أسرار غلاديلاس - ch-5
تمشي في ذلكَ النفقِ المُظلمِ بهدوءٍ، تُحاولُ إخفاء ارتباكِها وخوفِها بقِناعٍ من البرودِ. خُصلاتُها البيضاءُ كبياضِ الثَّلجِ تطيرُ مع تيَّارِ
الهواءِ الخفيف، ملابسُها تدلُّ على أنَّها تلميذةٌ في مدرسةِ ميرلان، ومن فئةِ النُّخبة. بعد بضعِ دقائقَ ظهر أمامها رجُلانِ يرتديانِ عبائتينِ ويلثُمانِ وجهيهِما ومع الظلامِ الذي يُغلِّفُ الجوَّ في ذلكَ النفقِ لا يبدو من وجهيهِما شيءٌ، وقفَت أمامهُما تنظرُ إليهُما مُبشارةً، ثم قال أحدهُما بصوتٍ مُميَّزٍ فيهِ بحَّةٌ:” أرى أنَّكِ نجحتِ في الدخولِ إلى مدرسةِ ميرلان” قالت بصوتٍ واثقٍ “بالطبع سأفعلُ، لكن… أنا أدرسُ في نفسِ القسمِ مع أُمراءِ غلاديلاس وأبناءُ الأرشيدوق هاميلتون وأحدُ أُمراءِ بوفارديا، ووليُّ عهدِ بوفارديا هو الطالبُ المسؤولُ عن قِسمي، كما أنَّ أميرةَ غلاديلاس وابنةَ هاميلتون وصديقةٌ لهُما التصقنَ فيِّ و أنا معهُنَّ في نفسِ الغُرفةِ.” نظر إليها الرجلُ بسُخريةٍ بينما انفجرَ صاحبهُ ضحِكًا، ثم قال لها “أنتِ حقًّا حمقاء، أنا من رتَّبتُ لكلِّ شيءٍ… سمعتُ أنَّ أولادَ امبراطورية غلاديلاس يُحبُّون التدخُّل في المشاكل، وأنَّ وليَّ عهدِ بوفارديا صديقٌ قديمٌ لوريثِ الأرشيدوق… سنستمتعُ جيِّدًا ” نظرَت إليهِ بحيرةٍ لم تُحاول إخفاءها “ما الذي تقصدهُ؟” أجابها بسُخريةٍ واضحةٍ: “الأمرُ لا يُهمُّكِ، أنتِ قومي بعملكِ فقط ولا تهتمِّي بما غير ذلك” بلعَت رِيقها ببُطءٍ ثم قالت “حسنًا” ثم استدارَت لتعودَ أدراجها.
*********************************************************
يقفُ ما يُقاربُ العشرونَ شخصًا ينتظرونَ قدومَ ممتحنهِمُ للانضمامِ إلى نادي المُبارزةِ، وقد كان بينهُم أولادُ غلاديلاس الخمسةُ وإدموند أيضًا. دقَّت ساعةٌ جداريَّةٌ كبيرةٌ تُعلنُ وصول الساعةِ الخامسةِ مساءً، ومع دقَّتِها الثانيةِ فُتح البابُ بقوَّةٍ ودخلَ ثلاثةُ شُبَّانٍ وفتاتينِ، من بينهم روكسار يرتدونَ ملابس مُبارزةٍ مُميَّزةٍ، بيضاءُ بخطوطٍ حمراءَ ويحمِلونَ سُيوفهُم معهُم. وقفَ الخمسةُ أمام المُترشحينَ الجُدد، يتوسَّطهُم شابٌّ في الثلاثيناتِ مِن عُمرهِ، على يمينهِ كلٌّ من روكسار وكهلٌ في الأربعينات مِن عُمرهِ، وعن شمالهِ الشَّابتانِ إحداهُما ذاتَ عشرينَ ربيعًا والثانيةُ في نهايةِ العشريناتِ. مرَّر الثلاثينيُّ زرقاويتيهِ على المُترشحينَ يتفحَّصهُم، قبل أن يقول جاذِبًا انتباه الجميع: “أهلًا بالجميعِ هنا، دونَ أيِّ مُقدِّماتٍ سأدخلُ في الموضوعِ مُباشرةً. اختبارُكُم سيكونَ مُبارزةً ضِدَّ أحدِنا نحنُ الخمسةُ، الفوزُ غيرُ مطلوبٍ… سيتمُّ تقييمُ قدراتكم ثم نُقرِّرُ من سينضمُّ ومن لن يفعل… ليتقدَّم من يسمعُ اسمهُ” تقدَّم روكسار وأردف ذاكرًا أسماءَ الأوائلِ الخمسةِ: “فليتقدَّم أوَّلًا جاكسون، ليونارد، أليكسندر، أوليڨيا وأولغا.” ظهرَت شِبهُ ابتسامةٍ على وجهِ أليكسندر بينما يتقدَّمُ نحو روكسار ويضعُ يدهُ على غمدِ سيفهِ، افترقَ الثُنائيَّات الخمسةُ عبر ساحةِ المُبارزة، وبعد جولةِ تحديقٍ مُتبادلٍ بينهُم أخرجَ العشرةُ سُيوفهُم في حركةٍ واحدةٍ وبدأتِ المُبارزةُ.
عند أليكسندر:
وقفَ ينتظرُ هجوم روكسار أولًا الذي ابتسمَ لهُ واضعًا سيفهُ وراء رقبتهِ بعبثُ “هل أُذكِّرُكَ أنَّني الممتحن وأنَّكَ من يجدرُ بهِ الهجومُ أوَّلًا؟” ردَّ عليهِ أليكسندر بينما يلوِّحُ بسيفهِ بشكلِ ثمانيةٍ في الهواءِ وهو يتقدَّمُ ببُطءٍ “أفترضُ ذلك” ما إن أطبقَ بين شفتيهِ حتَّى اندفع مُهاجِمًا فتفاداهُ روكسار مُبتسِمًا “أهذا كلُّ ما لديكَ يا أميرَ هاميلتون؟” استدار أليكسندر بسُرعةٍ يُعيدُ توجيهَ هجمةٍ شرسةٍ أُخرى “ليس سِوى إحماءً يا أميرَ بوفارديا” بينما يصدَّ روكسار الهجمةَ بسيفهِ. بعد نصفِ ساعةٍ مِن تبادُل الهجماتِ قرَّر أليكسندر الانتهاءَ من النزالِ فهجمَ هجمةً أخيرةً وظهرَت الهالةُ بشكلٍ طفيفٍ في سيفهِ فانكسر سيفُ روكسار وانتهتِ المُبارزةُ بفوزِ أليكسندر الذي لاحظ أنَّ أُخته قد أنهَت مُبارزتها بالفعل.
عند أوليڨيا :
بدأت أوليڤيا بالهجومِ أولًا على الفتاةِ العشرينيةِ فتفادتها باحترافيَّةٍ، وحرَّكَت سيفها نحو ظهرِ أوليڤيا فقامَت بصدِّها بسرعةٍ، فبقيَ سيفاهُما يحتكَّامِ ببعضهِما البعض. قالت ورديَّةُ الشعرِ: “مهاراتُكِ لا بأس بها” ابتسمَت أوليڤيا: “أيُعتبرُ هذا مدحًا؟ لعلمكِ فقط أنا لم ابدأ بعد” ضحكَت الفتاةُ بسُخريةٍ: “ثقتُكِ هذهِ مُضحكةٌ..” و قبل أن تُنهي جُملتها أبعدَت أوليڤيا سيفها وحرَّكتهُ لتقومَ بالهجومِ ثانيةً، بينما غلَّفت الهالةُ سيفها بالكاملِ فكسرَ سيفُ صاحبةِ عيونِ القِطَّةِ الذي لم يحتمِل قوَّةَ الهالة. وضعَت أوليڤيا سيفها على عُنقِ الفتاةِ قائلةً: “من منَّا ثقتهُ مُضحكةٌ؟” ضحكَت سوداءُ العينينِ بقوَّةٍ وقالت “أعجبتِني يا فتاة، ذكِّريني ما اسمكِ؟” أبعدَت أوليڨيا سيفها و قالت” أوليڤيا. ماذا عنكِ؟” “كاتي” استدارَت أوليڤيا وجلسَت على مقعدٍ خشبيٍّ بجوارِ باقي المُترشحين الذينَ يرمقونها بنظراتِ حذرٍ، توجِّهُ نظراتها إلى مُبارزةِ أُولغا
عِند أولغا:
وقفَت أولغا تنظرُ إلى زميلتِها التي بادلتها التحديقَ، ثم كسرَت التواصُل البصريَّ وتنهدَت قائلةً “هي أيَّتُها الصغيرة … ليس لديَّ اليومَ بطولهِ لكِ، هناكَ الكثيرون ينتظرونَ دورهُم… تقدَّمي أو انسحِبي” ابتسمَت أولغا ابتسامةً تُحاولُ جعلها لطيفةً “حسب عِلمي المحدود فإنَّهُ في العادةِ الأضعفُ هو من يبدأُ بالهجومِ لا الأقوى” انفجرَت السمراءُ ضحِكًا وأمالت رأسها للوراءِ، بينما أولغا تنظرُ إليها بنفسِ الابتسامةِ ثم قطعَ صوتُ ضحكِها صوتُ تحطُّمِ سيفِ زميلتها كاتي، فأدارَت رأسها لمكانِ مبارزةِ كاتي فوجدَت أوليڤيا تضعُ سيفها على رقبةِ الفتاةِ، ثم أعادَت نظرها إلى التي أمامها وقالت لها بينما تقتربُ منها ببُطءٍ تلوِّحُ بسيفِها في الهواء “آه، يبدو أنَّني فهمتُ الوضع. لنبدأ إذًا” ثم انطلقَت بسُرعةٍ وبدأت المُبارزةُ التي انتهَت كسابقتِها بانكسارِ سيفِ السمراءِ بفعلِ قوَّةِ هالةِ أولغا، و التي ذهبَت لتجلُس مع أوليڤيا تاركةً الفتاةَ في صدمتِها ممَّا حدثَ للتوِّ.
عند ليونارد:
كان الكهلُ الأربعينيُّ الهادئُ من نصيبِ ليونارد المُندفع الذي استنفذَ كلَّ طاقتهِ الجسديَّةِ الهجوميَّةِ في أولِ دقائقٍ من المبارزةِ، والآن هو يكتفي بالدفاعِ في وجهِ هُجوماتِ صاحبهِ القاسيةِ، وقد بدأ يتقهقرُ عندما لاحظ أنَّ الفتاتينِ قد فازتا بمبارزتيهِما بكلِّ سهولةٍ، وحتَّى أخاهُ الأكبرُ قد فاز. نظر إلى زميله و إبتسم له “سامحني يا عمِّي لكن لا أستطيعُ الخسارة، أختي وابنةُ زوج خالتي سيسخرانِ مني إلى الأبد… لذلك سامحني، رغمَ أنَّكَ حقًّا تستحقُّ الفوز” نظرَ إليهِ الكهلُ بسوداويتهِ بحيرةٍ “ما الذي تخرفُ بهِ أيُّها الولد؟” و قبل أن يُغلق فمهُ أحاطت الهالةُ بسيفِ ليو ممَّا جعلهُ يكسرُ سيفَ الآخر الذي يرى ما يحدثُ أمامهُ بحيرةٍ تبدَّدت تدريجيًا، وقال بحماسٍ “لا تقُل لي أنَّكَ ابنُ كراوس؟؟” نظرَ إليهِ ليونارد بحماسٍ مُماثلٍ لحماسِ صاحبهِ “نعم أنا ابنهُ الثاني. هل تعرفُ أبي؟” ضحكَ الكهلُ وقال “أعرفهُ؟ لقد كان صديقيَ العزيز، لقد دخلنا إلى الأكاديميَّةِ معًا، كيف حالهُ؟ وكيف حالُ كزافيي؟” نظر إليهِ ليو بغرابةٍ كأنَّهُ أخبره أنَّ المخلوقات الفضائيةَ حقيقَّةٌ “لحظةً لحظةً يا عمي، كيف؟ كيف دخلتَ مع أبي ولا زِلتَ هنا؟ وأبي بخيرٌ وخالي كزافيي أيضًا” ابتسم الكهلُ “آآآه …. لا تُذكِّرني، ضاعَ شبابي وعُمري هنا… لم أتخرَّج بعد” وضع ليو يدهُ على كتفِ الرجلِ كمواساةٍ “لا بأس لا بأس ستتخرَّجُ قريبًا… بالمناسبةِ ما رأيكَ أن أُعرِّفكَ بإخوتي؟ تعالَ تعالَ إنهما هُناك فقط” ثم سحب ليو يد الرجلِ بحماسٍ باتجاهِ الباقي، وعندما لاحظَت أوليفيا أنَّهُ مُتجهٌ نحوهم قالت لأخيها “انظُر إلى أخيكَ الأصغر يبدو أنَّهُ وجد صديقًا جديدًا لهُ… يبدو في عمرِ والدي” لم يلحق أليكس ليرُدَّ عليها حتَّى وصلَ ليو مع الرجلِ وهُما متحمِّسانِ. قال ليو بحماسٍ مُشيرًا على كلِّ واحدٍ منهُم بالترتيب “هذا أخي الأكبر أليكسندر وهو الوريثُ الحالي، هذهِ أُختي الصُّغرى أوليڤيا، وهذه ابنةُ خالي كزافيي الصُّغرى أولغا وذاكَ هناكَ الذي لا يزالُ يُبارز هو ابنُ خالي كزافيي الأكبر جاكسون، وهو وليُّ العهدِ حاليًا. ويا جميعًا هذا السيدُ لا أدري ما اسمهُ لقد كان صديقًا حميمًا لأبي ولخالي كزافيي و قد دخلَ معهُما، لكن يبدو أنَّهُ غبيٌّ جدًّا، لذلك هو لا يزالُ يدرسُ هنا الآت” ضربَ أليكس مؤخرةَ رأسِ ليو بخفَّةٍ وقال للسيِّد “أعتذرُ عن وقاحةِ أخي الصغير، سيد…؟” أجابهُ الرجلُ مُبتسمًا “ماركوس… اسمي ماركوس. لا بأس عليكَ فهو على حقٍّ. على كلِّ حالٍ يجبُ أن أُكمل امتحان الباقي لنتحدَّث لاحِقًا يا أولاد، جعبتي مملوءةٌ بالقِصص عن والدكُم وخالكُم هاذانِ” ثم استدار مُغادرًا وهو يلوِّحُ لهُم.
عند جاكسون:
احتدم النزالُ بين جاكسون وذاكَ الثلاثينيُّ؟ فمهارتُهما في نفسِ المستوى تقريبًا. ابتعد كلٌّ منهُما عن الآخرِ مُؤقتا لكي يستعيدا أنفاسهِما، حين قال أزرقُ العينين “أرى أنَّ أصدقائكَ قد فازوا في نِزالاتهم، أنتُم حقًّا… لستُم أفضل خمسةِ مُبارزينَ في غلاديلاس من فراغٍ … أُريدُ أن أفهم لماذا تتساهلُ معي، أربعتهُم فازوا بالهالةِ الشهيرةِ لكنَّكَ لم تستعملها، لو أنَّكَ استعملتَها لكنتَ قد فزتَ منذُ زمنٍ، فلماذا؟” ابتسم جاكسون “نعم… معكَ حقٌّ، لكنَّني أُريد اختبار قُدراتي الشخصيةِ بدونِ الهالة ” ثم انطلق مُهاجِمًا. بعد عدَّةِ ضرباتٍ أُخرى مالَت الكَفَّةُ لجاكسون أخيرًا، نظَرًا لخبرتهِ في قتالِ الوحوشِ ومُبارزةِ أعظمَ فُرسانِ غلاديلاس. سقط سيفُ الأشقرِ الذي ابتسمَ ومدَّ يدهُ لجاكسون ليُصافحهُ “مُباركٌ لكَ، لقد فُزتَ بجدارةٍ” ابتسمَ جاك بينما يُصافحهُ “لم تكُن خصمًا سهلًا حقًّا؟ سيد…” ضحكَ الفتى قليلًا وقال “لا داعي للرسميَّاتِ اسمي جيليون، وأنت؟” “أنا جاكسون” ثم استدار جاك ذاهِبًا إلى أصحابهِ. جلس معهُم فوجدهُم ينظُرون إلى مُبارزةِ روكسار ضد إدموند برهبةٍ، حتَّى وقفَ أليكس ووضع يدهُ على غمدهِ يُجهِّزُ نفسهُ للتدخُّلِ في أيِّ لحظةٍ، وقد توقَّف الجميعُ ينظرونَ إليهِما.
يتبع…