المعجزة ٢٠٧ - 18
تقف تلك الشابة الساحرة و هي تحتوي في كفها سلةً صغيرة
تمايلت خصلات شعرها البنية و السلسة برفقة تلك الرياح
يبدو بأنها تنتظر احدهم
فتح جاك باب ذلك المنزل،و اخذت اشعة الشمس مجرى ناظريه
وضحت رؤيته،و كان اول ما شهده
تلك الجميلة التي تنتظره بفارغ الضبر،و ترسم تلك الإبتسامة في محياها…
كانت عيناها الزرقاوتان تلمعان خلف نظارتها الطبية حين نطقت بصوتها الرقيق، تتلاعب به نسمات الصباح
“جاك، هل أحضرت الفأس؟”
تجمد جاك في مكانه، للحظات لم يعد هناك شيء سوى عينيها… تلك اللحظات التي بدا فيها العالم فارغًا إلا منها.
اخذ وجهه يميل للإحمرار خجلًا بعد ان تدارك ان صمته قد طال
تلعثم بنبرةٍ سادها التوتر
“ا..ايزابيل!ساحر..اعني….حاضر!سأحضرها!!”
ضحكت ايزابيل بنبرةٍ تكاد تسمع
بعد بضع ثوانٍ،احضر جاك ذلك الفأس،و انطلق هذان الإثنان سويًا
كان ماثيو يراقبهما من النافذة الصغيرة..
التفت نحو روكي الذي كان يجلس في غرفته كما لو كانت ملكه
تسائل ماثيو بتعجب
“لكن انا لا افهم…لماذا ارسلناهما لجمع الحطب..؟اعني..أ لا يجب ان ارافقهما..؟”
اومأ روكي نافيًا ليلتقط بكفه اليمين ذلك العصير،بينما يمسك بكفه اليسار كتابًا لماثيو
“يجب ان يحضيا ببعض الخصوصية،تقول ايفا بأن جاك معجب بإيزابيل…لسوء الحظ…”
عقد ماثيو حاجبيه ليختطف ذاك الكتاب من بين يديه
“لسوء الحظ..؟”
تسائل ماثيو كما لو كان يعاتبه بسؤاله
ابدى ابتسامةً جانبية و هو يجيبه
“لأنها في غاية الجمال!اعني انها تفوق ايفا بمراحل!اردت ان احاول معها جاهدًا!”
استهزأ ماثيو و هو يضع كتابه جانبًا
“ييدو بأنك كنت محرومًا من النساء فترةً طويلة…من المستحيل ان افهم سبب رغبتك الملحة في البقاء مع انثى”
صرخ روكي بإنفعال و هو يلوح بيديه
“يا رجل!النساء هم افضل شيء في الكون!في المخبر لم اكن محاطًا سوى بالفتيات الصغار،و العمال كبار السن!انت تعيش في نعيم!ناهيك بأن ايفا مهتمة بك!”
توقف ماثيو عن الحركة،و ارتعشت عينيه،كما لو تواطئ على اذنيه شيءٌ إعجازي،نطق بتردد نبرته
“ايفا….؟انا…؟”
“اجل!”
اجابه روكي بتعجل و بلا تردد
وضع راحة يده على خده و هو يسأل نفسه….
إن كان يستحق اهتمامًا من ملاك كإيفا…
و في تلك اللحظات..
كان جاك يمشي خلف ايزابيل..في تلك الغابة الواسعة
نطق جاك بنبرةٍ سادها التوتر و هو يحاول كسر حاجز الصمت
“هل…تشتاقين للمدينة..؟”
“بشدة،اضن بأنني اشتاق لعائلتي اكثر من الحياة الرخية بالفعل…”
سكتت لبضع ثوانٍ ثم اضافت بتردد
“انا متأكدة بأن…جدتك تشتاق اليك”
“ربما…”
اجابها بإختصار شديد،بالرغم من صراع الكلمات في قلبه،لكنه لا يقوى على الحديث بشيء
تراجعت ايزابيل لتضع بتلك الحبال و السلة جانبًا،اشارت نحو الشجرة و قالت
“هل ستبدأ بقطعها؟”
اومأ بالإيجاب
شد بكلتا قبضتيه على ذلك الفأس الثقيل،ليضرب به تلك الخشبة السميكة،بالرغم من نحالة جسده،فقوته البندية أحيانا تتصاعد دون أن يشعر..
استمر مدةً ليست بقليلة…
حتى استطاع قطعها بالفعل!
