الكتاب المسحور - 8
°|•————————-•|°
منظور إيف•°
‘سأبذل جهدًا لاكبر لإخفاء سري لو كنت مكانك’ حذرتني جيلان، لكن هل الأمر خطيرٌ حقًا؟ ما أسوء ماقد يحدث إن أخبرت إيزرا الآن، قبل إخباره بباقي لقائي مع حاكمة أرض العدو…؟
… سأترك الأمر لوقتٍ لاحق؛ فمازالت أولويتي هي إنقاذ مملكة الأرض؛ لهذا وقفت خلف غرفة إيزرا فور إنتهاء عملي، مستعدة لإخباره بما حدث قبل بحثي عن برينا. كنت سأطيل بالتفكير بكيف سأخبره عن وشك فشل مهمتنا قبل فعلنا لشيء، لولا الحارسان الواقفان على كلا جانبي الباب، ينظران نحوي بين كل فترة.
طرقتُ على بابه، عيناي لا تفارق الحرس على كل جانب من باب الغرفة، لا يرمش لهم جفن ولا تخطئ آذانهم السمع. “أدخل” نادى إيزرا، فدخلت بسرعة و أغلقت الباب بإحكام.
“… هل اكتشف أحدٌ أمرنا؟” كان أول ماسأل إيزرا، اهتمامه منصب على فتح أحد مصابيح الغرفة…
ضحكت بتكلف، و جلست على كرسي مكتبه البعيد أتكلم بهدوء “أنا؟ أكشفنا بهذه السرعة؟ إيز، ثقتك بي تدمع عيناي… لكن نعم. عرفت الملكة بأمرنا”.
التفت إيزرا بسرعة تاركًا ماكان يفعله “الملكة جيلان؟ زوجة الملك تريشولا عينه؟! ألم نتفق على الإبتعاد عن الإنتباه؟!”
“أخفض صوتك و ابتعد عن الباب أولًا!” فورما تذكر إيزرا أمر الحرس اندفع نحو كرسيٍّ آخر.
عندها أكملت “لم أفعل شيئًا جاذبًا للإنتباه، كانت جيلان تعرف منذ دخلنا القصر، بل منذ إعلان اسمك”.
هز إيزرا رأسه حائرًا ” مستحيل أن تعرف هكذا، كيف تعرفني إلَّم ترني من قبل؟” صمتُّ لوهلة، و اقشعر بدني. كانت جيلان واثقةً عندما قالت أنها كانت تراه يعمل في الإسطبل منذ الصغر. ألا يتذكرها إيزرا…؟
أخذت نفسًا عميقًا، و أخبرته بكل شيء حصل البارحة، منذ دخولنا للغرفة القرمزية و حتى خروجي منها. لم أستطع المخاطرة بإخباره بأمر النبوءة، حاليًا على الأقل. كان قد إختفى قلقه تمامًا عند قولي أن جيلان بصفنا، و مع هدوء مسيرة القصة أصبحنا نتحدث بصوتنا الإعتيادي بدلًا من الهدوء الحذر “و الآن نحن عالقان، لا يمكنني التعاون في قتله إن كان أمر المؤامرة صحيح، ولا يمكنني الوقوف في طريقها و هي تعرف بأمرنا و بإمكانها كشفنا في أي لحظة”.
جلس إيزرا يفكر وحده في صمت. يدّعي الغموض في الأغلب، حتى نطق بعد مدة “إقبلي عرضها”.
“أتظن ذلك…؟ لكن ماذا عن المؤامرة، و الحرب؟ لا أظن أن أخواته سيسعدن بموت أخيهم من قبل أحدٍ غيرهم” أنزلت حاجباي حائرة.
همهم إيزرا موافقًا “لا، لن يسعدهما هذا؛ لهذا ستقبلين التعاون معها، لتثق بك و تغض نظرها عما تفعلينه”.
“اوه؟” ابتسامة متأملة علت وجهي “لست بذاك السوء حين تعرض أفكارك، سيمكنني عندها الإقتراب من تريشولا و كسبه بصفنا!”.
نهضتُ مسرعةً نحو الباب، متحمسةً لأقابل جيلان قبل أن توقفني جملتها مجددًا ‘سأبذل جهدًا أكبر لإخفاء سري لو كنت مكانك’.
…
التفتُّ خلفي، عيناي بعينا إيزرا، الذي حدق بي حائرًا الآن. ما أسوء ماقد يحدث؟ “إيزرا، أتعرف بأمر… أي نبوءة، من نوعٍ ما؟”
“نبوءة؟” سأل إيزرا، ملامح الحيرة لا تفارقه “أي نبو-”
“أجل، أي نبوءة يا سيدتي؟” سأل أحدٌ من خلفي.
