اللهب القرمزي - 17
داخل خيمة تابعه للفرسان، كان الجو محمومًا ومليئًا بالتوتر
ألسنة اللهب في المصابيح المعلقة على الأعمدة الخشبية أضاءت المكان بهدوء،
بينما جلست أنا وكوهن أمام كيلين، الذي بدا جادًا ومتحفزًا للحصول على إجابات
كيلين نظر إلى كومة التقارير أمامه ثم رفع عينيه بحدة نحوي و نحو كوهن
“إذن… هل ستشرحون لي لماذا كانت هناك جثث ملقيه بالأرض ؟”
كوهن، وكعادته، لم يظهر أي احترام يُذكر ألقى جسده على الكرسي وكأنه في استراحة، ووضع قدمه على فخذه الأيسر بكل وقاحه
“أوه، سؤال رائع منذ البدايه ! دفعوا ثمن تهديدي !”
كيلين زفر بإحباط، وطرق بإصبعه على سطح الطاولة بحدة، مما جعل بعض الفرسان يقفون في حالة تأهب.
“أنت تراوغ أنا لا أطلب أعذارًا ساخرة، أطلب الأسباب ! و أيضًا انت يا ذا الشعر القرمزي كيف انتهى بك المطاف هناك؟”
رفعت عيني ببطء وقلت بنبرة هادئة لكنها متعبة:
“كنت أتجول فقط بالمهرجان و تصادف
و حدثت الانفجارات في المكان الذي كنتُ فيه”
كيلين نظر إليه بعين ناقدة،لم يكن مقتنعًا تمامًا
“تصدف أنك هنا، في موقع الهجوم، وتملك سحرًا قويًا بهذا الشكل؟ هذه ليست صدفة عادية”
كوهن قاطع الحوار بابتسامة مستفزة وهو ينحني للأمام
“إذا كنت تريد أن تعرف كيف انتهى الأمر بالجثث على الأرض، فأنا اكثر من سعيد بتقديم عرض عملي”
وضع يده على مقبض سيفه كأنه ينتظر فرصة للقتال
الفرسان تقدمو للأمام قليلًا و دخلو في حالة تأهب لأي هجوم قد يحدث
“توقف !” صوتي كان منخفضًا لكن كان حازمًا بعض الشيء ، ومع ذلك حمل ما يكفي لإيقاف كوهن عن التمادي
كيلين أشار بيده للفرسان خلفه لخفض أسلحتهم، ثم التفت نحوي , كان داخل تفكير عميق ،
«انه احد أعضاء البرج بالتأكيد حسب وصف مضيفه نزل دموع الحوريات، ولكن اشعر انني قد .. التقيته في مكان ما»
“دعك منه، أريد أن أعرف، من تكون حقًا؟”
لم أُجب على الفور، فقط حدقت بالطاولة التي أمامي للحظات محاولًا ايجاد كلمات مناسبة لكن قبل أن أتمكن من الكلام ، فتح كوهن فمه مجددًا:
“آه، يا رجل فقط لماذا اعتقلتنا ؟ الارهابين كانوا يستحقون الموت و هذا الرجل قد ساعد الناس!”
كيلين أدار رأسه ببطء نحو كوهن وقال بصوت خافت لكنه ينضح بالتهديد:
“إن لم تكن لديك إجابات واضحة، فأقترح أن تبقى صامتًا”
كان التوتر في الخيمة يكاد يكون ملموسًا الفتاة ذات الشعر البني، التي كانت واقفة على الجانب تراقب الموقف، قطعت الصمت وهي تتحدث بصوت متردد:
“أرجو المعذرة… لكنني أستطيع تأكيد كلامه لقد استخدم سحره لحمايتنا أثناء الهجوم لولا درعه، لكنا جميعًا قد متنا الآن”
كيلين نظر نحوها لبرهة، ثم عاد ليركز علي
“قد تكون فعلت ذلك، لكن هذا ليس سببًا كافيًا لجعلك تخرج من الشبهه! انت بالنهايه لست بشريًا !”
كوهن رفع حاجبيه بتعجب و بدأ يضحك و بصوت عالي :
“بفتتت… اذن سبب اعتقال هذا الشاب هو بسبب … العنصريه ؟؟ يا رجل انت غير محظوظ البته هاهاهاها !!”
