سر عائلة إيلارد - ch-2
جلست ذات الشعر السماوي الطويل والعينين الصفراوتين على ارجوحة بيضاء المقعد امتدت حبالها معقودة بغصن شجرة عريض قد تميزت
تلك الشجرة بكبرها عن بقية الاشجار هناك وبظلها الواسع ارجحت نفسها بخفة شاردة الافكار وبجوارها من بعيد راقبتها حارساتها بوجوه بلا تعابير عدا تلك التي وقفت قريبا منها فبدت قلقة
“سيدتي …قد حان وقت الغداء”
نطقت المراة تنبه سيدتها وقد كان لها شعر اسود طويل وعيون بنية فاتحة وبشرة بيضاء بلا مبالغة في لونها
“سيدتي؟”
كررت بعد ان لم تلقى ردا من سيدتها والتي لم تكن تكبرها في السن الا اشهراً
رافعة ابصارها نظرت اخيرا لخادمتها والتي تعدها اختها الاصغر
“نعم ماذا هناك؟!”
اردفت بإبتسامة جاعلة الأخيرة تكرر الكلام
“انه وقت الغداء”
“هاه؟!..لكن الم اتناول الغداء؟!”
بملامح حائرة نطقت لتسمع تنهيدة من تصغرها
“ماذا هناك؟!”
“اذاً ساخبرهم ان يحملوا الأطباق لان سيدتهم تناولت الغداء في مخيلتها وشبعت”
علقت المعنية بالحديث بعد نزولها من الارجوحة
“كيف يمكنك السخرية مني؟! انا هنا هي الاميرة اتريدين ان تذهبي لرعاية الاحصنه؟!”
“لا افهم كيف تقولين هذا وانت تبتسمين لكن عموما رعاية الاحصنة افضل بكثير من هذا الوضع”
شهقت الاميرة تتماشى معها لتنطق بينما تمشي متجهة للداخل
“اتقارنين حياتك بحياة رعاة الاحصنة …لماذا اقولها كشتيمة….اعني ان حياتك ارفه منهم بكثير”
“ارفه!! كيف يمكن ان تكون وانا اطاردك في كل مرة تهربين فيها من القصر!!”
“وماهي المشكلة في ذلك كل ماعليك فعله هو اتباعي”
مسحت الاصغر وجهها بيدها بشيء من الانزعاج
لما تسمعه من هراء
“اذا امسكوا بك ساعاقب انا فلا احد سيمد يده على الاميرة اللطيفة التي لايعلمون انها تعذبني سرا بهروبها”
“صحيح اليوم مهرجان المملكة !!”
ركضت الاميرة وهي تقول ذلك بإبتهاج لتدخل اخيرا للداخل تاركة الاصغر في يأس وهي تعلم جيدا مايعنيه ذلك
بعد انقضاء النهار وبزوغ القمر اضاءت شوارع وطرق المدينة بانوار صفراء تبعث على الدفء في نفوس المتجولين بينما اغتنم اصحاب المهن هذه الفرصة فماهو افضل من عرض بضاعتك في ليلة مهرجان المملكة
“سيدتي …سيدتي “
“ماذا تريدين تيريا؟!”
التفتت الاميرة فاوانيا بإنزعاج لتقابل خادمتها بوجه متعكر الملامح
“ا…ل…لاشيء”
نطقت ويستيريا بشيء من التفاجئ والحزن فلم يسبق لها ان قوبلت بنظرات كهذه من سيدتها
لتنظر بشيء من الخيبة حيث تنظر سيدتها
بيعداً وقف رجل اسمر البشرة بعينين سوداوتين وشعر اسود وبتلك الملامح راته ويستيريا ويستيريا عادياً ولكن على مايبدو كان لسيدتها رأي اخر
“اتحبه!! ذلك الرجل؟! “
بتفحص نظرت لسيدتها مطولا لكن لافائدة كل ماتراه هو الاعجاب في عينيها ما اثار حيرتها
وفي حيرة ويستيريا ركضت فاوانيا بعيدا
جاعلتها تركض بلا تفكير وبهلع
ركضت الفتاتان لمسافة طويلة قليلاً لتتوقفا اخيراً بجوار كشك صغير يبيع بعض الحلويات
“ما الامر.. لماذا..ركضنا هكذا!؟”
“اردفت ويستيريا لاهثة”
“لقد…لقد نظر الي!!”
