أنليف و فيلنا - 2
الفصل الثاني: نھایة بافلوس
عبَّر المدعوان عن استغرابهما.
حيث قال “فيليكس” :
_ ليس لـ “بافلوس” دافعٌ يَجْعله يقتل والدتكِ،…
“فيليب” :
_ هذا صحيح، ليس لديه ما يجعلُهُ ييكيد لوالدتك، فلماذا تشتبهين به سموكِ؟
كانت “فيلنا” على وشك الرد عليهما لو لم يتكلم “أنليف” بصوته الذي هزَّ الغرفة قائلاً:
_ أنتما تدركان جيدًا أن “بافلوس” هو الوريث الشرعي، وأن “فيلنا” قد استلمت الحكم بدلا منه رُغم صغر سنها وعدم انتمائها لعائلة “بيلفيغور” ، حيث استلمت جلالة الامبراطورة الحكم بفضل والدتها “بيليا” التي أقنعت الامبراطور السابق بجعلها هي الوريثة التالية، وهذا ما جعل من “بافلوس” يكيد لكِلا من “بيليا” وجلالة الامبراطورة “فيلنا” ، قد يُكِنُّ حقدًا لوالده الذي فضَّل “فيلنا” عنه، وسلب منه حقه في السيادة والحكم. ألا يُعدُّ هذا سببًا كافيًا يجعله يتخلص من السبب الرئيسي وراء كلِّ ما حصل؟ إذا لم نتصرف حالاً فأخشى إن امبراطورتنا العزيزة ستواجه خطرًا أو تتعرض للقتل…
قاطعه “فيليب” قائلًا:
_ معك حق سيدي، لكن ما قلته ليس سوى دليلٌ ضعيف لا يثبت شيئًا.
أكمل “أنليف” بانزعاج:
_ لقد عُثر على سلاح الجريمة مغروزًا في جثة “بيليا” ، أظن أن تقدمك في السن جَعلك تنسى كثيرًا.
قال جملته الأخيرة باستهزاء ثم أكمل:
_ تبين بعد التحقيق أن ذلك السيف يعود لـ “بافلوس” ، السيف الذي توارثه آل بيلفيفور لعقود.
نهضت “فيلنا” من مقعدها بعد أن كانت تستمع لحوارهم بملل، وقالت :
_ غدًا سيتم شنق “بافلوس” .
“فيليب” :
_ حاضر جلالتك، سأكتب تقريرًا وأرسله لمجلس الشيوخ لكي يتم تنفيذ قرارك.
“فيليكس” :
_ سأرسل جنودي لقصره كي يقبضوا عليه ويحضروه في أقرب وقتٍ ممكن.
انحنى كلٌّ منهما ثم انصرفا.
أقنع “فيليب” مجلس الشيوخ وأرسل سبعة جنود لقصر “بافلوس”. قيدوه وأتوا به إلى زنزانة القصر، قصر الامبراطورة.
بات الأسير في الزنزانة حتى صباح اليوم التالي، ظلَّ يلعن “فيلنا” لعنًا وشتمًا منذ أن تم اعتقاله.
بعد الظهيرة تمامًا، كانت كل التحضيرات قد جهزت من أجل الإعدام، أحضر جنديان المحكومَ عليه الذي كان مقيدًا بأغلال حديدية من يديه و قدميه، كان يقاوم بشدة ويأبى التحرك، لكن رغم ذلك جره الجنديان لشدة قوتهما.
حضرت الامبراطورة رفقة نائبها الذي لم يفارقها ثانيةً واحدة، وجلست على العرش رغبةً بمشاهدة مراسم شنق القاتل المزعوم.
لفَّ الجلاد حبلًا غليظًا حول عنق المحكوم عليه بالإعدام.
ظلَّ “بافلوس” ينفي ما لفق له مِن تُهم وحاول بشدة تبرئة نفسه
أمسك الجلاد الرافعة وبدأ يُدوِّرُ المقبض.
استمر “بافلوس” في البكاء والنحيب، بينما الجلاد يرفع الحبل تدريجيًا، حتى أصبحت أصابع قدميه لا تمسُّ المنصة.
الامبراطورة ونائبها يشاهدان بكل هدوء، بينما الحرس و “فيليب” وكذلك “فيليكس” بدأت أطرافهم بالارتجاف من شدة هول ما يرونه وما يسمعونه مِن أصوات نحيب “بافلوس” وهو يصرخ صرخاتٍ متتالية، كل واحدةٍ أعلى من الأخرى.
والجميع ينتظر بفارغ الصبر أن تمُرَّ هذه الدقائق التي صارت كساعات.
بدأت الامبراطورة تستمتع بما تراه كأنه عرضٌ ترفيهي، تتمعن في ملامح وجهه التي تزداد زُرقة، وعينيه الَّتان تكادان أن تقفزا من مكانهما وكذلك السائل الأبيض المتدلى من شفتيه السوداوتين الذي بدأ يتقطر على الأرض. كان هذا المنظر بمثابة لوحة فنية بالنسبة لـ “فيلنا”.
بعد دقائق معدودات، تلاشت الصرخات وعمَّ الهدوء التام .
توجَّه صاحب العينان الحمراوتان “أنليف” إلى الجثة التي تتدلى وتدور في مكانها ببطء شديد.
قال بابتسامة شيطانية لا تفارق ثغره:
_ عملٌ ممتاز، مرَّ كلُّ شيءٍ بسلام، وهذا بفضل إخلاصكم، فليعلم أن كل من يخون الامبراطورة سيكون مصيره كهذه الدمية المعلقة امامكم!
دبَّ الرعب في قلوب الحاضرين، واصفرَّت وجوههم من كلمات “أنليف” التي تخلوا من الرحمة.
عاد النائب إلى إمرابطورته الحبيبة مبتسمًا قائلًا بصوتٍ لا تسمعه إلا هي:
_ هل استمتعتِ جلالتك بهذا العرض الصباحي؟
أجابت:
_ أجل… لا بأس به.
استدار “أنليف” جهة الآخرين الذين مازالوا متسمِّرين في أماكنهم، وقال بنبرة مرتفعة:
_ تخلصوا من الجثة بسرعة ونظفوا هذا المكان، ولِيعُد كل واحدٌ منكم إلى عمله.
زاد من نبرة صوته وصرخ بغضب:
_ قلتُ بسرعة!!
أمسك “أنليف” يد ” فيلنا” اليمنى حتى نهضت من العرش وعادا معًا إلى جناحها في القصر.
*يبدو أن الامبراطورة و نائبها قد أصبحا في
مزاجٍ جيد هذه الظهيرة*
يتبع …