ضاقت عيناي من هذا الكلام العنصري و بصوت منخفض جدًا تكلمت :
“هاه … حسنًا قد توقعت ذلك ، هذا الموقف العنصري متوقع تمامًا!”
كيلين بدأ يفقد أعصابه و ضرب الطاوله بقليل من القوه لتجعل كوهن يتوقف عن الضحك و جذب انتباهه :
“هدوء!! ، و أيضًا انت احد أعضاء برج ليونيل لذا من المتوقع ان نشتبه بك!”
الفتاة ذو شعر البني و كوهن فتحوا عيونهما على مصارعيها و كل أنظارهم نحوي و بنفس الوقت قالوا :
“برج ليونيل !!!؟”
كوهن استقام في جلسته، وعيناه تتسعان بمزيج من المفاجأة والإثارة:
“واو، هذا يجعل الأمور أكثر إثارة!”
الفتاة ذات الشعر البني، التي كانت تقف في الزاوية، قطبت حاجبيها وقالت بصوت منخفض غير مصدقة:
“لكن… البرج؟ ألم يُقال إن أعضاؤه … ممم يفجرون اي شيء لا يعجبهم-؟”
أخذت نفسًا عميقًا وأجبت بنبرة باردة:
“كيف عرفت … انني من برج ليونيل ؟”
كيلين لم يُبدِ اي تردد وهو يحدق بي بعينين قاسيتين :
“لدي طرقي الخاصه ، انتظروا حتى يأتي القائد وهو سيقرر ما يفعله بكم”
اغلقت عيوني متنهدًا :
“هل تظن ان كوني غير بشريًا دليل كافي لجعلك تحاسبني هنا ! و أيضًا فوق هذا انني من برج ليونيل اذن لماذا لستُ موثوقًا ؟”
كيلين تنهد بثقل و يكاد يفقد أعصابه حتى فجأة صاح بغضب : “و لهذا السبب بالضبط لست موثوقا لأن أعضاء البرج ليس لديهم أمان !!!”
تجنبت النظر اليه و بدأت آنظر إلى يميني بهدوء شديد متجاهلًا نظرات كيلين نحوي
“…”
عم صمت شديد في المكان، قبل أن يقطعه كوهن بضحكة ساخرة:
“كيكيكي يارجل هذا مضحك جدًا ! ، في الواقع ذلك الفارس لديه وجهة نظر !”
كيلين التفت نحو كوهن بحدة، ثم قال بصوت منخفض ينضح بالتهديد:
“إن كنت لا تأخذ هذا الوضع على محمل الجد، فسأجد طريقة لجعلك تفعل ذلك”
كوهن اكتفى بابتسامة استفزازية ولم يعلق، لكنه عدل من وضعية جلوسه قليلًا، مما أظهر أنه لم يكن يتجاهل التهديد تمامًا
كيلين زفر بحدة :
“ انت تثير أعصابي حقًا … سننتظر القائد ، لكن أي تصرف مشبوه، مهما كان بسيطًا، فأنا لن أتردد في جعل هولاء الفرسان خلفي يتعاملون معكم!”
الجميع ظلوا في صمت ثقيل، بينما كان صوت الرياح الباردة من الخارج يتسلل إلى داخل الخيمة، وكأنه يعكس التوتر الذي يحيط بالمكان…
ولكن لسوء الحظ لكوني لم اكن بخير منذ قتل كوهن للارهابين و شمي لرائحة الدم ، بدأت اشعر بالدوار و عدم الراحه ، لكم اود الراحه و النوم قليلًا …
و مجددًا كنت على وشك التقيئ،
يدي بدأت بالارتجاف و أصبحت أتنفس بصعوبه …
كوهن لكونه كان بقربي فقد لاحظ حالتي و فجأة ضرب كتفي بخفة و ابتسم بوجه كيلين و بنبرة استفزازية :
“هل تظن ان شخصًا ضعيفًا من الروائح سيستطيع ان يؤذي الناس؟”
كيلين قال لنفسه و بصوت منخفض جدًا قال :
“هذا الوغد … انه فقط يريد استفزازي بالتأكيد …”
ادركت فقط انني قد وصلت إلى حدودي و لم اعد استطيع الصمود اكثر من ذلك و بصوت مرتجف :
“أنا …وصلت لحدودي ، سأتقيأ في أي لحظة ، هنغغ…”
“تسك تحملها ! انت لست طفلًا حتى !”
