الكتاب المسحور - 1
°•|———————–|•°
“اعطيه فرصةً على الاقل!” أصرت كلوي للمرة الخامسة هذا الأسبوع، مغطيةً وجه إيف بكتابها و معيقًا طريقها نحو قاعة درسها.
أبعدت إيف كتاب كلوي عن طريقها، شادةً صديقتها لتسير بجانبها بدلًا من أمامها أثناء اعتراضها “لماذا؟ ليس شيئًا أهتم له.”
” إيف، فيه كل اختياراتك للأفلام. و فوق هذا مضحك! أسيُحدث الأمر فرقًا إن قرأتي بدلًا من مشاهدتها؟!”
هزت إيف كتفها “نعم؟ المشاهدةُ سهلة، و توفر الوقت و الخيال لإيضاح الحدث. أما القراءة فستأخذ مني وقتًا لأنسجم مع الأحداث.”
غير مصدقةٍ، رمت كلوي يداها في الهواء شاكيةً من إيف، بينما أخذت الأخيرة هاتفها تتفقد موعد محاضرتها. بعد مدةٍ توقفت كلوي عن التحدث فالتفتت إيف نحوها، لتراها محدقةً بها بحدة.
عبست إيف من سلوكها، لكن قبل أن تتمكن من السؤال تكلمت كلوي “تعالي معي اليوم للمكتبة، سأعرفك بمن جعلتني عاشقةً للكتب.” قالت بثقة و حماس ما أثار فضول إيف.
فنظرت إليها ضاحكة “حسنا، انتظريني عند بوابة الجامعة، سأتي على الساعة التاسعة.”
————————–
مر الوقت و بقت إيف تنتظر صديقتها التي أتت متأخرة كالعادة “تأخرتي! مجددًا! كيف تنجحين بالتأخر رغم فراغك من المحاضرات؟”
ضحكت كلوي “ليس ذنبي أنك تأتين بعد تحركي فقط. اشتريت قهوةً لنا، فالجو حار اليوم.”
مشت الفتاتان، تتكلمان عن أمور عشوائية حتى اقتربتا من المكتبةِ حيث اجتاح إيف الفضول مجددًا للسؤال “كيف ستساعدني مقابلة صديقتك على قراءة كتابٍ على أي حال؟”
ابتسمت كلوي بمجرد ذكر إيف للموضوع “الوصف صعب، فقط انتظري حتى وقتها. سأخبرك من الآن إن لم تقنعكِ مقابلتها بالكتب فلن يقنعك شيء.”
وصلا للمكتبة، وبمجرد دخولهما لاحظت إيف امرأة تلوح لهما.. أو لمن كانت خلفهما، تجاهلت إيف وجودها و بدأت تنظر بالأرجاء حتى رأت كلوي تتجه نحوها. عندها بدأت إيف تدقق بالمرأة. كانت في.. الثلاثين؟ ربما تسعة وعشرين من عمرها، سترتها الزرقاء و تنورتها الطويلةُ يُظهران هيئةً بسيطة مثل ملامحها المرحبة، و عيناها رغم نعسها إلا أن اختلاف ألوانها لفت إنتباه إيف بشدة، اليمنى زرقاء واليسرى خضراء مع لمعة ذهبية واضحة رغم غلب اللون الأخضر على معظم عينها.
وقفت المرأة و حضنت كلوي ترحب بها بضحكة مبتهجة ” كلوي! مرت مدة منذ اخر لقاءٍ لنا، لم تعودي الى هنا منذ سنة!”
تراجعت كلوي كي تسمح للأخرى برؤية إيف “تعرفين أعمال الجامعة وما يتبعها من ارهاق، بالكاد اتيح لي الوقت لأرتاح هذه الفترة.”
ذهبت المرأة الى إيف وصافحت يدها “لابد أنك إيف، لقد كانت تخبرني عنك كثيرا” أشارت لكلوي ثم أكملت “أنا ريحانة، سررت بلقائك.”
ابتسمت إيف ابتسامة خفيفة، متوترة من اللقاء الجديد “السرور لي.”
لاحظت إيف التفات كلوي و تشتتها بما تحويه الرفوف، حتى استسلمت من المقاومة “أنتما تعَّرفا، سأذهب لأبحث عن شيء جديد للقراءة.” قالت ثم اختفت بين الرفوف، تاركةً إيف لوحدها مع ريحانة.
“هل جربتي يومًا مشاهدة فلمًا مرعبًا؟” سألت ريحانة.
“لا، ليس من نوعي، لا أحب الرعب كثيرًا.” قالت مخبئةً تنهيدة راحةٍ لعدم بدئها بنقاشاتٍ قصيرة.
بعد أن وجدت إيف قاسمًا مشتركًا بينهما بدأت بالتحدث بأريحيةٍ قليلًا، واصلوا الحديث لمدة حتى سألت ريحانة “مارأيك بتجربة كتابٍ من ذوقي؟ لابد أن يعجبك!”
“ماذا؟ اه لا، لا أحب القراءة كثيرًا. أُفضل المشاهدة أو الإستماع”
“من قال أنكِ ستقرئين؟” عارضت ريحانة، و عبست إيف محدقةً في المبتسمة بثقة أمامها “اتبعيني، سترين ما أقصد.” وقفت ريحانة متجهةً نحو الرفوف، واثقةً من سير إيف خلفها.
