أنا وحيدٌ مع قلمي - 2
التقاطع الذي مات عنده لؤي كان يبعد مسافة خمس دقائق عن البيت :
– “ماذا حدث له ؟؟!!” صرخت الأم في وجه يوسف الذي دخل حاملًا أخاه بين ذراعيه الباردتين و وجهه شاحب.
رد عليها بصوت مرتجف : “أنا أعتذر لم يكن قصدي أقسم لكِ !!”
– “لكنك قلت سابقًا بأنك لن تتركه !!” ردت الأم .
– “لم أك ااا أكن أأعلم .. لم أنتظره ؟ لا لا لم أرَه !! أجل لم اره !!.. أو كلا !! لم أخذه للمستشفى أتيت به مسرعًا إلى هنا !!.. أجل لقد أنقذته !! سيعيش !!.. أنا آسف .. لا ..لم أكن أعلم !!”
ضربته أمه ليخرس، وأخذت من بين يديهِ لؤيّ مسرعةً نحو جارهم ليأخذهما إلى المستشفى بسيارته .
وجدت مجموعة من الناس المُشوَّهة وجوههُم بفعل ضربات : “أين ذلك الأحمق عديم الفائدة !!”
تجاهلتهم الأم وذهبت نحو جارها وطرقت الباب بقدمها بقوة ليخرج .
وصلوا إلى المستشفى وأدخلوا لؤي لغرفة الطوارئ .
استغرق الأمر دقائق معدودة ليخرج الدكتور من الغرفة مصحوبًا بأخبار مفجعة .. لقد مات لؤي .
إلا أن هذه الدقائق كانت كالصهارة التي تجري ببطء خلال وسط معين .. خلال قلب يوسف . نصف جسده ملطخ بالدماء، نصفٌ يصرخ بداخله ونصف يخفت صوت الصراخ إلى الصفر .
إنها نهاية الأمور .. البعض يتقبل والبعض الآخر يرفض التقبّل .
– “أنت السبب !!” أشارت الأم إلى يوسف بعينها الملطخة بسواد مساحيق التجميل التي سالت على وجهها لِما ذرفته من دموع.
رد عليها يوسف بالسكوت التام .
– “سيأتيك مني عذاب عظيم!!” ثم أخذت تضربه بقوة .
طوال مدة ضربها لابنها، لم تصدر منه ردة فعل واحدة حتى، فقد كان غارقا في برزخ مشاعره .
مضت ثلاثة أيام على وفاة لؤي، وطوالَها لم ينطق يوسف بحرف.. كان يتلقى الضرب من أمه وأبيه، يحرك رأسه ليعبر عن القبول أو الرفض، يمضي أمسياته وهو يفضفض لصديقه “قلم” عبر تطبيقات التواصل الذي التقى به عند الحادث وقام بمساعدته في إبعاد الناس عن أخيه .
– يا قلم هل حقًا ستبقى صديقي إلى الأبد ؟
– بكل تأكيد !! لِمَ هذا السؤال ؟!
– لكي أتأكد .
– هممم، فهمت .
– أجل، أنا أحبك يا صديقي .
– وأنا لن أتركك وحيدًا .
عم الصمت قليلًا ثم كتب قلم :
– اعذرني يا صديقي علي الذهاب الآن .. أريد أن أستحم قبل نومي لأدفئ قليلًا.
– إذن الوداع يا صديقي .
حل الصباح وذهب يوسف ليستحم مثل كل يوم، وحيدًا في بيت عائلته كان يمشي متكئًا داخل منزله، متخاذل الخطى كأنه فقد روحه و جسده يقُدُّ الهواء بِلا وجهة .
– “لماذا اِبنك يستحم قبل نومه وبعد استيقاظه ؟!” سأل الأب.
– “ما بك عزيزي؟ لم يستحم يوسف الليلة الماضية ولا التي قبلها” ردت الأم .
– “أظن أن الديون جعلتني أحلم أحلام غريبة .. لأني رأيته في أحد أحلامي السابقة يدخل حوض الأستحمام ثم دخلت معه العديد من البوم” .
– “هل تعتقد أمرًا سيئا سيحصل له؟!”
– “لو كان كذلك لحدث معه منذ وفاة أخيه !! اِنسي أمره الآن .. هل تعلمين بأني شاركت في تداول جديد ؟؟!” سألها مبتهجًا .
– “كلا !! ولا أريد أن أعرف !! هل تعلم كمية ديونك أيُها الزوج الغبي ؟! تشارك باستمرار ثم تخسر !! إلى متى ستبقى هكذا وتغرقنا معك في أفعالك الغبية ؟!”
– “حذرتكِ يا امرأة سابقًا من هذه الردود !! اِذهبي لبيت أهلك فورًا! لا أريد رؤيتك مرة أخرى أبدًا !!” صرخ بها زوجها غاضبًا .
بصقت زوجته على وجهه وأخذت تُحمِّل حقيبتها بما تستطيع أن تأخذه من غرفتها .. ثم خرجت مسرعة .
– “يوسف !!.. اُخرج بسرعة وإلا سأقوم بكسر الباب فوق رأسك !!”
خرج يوسف رغم أنه لم يكمل بعد .. لم تمر سوى دقائق معدودة منذ أن بدأ، خرج مستعدًا لضربات أبيه ، حاول هذه المرة أن يقِي ظهره الممتلئ بآثار الضرب والتعنيف بواسطة يده .. أحكم الأب الإمساك بيده وقام بلويها بقوة ليصرخ من الألم الشديد الذي لم يعد يسعه احتماله .. حاول مقاومة أبيه لكنه لم ينجح بل تلقّى مزيدا من الضربات المبرحة .
– لماذا لم تبكي يا يوسف ؟! ألم أقل لك أنك بحاجة للبكاء ؟ رد قلم على فضفضة يوسف .
– لم أستطع .. حاولت كثيرًا ولم يخرج سوى الصراخ الذي يكرهه الناس !!
– أتمنى أني لو كنت بجانبك لأساعدك فعلًا وليس قولًا بالكثير من التوجيهات .
– لا بأس يا صديقي قلم، وجودك يسعدني .. وكلماتك دائمًا تعانقني … دائمًا !!
حل الصباح التالي بهزات قوية شعر بها يوسف .. ليستيقظ مرتعبًا :
– “ماذا يحصل ؟!”
– “إذاً لسانك لم يقطعه أحد يا فتى “. رد عليه أبيه الواقف عند رأسه .
– “أنا آسف يا أبي لأني لم أستيقظ مبكرًا ولم أستحم مثل ما أخبرتني” .
– “اِخرس !! الميت هو الوحيد الذي لا يشعر بالتابوت إذا اِهتز .. ما عذرك أنت أيّها الحي ؟! ثم لِماذا تستحم في الليل ؟!”
– “أقسم لك يا أبي أن الذي رأيته لم يكن أنا” . رد عليه يوسف وعيناه مثبّتتان بالأرض .
– “من كان إذاً ؟ هل هناك من يحاول سرقتنا ؟!”
– “أظن ذلك .. فأنا أحيانًا أشعر بأن هناك من يحرك اثاث غرفتي، لكني أصمت مدعيًا بأنها تخيلات أو أنا حركته وقد نسيت” .
– “وهل رأيته ؟!”
– “كلا لم أره من قبل” .
– “سأضع كاميرا مراقبة وإن اتضح لي أنك تكذب فلن تسلَم مني! بل سأطردك لتلحق بوالدتك!” ، واصل الأب تحذيراته وتوعداته شاتِما ابنه وزوجته.