كيلين لم يعلق مباشرة، لكنه أشار لأحد الفرسان بحركة سريعة،
الفارس فهم الإشارة فورًا وخرج من الخيمة ليعود بعد لحظات حاملاً دلوًا صغيرًا وضعه بجانبي بسرعة
كوهن، الذي بدا وكأنه يستمتع بالموقف، نقر بإصبعه على فخذه وقال بابتسامة ساخرة:
“ها قد وفروا لك الحل، لا داعي لأن تقلق حول توسيخ المكان”
كيلين، الذي كان يحاول جاهدًا كبح أعصابه، التفت إلي مجددًا وقال ببرود:
“أحذر، إذا كان هذا تصنعًا لطلب الشفقة، فلن ينجح”
أخذت نفسًا عميقًا، لكن الغثيان لم يخف، بل زاد سوءًا حاولت الوقوف بصعوبة، لكن ساقي خذلتاني وسقطت على ركبتي، ممسكًا بالدلو قبل أن أفقد السيطرة تمامًا
صوت تقيئي ملأ الخيمة، وجعل الجميع ينظرون إليّ بدهشة ممزوجة بالاشمئزاز كوهن، الذي لم يتمالك نفسه، انفجر بالضحك وقال:
“أوهوو ، رائع!!”
كيلين، الذي بدا غاضبًا أكثر من أي وقت مضى، صرخ على الفرسان:
“يا إلهي ما بال هذهِ الفوضى !! متى سيأتي القائد ؟”
احد الفرسان اجاب مباشرة:
“انه يتحقق مع الحراس!”
كيلين بوجه مملوء بالإحباط و الغضب زفر بهدوء شديد :
“هاه… ما الأمر مع اليوم ؟”
كيلين كان يجلس على كرسيه بتعب واضح على وجهه ، ينظر إليّ وأنا منهك على الأرض ، نبرته كانت بارده وهو يتحدث:
“هيّا قف و اجلس امامي ، فأنت لست بشريًا لذا لن تموت من هذا”
كوهن بدأ بالابتسامة و بنبرة ساخرة جدًا تخلو من التردد قال :
“يا إلهي كنت دائمًا ما اسمع ان معاملة شعب جينيا للأعراق الأخرى سيء ولكن هذا فاق الحدود حقًا !”
كيلين أطلق زفرة غاضبة لكنه لم يعلق، ربما لأنه لم يجد شيئًا يقوله
أما أنا، فقد أغلقت عيني للحظة، وأخذت نفسًا عميقًا، محاولًا جمع قوتي
ولسوء الحظ ، الغثيان ما زال ينهشني
لذا نهضت مع مساعده من الفارس الذي اتى بالدلو لي ، و من ثم جلست مجددًا بجانب كوهن …
بعد صمت عدة دقائق سمعت صوت بعيد خارج الخيمه ،
كان فارسًا يحيي أحدًا قد اتى …
“أيها القائد ! أرجو منك الدخول سريعًا فالوضع بالداخل غريب حقًا !”
