رماد الأمل - 1
الفصل الأول
“ثمانية أعوام قضيتها أسيرة في هذا الزاوية المظلمة، حيث لا يرافقني سوى شبح الوحدة . في ركني
الصغير خلف الأثاث الثقيل، حيث لا تسمع إلا هدير الرياح البعيدة وقطرات المطر و همهمات الناس في
الخارج .
أمي تأتي إليّ أحيانًا، تحمل قطعة من الخبز أو قصة قصيرة عن الخارج . لكن عينيها تحمل حزنًا
غريبًا، وكأنها تأسف على شيء ما، تستمر بتعليق آمالي على الخروج و تزرع بداخلي أحلامًا لحرية
هي من سلبتها مني .
أخي توقف عن اللعب معي منذ أن أتممنا الرابعة و صار يفضل الناس في الخارج ليلعب معهم بينما
أجلس انا هنا كأنني شيء محرم ، شيء لا يجب على الناس رؤيته .
أشعر وكأنني نبتة ذبلت في الظلام، تنتظر شمس الحب لتبعث فيها الحياة من جديد. هل فعلت يا ترى
شيء يجعلني أستحق العيش في هكذا ؟
هدئ الوضع بالخارج منذ عدة ساعات و أمي لم تأتي لإخراجي بعد ، عادة بمجرد أن يذهب الجميع تأتي
هي و تخرجني لتعلمني الأرقام و الحروف ، لكنها هذه المرة لم تفعل ، هي حتى لم تهنئني بيوم ميلادي
.
قطع الهدوء صوت أخي يناديني
– نجوى … نجوى
هل يريد اللعب معي يا ترى ؟
فتحلي أخي ليخرجني من قوقعتي الصغيرة و خلفه كان يقف رجل لا أعرفه ، اجتاحني الرعب من كون
ذلك الشخص رأني ، نبهتني أمي كثيرًا عن خطر ذلك ، حاولت اخفاء نفسي بأي شيء لكن عبثًا ، هو قد
رآني بالفعل
– هل انت نجوى
بقيت على صمتي
مد لي أخي نوريان يده قائ لًا :
– هيا نجوى عليكي المغادرة بسرعة
– أغادر !!! الى أين ؟ بالكاد امي تسمح لي بالخروج من المخبأ لاجلس في الكوخ و الان تريد
مني مغادرة الكوخ !!!
– نجوى أرجوك ثقي بي هذا العم سيساعدنا
امسكت بيد أخي الموجهة نحوي فسحبني مخرجًا إياي من جحري ثم حملني العم و ركض بي الى
الخارج و يان خلفنا ، كنت روحًا ولدت في الظلام و لم تغادره مطلقًا فكان لخروجي نكهة لم أشعر بها
من قبل ، احتضنتني أشعة الشمس بدفئها و أنستني كل ما تجرعته من ألم الوحدة طوال سنواتي الثمان .
ركضنا طوي لًا و الريح تداعب وجهي و مختلف المناظر تمر أمامي ، من الحقول الواسعة و المباني
الجميلة و الحيوانات الغريبة ، أشياء أخبرتني عنها أمي و …: أيها العم أين هي أمي ، هل ستأخذني
إليها ؟ لم يجبني ذلك العم لذا نظرت الى اخي علّني أحصل على إجابة ، فرأيت دموعه تنهمر على
وجنتيه ، مالذي يجري ؟ هل هو نوع جديد من الأسرار ؟ أكره الأسرار ، بعد أن ابتعدنا الى حيث كان
هناك العديد من العربات و الخيول توقفنا و وضعني ذلك العم في عربة مليئة بالمحاصيل ، نظر العم
الى اخي و قال له بحزم :
– لديك عشر دقائق فقط لتوديعها
ماذا تعني بتوديعي ؟؟؟ نظرت الى اخي الذي اقترب من العربة و أمسك يداي و قبلهما ثم بدأ يتحدث
بصوت تخنقه الدموع :
– نجوى … أمنا .. أمنا كانت فارسة عظيمة يا نجوى ، أمنا حاربت لأجل وطنها ولم يمنعها من
التضحية بروحها سوى حملها بنا ، أمنا لم تشارك في صفوف المعركة ضد الامبراطورية
لتحمينا ، وحين خسرت مملكتنا ذاقت أمنا حياة العبودية ، و أنجبتنا في الظلام ، هي كانت تعلم
أنها بهذا تورثنا العبودية ، و أن حياة العبودية شيء لن تقوى عليه الفتيات ، لذا أخفتك …
لطالما شعرت بالغيرة منك حين أراك مختبئة بينما أعاني انا من الأعمل الشاقة و التعذيب و
الذل، بينما تعيشين أنت في عالمك الخاص … أمنا اليوم يا نجوى فارقت الحياة ، و أنا هنا
لتنفيذ رغباتها ، انت لم تكوني سرًا بل كنتي أم لًا ، اهربي نجوى وعيشي حياة كريمة ، و انا
سأحصل على حريتي و آتي بحثًا عنك ، ” مهما كان العالم ظالمًا فهو لا يكفي اكسر إرادتنا ”
هذا ما قالته أمي .
لم أتمالك نفسي و بدأت دموعي بالانهمار لقد كان العالم أكبر من الحروف و الأرقام و أقسى من زاوية
مظلمة على طفلة وحيدة ، احتضنني أخي وكأنه يوصل إلي حضن أمي الأخير ، ثم تراجع بضع
خطوات الى الوراء وتحركت العربة مبتعدة ، هبت رياح شديدة حركت شعر أخي الطويل لتكشف عن
وسم العبودية على رقبته ، وكانت هذه المرة الأخيرة التي أراه فيها .
نحيب