التفت نحو ايزابيل و هو يضع بقميصه على انفه
ليتأكد من رائحته إن كانت مقبولة!فحتى بعد قطعه لذلك الجذع السميك لا يزال يفكر فيها فقط
حاول خلق حديث كي لا تركز في افعاله
“اذا…لما هذه السلة..أعني نحن لم نحتاج سوى للحبال أ ليس كذلك..؟”
تقدمت نحوه، ولم يكن في عينيها سوى دفء غريب. رفعت يديها برفق ومسحت الغبار عن كتفيه، وكأنها تمسح عن قلبه أعباء الطريق. ابتسمت بحنان وهمست
“لابد أنك جائع… أحضرت بعض الشطائر، لنعتبرها نزهة صغيرة.”
في تلك اللحظة، بدا جاك كمن نسي الجوع تمامًا…
لمع محجريه الزمرديين،و قلبه ناطق قبل عقله
“ايزابيل…انتِ الأفضل..”
اخذت ايزابيل طريقها لتلك السلة،اخذت تخرج الأغراض شيئًا فشيئًا،حتى قالت بنبرةٍ مسموعة
“رائحتك جيدةٌ بالفعل،لا داعي للقلق..”
ازداد وجه جاك احمرارًا فقد لاحظت تصرفاته الحمقاء بالفعل!بالرغم من محاولة إشغالها بالكلمات!
فتحت تلك السلة لتخرج بتلك الملائة و تضعها على العشب الكثيف،جلست و قد اخرجت تلك الشطائر
وضعت ثلاث شطائر مقابل جاك،و امامها نصف شطيرة!
اردف جاك بقلق
“هل ستشبعين بنصف واحدة؟!”
“انا لا اكل اكثر من ذلك”
اتكأ جاك على ذلك جذع الذي اسقطه
متسائلًا بنبرته الخافتة كأن افكاره خرجت من فمه
“كم…مضى على وجودنا في الخارج..”
امالت برأسها و هي تجيبه بتحيّر
“عام…؟”
“اقل من ذلك..لو كنا في المدينة الآن…لَكُنا نجري الإمتحانات النهائية لنقبل على الجامعة!”
ضيقت ايزابيل بعينيها و هي تقول
“يا ترى….هل انتهى مستقبلنا…؟”
تسائل بتعجب
“ماذا؟!”
التفتت ايزابيل نحوه و هي تقول
“ماذا لو…سنحت لنا فرصة للعودة للمدينة…كيف سنعيش و قد تركنا المدرسة بالفعل؟!..كيف سنعمل؟!كيف سنلاقي اهالينا الذين كانوا يأملون منا مستقبلًا مشرقًا!؟”
كان كلام ايزابيل عقلاني و منطقي…
وضع جاك بتلك الشطيرة جانبًا ليجيبها بهدوء
“لا اضن…بأننا سنتمكن من العودة اساسًا…ربما قد نستطيع انقاذ وليام فقط…و نعيش هكذا…في الخارج جميعًا بهدوء و سلام..”
اقتربت ايزابيل قليلًا منه لتضع بكفها الناعم على كفه
نطقت بخدين محمرين
“و هل…تعدني…بأنك ستبقى بجانبي…؟”
احمرّ وجه جاك كليا و قد تلألأ محجريه
زفر بطمأنينةٍ ليميل برأسه و قد علت ملامحه ابتسامةً خجولة
“سأبقى بجانبكِ للأبد…”
نهضت ايزابيل لتبدأ بحزم الاغراض،التفتت نحو جاك و هي تقول
“بالرغم من ان المستقبل مخيف…إلا انني اطمأن في الحاضر عندما اكون برفقتك…”
“برفقتي..؟”
تسائل و الإبتسامة تعلوّ محياه
اومأت نافيةً و قد علَت نبرتها كما لو كانت تغطي على كلماتها السابقة
“أعني…برفقتكم!برفقة الجميع!”
نهض جاك ليحمل ذلك الحطب و يربطه بحبلٍ على ظهره و تجتاح ملامحه نظرات اليأس
اومأ بالإيجاب و هو يقول
“انتِ محقة…”
اخذا يمشيان في تلك الغابة…و الصمت سيد الأجواء
بالرغم من ذلك الصمت،كانت ايزابيل متبسمة،مما دفع جاك لنسيان كلماتها سابقًا و التبسم بدوره…
لم تبرح الإبتسامة ملمحيهما…
تتسابق تلك الفراشات بين الحشائش الكثيفة…
و النسيم العليل يتلاعب بخصلات شعر ايزابيل البنية كالقهوة…
يمشيان ببطئ…على أمل أن يتغلبا على الوقت و تطول تلك الساعات…
قلبٌ واحد،مشاعر واحدة،في جسدين مختلفين…
و كلاهما يأبى الإعتراف…
في اوسط تلك الأجواء الساحرة
و تلك الفتاة لا تتأمل سوى ظهر من تحبه…الذي سبقها ببضع خطوات لا اكثر..
تنزلق ساق ايزابيل!
في هاويةٍ عميقة!
