ظلال البقاء - 2
الفصل الثاني: “الرحيل المفاجئ”
مع بزوغ الفجر، انتشرت أشعة الشمس الخافتة عبر النوافذ المتكسرة، لتبعث بعض الدفء في البيت المهجور. لكن مع ضوء النهار، يأتي أيضًا خطر التعرض لأي أحد يمر من هنا. سامر لم يكن يثق في أحد منذ فترة طويلة، والبقاء في مكان واحد لفترة طويلة كان يشبه إصدار حكم بالإعدام.
“علينا أن نتحرك قبل أن يشتد النهار”، قال سامر وهو يربط حقيبته الصغيرة على ظهره. كان قد قضى الليل في التفكير، والخطر من البقاء في هذا المنزل أصبح أكبر من الراحة التي وفرها لهم.
مالك كان نائمًا على الأرض، ملفوفًا في بطانية قديمة بالكاد كانت تحميه من البرد. سامر لم يرد إيقاظه لكنه كان يعلم أن الوقت ليس في صالحهم. وضع يده بلطف على كتف مالك وهزه برفق.
“مالك، حان الوقت للتحرك”، قال بصوت هادئ.
فتح مالك عينيه ببطء، ولم يكن مستعدًا بعد للرحيل. “أين سنذهب؟”، سأل وهو يفرك عينيه المتعبة.
“علينا أن نبحث عن مكان آخر. لا يمكننا البقاء هنا طويلاً. ربما نجد بعض الطعام أو الماء في المدينة القريبة”، قال سامر وهو يحاول أن يبدو مطمئنًا. لكنه في أعماقه لم يكن متأكدًا مما يمكن أن يجدوه هناك.
بعد أن جمعا أغراضهما القليلة، انطلقا في رحلتهما الجديدة. كان الطريق غير مستوٍ، مليئًا بالحطام والأشجار المكسورة التي سقطت بفعل الإهمال الذي حل بالعالم. بين الحين والآخر، كانا يسمعان أصواتًا بعيدة تشبه الصرخات، أو ربما كانت الحيوانات البرية التي بدأت تستعيد السيطرة على الأرض.
الطريق إلى المدينة كان طويلاً، وكان الصمت بينهما ثقيلاً. كل منهما كان غارقًا في أفكاره الخاصة. مالك كان يفكر في والديه، وكيف فقدا الاتصال بهما بعد أن بدأت الكارثة. لم يكن يعرف إن كانا على قيد الحياة، وكان ذلك يعذبه. سامر، من ناحيته، كان يشعر بالمسؤولية الثقيلة لحماية أخيه، حتى لو كان ذلك يعني التضحية بأي أمل في حياة طبيعية.
بعد ساعات من السير، بدت ملامح المدينة في الأفق. كانت المنازل والمباني تبدو كأطياف باهتة، وكأنها بقايا من عالم آخر. لم يكن هناك أي حركة ظاهرة، لكن سامر كان يعلم أن هذا لا يعني أن المكان آمن.
“ابق قريبًا مني. لا نريد أن نثير انتباه أحد”، قال سامر وهو يشير لمالك بالبقاء خلفه. دخلا المدينة بحذر، عيونهما تبحث عن أي علامة للحياة أو الخطر. الشوارع كانت مهجورة، النوافذ مكسورة، والسيارات التي تركت في منتصف الطريق قد غطتها الأتربة.
عند وصولهما إلى مركز المدينة، وجدا سوبر ماركت مهجور. الأبواب كانت مفتوحة على مصراعيها، وكأن أحدًا قد هجره في عجلة. نظر سامر حوله، ثم قرر الدخول.
“ابقَ هنا، سأدخل وأتفقد المكان”، قال سامر بحزم، لكنه كان يعرف أن ترك مالك وحيدًا لفترة طويلة سيكون خطرًا أيضًا. “في الواقع، تعال معي، لكن ابق خلفي.”
دخلا السوبر ماركت بحذر، الأرض كانت مغطاة بعلب الطعام الفارغة، والزجاج المحطم. الرائحة كانت كريهة، مختلطة بين العفن والقمامة المتعفنة. لكن سامر لم يهتم، كل ما كان يهمه هو العثور على أي طعام أو ماء.
