المعجزة ٢٠٧ - 10
يفتح ذلك الصبي عينيه..
ليقف حافيّ القدمين على تلك الأرضية الباردة كالثلج
يمشي بخطواتٍ متثاقلة،و يائسة..
كمن يريد الإستسلام كل يوم..
ليفتتح ذلك الباب الكهربائي في غرفته تلقائيًا..
مجموعةٌ من البشر..يرتدون ملابس متشابهة،مجرد زي موحد و فضفاض و مريح،للنساء و الرجال،ذو لونٍ اخضر كالذي يرتدونه في المستشفيات
اتجه مع هاؤلاء من في عمره،لتجلس كل فئةٍ عمرية في طاولةٍ واحدة و طويلة
موضوعٌ امام كل شخص،طبق متوازن،يحتوي على اللحم المطبوخ،الخضار النية،الحساء البارد،و كوب ماء
اخذ يأكل و قد اجتاح وجهه القرف!كمن سأم من ذلك الطعام الذي يتناوله كل يوم!في كل وجبة!
نهض ذلك الشاب بتثاقل
ليتجه الى تلك الغرفة المليئة بالأجهزة الطبية،مجرد فحصٍ يومي لحالته الصحية
ليبدأ..التدريب
يتعرض ذلك الشاب للصعق الكهربائي،حروق الجسد،ناهيك عن بعض العمليات التي تتطلب ازالة احد اعضائه،او التعديل عليها،او اضافة شيءٍ في جسده
للحصول..على انسانٍ ُمطوّر..
لا تسمع في تلك الساعات،سوى صراخه و بكائه،و كلماتِ توسل للهرب..
في نهاية يومه المليء بالألم،يجري بخطواتٍ متسارعة نحو ذلك الحمام المشترك،ليتقيأ دمائًا..
ارتجفت يده و اخذت رؤيته تصبح ضبابية..
جلس بجانب كرسي الحمام و اليأس يعتريه..
بلا هدف…بلا شغف..
فقط ينظر الى السقف..و هو يتمنى من ذلك اليوم ان يكون يومه الأخير..
وضع بيده على معدته،و بيده الأخرى على فمه،لتنهمر الدموع من عينيه..
حاول اخفاء شهقاته و بكائه…
لينطفأ ذلك الضوء الوحيد الذي انار الحمام..
و تنطفئ معه روح ذلك الشاب اليائس…
ليترنح..و يرتمي بجسده على فراشه
غرفته المشتركة،مع احد الصبية،فتًى هادئ..يبدو بأنه اعتاد على كل هذا..بعكسه فهو جديد
لف جسده بذلك الغطاء الخفيف،اخذ يبكي بصوتٍ منخفضٍ كي لا يزعج شريكه،إلا أن شريكه إلتفت لينطق بنبرةٍ هادئة
“هل ستستمر بالبكاء كل يوم..؟يا رجل..ستستمر هذه الحياة للأبد..توقف عن ذلك..”
مسح دموعه ليجيب بنبرةٍ راجفة
“انت..بلا مشاعر..”
“لا،الحياة مملةٌ فقط..”
عندها،يخرج من تحت وسادته محفظتة المتسخة،فتحها..ليضع بصورة تلك الفتاة على صدره و هو يردد
“ايفا…ارجو أن تكوني…على قيد الحياة..”
وليام…توأم ايفا..الذي حبس في القاعدة
او الأصح…مخبر التجارب..
يتعرض كل يوم لتلك التجارب الوحشية و القاسية..
و هو يصارع الموت،في كل ليلة..يبكي و هو يرجو أن يجتمع بنصفه الآخر..أخته التوأم إيفا
في ذلك الصباح اللذي لم يشهد وليام شمسه،كان يجلس يائسًا بلا هدف كعادته
ليتسلل لآذانه صوتُ صراخ
لكنه ليس كالصراخ اللذي اعتاد سماعه
لقد كان صوت احتجاج!
حركه فضوله ليتتبع مصدر ذلك الصوت
ليلمح ذلك الرجل الأشقر الضخم،الذي تخلل الشيب رأسه
رجل طويل،ذو قامةