غريب مألوف - 2
اتصلت بمساعدي لدى عودتي إلى المنزل.
” إيدن، أريد طلب خدمة منك.. ”
أخبرته أن يعيد الإسمنت وطلبت منه أيضاً أن يحضر لي كل ما يعرفه من معلومات عن رجل الظل.
عند استيقاظي في الصباح التالي كان هذا البطل يقف أمام باب منزلي.
” صباح الخير سيدي الكاتب ألا يمكنك إخباري بمعلومة أخرى مفيدة تساعدني في التحقيق عنك.. لم أستطع النوم البارحة من التفكير في الأمر ”
ابتسمت وأدخلته.
” هل تناولت الإفطار؟ لا أظن أنك قد ترغب في كوب من القهوة ”
دخل الشاب وأخذ يعبث في أنحاء المنزل.
” لا أحب القهوة وثم لست معتادًا على تناول الإفطار أنا أتخطاه عادة.. ”
توجهت نحو المطبخ لتحضير بعض الشطائر الخفيفة.
” لا يجب أن تتخطى وجباتك في هذا العمر عليك تناول طعامك جيدًا أيها الشاب ”
كان مطبخي مفتوح على الغرفة واستطعت رؤيته يمرر إصبعه على عناوين الكتب في المكتبة.
” اسمي إيروس، بالمناسبة أنت تملك العديد من الكتب، يا لك من مجرم مثقف ”
أمسك بالكمان من على جانب مكتبي وعبث بالأوتار قليلًا.
” وغريب الأطوار أيضًا.. ”
حدقت فيه من مكاني.
” حسناً يا إيروس أتريد كوبًا من الحليب أم عصير البرتقال؟ ”
” لا أملك رغبة في تناول الإفطار لكن شكرًا على العرض سأفضل عصير البرتقال، بالمناسبة أنت لا تملك صورًا في منزلك، هل لديك أطفال يا سيدي الكاتب؟ ”
ابتسمت بينما أنظر إليه.
” نعم لدي ابن لا يزال في الخامسة بالنسبة لي ”
حدق بي بينما يمسك بقلم حبر أسود من على المكتب.
” ماذا عن زوجتك؟ ”
توقفت أثناء تقطيع الخضار.
” لقد توفيت منذ وقت طويل ”
” أنا آسف لم أكن أعلم.. ”
وقع صمت محرج لفترة لذا غيرت مجرى المحادثة.
” إن كنت قد انتهيت من التطفل فتعال واجلس لتناول الإفطار ”
أظنه شعر وكأنه تحدث عن شيء لم يجب عليه قوله لذا جلس على المائدة بصمت وأخذ يتناول طعامه بهدوء.
ملأت كوبًا بالعصير ووضعته بجانبه.
” ماذا عن الإسمنت هل استلمته؟ لقد اتصلت بمساعدي البارحة ”
” هل كان ذلك الرجل مساعدك؟ هل هو شريكك في الجريمة؟ هل أحقق عنه كذلك؟ ”
” لا تتعب نفسك إنه رئيس شركة هاين وهو صديقي فقط وليس شريك جريمة ”
نظر إلي بعيون واسعة.
” شركة هاين الكبرى تلك؟ أتقصد أنه كان رئيس واحدة من أكبر الشركات التجارية؟ كان عليك إخباري مسبقًا فأنت لن تتم خدمتك من قبل رئيس كبير كل يوم..! ”
صمت لبرهة وأخذت أتناول الإفطار لكنه تذمر فجأة.
” منزلك لا يساعد، لا يوجد شيء مثير للشبهة هنا يا سيدي الكاتب لم لا تخبرني بجريمتك وتقلص علي الجهد والوقت..؟ ”
” هذا عملك أنت يا مقتحم المنازل ”
” كنت أخطط لتفتيش منزلك عند عدم تواجدك لكنني ظننت أنه حتى وجودك لن يشكل فارقًا على أي حال لن يكون الأمر ممتعاً إذا أخبرتني، علي البحث عن الأمر بنفسي.. ”
أخذ يحدق بالشطيرة بعصبية.
