ليال ماطرة - 2
هارو : كانت ليلة ماطرة، الغيوم فيها داكنة، الانارة خافتة، تركت سريري بسبب صوت المطر الذي لا يتوقف و ثم، ذهبت الى غرفة المعيشة، سمعت صوت أمراة تبكي و تنحب، أخافني ذلك ف أقتربت أكثر ، أكثر و أكثر، أزداد صوتها، سمعت صوت شخص يتنفس بصعوبة، كانت أنفاسه ثقيلة، و الدماء على يدي و وجهي لسبب اجهله، نحيب تلك المرأة، أزداد حين رأتني.
الطبيبة : هل تذكر من كانت تلك المرأة؟
هارو : للأسف، كانت والدتي، هذا يصيبني بالجنون، لا أستطيع التحدث أكثر، أعذريني.
الطبيبة : لا بأس، هارو.
ينهض هارو من مكانه و هو يقول : سأعود لأخبرك
بالحقيقة كاملة حين أكتشفها.
الطبيبة : سأكون بأنتظارك، أنتبه على نفسك.
يخرج هارو و هو يتصبب عرقا، ولكنه يحاول تمالك نفسه، أصبح التنفس صعبا عليه، يقول هارو محدثا نفسه : لا يمكنني أن أكون ضعيفا هكذا، فقط التفكير في الماضي يصيبني بالجنون؟ كل شيء على ما يرام، لا يجب أن أتوتر هكذا.
يشعر هارو بيد تلامس كتفه بلطف و هدوء، يلتفت هارو، و يتضح أنه مارك، يتنهد هارو قائلا : ليس أنت مجددا.
يقول مارك مبتسما : تبدو مضحكا و أنت تحدث نفسك بتلك الطريقة.
يقول هارو، مبعدا يد مارك عنه : مالذي تريده؟
مارك : لا شيء حقا، أنا فقط أشعر بالملل.
هارو : أسمع يا فتى، نحن لسنا مقربين، و أنا لست
صديقك، أفهمت؟ أذهب لتلك المجنونة، فأنتم مناسبون لبعضكم.
مارك : يالك من وقح، ولكنك تعجبني لسبب ما.
هارو : هذه المشاعر ليست متبادلة.
ذهب هارو لغرفته ليرتاح، ولكن يبدو أن مارك مهتم به حقا.
مارك : لماذا كنت تتصبب عرقا قبل قليل؟
يتنهد هارو و يقول : هذا ليس من شأنك، لماذا تسأل كثيرا؟
مارك : حسنا، سأصمت.
يشيح هارو نظره، و يجلس على سريره و يجلس متأملا النافذه، و فجاءة، بدأ المطر بالهطول بقوة، بدأ هارو يرتجف، و عينيه تملأها الدموع، يعض هارو شفتيه محاولا كتم نفسه، يمسك هارو بسترته بقوة، غير قادرا على التنفس، يشعر بألم في صدره، لا يعلم مالذي يجب
عليه فعله، ثم يقول بصوت منخفض : مارك..
يلتفت مارك أليه و يقول : ألم تقل لي أن أصمت؟
ثم ينظر مارك لوجه هارو، فوجئ مارك و امسك بهارو بأحكام و هو يقول : هارو! ما بك؟ أنتظر هنا، تماسك قليلا، سأعود في الحال.
يركض مارك لخارج الغرفة و ينادي الممرضة و طبيبة هارو، كان هارو يعاني من نوبة هلع، كان قلبه ينبض بسرعة و غير قادر على التنفس او الكلام.
هدأ هارو اخيرا، ولكنه كان فاقدا للوعي لوهله. ضل مارك بجانب هارو طوال الوقت لأنه كان قلقا عليه، فتح هارو عينيه بهدوء، نظر إلى مارك، ثم قال : مالذي تفعله هنا؟
رد مارك بصوت قلق : هل تحسنت الان؟ ظننت بأنك على وشك الموت! لقد أخفتني حقا.