“أبحث في الأرفف الخلفية”، قال سامر وهو يشير إلى مالك.
بينما كانا يبحثان، سمعا فجأة صوت خطوات قادمة من جهة المدخل. تجمدا في مكانهما، وأوقفا أنفاسهما. الشخص الذي دخل لم يكن واضحًا في البداية، لكن سرعان ما اكتشفا أنه رجل مسلح يحمل بندقية على كتفه.
سامر بسرعة أشار لمالك بأن يختبئ خلف الأرفف، بينما هو تحرك ببطء نحو زاوية في محاولة لتقييم الموقف. الرجل بدا وكأنه يبحث أيضًا عن المؤن، ولم يلاحظ وجودهم بعد. لكنه كان يتصرف بعصبية، وكأن هناك شيئًا يطارده.
“نحن بحاجة إلى الخروج من هنا بهدوء”، همس سامر وهو ينظر إلى مالك الذي كان يرتجف خوفًا.
ولكن قبل أن يتحركا، حدث ما لم يكن في الحسبان. الكلب الذي قابلهما في الليلة السابقة دخل المكان، وكأنه كان يتبعهما. بدأ بالنباح بصوت عالٍ، ليكشف وجودهما للرجل المسلح.
التفت الرجل بسرعة، ورفع بندقيته باتجاههما. “من هناك؟!”، صرخ بصوت عالٍ مليء بالخوف والغضب.
سامر رفع يديه ببطء، محاولًا تهدئة الوضع. “لا نريد مشاكل. نحن هنا فقط للبحث عن الطعام، مثلك تمامًا.”
لكن الرجل لم يكن مهتمًا بالسلام. “تبا لكم! الجميع يحاولون أخذ كل شيء!”، صرخ وهو يقترب منهما بخطوات متسارعة.
في لحظة، تحول الموقف من مجرد مواجهة إلى صراع من أجل البقاء. سامر كان يعلم أنه لا يمكنه القتال ضد رجل مسلح، لكن الهروب أيضًا لم يكن خيارًا مع مالك خلفه.
“مالك، اركض!”، صرخ سامر بينما اندفع نحو الرجل محاولاً انتزاع السلاح منه.
في لحظة من الفوضى، سقطت البندقية على الأرض، وتحولت المعركة إلى صراع بالأيدي. كان سامر يقاتل من أجل حياته وحياة أخيه، لكن الرجل كان أقوى وأكثر عنفًا.
في النهاية، وبعد صراع مرير، تمكن سامر من إلقاء الرجل على الأرض والهروب مع مالك. كلاهما كان يلهثان من التعب والخوف، ولم يتوقفا حتى ابتعدا عن المدينة تمامًا.
عندما وصلا إلى مكان آمن نسبيًا في الغابة المجاورة، جلسا على الأرض. كان جسد سامر مليئًا بالكدمات والجروح الطفيفة، ومالك كان يبكي بهدوء.
“هل أنت بخير؟”، سأل سامر وهو يمسك بكتف أخيه.
هز مالك رأسه بالإيجاب، لكنه كان لا يزال مرتجفًا. “هل… هل سنظل نعيش هكذا؟”، سأل بصوت متهدج.
سامر لم يكن لديه إجابة هذه المرة. العالم كان يتحول إلى مكان أكثر خطورة كل يوم، ولم يكن هناك أي مؤشر على أن الأمور ستتحسن. كل ما كان يستطيع فعله هو مواصلة السير، ومحاولة النجاة يومًا آخر.
“سنستمر”، قال سامر أخيرًا. “سنجد طريقنا، مهما حدث.”
في ذلك اليوم، فهم سامر أن الرحلة لن تكون سهلة، وأنهما سيواجهان تحديات أكبر من مجرد البحث عن الطعام والماء. العالم الجديد كان مليئًا بالناس اليائسين، الذين قد يفعلون أي شيء للبقاء على قيد الحياة.
———————-