ابتعدت عن الباب قبل أن يتمكن الرجل من إمساكي، نظرت خلفي لأراه واحدًا من الحارسان الواقفان خلف الباب.
نسيت وجود الحراس بعدما خففت من عبئ مقابلة جيلان حتى أهملت دفاعي تمامًا! اندفع الحارس و شريكه خلفه يحاولان قتلنا بسيوفهم المشحوذة… لم أكن سريعةً كفاية لتفادي هجوم الحارس، و لم أدرك ما حدث حتى غُرزَ سيف الحارس في كتفي، و إذا بالدم يسيل حتى كف يدي، طنت أذناي و ثقل رأسي حتى عجزت عن الرؤية، حتى انتزع الحارس سيفه و ملأ صراخي المكان وعدت لوعيي مرةً أخرى. لم أعد أرى إيزرا أو الحارس الآخر في الغرفة و لم أكن أهتم للأمر، كل ما أراه هو رجلٌ يقف أمامي بنصله الحادٌ أمام عنقي، و نزيفٌ حاد من كتفي يصعب إيقافه.
“لا تقلقي لأمر جرحك؛ فلن يهمك كثيرًا عندما يعلن حاكمنا عقابك”.
جهمتُ في وجهه “أنا من ستحدد ذلك” سحبني الحارس حتى وقفت أمامه و قادني خلال الممر، نظرتُ خلفي لأرى إن كان الحارس الآخر معنا، لكن لم يقف داخل الغرفة سوى إيزرا، يلوح بسيف تلوث بالأحمر في يده قبل أن يغلق الباب. لم يعد هناك حارس آخر الآن…
قادني الحارس لعرش تريشولا مباشرةً، رماني أمام الملك حتى أجلس على ركبتاي “مالمعنى من هذا؟!” سأل تريشولا. نظرتُ نحو جيلان، عيناها واسعتان و قبضتها محكمة على كرسيها، تحاول إبعاد وجهها عن الجميع.
تقدم الحارس بفخرٍ مجيبًا “مولاي، أمسكتُ بالمستشارة تخطط مع أخيها لمؤامرة، كلاهما متعاونان مع الملكة لإنهاء حياتك”.
التفتُّ نحو الحارس بقوة “متى فعلنا هذا أيها الكاذب المختل! تحدثنا عن مؤامرة لكننا كنا نتحدث عن كشف مؤامرة لا التخطيط لواحدة!”.
“أتجرئين على الكذب أمام الملك-”
“سكوت!” أمر تريشولا، و توقف مصدر الإزعاج في غرفة العرش. “ألديك إثباتٌ على صحة تهمتك؟” وجَّه تريشولا للحارس.
أومأ الحارس قلقًا “إن كنت أكذب يا مولاي، لمَ قد يقتل أخاها حارسًا آخر، و لمَ لا يكون هنا الآن ليثبت برائتهما؟”
“ربما لأنك كنت ستقتلن-“.
“لم أءذن لكِ بالحديث” قاطعني تريشولا. التفت الملك لزوجته التي لم تحرك طرفًا منها منذ دخلتُ القاعة. حدق الملك فيها، في تعابيرها القلقة حين التفتت إليه. كانت الحقيقة واضحة تمامًا لم أفهم لمَ كان عليه السؤال”أكلامه صحيح، يا جيلان؟”
“… أجل، كلامه صحيح.” لم يقل تريشولا شيئًا فأكملت جيلان “كنت أنوي الإنتقام منك لما فعلته بابنتك، و وجدت أن لا شيء سيوقف ظلمك لها سوى موتك… لكن إيف بريئة! أرادت معارضتي لتبقى أنت حيًا لذا أطلق سراحها هي و إيزرا!”
لم يردّ تريشولا، لم يقل شيئًا أساسًا، ظل يفرك بشعره حتى سألني أخيرًا “أخاكِ إيزرا، يكون الغلام الذي عمِل في الإسطبل قبل موت والدي، أليس كذلك؟”
“إيزرا أخي يا سيدي، كنت ستعرفني إن كنت تعرفه أينما أقام، لكنك لم تفعل” لم يقل شيئًا مجددًا، لكن اليأس لقول أحدٍ لشيءٍ يمكنه تصديقه مرسومٌ بوضوح في عينيه.
أطلق تريشولا أمره بصوتٍ مهموم “خذوهما للحبس، و اجلبوا الهارب لي”.
وقفت جيلان بسرعة “سترميني في الزنزانة بهذه السهولة؟!”
ضحك تريشولا لها “كنتي ستقتلينني بنفس هذه السهولة. لو كنتي أحدًا آخر لكنت أمرت بالإعدام منذ مدة؛ لذا ارضي بما حصلتِ عليه”.
