صِراعُ المُلوك - 3
~~~
{ منظور شيريو }
“للأسف لا أستطيع قول نفس الشيء لك، الآن اذهب للجحيم!” تحدث كورو دامون موجهًا كلامه لي.
دون الحاجة للرد عليه؛ قمتُ بإحكام قبضتي على سيفي الضخم، وضعتُ القليل من المانا في المقبض، ثم قمتُ بتغطية النصلِ بمانا نقيَّة لإضافة الصلابة لسلاحي.
بعد تِكرار هذه العملية لعدة مرات؛ شعرتُ بثقل سيفي يزداد تدريجيًا، لكن وبفضل جسدي المدرب بإحكام كنتُ قادرًا على حمله دون مشاكل.
الشرارة الناتجة عن تصادم أسلحتنا صنعت تذبذبًا قويًا في المانا الموجودة حولنا، ما كان كافيًا لشقِّ الأرض من تحتنا، كما ساهمت في اقتلاع عدة أشجار وتناثرها في الهواء، وبعد التصادم معه وجهًا لوجه أدركتُ شيئًا مهمًا.
‘كورو دامون’ هو وحشٌ حقيقي!
شعرتُ بتكوُّن ابتسامةٍ خبيثة على محياي، على الرغم من الضغط القادم من هذا الرجل المُهيب؛ لم أكن قادرًا سوى على الابتسام.
“ألا يلقبونك بـ ‘النائب الأقوى’ أيها القاتل الصامت ؟” سألتُه.
“شيءٌ من هذا القبيل” ردَّ بكل هدوء.
قمتُ بوضع ثِقل جسدي بأكمله في سيفي، وضغطت به على نصل خناجره لِأقذفه بعيدًا، بحركةٍ سريعة قام كورو بإطلاق زوبعةٍ من الرياح من راحة يده اليمنى، لمنع اصطدامه بالأشجار المتواجدة خلفه.
هدوءه وحِكمته، بالإضافة إلى خبرته القتالية الطويلة كمروِّض وحوش، وأيضًا كقاتلٍ محترف، كلُّ هذا مُزِجَ مع موهبةٍ فطرية في التحكم بالمانا، وأيضًا عبقرية مذهلة في ساحة المعركة!
‘الرجل القادر على فعل كل شيء’ هكذا يُعرف النائب الأقوى لِفرق الوحوش ‘كورو دامون’.
بعدما قُذف كورو بعيدًا، تدارك الوضع وتوقف قبل اصطدامه، ودون أي هدوءٍ للحظة، قام بتعزيز عضلاتِ قدمه بالمانا، واندفع بكل ما يملك نحوي محاولًا تقليل المسافة بيننا، رفع يده اليمنى موجهًا طعنةً نحو فخذي الأيمن، لكن وقبل وصول خنجره لقدمي قمتُ برميِ سيفي في الهواء، جمعتُ المانا في قبضتي اليمنى، وقمت بتوجيه لكمة نحو رأسه الذي كان بالفعل عند مستوى سرَّتي تقريبا.
وقبل اصطدام قبضتي برأسه، قام بإطلاق زوبعةِ رياحٍ صغيرة من راحة يده اليسرى التي كانت تمسك بأحد خناجره، بطبيعة الحال قذف الخنجر بعيدًا، لكن بفضل تأثير زوبعة الرياح كان قادرًا على لَفِ جسده لليمين متجاوزًا لكمتي بكل مرونة.
لم يكتفي بهذا فقط بل قام أيضًا بطعن فخذي الأيسر بخنجره المتواجد في يده اليمنى، ثم تراجع.
قد يبدو الأمر بسيطًا عند شرحه بهذه الطريقة، لكن مجرد وصوله لهذا الحل السريع بالإضافة إلى قدرته على تنفيذه بالدقة والسرعة المطلوبَين؛ أمرٌ دلَّ على مدى خبرته الطويلة في ساحات المعركة.