” لكن لماذا تجيد الطبخ هكذا..؟ ”
” لقد صنعتها سريعًا لكنني سعيد أنها تعجبك، هذا دليل على أنه عليك التوقف عن تخطي وجبات الإفطار كل يوم ”
” امم أنت محق.. ”
هب واقفًا فجأة وهو ينظر إلى ساعة معصمه.
” يا إلهي لقد تأخرت..! كل هذا بسبب الإفطار لم هو جيد هكذا لقد تأخرت بسببك يا سيدي لكنني سأعود مجددًا لتفتيش بقية المنزل..! ”
صنع جلبة عالية في طريقه وأسرع بالخروج تاركًا الباب مفتوحًا ثم عاد مجدداً وأغلقه.
هل جميع الشباب هذه الأيام يقتحمون المنازل هكذا…
أكملت إفطاري ونظفت الأطباق، كان علي الذهاب إلى عدة أماكن اليوم لذا أخذت معطفي وتوجهت نحو السيارة.
اشتريت بعض الأوراق والحبر، كنت قد قررت كتابة هذا الكتاب بنفسي بدلًا من طباعته.
بما أن هذه السطور تعتبر ربما آخر سطور قد أكتبها لذا فكرت أن أكتبها بنفسي ويمكنك رؤية أن خطي جيد ومرتب.
مررت بجانب رفوف أوراق الشاي واخترت الشاي الأزرق، كان إيروس لا يحب القهوة لذا اخترت أوراق الشاي فربما قد تعجبه إن جربها.
مررت من محل الأزهار وتوجهت نحو المستشفى.
” صباح الخير يا سيد أوزيل، لقد انتهيت للتو من فحصه اليومي يمكنك زيارته الآن اتبعني من فضلك.. ”
رحبت بي الممرضة وقادتني إلى الغرفة.
” هل يمكنك من فضلك وضع هذه الأزهار في إناء يا سيدتي..؟ ”
” أجل بالطبع، سأحضر الإناء ”
أمسكت الممرضة بباقة الأزهار البيضاء وخرجت من الغرفة.
” هل هذا هو السيد أوزيل؟ إنه حقاً يداوم على زيارة هذا الشاب ”
” أليس في غيبوبة منذ سن الخامسة، لقد مرت ١٧ سنة بالفعل ”
” أتمنى حقاً أن يستيقظ الشاب يوماً ما.. ”
سحبت مقعدًا وجلست بجانب السرير.
” كيف حالك يا لوكان؟ اشتقت إليك كثيرًا يا بني.. ”
مررت يدي على شعره البلاتيني، كان يرقد بهدوء على السرير وكان الصوت الوحيد في الغرفة هو صوت تنفسه الهادئ أو صوت الآلات الطبية بجانبه.
” أتعلم يا لوكان، لقد قمت بزيارة الطبيب مؤخرًا وأخبرني أنني أملك أيامًا معدودة للعيش، بصراحة لم أكن خائفًا ظننت دائمًا أن هذا الأمر سيحدث يومًا ما.. ”
أمسكت براحة يده.
” سآتي لزيارتك كثيراً مؤخرًاولن تشعر بالملل لوحدك هنا، لذا يا لوكان ألن تستيقظ لتوديعي؟ ربما سأرحل قريبًا.. ”
حدقت في وجهه الصامت وابتسمت.
” هل تعرف من قابلت بالأمس؟ إنه بطل شاب لكنه صاخب بشكل مثير للدهشة، إن سنحت لي الفرصة سأحضره معي في المرة القادمة.. لكن للآن لقد وجدت قصة رائعة لأقرأها لك يا لوكان ”
أخذت الكتاب من حقيبتي وأخذت أقرأ القصة للوكان كعادتي.
عدت بعدها إلى المنزل في المساء وحاولت البدأ في كتابة هذا الكتاب لكنني أفسدت خمسة أوراق دون نتيجة مرضية وتوقفت عند قدوم إيدن إلى منزلي.
أخذ يرتشف الشاي ويحدق بي بوجه مثير للشبهة.
