خاتم من الماس و قلب من حجر - 3
منذ ذلك اليوم، شعرت أن حياتي قد تغيرت، فعندما استطعت العثور على آزار مرة اخرى، عرضت عليه فكرة العمل تحت اسمي، في
الأول بدا عليه الإرتباك و الرفض، فهو لا يعلم شي ئًا عن الحماية و ما غيرها، ولكن بالقليل من الاغراء بالذهب، أصبح آزار تحت طاعتي
.
كان الامر مسليًّا، فعندما لا يكون جلنار موجودًا، لم اعد أقضي وقتي بشراء الاشياء لوحدي، بل كان آزارهنا،كان كالدمية الخشبية، فاينما
ذهبت يدي لحق بها، و أينما تحركت اصابعي، تحرك معها كل مِفصل له.
ولكن، سبَّبَ هذا لي أن أشعر بالملل عندما يعود جُلنار.
فقد كان دائمًا هو من يقترح أين نذهب وماذا نفعل وكيف نفعله، ولم أكن أنا التي سوف تعطيه رأيها، لأنه على قول والدتي: ” المرأة
المحترمة تتبع كلام زوجها بدون اعتراض.”
ظننت أن الأمر غير واضح، حتى أن جاء يوم لم يبدوا جُلنار على عادته, لم يأكل الفطور ولا تدرَّب على ركوب الخيل ولم يقل لي شي ئًا
عن الخروج او الذهاب في موعد او ما شابه.
فالأول قد كنت سعيدة بالأمر، ولكن عندما ذهبت لأطلب منه بعض المال لشراء ملابس جديدة، وجدته ينظر الي بنظرة .. غريبة .
” ألا يملك آزار بعض من المال؟ لقد أعطيته ما يكفيك ”
“لا، فقد اشتريت به المزيد من الثياب لأجله، فلا يمكن لِحَارس شخصي أن يرتدي زيًا واحدًا فقط، فهذا سو-”
” لما تهتمين بهذا الرجل هكذا، ليس من عادتك..”
كلامه كان بنكهة من الغِيرة الواضحة، فقد ظَهَرَت على وجهه نظرة غضب صامت ممزوج بحزن لم افهمه.
” ما الذي تحاول أن تقوله؟ انه حارسي الشخصي، أقل ما يمكن فعله هو ان اجعله افضل شكلا مما هو عليه. ”
وضح لي ان ردي لم يعجبه، مع الرغم من أنه لم يقل شيئا، لكن صمت جلنار يتحدث بألف كلمة.
أخذت المال و التفتت لأذهب، فقط لأشعر بانه قد امسك بيدي بشدة، التفت لأنظر إليه،ولكن لم يقل أين منا كلمة الا بعد مسافة.
” هل .. تودين الذهاب معي إلى مباريات المبارزة غدا؟ لم أشارك هذا العام، ولكن اخي الصغير قد-”
“سوف أرى ما يمكنني فعله و أبلغك.”
أبعدت يدي منه و توجهت للرحيل، لا ادري لماذا، ولكن في تلك اللحظة، شعرت أنه كانت بداية رحلة جلنار لقبره.
ذهبت الى السوق و مزاجي لم يكن في مكانه، فتلك النظرات التي أعطاني إياها جلنار، لم تكن طبيعية: بل كانت مرهقة، ولكن هذا ليس
خطأي، فإن جلنار يعمل لساعات طويلة و يعود بعد أيام وأسابيع وحتى أشهر، هكذا هو الحال منذ ان تزوجنا، قبل عام..؟ ام عامين؟ لا
أتذكر، ولا يهمني بالمرة، فأهل جلنار ليسوا من النوع الذين يحتفلون بعيد الزواج السنوي، ولم اكن انا من عليها حفظ التواريخ، بل من
يصمم الحفل; جلنار.
لم أنتبه أنني بينما كنت شاردة الذهن، كنت امشي ببطئ مما أدى لاستضامي بأحد، تعثرت قليلا للوراء وسرعان ما رفعت رأسي لأجد
أزار ينظر إلي بابتسامة عريضة، في يده كعكة تفوح منها رائحة القرفة الدافئة.
؛ لما تبدوا الآنسة حزينة؟” سؤاله كان محض فتح حوار، وانا كنت بالحاجة إلى ذلك: مرة اخرى، لم يكن جلنار من يقف بجانبي.
” انا متزوجة يا احمق، تقال الا-”
” اعرف ذلك.. ولكنك تبدين حزينة مثل الآنسات اللاتي يرين غيرهم متزوجات و يحزن مع انفسهن”
مبادرته بشرح ما قصد بينما شفتاي رحبت بدفئ الكعكة و طعمها الذي كان أجمل من أي طبخة في القصر.