سمعت صوتًا مألوفًا ليس بغريب علي:
“هاها، حسنًا حسنًا ! أتمنى انني لم اتأخر كثيرًا”
بخطوات هادئة وبسيطة، دخل رجل بشعر أسود كالحرير وعيون سوداء تتوهج باللطف والسكينة ،
كان حضوره محاطًا بهالة هادئة ووديّة تبعث الطمأنينة في نفوس من حوله مرتديًا زي الفرسان الرسمي، قميصًا أبيض تعلوه سترة سوداء أنيقة، تزينه وشاح ذهبي يشير إلى مكانته كقائد الفرسان، متفوقًا على بقية الفرسان رتبةً ومقامًا…
إنه أرثر… أخي التوأم الذي لم ألتقِ به منذ خمس سنوات كان دائمًا السند اللطيف الذي وقف بجانبي وساعدني في كل الأوقات…
بمجرد أن وقعت عيناي عليه، شعرت بفيض من المشاعر المتضاربة يكتسحني ،
كانت السنين الخمس التي تفصلنا طويلة وثقيلة، لكنها تبددت في لحظة حين رأيته يقف أمامي ،
تسارعت نبضات قلبي، بين فرحة اللقاء وشوق مكبوت لم أكن أدرك مدى عمقه حتى هذه اللحظة
كان وجهه مألوفًا بشكل مؤلم، حالما رأيت وجهه ، تذكرت ذكريات غير سارة حقًا ،
ولكن الان ، ارثر يحمل نضجًا لم أعهده من قبل ، بوجه يشبه خاصتي ، انه يتمتع بكاريزما قوية و يبدو مثل قائد حقًا
حالما دخل ارثر ، كيلين نهض من مكانه وبدأ يحيي أرثر و همس بإذن ارثر بعد عدة ثواني ، أرثر ابتسم و بدأ ينظر نحوي و نحو كوهن ،
بطبيعة الحال تجنبت النظر إليه مباشرتًا
ارثر و بنبرة لطيفه و تخلو من الحقد :
“سمعت أنكم من ساعد الناس في موقع الانفجار و أود شكركم على هذا …”
فجأة توقف عن الكلام و بدأ ينظر نحوي بوجه جدي :
“أنا فقط اتسائل مالذي يفعله احد أعضاء برج ليونيل هنا ؟ هل حقًا ليست هناك نية خفيه ؟”
و بصعوبة شديده احاول ان أتجنب النظر اليه ، قلت و بصوت متوتر قليلًا :
“… أنا فقط زرت احد معارفي هنا ، و لدي عمل آخر لا استطيع البوح به”
“اذن … هل سيد البرج من أوكلك العمل الآخر؟”
“لا ، راي- احم …سيد البرج فقط سمح لي بالخروج ، هو ليس له دخل بما افعله هنا”
ارثر فجأة تقدم نحوي:
“إذا لم يكن الأمر مشكلة هل استطيع رؤية شعار البرج خاصتك ؟ فهو بمثابة هوية كذلك !”
«يا الهي منذ متى و ارثر يتحرك بتلك التحركات المفاجئة هكذا ؟»
اخرجت حقيبة الإبعاد و اخرجت الشعار بالفعل و أعطيتها له و أنا لا أزال أتجنب النظر إلى عيونه مباشرتًا –
أرثر بدأ يتفحص الشعار ، و قلبها حتى يتمكن من رؤية خلف الشعار أيضًا، و فجأة فتح عيونه على مصارعيه و قال بصوت منخفض :
“رين …؟ هل اسمك رين ؟”
أومأت برأسي بهدوء :
“نعم أنا رين…رين فقط”
همس ارثر لنفسه :
“رين…”
فجأة كوهن نهض من مكانه و وقف امام ارثر ، بدأ يتفحص وجه ارثر و من ثم نظر الي مجددًا:
“ما هذا ان ملامحكم متشابهة جدًا !! الفرق الوحيد هو لون الشعر هاها!”
كيلين الذي لم يستطع تحمل كوهن ولو لثانية أخرى انفجر عليه :
“اهخخ !!! يمكنك الذهاب فقط ، لم اعد استطيع تحملك !”
أرثر استدار و جعل كيلين يهدأ بإشارة من يده ، ثم ابتسم بوجه كوهن :
“أود لو تكون هادئًا قليلًا”
كوهن الذي لم يخجل حتى بلطف ارثر جلس بوقاحه مجددًا و بأبتسامة واضحة قال:
“إذن ، أيها القائد الموهوب النبيل مالذي ستفعله ؟ هل ستتركنا ام تحبسنا ؟”
ارثر أعاد لي الشعار
وهو ينظر نحو كولين :
“اود الاعتذار عن ما حدث هنا ، في الواقع قبضنا على المتسبب في الانفجار و حاليًا الفرسان في الوحده الثالثه يستجوبونه ، و لابد ان كيلين اعتقلكم لكونكم … موضع شك”
كوهن ضاقت عينيه و زفر بهدوء :
“هاه يا رجل أنا فقط اتيت للترفيه عن نفسي ، أنا لستُ مختلًا عقليًا لأفجر المكان !”