” هذا غريب.. أنت تطلب معلومات عن أحدهم وتقرر ترك قهوتك العزيزة لتشرب الشاي هل أنت ربما قريب من الموت..؟ ”
ابتسمت وأخذت الملف الذي يحوي معلومات عن رجل الظل.
” لم أظن يومًا أنني سأقول نعم لهذا السؤال يا إيدن ”
” كنت أمزح، اعذرني أنا آسف.. ”
” إنه سرطان الرئة في مرحلته الأخيرة ”
تشوه تعبيره الهادئ ووضع كوبه جانباً.
” أنت تمزح.. ”
” لدي أربع أشهر متبقية كما قال الطبيب ”
كان يحدق بي بصمت.
” متى ذهبت إلى الطبيب؟ كيف حدث كل هذا فجأة؟ اوه يا أوزيل.. ”
ارتشفت الشاي بهدوء.
” ذهبت بالأمس ولا أعلم ايضاً متى بدأ الأمر لكنني كنت قد بدأت ببصق الدماء مؤخراً وهكذا.. ”
” تقول هكذا.. يا إلهي يا أوز أتعلم أنني أرغب بخنقك بيداي هاتين لماذا ذهبت بالأمس فقط؟ أتظن أن الأمر طبيعي أن تسعل دمًا؟ هل أخذت أدويتك؟ ”
فكرت قليلاً.
” لقد وصف لي الطبيب بعض الأدوية بالفعل، قال أنها ستعمل على تخفيف الألم وشيء من هذا القبيل.. ”
أمسك إيدن وجهه بين راحة يديه كعادته عند التوتر.
” ماذا عن العلاج؟ هل الأمر ميئوس منه حقًا..؟ أخبرني أستطيع البحث عن أفضل الأطباء والعلاجات الحديثة هل حقًا.. ”
ابتسمت فقط وأنزل هو رأسه.
كان هادئًا لبعض الوقت ثم نظر إلي.
” هل أنت بخير يا أوزيل..؟ ”
” هل لا أبدو بخير..؟ ”
” تبدو على غير عادتك، هل أنت في حيرة من أمرك؟ أظنك قلق.. ”
دائماً ما أجاد إيدن قراءة تعابيري وكأنني كتاب مفتوح أمامه.
” في الحقيقة أنا خائف وقلق بشأن ابني، ماذا سيحدث لابني بعد رحيلي؟ ماذا لو استيقظ لوكان؟ كيف سيعيش لوحده بحالته هذه..؟ بعد موت من اعتاد رعايته من سيهتم به وكيف سيقضي وقته لوحده؟ ”
تنهدت مطولاً.
ظننت أن الرحيل أمر سهل، مثل ترك كل شيء وأخذ استراحة طويلة إلى الأبد، لكن الآن عندما أفكر في الأمر إنه ليس سهلًا الرحيل بعيداً وترك أحبائنا ومن هم مقربون منا خاصة عندما نكون لا نزال نفكر بهم كأطفال صغار.
التفكير في تركهم وعدم القدرة على العودة إليهم.. كان الأمر يائسًا و مؤلمًا.
” لا تقلق بشأن ابنك، سأهتم بلوكان وكل شيء، سأرعاه كابني.. حتى لو استيقظ بعدها لن أدعه وحيدًا أبدًا، اترك أمر ابنك لي وفقط.. أرجوك في الوقت الحالي عش أيامك جيدًا وبحرية. أخبرني ماذا تريد أن تفعل.. سأفعل أي شيء، هل تريد فعل شيء ما؟ هل تريد الذهاب إلى مكان ما؟ هل تريد شيئًا؟ أخبرني سأفعل أي شيء تقوله ”
وضعت كوبي جانبًا.
” حقاً؟ تقصد أي شيء؟ ”
” فقط قل ما تريد.. ”
” إذاً أعطني سيارتك الرياضية ”
نظر إلي ببرود محطمًا صورة الصديق المهتم.
” لا تتجاوز الحدود ”
” اوه بجدية لا أحد يهتم لأمري بصدق سأموت مع حسرة عميقة وربما قد أحوم حول سيارتك بعد موتي ”
” هل تحاول ابتزازي عاطفيًا؟ ”
” نعم، أريد تحطيم تلك السيارة لا أستطيع تحمل النظر إلى لونها القبيح ”
تذمر إيدن بانزعاج.