“ اه.. كم أردت أن أعود لمتعة الوحدة، ولكن أبي لم يكن يعطيني الكثير من المال مثل جلنار، فقد كان مجرد ملك لا إلا، و اغلب المال
كان عليه أن يوزع على الشعب وما غير ذلك ”
بينما كنت أتذكر مأساتي، انتبهت ان أزار كان يحدق في الأفق، لم اكن اعلم ان كان يصغي إلى ام لا، بعينه التي كانت مغطاة الان رقعة
من جلد التنين هي ما كنت أستطيع النظر إليه.
” مابك؟ قد صمت فجأة..”
ليس من عادتي أن أسأل سؤال كهذا، ولكن لسبب ما، شعرت انه قد تذكر شيئا لم يردني ان اعرفه.
“توفي والدي وأنا في عمر العاشرة، لا أذكر الكثير مما حدث، ولكنني أتذكر أنني استيقظت في ميتم و عيني لم تكن هناك. ”
كلامه سبب لي القشعريرة، فقد تخيلت المنظر المقزز لعين لايوجد بداخلها اي شي.
” انتقلت الى مملكة كازمانا على امل ان اجد أقاربي او احدا يعرف والدي، ولكن لم يحالفني الحظ، اضطررت أن أضيع المال الذي كان
بحوزتي فقط للبقاء في غرفة نوم و فالأخير.. ”
” اضطررت ان تبقى تتجول في الشوارع، أليس كذلك؟ ”
بدا الحزن على وجهه، و لكن عينيه كانتا مليئتين بالرضا، ولكن لماذا؟ بعد كل ما مر به، ما الذي يجعل شخصا بهذه الحالة سعيدا انه على
قيد الحياة.
” انا لازلت ممتنا للإمبراطور و لك على ما فعلته، فقد كنت متأكدا ان نهايتي كانت ستكون على يدك..”
قالها بمحض سخرية وضحك بينما انا كنت أمضغ ما تبقى من الكعكة.
يا ترى.. هل لذلك أعاد المال؟ على أمل أن أنادي الحراس و يقبضون عليه؟
” في ذلك اليوم، لم أعد إلى المال؟”
كان من الواضح أن سؤالي لم يعجبه، ولكنه أدرى من أن يتجاهله.
” في الحقيقة انا.. لا اعلم. لم تكن نيتي ان أعيدها لك، ولكن شيء ما جعلني أريد أن أعيدها.. ”
ياله من مجنون، كيف له ان يهذي بكلام كهذا على انه سوف اصدقه لابد انه كان هناك سبب منطقي.
” أأنت متأكد؟ ”
” .. نعم يا مولاتي ”
استمرينا انا وآزار بالمشي بين الأسواق، ولأول مرة، لم أشعر أنني أريد شراء شيء..
كلام آزار دخل على رأسي، فكيف لي أن أعيش طبيعية بعد ان علمت انه لم يكن حتى قادرا على إيجاد لقمة عيشه.
” انت إنسان شجاع يا ازار. ”
لم انتبه لكلامي الذي جعله يلتفت لينظر إلى
” لقد تحملت الاذى و كنت تصبر على كل المآسي فقط لكي تصنع املا لم يكن هناك ، اهنيك على ذلك ..”
“هل أنا أتحدث مع الإمبراطورة ساليناي؟؟ ”
سؤاله جعلني أندم على ما قلته.
“”اخرس”
هاهاها السموحة، لم اكن أتوقع ان لديك جانبا كهذا!”
” سوف أعدمك ..”
كانت كلها مجرد دعابات بيننا.. لا ضرر في ذلك البتة.
عندما عدت الى القصر وجدت جلنار ينتظرني أمام المدخل، لم يكن إزار يحمل الكثير من الأغراض، فاستطاع أن يؤمن برأسه ترحيبا
بجلنار
” جلالتك ..”
” آزار، ارفع رأسك و اكمل طريقك، أريد التحدث مع ساليناي. ”
شَعرتُ أن معدتي قد تقلبت، كانت هذه أول مرة يناديني باسمي و بدون أي ألقاب .
بينما امسك آزار نفسه و بكل صمت ذهب، وجدت عينا جلنار تحترق و هو يقترب مني، عل سوف يقتلني ام ماذا..؟
“إذن..؟ ”
” .. اوه – حسنا، سوف اذهب معك الى المباراة.. ”
تغيرت نظراته في أقل من غمضة عين و تحولت شفتيه الى ابتسامة صغيرة
” جيد.. لقد أخبرت أخي وكنت سأشعر بالإحراج ان لم تأتي .. ”
لماذا شعرت لوهلة بشيء ما..
كان هناك شيء ليس في مكانه ..
♕ ♔