لم يمس أحدٌ جيلان حين جلس تريشولا على عرشه مجددًا، بل انسحبت بنفسها متجهةً للزنزانة خلف الحراس، بينما سحبني نفس الحارس الكاذب المختل راميًا إياي في الزنزانة المجاورة للملكة، ابتسامة فخرٍ تعلو وجهه المزعج طيلة الوقت.
خرج الحارس و حينها استطعتُ الجلوس براحتي لمداواة كتفي؛ فأخذت جزءًا من ردائي و بدأت بربط كتفي به، آملةً أن الجرح لم يتلوث بعد.
“إيف؟” سألت جيلان من الزنزانة الأخرى “هل تظنين… أني بالغت قليلًا؟”.
…”قليلًا؟ أبدًا يا سيدتي، كيف يكون قتل حاكمٍ مبالغة؟” أجبتها أثناء لفِّي للقماش حول إصابتي.
تنهدت جيلان “علي فعل شيءٍ لمصالحته… أرأيتي نظرة اليأس في عينيه؟ لم أرها منذ اعوام. أظن الأمر سيئًا فعلًا هذه المرة…” لم أرد عليها. شعرتُ بصداعٍ و دوارٍ حادان إثر كل ماحدث. الآن لا يمكنني فعل شيء سوى التفكير فيما حدث، القلق على أهل الأرض، و الأمل بأن يعرف إيزرا ما سيفعله الآن.
“إيف” نادت جيلان؛ همهمتُ كإجابة “لا تيأسي بعد، مازال بإمكاننا إيجاد حلٍ ما”.
“مثل ماذا، أيمكنك التواصل بطريقة ما؟”… رفعتُ رأسي نحو الجدار الذي تجلس خلفه “يمكنك، صحيح؟ بكرة الماء التي تفعلينها تلك!”
“كرة؟ اه، أجل، بإمكاني! انتظري قليلًا” ثم اختفى صوت جيلان، لا يُسمع من زنزانتها سوى صوت ذوبان الجليد و حركة الماء.
قبل أن أعلم وجدتُ كرة ماءٍ بانعكاس وجهي فيها أمامي “هكذا سيمكننا التواصل مع أي أحدٍ تعرفين مكانه!” أدلت جيلان “أعلم أنكِ لا تعرفين مكان إيزرا حاليًا لذا ستكون برينا خيارنا الوحيد”.
أوقفت جيلان قبل أن تتصل بابنتها “مهلًا، أريد الوصول إلى شخصٍ ما أولًا” أي أحدٍ أعرف مكانه؟ إن كان قدرة جيلان على الإتصال قويةً كفاية لتصل لمملكة الأرض، فربما يمكنني الوصول إليها…
“من تقصدين؟” سألَت جيلان.
“وجِّهي الكرة نحو القسم الجنوبي من القلعة في مملكة الأرض، آخر حجرة في الدور الرابع، عندها ستعرفين من أقصد. أيمكنك الوصول لهناك يا سيدتي؟”.
تهكَّمت جيلان “أتمزحين؟ هذه المسافة ليست إلَّا تحميةٍ لي” و خلال ثوانٍ معدودة رأيتُ غرفة تيرا متجسدةً في كرة الماء أمامي.
لم تكن تيرا على مكتبها حيث تكون عادةً و أملتُ أللَّا تكون قد أخذت وقتًا إضافيًا في التدريب؛ فلن أتمكن من اقتحام ساحةٍ يرانا فيها أي عابرٍ مجهول، لكن قبل انغماسي في التفكير و القلق وجدتُ نصل سيفٍ موجهًا أمامي، و ابتسمتُ براحةٍ حين هددت “أظهر نفسك بدلًا من إرسال كرةٍ صغيرةٍ لتشتيتي أيها الجبان!”.
“تيرا هذه أنا إيف!” ناديت عليها. استغرقها الأمر دقيقة حتى تُبعد سيفها و يظهر وجهها.
“إيف؟ مالذي تفعلينه هنا؟ أهذه حركةٌ جديدة تعلمتها أو ما شابه؟” سألت تيرا.
“يمكنكِ قول هذا… المهم الآن أننا كُشفنا، طُعِنتُ في كتفي و الآن رميتُ في الزنزانة. المكان باردٌ بشكلٍ لا يصدق ما يزيد الطين بلة على ألم كتفي”.
“مهلًا لحظة، كيف كشفتم بهذه السرعة؟ لم يمر سوى أربعة أيام…؟!” تعجبت تيرا، ثم تداركتُ ماقلته و أصلحتُ كلامي.
“لم يكشفوا حقيقة أننا أتينا من مملكة الأرض، بل حقيقة أننا كنا نتحدث عن مؤامرةٍ ضده… كمواطنين من أهل الماء”.
“… أيفترض أن يكون الحال أفضل هكذا؟ مازلتم متهمين بالخيانة” سخرت تيرا.