فقط ما مدى التطور الذي قد يصل له هذا الفتى في المستقبل!!
“في حين أن الأغلب سيضع كامل تركيزه في تعزيز رأسه بالمانا، قمتَ أنتَ بتجنب الهجوم، والأدهى من ذلك، أنك قمتَ بتحويله لموقفٍ هجومي لصالحك، فقط ما مقدار ثقتك بنفسك أيها الغر؟!”صرختُ بعد التقاط سيفي.
“هذا هو الفرق بيني وبين الأغلبية التي ذكرتها، هم يفكرون في تجنب الأضرار بينما أفكر أنا في القيام بها.” تحدث خصمي بثقة مُطلقة تلمعُ في عينيه السماوية، بعد تشكُّل ابتسامة فخورة على محياه.
الجرح الموجود في فخذي لن يُشكل الكثير من المشاكل، خاصةً أنه محض جُرحٍ سطحي، لكن عليَّ صنع ثغرة لإصابته، غير ذلك؛ سيتحول الأمر لقتال وحوش وهذا شيء لا أظنني قادرٌ على الفوز به.
لكن وبغضِّ النظر عن هذا، قتال كُلٍ من كورو دامون، آريا، وأيضًا زينو الذي وبكل تأكيد لم يتأثر بالهجوم السابق، قتالهم جميعًا دفعةً واحدة لهو انتحارٌ تام.
كل ما يمكنني القيام به في الوضع الحالي هو انتظار الدعم من آرثر.
اندفعتُ ناحية كورو ممسكًا سيفي في يدي اليمنى، بحركة خفيفةٍ من رسغي الأيمن؛ لوحتُ بسيفي بغيةَ قسمهِ لنصفين، لكن وكما توقعت؛ ردَّات فعله الجنونية تكفلت بصدِّ هجومي العشوائي، قام برفع ذراعه الأيسر والذي حمل خنجره لإيقاف سيفي ليُنتجَ نفس التصادم المعتاد بنفس الشدة.
من البداية لم يكن هدفي من هذا الهجوم سوى منعه من الهجوم عليَّ بشكلٍ أساسي، ثم القيام بهجمةٍ خاطفة نحوه.
جمعتُ المانا في ذراعي اليسرى وقمتُ بتحويل المانا المُجمعة لنيران حمراء، ألسنة النيران التي غلَّفت ذراعي وحولتها لمصباحٍ لامع وسط هذه الغابة المظلمة.
شددتُ قبضتي وقمتُ بتوجيه لكمةٍ سريعة باتجاه معدته، وبالطبع مع عدم وجود أي وقتٍ متاح له للقيام بأي حركات مجنونة، وتخلِيه عن خنجره في الهجوم السابق، لم يكن أمامه سوى تلقي الضربة بأقلِّ الأضرار الممكنة؛ لذلك قام بتكوين جدارٍ سميك من المانا في المكان الذي توجهت قبضتي نحوه.
نتيجةً لهجومي قُذِف كورو بعيدًا في الهواء، حتى اصطدم بشجرةٍ عملاقة، ونتيجةً لهذا الارتطام القوي، قُسِمت الشجرة لنصفين.
وجهتُ نظري نحو آريا التي ظلَّت صامتة دون أي رداتِ فعلٍ على مدار هذا القتال، نفس النظرة الواثقة التي اعتلت وجهها لم تتغير بالطبع، أعينها البنفسجية حملت نفس البريق المعتاد، هي تقف هناك دون أيِّ خوفٍ أو تردد، وكأنها متأكدة أنني لن أقوم بمهاجمتها، أو أنها واثقة من أنني لن أستطيع مهاجمتها.
“لماذا أنا متأكدة من عدم هجومك عليَّ؟” تحدثَت آريا بعد إطلاقها لضحكة خفيفة.