هارو : أنا بخير، ولكن، أين هي؟
مارك : هي؟ من هي؟
هارو : الطبيبة
مارك : لقد خرجت قبل قليل.
يخرج هارو من غرفتة مسرعا و رأسه يدور من شدة التعب، ضل يبحث على الطبيبة، فدخل الى غرفتها و وجدها تحتسي كوبا من القهوة و هي تنظر الى شاشة حاسوبها، على أمل أن تجد حلا لحالة هارو، كان هارو يلهث من شدة التعب و لازال رأسه يدور، نظر اليها بأعين مليئة بالخوف، فوجئت الطبيبة بردة فعل هارو حين نظر أليها، قال هارو و هو يتنفس بصعوبة : لقد وجدتها، وجدت جزءا من الأحجية، أنا أتذكر أمرا.
قالت الطبيبة : أجلس أولا، ثم تحدث بهدوء، لا يوجد داع للعجلة.
جلس هارو، ثم قال : حين سمعت صوت المطر، شعرت و أنني على وشك الموت، صوت المطر كالكابوس لي، في كل مرة أسمع فيها صوت المطر، أشعر و أنني غير قادر على التنفس، أشعر و أنني أغرق في بحر عميق،
بحر لا يمكن السباحة فيه، بحر خال من الحياة و لا يمكن الهروب منه، أن لم يكن مارك بجانبي، كنت قد أموت حينها.
كم أنا حائرة، أنا على علم بأنه لا يزال عالقا في تلك اللحظة، وأنه ليس سعيدا تماما بما حدث، كان مجرد طفل بريء تحمل كل ذلك لوحده، مالذي حدث؟ هل قتل والديه ولكنه لا يتذكر؟ أعني، قد ذكر أنه يرى الدماء على يديه، ربما قتل والديه، أو أحدهم، لابد و أنه يتمنى أن انتهت الأمور بهدوء دون أن يعاني، و يتمنى أن كان يملك حياة طبيعية كباقي الأطفال، دون أن يتسبب بتلك الصدمة التي يستحيل التخلص منها، و يشعر بالشفقة على والدته التي ماتت بعد أن تغلبت على مرضها، ولكنها ماتت بسبب طفلها و زوجها، تلك المسكينة، قال الطب الشرعي بأن مقتل والدته بسبب طعنة غير عميقة و نزيف حتى الموت، و كانت تعاني من السرطان سابقا، فكان جسدها منهك و ضعيف بالتأكيد. ما الذي أفكر به؟ يالي من حمقاء، يجب أن لا أتعجل في الأستنتاج، سأسمع المزيد.
الطبيبة : هل أحسست بأي شيء اخر؟
هارو : ليس بعد، ولكنني أسمع صوتها، صوت والدتي و
هي تشتمني ليلا و نهارا، لا أعلم لماذا.
الطبيبة : هل تسمع أي صوت غير صوتها؟
هارو : ليس حقا.
يبدوا أنه يعاني من الهلوسة بسبب تلك الصدمة العنيفة، أولا، الدماء التي يراها على يديه و وجهه، ثانيا، صوت والدته المتوفاة، ياله من مسكين.
نهض هارو مغادرا و هو يبتسم لها، فوجئت الطبيبة لأنها أول مرة يبتسم فيها، أبتسمت له، ثم خرج هارو.
نظر هارو الى نهاية الممر، يتنهد و يقول : يالك من مترصد.
يضحك مارك حاملا دميته التي على شكل دب، و يقول : أنت تشعرني بالفضول حقا.
هارو : أنت لست سوى مترصد يقوم بملاحقتي أين ما ذهبت.
يقترب مارك من هارو و يقول : كيف جرى الأمر؟
هارو : كما قلت سابقا، هذا ليس من شأنك، ألا تتعلم من درسك؟
مارك : أرجوك، لن تخسر شيء أن أخبرتني ولو بالقليل.
هارو : حسنا، يالك من فضولي.