سرعان ما ترك جاك كل ما في يديه و تشبث بها قبل سقوطها!
“من اين ظهرت تلك الحفرة!؟؟”
صرخ جاك و الهلع قد سيطر عليه
تعالت صرخات ايزابيل الخائفة
“لا اعلم!!!”
في منتصف هذا الذعر،تلمح ايزابيل ساق جاك التي تترنح على حافة الجرف،صرخت ايزابيل
“جاك!!!سينكسر الجرف!!أما ان تسحبني بسرعة او تتركني اسقط!ان لم تفعل سنسقط كلينا!!”
صرخ جاك و قد تزاخمت الدموع في عينيه
“لم اترككِ!”
كمن تحدى القدر و تحدى نفسه،جمع كل طاقته في ذراعيه لينتشلها من تلك الحفرة العميقة!سحبها بقوةٍ كأنه يرميها!
ارتجفت ساق ايزابيل الضعيفة بعد ما كانت تحتضنها تلك الهاوية المخيفة…
اندفع جاك ليحتضن بجسدها الراجف و يهمس بنبرته التي ارتعشت اكثر منه
“ل..لا بأس…كل شيء على ما يرام…”
استطاعت ايزابيل ان تستشعر نبضه المتسارع خوفًا…
مسح على رأسها لينهض و قد عقد حاجبيه،التفت يمينًا و يسارًا ليؤمن الطريق،همس لها
“يبدو بأنه فخ…”
حاولت ايزابيل النهوض بلا جدوى،فقد خارت قواها خوفًا…
تمتمت و هي تمسح دموعها المتراكمة
“انا لا افهم…يرموننا في الخارج ثم يطاردونا..؟أ كل هذا ليعثروا على ماثيو؟!”
وضع جاك بسبابته على شفتيه و هو يشير لها بالسكوت،اقترب منها ليهمس و هو يضع بكفه على خدها
“نحن لسنا سوى وسيلةٍ للعثور على ماثيو،و بالرغم من انه يعلم ذلك و ان حياته مهددةٌ دائما،لا يزال يأوينا عنده،سأكون شاكرًا له لبقية حياتي…لذا يا ايزابيل…لا تخافي…ماثيو لم يتخلى عنا…و انا لم اتخلى عنكِ…جميعنا سنهزم هاؤلاء اللعينين…”
اومأت ايزابيل بالإيجاب و هي تحاول كبت صوتها الباكي..
امسكت بكف جاك لتنهض واقفةً على قدميها…
وضع جاك بملائته على كتفها،و قد عقد حاجبيه متحديًا القدر
حاوط كتفها بذراعه كمن كان يحتويها من ذلك العالم..
اخذا يخطوان نحو ذلك الغروب…
لوجهةٍ واحدة….
المنزل…
يعانيان الأمرين…
و يجتازانه…معًا…
لكن في الجانب الآخر….
يعاني احدهم الأمرين بمفرده…لا ساند له سوى سيده…
و لا يفكر الا في خلاصه…أخته…
وليام ليودوس…
يأخذ بطريقه نحو تلك الغرفة المظلمة و المعزولة…
ليفتح له سيده لويس باب تلك الغرفة
كمن سهل له الدرب
دخل ليستقبله ذلك الرجل المسن…
برح مكانه واقفًا،بالرغم من كبر سنه،الا ان جسده و بنيته في أحسن حال…
تخلل الشيب شعره الأسود الفاحم…
و عينيه البنيتان…خاليتان….
اقترب ليضع بيده على كتف وليام،نبرةٍ عميقة تقشعر له الابدان…
فحتى لويس الضخم و المخيف،لم يقوى على اىنطق بكلمةٍ امامه…
“وليام ليودوس…فخورٌ بك لإكتسابك تلك القدرة…”
قالها و هو ينظر في عينيه وليام العازمة…
بالرغم من خوفه،تحدى نفسه و عنظر في عينيه مباشرةً
نطق بنبرةٍ هادئة و رزينة
“سيدي،شرف لي ان اكتسب قدرةً و اخدم تلك القاعدة العريقة..”