“السبب الوحيد الذي يجعلني هادئة هو أنك تمتلك أشياء أخطر بكثير للتركيز عليها، فمثلًا… الوحشُ المتواجد هناك.” أنهَت حديثها بإشارةٍ من سبابتها اليمنى نحو مكان تواجد كورو.
بمجرد انتهاء آريا من حديثها، التفتُ للتركيز على كورو مرة أخرى، ولكن وقبل حتى أن أدرك كان كورو في منتصف الهواء، أمام عيني مباشرة!
قطراتُ الدماء التي تدلت على وجهه البيضاوي، بالإضافة إلى ملامحهِ الحادة وأعينه الضيقة، كلُّ هذه الأمور أعطت وجههُ طابعًا مرعبًا، ممسكًا بكِلا خناجره، كان كورو بالفعل عِند مستوى رأسي، جسده المَرن الذي وهبه الحرية المطلقة في الهواء، بالإضافة إلى هيئته المُبهرة في الجو، كل شيءٍ كان مثاليًا له.
في تلك اللحظة كان ذهني صافيًا بشكل لا يصدق، وكأنني أراقب المشهد من بعيد، لقد استطعت رؤية نصل خنجره يكاد يمزق مقلة عيني اليمنى، أمام عيني لقد رأيتُ الموت، والأكثر إحباطًا من كل هذا؛ أنني لم أتجاوز الأمر بفضل قوتي، بل كان بسبب الضغط الوحشي الذي تجاوز حتى ضغط هيدس، قوةٌ مطلقة هزَّت غابة الوحوش بأكملها، جميع الوحوش المتواجدة في المكان فرَّت ناجيةً بحياتها، الأشجار بدت وكأنها تريد اقتلاع جذورها والهرب بعيدًا، الرياح العتية التي هزَّت أرجاء غابة الوحوش؛ بدت وكأنها مستعدة لتحقيق رغبة الأشجار المُرتعدة.
وجودٌ مستنزفٌ للحياة، هذه ماهية هذا الشيء الشنيع الذي كاد يقسم السماء والأرض، حتى ‘كورو دامون’ تراجع بشكلٍ غريزي قبل قتلي، بِفَضل هذا الضغط الوحشي أنا نجوت.
“القائد؟!” سألت آريا وقد حملت ملامحًا متفاجئة لأول مرة منذ بداية هذه الليلة المجنونة.
“أن تجبروا القائد على الوصول لهذا الحد، لستم سيئين يا رفاق!” دخل صوتٌ غريب المحادثة بشكلٍ تلقائي.
زينو!
لقد عاد ذلك الغبي أسرع مما توقعت، لقد حرصتُ على قذفه أبعد ما يمكن لإجباره على التأخر.
بالكاد كنتُ قادرًا على كبح جماح كورو وحده، الآن وجود زينو سيكون شاقًا للتعامل معه.
“كما قلتُ سابقًا هم ليسوا مجرد حمقى.” رد كورو بكل ثقة.
أهو حقًا بهذه القوة؟!
مروض مَلِك التنانين ‘رايدن’ أي نوعٍ من الوحوش هو ذلك الشخص؟!
ما لاحظته كان الابتسامة التي تشكَّلت على وجوه ثلاثتهم، وكأنهم غدوا واثقين من نصرهم، لكن وعلى الرغم من ذلك، لم يكُن هذا هو ما جعلني غاضبًا، جُلُ ما صببتُ غضبي عليه كان شيئًا واحدًا فقط.
أين هو ذلك الوغد آرثر بحق؟!
بتواجد آرثر على الأغلب سنسطتيع هزيمتهم، لكن أولًا على حضرتهُ الحضور!
سألكمه، أقسم أني سألكمه بكلِّ قوتي عندما أراه، بينما أنا أصارع للبقاء هنا ذلك الوغد على الأغلب لازال يأكل تحليته في مكانٍ ما في هذه الغابة اللعينة.