يبدء هارو و مارك بالمشي في الأرجاء، يقول هارو و هو يشعر بالأنزعاج : أتذكر، حين أصبت بنوبة الهلع؟ كان ذلك نتيجة صدمة أصبت بها حين كنت صغيرا، هذا ما تحدثت معه بشأن الطبيبة.
مارك : كنت قلقا حقا، بدوت وكأنك على وشك الموت.
هارو : هل رضيت الان بعد أن أخبرتك؟
مارك : نعم، ولكنني لا زلت فضوليا بشأنك.
هارو : أنت الشخص الذي يبدو مثيرا للأهتمام، بسبب
دميتك الرديئة.
ينظر مارك بأعين تشتعل غضبا، يقوم بأحكام قبضته أكثر و أكثر، يحاول عدم لكم هارو في وجهه، يعض شفتيه و هو على وشك الانفجار، ولكنه يهدأ و يصمت.
لاحظ هارو هدوء مارك، ولكنه لم يعره أهتماما، ثم قال هارو : اذا ما قصة الدمية؟
مارك : هذا ليس من شأنك.
هارو : أحقا ستتصرف هكذا؟ يالك من طفل.
مارك : سأخبرك في الوقت المناسب، لا تتعجل الأمور.
يمشي هارو و مارك بأتجاه غرفتهما، و الصمت يعم المكان، يفتح مارك الباب و يستلقي على سريره و هو يحتضن دميته، ينظر هارو أليه بأستغراب، ولكنه يخلد الى النوم.
في الثالثة صباحا، يستيقظ هارو بسبب صوت أحدهم، يفتح هارو عينيه ببطء و تعب، ينظر الى زاوية الغرفة،
محاولا معرفة مالذي يجري، و ثم، يسمع صوت شخصين يتجادلان، أحدهم يبدوا مألوفا، نعم، أنه مارك ! دهش هارو، ولكنه ضل صامتا لكي يستمع للحديث
صوت مجهول : توقعت منك ردة فعل أخرى، مارك.
مارك : أنا أسف، سيدي.
سيدي؟ مالذي يجري هنا؟ ربما أنا أحلم، نعم نعم، و أيضا هذا لا يعنيني.
يخلد هارو الى النوم، وحين يستيقظ، حاول تجاهل ما حدث سابقا.
أستيقظ هارو، نهض عن سريره، و ضل يحدق بمارك، نظرات الشك تملئ عين هارو، بدأ هارو يشعر بالحذر أكثر و قرر محاولة عدم الأحتكاك به، أستيقظ مارك بينما هارو لا يزال يحدق به، قال مارك : تبدوا مريبا هكذا.
هارو : حقا؟ ظننت أنك أنت و سيدك من يبدون مريبين حقا.
قال مارك بأستغراب : مالذي تتحدث عنه؟
هارو : لا تحاول الكذب، مارك، تبدوا سخيفا الان.
مارك : و حتى أن كنت أكذب، كما قلت سابقا، هذا ليس من شأنك، الا تتعلم من درسك؟
ضحك هارو بسخرية، و قال : هل تعلمت مصطلحات جديدة مني؟ كم هذا سخيف.
نهض مارك من سريره و هو متمسك بدميته، قرر تجاهل ما قاله هارو و لم يعره أهتماما.
تجاهل هارو و مارك بعضهما حاليا، في تلك الاثناء،
تذهب الطبيبة إلى مكتبها، كان هارو هنالك ينتظرها و هو يقرأ أوراق التقرير التي كتبتها عنه، وقف هارو و أقترب منها أكثر، ثم قال : أتظينني مجنونا؟
تبتعد الطبيبة منه و تقول : هارو، فالتهدء.
هارو : أن كنتِ مصرة على معرفة الحقيقة، فالتوقفي
هذا الهراء ! ألا يمكنكِ رؤية الذي يحدث؟ يالكِ من حمقاء، أنا الضحية هنا !! أتظنينني قتلتها عمدا؟ و أني قد قتلت والدي؟ أفيقي أرجوك، هذا تحذير.
يخرج هارو و يغلق الباب بقوة.