كيلين نظر نحو كوهن بعيون غير مصدقه ، كيف يمكن لشخص قتل شخصين بسهولة هكذا ؟ من المنطقي ان يكون موضع شك !
كوهن قد شعر بنظرات كيلين و ابتسم بخبث … بينما ارثر كان يدرك ذلك الجو الغريب بينهم قد ابتسم بلطف و قال بنبرة هادئه :
“يمكنكم الذهاب-”
و في منتصف كلامه نظر نحوي:
” في الواقع انت تبدو متعبًا ، فلتعد و لتأخذ قسطًا من الراحه”
كيلين فجأة تقدم و قطع كلام ارثر :
“أيها القائد لا تفعل ذلك، انت لا تدرك خطوره أعضاء البرج ! حتى لو كان يبدو ودودًا ، لا تنخدع به !”
ارثر تنهد و وضع يده على كتف كيلين :
“لا تقلق لو حدث شيء ما فأنا سأتحمل المسؤولية”
“ولكن … هاه كما تريد أيها القائد، لا استطيع نقاشك”
فارس منهك اقتحم المكان فجأة،
يلهث بشدة، كأن روحه تهرب مع أنفاسه المضطربة.
استدار كيلين بحدة نحو مصدر الفوضى، عابسًا وهو يراقب الفارس الذي بالكاد يستطيع الوقوف.
“ماذا هناك؟” سأل كيلين بصوت حاد، ولكن نظرة عينيه حملت قلقًا خفيًا.
رفع الفارس رأسه، وصاح بصوت متقطع:
“الإرهابيون… يزعمون أنهم من منظمة شاراد!”
تجمد كل شيء للحظة
أرثر وكيلين تبادلا نظرات متفاجئة، وأعينهما اتسعت في صدمة لم يستطيعوا إخفاءها.
بينما الفرسان الذين كانوا بالخلف انتشر الهلع بينهم و بدأوا يتهامسون فيما بينهم.
“مستحيل… شاراد؟!” تمتم أرثر، صوته حاد بالكاد يخفي اضطرابه
منظمة شاراد
اسم يلفه الغموض، لكنه يثير الرهبة والإعجاب في آن واحد
منذ أربعين عامًا، ظهرت هذه المنظمة إلى العلن كريح عاصفة لا تُقاوم أصبح اسمها على ألسنة الجميع، من الملوك و العامة وحتى الأطفال في الطرقات يعرفون هذا الاسم
بالنسبة للبعض، كانت “شاراد” جماعة من المجرمين المتمردين بالنسبة لآخرين، كانوا أبطالاً مجهولي الهوية
لم يُعرف عنهم سوى القليل؛ أين يختبئون؟ ما غايتهم؟ ومن يقودهم؟ كلها أسئلة بلا إجابات كل ما في الأمر أن وجودهم كان كابوسًا للبعض، وأملًا للبعض الآخر
حاول الفارس أن يستعيد توازنه، لكن صوته بقي مرتجفًا وهو يتحدث:
“أنا… أنا أعتذر، سيدي لقد اعترفوا بهويتهم، ولكن قبل أن نتمكن من حبسهم، اختفوا فجأة… ظهر ضباب كثيف غطى المكان!”
اقترب أرثر بخطوات هادئة وثابتة، ووضع يده على كتف الفارس المنهك
قال بنبرة هادئة ملأها الاطمئنان:
“لا بأس أشخاص مثلهم ليسوا خصمًا يمكن مواجهته بسهولة ما حدث ليس خطأك”
نظر الفارس إلى أرثر بعيون ممتلئة بالامتنان، وكأنه تخلص من عبء ثقيل:
“شكراً… شكراً أيها القائد!”
ارثر استدار لثلاثتنا و أشار لنا بالذهاب دون كلام .