“هاه؟!”
بعد سماعها رد سيدتها لم تستطع ويستيريا كبت غضبها فما جال في بالها هو انكشاف تسللهن وبناءاً على غضبها بدات توبخ فاوانيا بغضب
“م…ظننت بأن الحرس تعرفوا عليكِ لقد خفت جدا”
كانت ويستيريا منفعلة قليلا واستمرت بالكلام لكن صمت سيدتها جعل انزعاجها اكبر فماكان منها الا ان تحاول ازعاجها لغضبها
“لا اصدق هذا اتحب امراة بجمالك رجلا بلا شكل مميز؟! “
“وماذا تريدين ان يكون له اجنحة مثلا!!”
ردت فاوانيا بينما تحاول الحفاظ على هدوئها
“تستجيبين فقط عندما اسيء اليه رغم اني لا ارى اساءة في كلماتي!!”
اردفت تسير مبتعدة عن سيدتها
“لمعلوماتك انه شخص لطيف جدا”
متتبعة ويستيرا اردفت فاوانيا لتجد الرد حاضراً
“اوه نعم سيدتي لديها حاسة سادسة تعرف الرجال الطيبين من خلال النظر لوجوههم”
“قلبي يعرف وهذا يكفي”
“قلبك سيقتلنا”
بغضب اكبر قالت ويستيريا صارخة بعد ان استدارت لفاوانيا
“ويستيريا. ..سنعود”
بوجه خائب قالت ثم سارت متخطية ويستيريا بصمت
طرقت الباب مرتين وتوقفت تنتظر الإذن لبعض الوقت ولما لم تتلقه كررت طرقها مرة ثم مرة اخرى لتدخل من نفسها في اخر مرة
“سيدتي هذه انا ويستيريا سادخل”
نظرت نحو السرير المرتب والنافذة المفتوحة لتفهم ان سيدتها قد استيقظت سلفاً فخرجت من الغرفة واغلقت الباب خلفها واخذت طريقها نحو المطبخ
“س…سيدتي؟!!”
“تيريا صباح الخير”
حيت فاوانيا الواقفة عند باب المطبخ وطلبتها ان تدخل
“ماذا تفعلين هنا سيدتي!!؟ اذا كنت تشتهين شيئا فأخبريني وسألبي طلبك”
بهلع تقدمت نحو سيدتها وقبل ان تقول شيء اخر قدم لها طبق فيه قطعة من الكعك
“هل اتيت لهنا فقط من اجل قطعة كعك كان يمكنك ان تخبريني بذلك سيدتي”
“لم اعد شيئا لقد طلبت منهم ان يعطوني منها وهي ليست لي بل لك”
“ل..لي؟!”
رمشت ويستيريا بضع مرات قبل ان تتقدم وتأخذ الطبق من يدي فاوانيا
“لابأس سيدتي لم يكن بالامر الكبير لكن شكرا لكِ”
بعد ذلك اليوم مرت الايام متحولة لاسبايع والاسابيع تحولت لشهور حتى خُتمت سنة وفتحت بوابة عام جديد
تحركت بهدوء شديد كاللص الحذر في تسلله وقد
غطت شعرها ووجهها فلا يبان سوى صفراوتيها
كانت تسير في الغابة بحذر في الليل تبحث عن احدهم
“لما تفعلين هذا وفيه تهديد لحياتك؟!”
ظاهراً من خلفها مشى نحوها وعلى ملامحه القلق
وفي عينيه تعب واضح
“انا ..افعل هذا لأني اعلم انك ستكون هنا”
ردت عليه تبتسم بوجه يحمل في نظراته حبا يعرفه….حبا يبادلها اياه رغم الصعاب ولكن رغم نضاله فقد انتهى كل شيء
“اذاً لو توقفت عن المجيء ستكفين ؟!”