بينما أنا مشغولًٌ بشتمِ ذلك الوغد آرثر، هوجمَت حواسي مرةً أخرى، لكن هذه المرة كان الأمر مختلفًا.
وكأنه يردُّ على الضغط المتوحش السابق القادم من رايدن، فجأة وعلى عكس ضغط رايدن الذي كان فقط يضغط الهواء بشدة، قام هذا الشخص بتحطيم كل شيء بمجرد حضوره فقط.
الوحوش التي قد بدأت بالفرار عند تعرضها لضغط رايدن قد فقدت وعيها بالفعل، الرياح الهائجة والتي كانت على مقربةٍ من اقتلاع الأشجار سابقًا قامت بمحقِ كلِّ مظاهر الحياة الموجودة في المكان.
“مستحيل!! لماذا هذا الرجل هنا؟!” صرخ زينو مملوءًا بالفزع.
“أهم حقًا أقوياء لدرجة حضوره إلى هنا؟!” تحدثت آريا بينما كانت تحاول مقاومة الضغط المتوحش الذي حطم كلَّ شيءٍ حولنا.
كان وجودًا لا يُمسُّ ولا يُقهر، أقوى ضغطٍ تعرضتُ له في حياتي، خلفي يوجد شيءٌ حالك الظلمة، شديد القوة، منيعٌ مطلق، شيءٌ لا يجب أن أعبث معه، شيءٌ لا يمكنني العبث معه.
الوجود الأقوى بين الجميع، حتى بين الوحوش الأسطورية هذا البشري أكثر رُعبا وفتكًا من أي وحشٍ رأيته، أو حتى سمعت عنه من المغامرين، القراصنة، وحتى بين صفحات الكتب، التاريخية منها والخيالية، لا شيء مقارب لهاذا الشخص، لا توجد كلماتٌ قادرة على وصف مدى رعب هذا الوجود، أكادُ أجزمُ أنه حتى وبين المسارات المظلمة، هذا الشخص أشدٌ رعبًا منهم جميعًا، كلُّ خلية في جسدي تطلب مني الهروب من هنا، لكن ما جعلني أقمعُ هذه الرغبة الشنيعة بالهرب هو تساؤلٌ بسيط.
أيوجد حقًا مكانٌ يمكنني الهرب إليه؟
جمعتُ كل ذرة من المانا المتواجدة في جسدي، قمتُ بتغطية جسدي بالمانا محاولًا مقاومة الضغط المدمر الساقط علي، بعد نجاحي في القيام بهذه العملية بشقِّ الأنفس، استطعتُ الالتفاف للخلف نحو مصدر هذا الضغطِ المُهيب.
استمريتُ برفع مجال رؤيتي للسماء حتى رأيته!
لم تمتلك عضلات قدمي القدر الكافي من القوة للوقوف أمام هذا الرجل، وفي حضوره عجزتُ عن الحركة.
ظلامٌ حالك، وكأنني أقف أمام الظلمة في حد ذاتها، بشعره الأسود الذي وصل لمستوى كتفه تقريبًا والذي تدلت منه بضع خصلاتٍ على جبهته، بأعينٍ حالكة السواد لكن في نفس الوقت كانت وكأنها مرصعةٌ بالنجوم، توسط الوجود الأعلى السماء بكل فخر وثقة، غير مبالٍ بأي شيء حوله، وبكل غرورٍ وكِبرْ يقف متباهيًا بنفسه، بابتسامةٍ بلهاء نَمَت عن عدم مبالاته لأيِّ أحد، لم يُكلف نفسه عناء إمساك سيفه حتى.
ما رأيته كان مهيبًا، مبهرًا، عظيمًا، أيضًا قويًا بشكلٍ لا يمكن للكلمات أن تصفه، الرجل الأهم في عالم الوحوش، ملكُ الوحوش المُطلق، الرجل الأقوى في العالم ‘سيروس روديون’ قد حضر!