يقف هارو ساكنا لا يعلم مالذي يجب عليه فعله، تبدأ الدموع تنهمر من عينيه، ينظرأمامه و يجد مارك ينظر أليه، يقترب مارك و يقوم بأحتضانه و يقول : لقد كنت ضحية لما حدث، كل شيء على ما يرام.
يعلم مارك بأن هذا ما أحتاج هارو لسماعه منذ وقت طويل، يشعر هارو بالاشمئزاز، ولكنه مرتاح فالان ذاته.
هارو : ولكن كيف تعرف بأنني كنت هنا؟
مارك : رأيتك تذهب أليها.
هارو : أنت حقا مترصد.
يتوقف مارك عن احتضان هارو، و يقول : أتشعر بتحسن الان؟
يقول هارو باحراج : نعم.
يجلس مارك وهارو على كرسي الحديقة، يشعر هارو و أنه حصل على صديق يمكنه أن يثق به أكثر من الطبيبة التي أصبح يكرهها، مما يجعل هارو مختلفا، فبعض الناس تنعدم ثقتهم بالاخرين بعد هذه المواقف، أصبح هارو يشعر بالكره تجاه الطبيبة، لأنها قد تراه مجنونا في عينها، و أنه مجرد مختل أحمق يتجول في الأرجاء.
هارو : أنا لم أقتل أحدهم عمدا، كنت أدافع عن نفسي.
مارك : أتريد التحدث عن الأمر؟
هارو : أنت تعلم بالفعل، أليس كذلك؟
مارك : لم أتوقع أن يتم كشف أمري بهذه السرعة.
هارو : ولكن، كيف؟ كيف تعرف كل هذا؟
مارك : ألقيت نظرة على ملفاتك عنك سرا.
هارو : يبدو و أنك متفرغ حقا.
مارك : أخبرتك من قبل، أنت مثير للأهتمام.
يقول هارو و السرور يعم وجهه : شكرا لك، مارك
يقول مارك باستغراب : لماذا تقول هذا فجاءة؟
هارو : لم أجد أحدهم يهتم لأمري بها القدر قبلا، لن أكذب لقد رأيتك مزعجا، ولكنك حقا تهتم لي.
مارك : أعلم أنني أزعجك، ولكنني حقا أهتم لأمرك لسبب أجهله، و يمكنني رؤية كم أنت تتوق لأهتمام أحدهم بك، جميعنا هكذا، فلا تقلق، هل أنا صديقك الان أم لا زلت تراني كمترصد مريب؟
يقول هارو باحراج : نعم ، نحن كذلك على ما أظن، ولكنك لا تزال مزعجا.
مارك : أنا سعيد لمعرفة ذلك، هارو.
هارو : كلامنا مبتذل حقا، كم أشعر بالاشمئزاز.
يذهب مارك و هارو الى الغرفة، يخلد كلاهما الى النوم.
أثناء نوم هارو، بدأ هارو يحلم بشأن ماضيه، أستيقظ هارو و هو على وشك الاختناق، لا يمكنه التنفس أو الرؤية بوضوح، حتى الكلام أصبح صعبا عليه، حاول النهوض من سريره، كان الجميع قد غادر بالفعل للأفطار، وقف هارو، ولكنه سقط مغشيا عليه.
بعد وهله، دخل مارك، و وجود هارو ملقيا على الأرض، ركض مارك نحوه و هو يقول : هارو ! ليس مجددا، أستيقظ !
أستيقظ هارو: فتح عينيه بهدوء، أبعد مارك عنه و وقف و كأن شيئا لم يحدث، ثم قال : لم كل هذه الجلبة؟ مالذي حدث؟
قال مارك وبصوت قلق : أتمزح معي؟ لقد كنت فاقدا للوعي ! هل أنت بخير؟ مالذي حدث؟
جلس هارو على سريره، ضل مارك يحدق به باستغراب، ثم قال هارو : يجب أن تعلم أمرا.
جلس مارك بجانبه ممسكا بدميته، و يقول : كلي اذان صاغية، تحدث.