اردف ينظر لعينيها متوقعا الجواب
“كلا بالطبع …اذا لم تقابلني سأبحث عنك في كل مكان”
تكلمت فاوانيا بإبتسام وقد صعبت عليه الامر بجوابها ولكن ماكان له ان يستسلم فإبعادها هو حله الوحيد
“فاوانيا نحن لم نعد زوجان انسي امري وتابعي حياتك”
القى بكلماته واستدار راحلاً وهو يأمل ان لاتتشبث به …بل امل ان يملك الشجاعة للركض بعيدا لكنه لم يستطع
اخبر نفسه ان تجري بمجرد قوله تلك الكلمات…اراد اتباع خطته والهرب بلا التفات لكن…
لكن من كان سيتوقع ان تصبح كلماته تعويذةً تنسيه الركض ؟!
“لا اريد انا…..انا احبك وانت تعلم جيدا فلماذا تبعدني عنك!!”
متشبثة به من الخلف عانقته بقوة في محاولة يائسة منها لمنع رحيله
“يالك من احمق انستك انانيتك ضرورة الركض في تلك اللحظة…والان ماذا؟! اهذا ماكنت تريده؟!
ان تتشبث بك يالك من رجل حقير تفعل هذا بها وتطيل معاناتكما انت احمق احمق “
صوته الذي دوى في عقله يؤنبه جعله يعض على اسنانه بغضب
“فاوانيا…..اذا كنتِ تحبينني…. فإبتعدي”
كان الصمت طويلاً خانقاً بين هذين الاثنين
الرجل الذي حاول بجهد ان لاينهار والمراة الحمقاء التي ارادت البقاء معه رغم كل شيء
كالطير المتحرر من قفصه ركض بعيداً بمجرد ان افلتته ركض وقلبه يؤلمه بشدة وفي داخله كان الحقد يستعر تجاههن
اصوات اوراق الشجر وهي تتحرك بفعل الهواء
وصوت حشرات الليل كل شيء اختفى وكأن سيد الليل وهو الهدوء اشفق عليها واراد ايصال تلك الشهقات للطير الهارب على مضض
لاعناً نفسه وكارهاً هذا الهدوء استدار بعد ان وصلته شهقاتها فإذا بها غارقة بدموعها ويديها المرنجفتين تحاولان مسحهم
شعر بالألم في قلبه لمنظرها ولحزنه وعزة دموعها في قلبه اراد الركض اليها وضمها بيديه ان يمسح على رأسها ويخبرها كم يحبها لكنه لم يستطع فحياتها وابنتهما ليست لعبة ولايمكنه العيش على الأمل خاصة وانه يعرف قساوتهن
“فاوانيا ….”
“ارجوك توقفي عن البحث عني…توقفي قبل ان يعلم كبار عائلتك ويؤذوك وابنتنا انا …انا احبكِ ولهذا اريد رحيلك اريد ضمان امانكِ”
نطق بداخله قابضا على يمينه بقوة صاكا على اسنانه يمنع نفسه من البكاء مرغمً نفسه على الاستدارة من جديد والابتعاد فتحرك رغم ثقل خطواته مختفيا مع الأشجار ومع اختفاءه عاودت الرياح وبصخب اكب غليلاً اغنيتها
“خلت ان هذا العام سيكون افضل لكن لقد مر شهران منذ ان انفصلنا….”