” لم أملك خيارًا..! ابنتي تحب اللون البرتقالي.. ”
” حقًا؟ لحظة واحدة إذًا سأفكر في شيءٍ آخر لسرقته ”
رمقني إيدن بفراغ صبر.
” تتحدث وكأنك تعاني من ضائقة مالية مع أن الشركة لك، أنا أتحدث بجدية سأسلم الشركة لابنك، تعبت من إدارة أعمالك تولى أمر شركتك بنفسك أيها المتلكأ ”
” كنا نتحدث عن موتي كيف آل الأمر إلى توبيخي على تقصيري في مسؤولياتي.. ”
حدق بي إيدن بعصبية بينما يجمع أكواب الشاي.
” لن.. نتحدث عن هذا الموضوع مجددًا ”
” هذا لن يغير من الحقيقة.. حسناً لن نتحدث عن هذا الأمر مجددًا ”
كان إيدن صديق طفولتي، كنا معًا في كل صغيرة وكبيرة وقد وقف معي في أسوء أيامي.
كان صديقي الذي كلما تهربت من مسؤولياتي وقلبت الأمر رأسًا على عقب، توجهت إليه ليعطيني حلًا مع وابل من التوبيخ والشتائم.
هل تعلم أنه يكبرني بسنتين؟ هو لي كأخ وصديق أشعر بالامتنان على وجوده معي لكن من فضلك يا بني لا تريه هذا الكلام ففخري لا يسمح لي بقول هذا الكلام له ليس بعد أن رفض إعطائي سيارته!
وقف إيدن وحمل الأطباق إلى المغسلة.
” تبًا كان من المفترض أن أتناول العشاء في المنزل لأفرغ المزيد من الأطباق، يبدو أنني عشت طويلًا جداً لأراك تغسل الصحون هل ألتقط صورة لك للذكرى؟ أتريدني أن أحملها على حساب الشركة؟ ”
أشار إلي بملعقة مغطاة بالصابون.
” لا تجرؤ على التفكير في ذلك حتى ”
تنهد وعاد إلى غسل الأكواب.
” لا تجهد نفسك كثيرًا يا أوزيل وتناول الدواء في الوقت المحدد، اتصل بي إذا أردت مساعدة ما وأترك الأمور الصعبة لي، فقط.. افعل ما تريد فعله واقض وقتًا أطول مع ابنك، أعلم أكثر من أي شخص آخر كم تندم على عدم قضاء وقت أطول معه.. ”
ابتسمت بينما أسند رأسي إلى الخلف على المقعد.
” سأندم حقًا إن لم أقضي أيامي الأخيرة على الأقل معه.. ”
بعد فترة قصيرة، جفف إيدن يديه وأخذ يتفقد هاتفه.
” أوزيل أيها الوغد منذ متى تعلم كلمة سر هاتفي؟ ولماذا أرسلتها لزوجتي! ”
” جربت شيئًا ما واتضح أنني على حق على أي حال أليست صورة رائعة؟ أخبرتني أن مهمة غسل الأطباق ستكون عليك لمدة أسبوع ”
” هل تنتقم مني بسبب السيارة؟ ”
” مستحيل هل أنا طفل؟ ”
” اذهب للجحيم.. ”
” وأتركك هنا لوحدك؟ ناه يا رجل بالتأكيد ستشعر بالوحدة بدوني ”
أخذ إيدن معطفه من على المقعد وتوجه نحو الباب.
” ارتح جيدًا يا أوز، أعرف طبيبًا جيدًا في الخارج سأتصل به للقدوم ورؤية ما بك. سأذهب الآن وفقط انتظر سأصبغ سيارتك باللون البرتقالي كذلك ”
” لا تجرؤ على لمس سيارتي العزيزة! ”
لهذا يا بني إن كانت سيارتي قد صبغت باللون البرتقالي فهذا ليس خطئي بتاتًا وعليك أيضاً ألا تبتاع أي سيارة برتقالية أو أي شيء بهذا اللون لأنني أكاد أملك ضغينة شخصية مع هذا اللون.