لذا بطبيعة الحال خرجتُ فورًا لم اعد أتحمل ذلك الجو ، لسبب ما لم ارد التحدث مع ارثر اكثر ، ليس بعد انه ليس الوقت المناسب بعد ليتعرف علي
بعد ابتعادي عن الخيمه بضع خطوات ، كوهن كان يتبعني و معه الفتاة ذو الشعر البني
توقفت و استدرت لهم :
“ما الأمر لماذا تتبعوني ؟”
كوهن توقف و نظر نحو الفتاة ، الفتاة نظرت الي بتوتر شديد فهي كانت خائفة من وجود كوهن بجانبها :
“ا..اود شكرك على إنقاذنا ، و أيضًا … اسمي ماري”
توترت قليلًا وأنا أنظر إلى الفتاة التي عرّفت نفسها باسم ماري بدا أنها تجمع شجاعتها للتحدث رغم التوتر الذي يحيط بالموقف
قلت بهدوء، محاولًا أن أخفف عنها:
“لا داعي للشكر يا ماري فعلت ما كنت سأفعله لأي شخص كان في ذلك الموقف”
كوهن ضحك بخفة، ووضع يديه خلف رأسه، وكأنه غير مكترث:
“هاه، يا رجل! لماذا أنت رسمي هكذا؟”
لم أعلق على كلامه، لكنني زفرت بهدوء، وواصلت السير مبتعدًا عنهما لكن صوت ماري أوقفني مجددًا، إذ قالت بسرعة:
“انتظر! أريد أن أسألك… يبدو أنك تعرف القائد أرثر… و أيضًا لم تدافع عن نفسك كثيرًا لذا انا اتساءل ما هي العلاقة التي تجمعك بينه ؟!”
توقفتُ في مكاني، ولم ألتفت إليها بصوت خافت ومليء بالإرهاق أجبت:
“لا اظن إنه يجب عليك التدخل بخصوصياتي هناك أمور أفضل أن تبقى غير معروفة”
كوهن رفع حاجبيه بتعجب، لكنه لم يُعلّق أما ماري، فقد عضت شفتها بخجل، ولم تضف شيئًا
تابعت السير إلى الأمام، ثم فجأة شعور غريب بدأ يزحف داخلي ، كان هذا اليوم طويلًا، لكنني أعلم أن هذه ليست النهاية بل ربما، هذه مجرد بداية…
تابعت السير مبتعدًا عنهما، لكن داخلي كان يموج بمزيج من القلق والارتباك، كما لو أن الأرض تحت قدمي ليست مستقرة
تلك النظرات التي رمقني بها أرثر… لم تكن نفس النظرات التي تعودت عليها ، هو أيضًا بدوره تغير بأسلوبه الخاص .
عقلي كان غارقًا في التفكير، أحاول ربط كل التفاصيل التي حدثت منذ وصولي إلى هنا
“هل كنت أتوقع الكثير ؟ اشعر بخيبة امل صغيرة انه لم يتعرف علي كما تعرف علي والدي ”
تمتمت لنفسي بصوت بالكاد يسمع.
قبل أن أبتعد كثيرًا، سمعت خطوات سريعة قادمة من خلفي
لم أكن بحاجة للالتفات لأعرف من هو
“يا رجل! لا تكن هكذا! لقد مررنا بيوم عصيب، ألا تعتقد أن القليل من الرفقة سيكون جيدًا؟”
توقفت لثوانٍ دون أن أستدير، ثم قلت بصوت بارد:
“ للتو قد التقينا و ها نحن نفترق لماذا لا تسير نحو طريقك الخاص؟”
كوهن ضحك بخفة، وكأن كلامي لم يؤثر عليه على الإطلاق:
“و هل هذا يهم ! أنا أسير مع من يضحكني لذا لا تكن هكذا !”
أطلقت زفرة طويلة، وتابعت السير، متجاهلًا كلماته
كوهن و بسرعة وقف امامي معترضًا سيري :
“هاي ! يجب ان تكون ممتنًا !”
توقفت بسبب اعتراض كوهن ، تنهدت و قلت بصوت منزعج:
“لماذا تريد مرافقتي؟”
كوهن عقد ذراعيه و بدأ بإمالة رأسه و بإبتسامة تشق وجهه قال و بصوت مرح:
“أنا لوحدي و اريد رفقة ! و إذا كنت اريد الرفقة ، فسأكون اكثر سعادة إذا كان انت من يرافقني !”