“عجيب، تريدين لأحد أن يتبعك بعد جملة مشبوهة كهذه؟ تحتاجين لمعرفة طرق افضل للكلام.” ضحكت إيف.
“مازلتي تتبعينني.”
“…اوه.”
وصلوا لمكان في آخرِ قسمٍ من المكتبة، فارغٌ و الغبار يملؤه. اقتربوا من الرف و امسكت ريحانة كتابًا اخضر، في غلافه طوق ورد ذهبي، سحبته للخارج قليلًا ليفتح لهم الرف بابًا يؤدي لطريقٍ مظلم مليء بالغبار و شبك العناكب. اقشعرَّت إيف من الطريق الشبيه بأفلام الرعب، لكن وجود فانوسٍ ذو ضوء قوي خفف ترددها، فانطلقت مع ريحانة داخل الطريق.
حدقت إيف في المكان بعيون واسعة بينما استمروا بالمشي داخله لمدة قبل ان تعود للواقع “المكان رائع، ظننت هذا كله بالافلام فقط!” سخرت متعجبة “بقي أن تظهري قوةً غريبة تنقلنا لعالم اغرب.”
ضحكت ريحانة “انتي أذكى مما اعتقدت.”
” هاي! ماقصدك بهذا” ردت إيف مازحة ثم سكتت؛ تفكر فيما قالته ريحانة. ثم حدقت إيف فيها تبحث عن أثرٍ للمزاح ولكن دون جدوى “… تمزحين صحيح؟ لا وجود لشيء كهذا…”
ضحكت ريحانة “صحيح، هذا ماسيحدث تمامًا!” توقفوا قرب قوسٍ كبير، مجوَّف، و مع نباتات نامية كثيفة ملتفة حوله آخذةً مركز القوس كنقطة تجمع لهم. يبدو كأنه بوابة منذ بداية الزمان.
توجهت ريحانة نحوه و أخرجت منديلًا من جيبها وغطت عينها الزرقاء به، عندها أشعَّت عينها الخضراء، تتلألأ و تلمع بشدة. راقبت إيف بذهولٍ تحول البريق الخافت في عينها الخضراء لبحرٍ من الذهب حتى أصبحت عينها تخلو من خضارها الاصلي. عند إكتمال تحول لون عينها بدأت النباتات و السيقان الخضراء بالتلاشي. نباتاتٌ كانت عملاقة و متشابكة قبل ثوانٍ بدأت تنكمش و تتفكك، تعود للأرض حتى لا يبرز لها أثر. عم الصمت و الهدوء في المكان.
قبل أن تستطيع إيف إبداء ردة فعل، ضوءٌ ساطعٌ وخيوطٌ بيضاء رفيعة بدأت بالتجمع بداية من حواف القوس حتى مركزه. يتجمعون و يرتبطون حتى غطوا مساحة القوس كله، ثم انفجر ضوءٌ كاسحٌ كالقنبلة أجبر إيف على إغلاق عينيها وتغطيتها بأذرعها حتى اختفى الضوء. فتحت عينيها لترى داخل البوابة أشجارًا زُيِّنت بألوان الخريف، أشجار، و شجيرات، و أوراقٌ متساقطة من كل الألوان، بعيداً عنها تستطيع رؤية حواف قلعة كبيرة أجمل مما سبق أن رأته في الصور و اللوحات.
إنتظرت ريحانة حتى اعتادت إيف على المنظر لتذكرها “جميل أليس كذلك؟ سنبدأ رحلتنا من هنا.”
“نبدأ؟” عادت إيف للواقع “اه.. نسيت هذا الجزء.” همست مُطبقةً على شفاهها “تذكرت! بالحديث عن المغامرات و كل هذا” همَّت إيف تفرك أصابعها لترتب كلامها، تريد الهروب من هذا الحلم الواقعي “أنتي تعرفين أني سأحب الموافقة، لكن لدي حياة لأهتم بها، عائلةٌ لتقلق علي. لا أظنني أريد الغياب طويلًا.” ابتسمت ابتسامة اعتذارٍ ثم انطلقت عائدة للمكتبة “سأراكِ لاحقًا.” قالت قبل أن تمسك بها ريحانة.
“الوقت يختلف بين العالمين، سنتان تساوي عدة دقائق فما بالك بعدة أيام؟ أعلم أنكِ لستي في مزاجٍ للقصص لكن أعطي خيالكِ فرصة، ما أسوء ماقد يحدث؟”
جلست إيف تفكر لوهلة. و قد وجدت الكثير مما قد تخسره بذهابها، لكن من الجهة الأخرى خرجت كلوي بسلام من هنا صحيح؟ و المكان داخل البوابة جميل و الهواء جميل عكس حرارة الصيف القاتل هنا، كانت الأسباب كافية لتنسى العواقب “حسنًا إذا، بما انه ليس لدي شيء أفعله حاليًا..”
ابتسمت ريحانة بتأمل موجِّهةً إيف نحو البوابة، ثم دخلوا، حيث تبدأ اول خطوة في رحلة من يعلم كم تدوم—.
°•|——————-|•°