تنهدت ذات الشعر السماوي ثم استقامت عن كرسي مكتبها العاجي ذو النقوش الذهبية متجهة لتلك النافذة التي ازيحت ستارتها البيضاء للجانب
نظرت منها لحديقة المنزل فإذا بطير اصفر اللون جميل المنظر يلفت انتباهها بتحليقه من مكان لاخر ومن غصن لاخر وكأنه يمرح ويلهو
حلق الطير بعد مدة من تحركاته العشوائية مبتعدا
وتابعته بنظراتها باسمة مستمتعة بأفعاله
“كم هو جميل ان تكون حراً….انا ايضا….اريد الحرية…”
واضعة يدها على زجاج النافذة الدافئ تنهدت
بأسى على حالها قبل ان تعاود الجلوس لإستكمال عملها
بعد انقضاء وقت النهار اعلنت الشمس رحيلها بالغروب ليحل الليل بسماءه السوداء ونجومه
المضيئة وقمر غير مكتمل
حل السكون في القصر معلنا بذلك تاخر الوقت ونوم الجميع وانطفأت الانوار في الغرف وقد استثنت الممرات والحدائق نفسها من ذلك فوضعت فيها مصابيح ذات اضاءة متوسطة
وفي داخل القصر سارت حارسات الليل بملابسهن السوداء الطويلة ودروعهن المخفية اسفلها
منهن من سرن في الممرات ومنهن من وقفن في مكانهن بثبات وعلى الغرف توزعن فكل غرفة اقام فيها من له شأن حرستها اثنتان منهن وبالطبع جميعهن كن مسلحات
مشت في الممرات تتبع واحدة من الحارسات حتى وصلت لوجهتها لتلك الغرقة ذات الباب السكري ذو النقوش الكحلية المحروس من نخبة الحارسات
“دعنها تدخل”
بلكنة أمرة نطقت الحارسة ويبدو انها اعلى منهن شأناً
“امرك”
فُتح الباب بهدوء لتدخل الفتاة وتغلقه خلفها
اما الحارسة فصرفت الإثنتين وبقيت تنتظر بمفردها امام الباب خارجاً
نظرت لسيدتها النائمة بعمض وفي وجهها نظرات حزن عميق
“سيدتي استيقظي سيدتي!!”
هزت ويستيريا فاوانيا بلطف جاعلتها تفتح صفراوتيها
نظرت فاوانيا حولها بتعب تحاول فهم مايجري لتستوعب اخيرا ان ويستيريا ايقضتها
“ماذا هناك تيريا؟!”
“سيدتي يجب ان تهربي حالاً”
عقدت فاوانيا حاجبيها مستغربة لتسأل عن سبب ذلك
“لقد…لقد علمن”
توسعت اعين فاوانيا فور سماعها تلك الكلمات لتنزل من على السرير بسرعة وتتجه لارتداء
شيء ما في حين احضرت ويستيريا غطاءا
سميكاً نوعا ما وحملت الطفلة من مهدها دون ايقاظها وغطتها به
بعد انتهاء فاوانيا واخذها شيء من المال والمجوهرات لتُعيلَهم غادرت رفقة ويستيريا وطفلتها والحارسة هرباً منهن
وقفت تنظر لذلك الزورق الطويل ورجل عجوز كان هناك مع بعض البضائع التي غطت بغطاء كبير واحد
لم يكن هناك وقت للتفكير والتردد فصعدت على متنه حاملة بيدها صغيرتها التي لم يبن منها شيء لضمها بالغطاء خوفا عليها من البرد
ابحر الزورق مبتعداً عن الساحل بمسافة قصيرة
وقبل ان تتمكن فاوانيا من الاسترخاء ولو قليلاً
اتاها صوت لم تتمن سماعه في مثل هذا الوقت ابداً
“توقفوا!!”
“كنت اعرف انك ستأتين”
بتعب نظرت لذات الشعر الاسود والعيون الحمراء
“سلمي الطفلة وتعالي معي”
احتدت انظارها لتقول بحسرة
“أرى انك مازلت وفية لها حتى في موقف كهذا… ماذا قالت لك؟! خذي ابنتها واقتليها؟! “
عقدت ذات الحمراوتين حاجبيها بغضب دون الإجابة
“اه عرفت…قالت لك احضري ابنتها على الاقل يمكننا تعليمها لتصبح منا…اليس كذلك؟!”
احتدت نظرات تلك المراة التي ارتدت كالفارسات
وحملت سيفاً كان مثبتاً في غمده على جسدها من الاسفل
نظراتها الساخطة سرعان ماتغيرت للصدمة
صدمة كان مصدرها ابتسامة مجنونة صنعتها فاوانيا
“هذه ابنتي الوحيدة سأقتلها بيدي واقتل نفسي بعدها على ان اسمح لهن برعايتها”
“ماذا سنفعل ايتها القائدة”
كانت المتكلمة واحدة من الفارسات الاتي كن يقفن وراء ذات العيون الحمراء ويبدو انهن تحت امرتها
“كفى هراءً اين ستذهبين على متن قارب صغير؟!