ضيق عينيه و هو يستكمل
“القاعدة صفر…هي الرئيسية…قاعدتنا أسست اعظم الشخصيات…تحت إمرتنا كل القواعد في العالم،كل شيء بدأ من هذا المكان…يجب ان تخدمها بكل ما أوتيت من قوة،و تستعد قريبًا،لرؤية العالم من جديد…بعيني جندي…جندي لا يريد سوى السلام..و لم يوقفه أي شيء لتحقيق ذلك السلام…حتى عائلته…”
اومأ وليام موافقًا الرئيس في كلماته
ابعد الرئيس بيده من على كتف وليام و هو يقول
“قدرتك…مميزة…رؤية المستقبل…لكنها تحتاج لتوسيع المجال…انت لا ترى المستقبل الا قبل وقوعه بدقائق…ان كنت في معركة،فستحتاج تلك الدقائق،لكننا لا نبحث عن المعارك…نحن نسعى فقط للسلام…لذا نحتاج رؤيتك المستقبلية تلك…لترى لنا بعض الأشياء المهمة…”
ضيق وليام عينيه و الخوف يعتريه،فبات لا يستطيع كبت مشاعره
نطق بنبرةٍ راجفة و هو يتسائل
“س..سيدي…ان…استعطت..التحكم بقدرتي…و وسعت مجالها…هل…سأستطيع العمل في القاعدة كجُندي..؟”
تراجع الرئيس ليعاود الجلوش على كرسيه الكبير،وضع
الساق فوق الأخرى ليخرج بقلمه و هو يسجل بعض الملاحظات،نطق بنبرةٍ مسموعة و قد نظر اليه بطارف عينه
“اجل،ستستطيع العمل فقط عندما توسع نطاق قدرتك..”
توالت الإبتسامة لملامح وليام،لكنه حاول كتمها بنظراته الجادة
التفت نحو المساعد لويس ذو الملامح الهادئة و الرزينة
لينطق المساعد
“لا تقلق سيدي،سأهتم بتلك العينة المميزة..”
اشار له بالإنصراف بيده
تراجع وليام و لويس و هما في طريقهما لمغادرة غرفة الرئيس
الا انه قال بنبرةً مرتفعة
“اوه،لويس،سمعت بأنك قمت بإعدام احد عينات مئتان…هل عذا صحيح..؟”
توالت ملامح الذعر على وجه وليام…فالرئيس يقصد بكلماته مئتان و ثلاثة،روكي مارلو!!
التفت المساعد لويس ناحيته بملامح باردةً و هادئة،لينطق بهدوء
“سيدي،لم يكن عينةً قيمة،و ايضًا كان يعبث ببعض السجلات المهمة…لذا لم استطع ابقائه..”
بطريقةٍ ما تجنب لويس ذكر مئتان و سبعة امام الرئيس…
فحتى ذلك الرجل الضخم،لا يقوى على طرح موضوعه امام الرئيس
“لا بأس اذا،انصرفا”
قالها بنبرةٍ هادئة
تراجع لويس ليخرج من تلك الغرفة و قد تقدمه وليام…
اغلقا الباب لتلتقي اعينهما…
اشار له بإتباعه…
اخذا بطريقهما الى غرف لويس،دخل وليا ليقفل لويس باب غرفته…
قهقهةٌ تكاد ان تسمع…لتعلو شيئًا فشيئًا،رفع لويس رأسه ت هو يقهقه بضوتٍ مسموع!
كان ذلك الرجل،يضحك على غباء من حوله..و لا يشهد سوى انتصاره…
توالت علامات التسائل في ملامح وليام،وضع بكلتا كفيه على كتفه ولياك ليهمس والإبتسامةٌ الهبيثة تعلو محياه
“وليام…نحن في طريقنا الى النصر!!!ان اصبحت قوتك جبارة…سيثق بك الرئيس و يحاول ان يستعملك للعثول على مئتان و سبعة…و حينما تعثر عليه بقدرتك…سأقوم
انا بقتله!!و ستأخذ اختك و تهرب…”
لمع محجرا وليام ليردف بنبرةٍ مزجت بالقلق و الثقة
“أجل….سأعثر على ايفا اخيرًا…”
“سنحصل على ما نريد…ءأتولى انا الرئاسة من بعد مئتان و سبعة،و انت ستحظى بالحياة الهادئة برفقة أختك!”
كادت الابتسامة ان تمزق وجنتي وليام و الثقة ابدأت تأكل ذلك القلق
لمع محجريه و هو يقول
“سنحقق من نريده!”
رفع بيده من على كتفي وليام ليحرك بكفه و هو يقول
“قد نستفيد من قدرتك،ربما لا نحتاج للرئيس..بما ان روكي على قيد الحياة،هذا يعني انه برفقة مئتان و سبعة،بإختصار،انه حي،يجب ان ننقض عليه”
زفر وليام ليرتمي بجسده على فراش ابمساعد و هو يقول
“بحقك كدت اتبول في سروالي عندما سألكَ عن امر روكي…لكنك ممثل بارع”
ابتسم المساعد و هو يخلع سترته الرسمية مجيبًا
“مثلت امام هذا الرجل لخمسةٍ و عشرين عامًا…بضع سنواتٍ اخرى لم تضرّ حتى مماته…”
عقد المساعد حاجبيه بنظؤاتٍ جادةٍ و مخيفه،اردف بنبرته العميقة
“سأسلبه كل شيء…كما سلبني كل شيء…”
..
وووو بس👈🏻👉🏻