كانت صدى كلماته تتكرر في رأسي ، فقط ما هذا الهراء الذي سمعته للتو ؟
“أنا لا اريد رفقة”
همهم كوهن بانزعاج واضح ، مرر أصابعه على شعره و نظر نحوي بنظرة تخلو من الاستسلام:
“اذن سأتبعك دون ملل !”
نظرت حولي و رأيت كراسي خشبيه على الطريق …
“اذن دعنا نجلس أولًا ، لابد انك لن تتركني حتى أوافق اليس كذلك ؟”
كوهن أومأ برأسه و فورًا جلس على الكرسي ، و أنا بطبيعة الحال جلست بجانبه و حاولت ان ارتاح قليلًا، نظراتي بدأت تتجه إلى كوهن قلت و بصوت هادئ:
“ما سببك حقا ؟ اعني تبدو و كانك لا تحب الرفقة”
كوهن بدأ يلعب بأصابعه و هو ينظر للأسفل و بإبتسامة قال بنبرة مرحه:
“و هل يحتاج إلى سبب حقا ؟ اود ان أتجول معك !”
تنهدت و نظرت إلى الاسفل قليلًا و أنا أفكر … في النهايه استسلمت لا يبدو كشخص سيتركني وشأني :
“حسنًا … ولكن فقط يجب ان تستمع إلى ما أقوله ! انت متهور حقًا!”
كوهن أشرقت ملامحه و بدأ يضرب كتفي بقوة و جعلني أميل للأمام قليلًا :
“احسنت بالقرار يا رجل ! هذا سيجعل الأمور افضل !”
رفعت راسي و نظرت أمامي ، مكان مدمر بالكامل مليئ بالتراب و الحطام ، لم يعد فيه اي حيوية بالمكان ، الكشكات المدمره و متناثره بشكل عشوائي يبين ان المكان هنا كان فيه مهرجان ، كذلك لون التراب الممزوج باللون الأحمر دليل صامتًا على وجود من فقد حياته أثناء الانفجار.
“…”
“ماذا ؟ لماذا تنظر إلى المكان بكآبة هكذا ؟”
“هل ماري غادرت ؟”
“اههـ اجل هي غادرت فورًا ! لابد انها كانت خائفة مني كيكي”
فجأة كوهن سكت كذلك و نظر نحوي :
“على اي حال اين تقيم حاليًا ؟”
“نزل دموع الحوريات، لماذا تسأل؟”
“بالتأكيد لكي اكون بجانبك ! ، و ايضاً إلى متى ستقيم؟”
“شهر واحد”
“واه! انت غني حقًا !”
هززت رأسي دون إجابة، بينما تابع كوهن بحماسة:
“أتعلم؟ المكان يبدو أكثر كآبة مما توقعت من المحزن أن يتحول مهرجان كهذا إلى كارثة”
نظرت إليه سريعًا ، هل كان يعرف كيف يتكلم بجدية هكذا؟ لكن سرعان ما أطلق ضحكة خفيفة وهو يقول:
“على الأقل، وجدتُ رفيقًا!”
زفرت بضيق:
“أحيانًا أعتقد أنك تفعل هذا فقط لتزعجني”
“مهلًا ماذا تقصد؟ ألا ترى أنني نجحت في جعلك تتحدث أكثر مما توقعت؟”
نهضت من مكاني ببطئ متجاهلًا كلامه، وركلت بعض الحطام أمامي قبل أن أقول:
“إذا كنت ستستمر في مرافقتي، فحاول على الأقل ألا تتسبب في المزيد من المتاعب”
“أعدك! لكن… لا أستطيع ضمان شيء، إن كنت صادقًا!”
شعرت وكأنني تورطت في مرافقة شخص لن يكف عن إثارة المتاعب…
في الواقع ذلك السلوك الوقح و طريقة كلامه تجعلني افكر من هو حقًا ، هل هو ابن لشخص غني ؟ ام من النبلاء ؟ ام يكون قائدًا لمجموعة ما ، تنهدت و بدأت أسير فوق الحطام و كوهن خلفي يتبعني
“هل نحن ذاهبين إلى النزل ؟~”
“اجل …”
———————————————————