فإما الموت غرقا واما ان تستسلمي”
قالت ذات الحمراوتين ذلك وفي قلبها دب الخوف من تهديد الاخيرة فربما جنت لدرجة انها ستقتل ابنتها حقاً وهذا شيء لم تكن تريد حدوثه أبداً
“انت قلتيها….في كل الاحوال انا سأموت لذا..
لذا سأدعكن تعانين قبل ان اموت فانا اثق بأن تلك المرأة ستشتعل غضبا اذا مت بطريقة لم تقررها هي “
اسرعن
صاحت ذات الحمراوتين بتابعاتها الاتي استعددن للقفز
” انا لا امزح …اذا اقتربت احداكن سأرمي نفسي وابنتي واذا لم اتمكن من رمي نفس ف….”
اخرجت فاوانيا سكيناً صغيراً من احد جيوب فستانها لتضعه جوار رقبتها
بتهديد صاحت وفي عينيها كمنت كراهية افزعت الحارسات وجعلتهن يفكرن بامكانية تنفيذ توعدها
“ايتها القائدة ماذا سنفعل الزورق يبتعد”
“وماذا تريدين ان نفعل؟!…اذا ماتت…قد نقتل بدلها
او نجلد حتى الانهاك….لايهم اين ستصل المهم ان نسترجعها سنمسكها بمجرد ان يرسوا”
“تتحدثين بصوت عالٍ حقا”
نطقت فاوانيا باسمة لتقول الاخيرة ساخرة
“وكأنك تقدرين ان تبتعدي اكثر”
تنهدت فاوانيا والابتسامة على وجهها ابتسامة حزينة فذات الحمراوتين محقة ورغم ذلك تحرك القارب مبتعدا يختبئ في ظلمة الليل
بقفزة نزلت من على قاربها تحمل طفلتها بيد وكيساً صغيراً به طعام كانت ويستيريا قد جهزته سلفاً وتركته في الزورق
لم يكن لفاوانيا وقت تضيعه فهي تعلم ان الحارسات استعددن لاستقبالها هنا ومع علمها لم تكن لتستسلم ببساطة فاخذت طريقها تجري بلا توقف او التفات بين حشود الناس تحاول تضييعهن
في احدى القصور الضخمه وتحديداً في غرفة العرش تردد صوت امرأة غاضب في المكان
“يومين كاملين للقبض عليها ويفترض انكن من نخبة الحارسات…كيف تتجرأن على احراجي!!؟”
استقامت المتكلمة عن عرشها وكان لها شعر باذنجاني طويل به بعض الخصل المتموجة
وعيون خضراء وكان لها بشرة بيضاء شاحبة
ارتدت فستانا طويلا بلون بنيٍ عسلي
تمشت امامهن شابكة اصابع يديها في حين جثت الحارسات كلن على ركبة واحدة حانيات رؤسهن
لايتجرأن على النظر في خضراوتيها
“تاخرتن في احضارها وفوق هذا تركتنها تخدعكن
فلم تلحظ اي منكن ان الطفلة التي حملتها لم تكن سوى غطاء فارغ!!”
علت نبرتها مع كل كلمة حتى صمتت اخيرا لبعض الوقت
“خذوهن”
“امرك”
نطقت امراة بثوب شابه ما ارتدته الجاثيات عدى ان لونه كان احمرا قاتم
اعطت المرأة الاشارة لمن وقعن تحت امرتها فتقدمن واقتدن الحارسات بدون نقاش ومن الجهة الاخرى لم تجرؤ اي من ذوات الابيض على الاعتراض
“اوامرك سيدتي”
معطية ظهرها للناطقة امرت ذات الخضراوتين بجلد كل واحدة عشرين مرة
“كم مر على اوامري؟!”
“نصف ساعة سيدتي الإمبراطورة”
همهمت ذات الخضراوتين واضعة يدها على خدها ويبدو عليها الملل لتقوم اخيرا عن عرشها الذهبي
بإبتسامة لاخير فيها
“سأقوم بزيارة…”
“الامبراطورة تدخل “
فور سماع هذه الكلمات انحنت متوقفة عما كانت تفعل لتدخل ذات الخضراوتين بوجهها البارد خطت قليلا ثم توقفت تنظر لمن علقت من يديها وقدميها
رسمت ابتسامة على وجهها ثم امرت الجالسة على ركبة واحدة ان تستقيم
“كيف يجري الأمر”
“لقد فقدت وعيها سيدتي”
“و؟!”
