”
– ” لقبي لك لطيف؛ لم أصفك بحيوان وما شابه. ”
– ” أنتِ ذكية وماكرة كالثّعلب، أيّتها الثّعلبة الحمراء. ”
– ” هاها حسنًا، حسنًا، اذهبا الآن. “
– ” اُوي أيّها الحارس المزعج، سآخذك. ”
– ” ألا تكفّ عن وضع الألقاب؟ يبدو أنّها هوايتك الجديدة. ”
– ” ألقابي مميّزة أيّتها الثّعلبة الحمراء. ”
أمسك آلبرت بهارو ووقف:
– ” إلى أين؟ ”
– ” إلى المستوصف. ”
– ” ويومي؟ ”
– ” هذا ما أمرت به، لا نريد بتر ذراعك كلّها لاحقًا.”
– ” إنّه خطير عليكِ. ”
– ” آلبرت، اُصمت واذهب مع هارو، ولا تعودا إلّا غدًا بعد أن ترتاح وتتعالج جيّدًا! “
– ” علينا إخفاؤك، حذاري أن يراك الحرّاس ويفسدوا الأمر. ”
– ” وكيف ذلك؟ ”
– ” غالبًا حوَّطوا منزلي، لذا سآخذك لمنزل السيد توماس، ستبدّل ثيابك وترتدي شيئًا، ونمضي لعلاجك… “
بعد أن رحلا، أعادت يومي ربط الخنجر بفخذها وفكّت شريط شعرها لتجمعه بالكامل، وحسمت قرارها؛
– ” سأنقذ كازو… “
يُتبع..
حساب الانستغرام: @imamy03