“سنتعامل مع الأمر لذا هذا ليس ما يهم الآن! أحتاج طريقةً أعالج فيها كتفي و إلّا فلن أتمكن من القتال أو الهرب بسلاسة”.
“…إذًا؟ لقد ربطتِ كتفك بالفعل ماذا تريدين مني؟”.
أتمزحُ الآن؟! “ماذا تظنين برأيك؟ أريدُ حلًا بالتأكيد! أنتِ القائدة هنا لابد أنكِ تعرفين كيف بإمكاني علاج الجرح!”
“أنتِ على حق! أنا قائدة، جميلٌ أن ثقتكِ عاليةٌ بي لكني لستُ بطبيبة. و إن كنت أعرف كيف تعالجين إصابتك، ماذا ستستفيدين؟” سألت تيرا.
“ماذا تعنين؟”.
تهكَّمت تيرا “ألديك مطهِّر؟”.
“لا”.
“ألديك ابرة؟”.
“لا”.
“ألديك ماء؟”.
“… ربما؟”.
“إذًا لمَ تسألينني؟! اهربي و اتجهي نحو حجرة طبيب القصر و عالجي اصابتك هناك، قد يساعدك فالأطباء عادةً ماينشغلون كثيرًا فلا يهتمون بسماع أخبارٍ لا تؤثر بعملهم” أمرتني تيرا، و لربما كان هذا الأمر المفيد الوحيد من هذا النقاش حتى الآن.
لكن، الآن و قد علمتُ كيف أحل أمر إصابتي تمكنت من التفكير بما حدث مع تريشولا و الحارس، فسألتُ تيرا “ماذا عنكم ألم يُرسل تريشولا أحدًا حتى الآن؟”.
“أحدًا؟” فكرت تيرا “اه كلَّا لم يخترق أحدٌ البوابة حتى الآن، و لن يكون قبل عدة أيام إن كان لم يعرف الحاكم شيئًا سوى الآن، من حسن الحظ أن بإمكانك إبلاغي قبل حصول شيء، لا تقلقي كثيرًا على حالنا، فقط ركزي على ما أتيتِ لأجله” خرجت تيرا من غرفتها، و أخبرتُ جيلان أن توقف الإتصال قبل أن تفقد المزيد من طاقتها.
عم الهدوء لوهلة، الصوت الوحيد هو صوت كرة الماء تعود لأصلها الجليدي. أخذت من الهدوء فرصةً أريح فيها رأسي من الصداع، حتى تحدثت جيلان مجددًا “إيف؟”.
ضغطتُ على جانب رأسي بقوة لعل الألم يهدأ حين أجبتها “رأسي يؤلمني يا سيدتي، لذا أهناك شيءٌ مهم لتقوليه؟”.
“ربما؟… تيرا تلك، هي قائدتك أليس كذلك؟ أشعر أني سمعت صوتها من قبل، لكن لا علم لي بمتى أو أين سمعته”.
“تيرا قائدة أسطول، تحارب و تدافع في المعارك ضد باقي الممالك كغيرها من الجنود، لابد من سماعك لصوتها أو صوت أحدٍ يشبهها من قبل”.
“لكني الملكة؟ لم أقاتل أحدًا من قبل” عارضت جيلان و لم أرد عليها آملةً إنهاء المحادثة.
“… إيف؟”
“ماذا الآن؟!” صرخت في الجدار بجانبي “إلَّم يكن أمرًا مهمًا فلا تسألي!”.
“كنت سأسألكِ عن خطة هروبك الآن بما أنه ما من حراسٍ يراقبوننا، لكن يبدو أن أخذ قيلولةٍ سيساعدك على التفكير بهدوء” قالت جيلان، و بعيدًا عن كل أسئلتها و محادثاتها العشوائية، قد يكون هذا أفضل ما قالته للآن.
“تحدثي مع ابنتك، أخبريها أن تأتي و توفر سبيلًا لنهرب من هنا، علينا إقناع تريشولا بالتراجع عن إرسال جنوده بأي طريقة قبل فوات الأوان”.
“علي الحديث معه على انفراد، لربما أعيد ثقته بي و أقنعه بالتفكير في أمر الهجوم على ألفيلدا، على الأقل لمدةٍ تكفينا لفعل شيءٍ ما بأمر الخطط المسروقة…”.
“جيد” رددتُ عليها “حتى ذلك الوقت سأنام لأريح رأسي” استلقيتُ على جانب كتفي السليم، و شعرتُ بوعيي يختفي حالما لمس رأسي الأرض الباردة، آخر ما يشغل بالي هو قلقي على ما ينوي إيزرا فعله الآن، فأضحى كل شيءٍ يعتمد عليه حتى أتمكن من الهروب من هنا… .
°|•————————•|°