“لم تعترف بشيء”
همهمت ثم امرتها ان تسكب الماء البارد على المعلقة وان تستمر حتى تنطق
مع انهمار الماء البارد على رأسها شهقت بقوة مستفيقة واحاسيسها بالالم معها
“حفيدتي العزيزة لما لاتخبرينا اين هي ابنتك وتريحي نفسك؟!”
عقدت حاجبيها بغضب وصكت اسنانها لتصرخ بعد ان رمقت جدتها بكره شديد
“ولو قطعتني قطعا لن اخبرك!!”
تفاجأت ذات الشعر الاسود بنظرات فاوانيا
لتكشر عن بسمة اعرض بقليل فبدت مستمتعة ولعل برودة قلبها وجنونها هذا هو ماجعلها تبدو شابة رغم انها جدة
اومئت للمراة براسها وبدأت تضربها مجدداً
“…اضربيها حتى تتوسل لنسمعها بل حتى تتوسل
لقتلها او تنسى مشاعر الأم الحمقاء تلك”
ضحكت بين اقوالها جاعلة الأخرى تقسم انها لن تقول حرفا
“لن اتوسلك ابدا ولو نطق لساني بشيء فأعلمي بمجرد تحرك فمي سأشتمك ايتها الشيطانة !!”
اخذت نفسا عميقا وعضت على اسنانها مجددا لتنطق بصراخ وغضب
“اتمنى ان تموتي ميتة حقيرة تليق بأمثالك…ايتها الحقيرة البشعة…..حتى وحوش في الروايات لن تكون ببشاعة قلبك!!”
صوت ضحكات ذات الخضراوتين ملئ المكان
لتقول بعد ان توقفت وببسمة خبيثة متحدية
“سنرى بشأن ذلك يا …حفيدتي”
خرجت الإمبراطورة ومشت في الممرات رفقة حارساتها ببطئ وكانها تتعمد ذلك لتسمع صوت الضرب الذي تتلقاه حفيدتها
“وماذا عن تلك الحارسة البيضاء؟!”
“نعم..لم تقل شيئا انها صامتة تتلقى العقاب وكأنها فخورة بما اقترفته”
“هه…فخورة؟! اتجرؤ على لعب دور البطلة المنقذة او ربما تظن ان الفرسان يجب ان يتصرفوا بعدل ونبل…هذا هراء!! “
ضربت بيدها الحائط الرمادي مسببة بذلك تكسرا طفيفا فيه
“لطالما كرهت تلك الحارسة….كان يجب علي قتلها
عوضاً عن ترقيتها!!”
بقوة سقطت على الارض بعد ان رمتها احدى الحارسات ببرود شديد وخرجت تاركتها في ذلك المكان الدائري الذي احاطته المدرجات
“ماذا استستسلم بعد يومين؟! تلك الحقيرة!!”
بغضب قالت ذات الصفراوتين
صوت ارتطام تردد الى مسامعها جعلها ترفع تدير بوجهها بتعب
كان هناك رجل مرمي وبحالة مزرية حتى انها لم تعرفه بالبداية حتى انطلقت منها صرخة اعربت عن تعرفها عليه فلم يكن سوى والد ابنتها وحبها الوحيد
“ريستوس!! “
صاحت تزحف نحوه ملونة مسار زحفها بالدماء
“ريستوس!! “
بعد ندائها الثاني استجاب لها فاتحا عينيه ورافعهما بصعوبة
فا…وانيا..فاوانيا!!
بصدمة حدق بها وهي في تلك الحال ودن ان يدرك وجد نفسه يزحف نحوها
“سيدتي…هل نبعدهم؟!”
“كلا”
اردفت الامبراطورة باسمة وبجوارها جلست امرأة
تشبه فاوانيا كثيرا ولم تكن اي امراة بل كانت امها
ببرود القت نظراتها على ابنتها وقد كانت تلك المظرات تحمل التقزز فيها
بعد ان انهكا انفسهما بالزحف ضم ريستوس فاوانيا بصعوبة في حين انهارت باكية معانقته بقوة
“انا…اسفة….”
نطقت بذلك بصعوبة جاعلة اخر قوة لديه تتلاشى لينهار باكيا حزنا عليها ناظرا بسخط للجالسات هناك وتحديدا للامبراطورة التي كانت تبتسم مستمتعه وكأنها تشهد عرضا ترفيهياً
“اوه انظروا كيف يحدق بي هذا ممتع…”
“سيدتي يبدو ان الاميرة ستموت قريبا”
ابلغت واحدة من الحارسات قائلة لتتحرك الامبراطورة معطية الاشارة للحارسات
نزلت واحدة من الحارسات ومشت الى حيث الإثنان وامسكت بفاوانيا من شعرها مبعدتها عن ريستوس
حاول ريستوس الحراك جاهدا وفقط عندما ظن انه سيقف تلقى ركلة في وجهه
“ريستوس!!”
صرخت فاوانيا وبدات زحفها مجددا بيأس وقد اعمتها دموعها
منظر السيف وهو يرفع امامها جعلها تشل تماماً
س…ستقتله…ر..ريس..
وقفت الإمبراطورة بتفاجئ وهي تشاهد تلك الفارسة وقد اصبحت تمثالا في لحظة
“اقتلوه حالاً”
صاحت بأمر غاضبة فلايبدو ان ماتراه يروقها
وسرعان مانزلت حارسة لهم واستلت سيفها
“لن اسمح لك!!”
رفعت يدها بغية ايقاف الفارسة لكن سرعان ما تم ربط ايديها بقوة بسلسلة فضية وقرب الامبراطورو وقفت تلك الام رافعة يدها تنظر لإبنتها ببرود شديد
“لاتنظري اليها هكذا بل انظري خلفك فهناك منظر اجمل”
جحظت اعين فاوانيا لتدير وجهها ببطئ وقلبها ينبض بسرعة
ر…ريستوس
ملئ صوتها الباكي والمرتجف المكان بعد رؤيتها له ممددا على الارض بلا حراك وبجواره القي السيف بعد ان تلون بالاحمر
مع تحررها من القيود لم تفعل فاونيا شيئاً غير البكاء والنحيب بينما تسعل مع شهقاتها
لانحيبها ولامنظرها المزري ولا دماؤها التي انتمت بها لهن شفعت لها بل نظرن لها بعيون ميتة نظرة
اخيرة قبل يتحركن للمغادرة
ام تخلت عن ابنتها بدم بارد بل لم تتوسل او تتوسط لبنتها فكيف للجدة ان تشفق ومن وضعتها
لم تهتم ولوقليلا
“صوتها مزعج جدا…”
“لانقلقي يا امي لن يستمر لوقت طويل مع نزيفها هذا “
تبسمت الإمبراطورة على ماتسمع وبدت فخورة
بينما تسير خارجة من ذلك المكان
في ذلك القصر الكبير راقبت ليديا والدها وهو يتقدم نحو والدتها حاملاً بيده هدية ثم جلس على الاريكة جاعلاً فانيسا الواقفة تجلس بجواره باسمة متيقنة بأن الهدية خصصت لها
فتحت فانيسا الهدية بعد ان تناولتها من زوجها بإبتسام لتفتحها ببطئ فكانت قلادة بلون بنفسجي فاتح
“انها جميلة جداً شكرا لك”
محتضنة زوجها قالت ذلك جاعلته يبتسم ويبادلها العناق ثم ابتعدا بعد لحظات وهم يساعدها في ارتداء القلادة
“لقد ماتا في النهاية…”
نطقت ذات النيلي بذلك بدون ان تشعر ثم همت تصعد السلالم
“ضحت الام بإبنتها واخفت الأميرة الحمقاء القوية طفلتها ومات الاب دون ان يعرف ما حل بابنته التي اصبحت في ثانية يتيمة الوالدين”
تمتمت بذلك ثم وقفت في منتصف طريقها على السلم ملقية نظرة اخيرة على والديها
“اذا كانت قصتك حقيقية فأمل ان الزمن انتقم لكِ
يا من عثرتُ على قصتها في منامي”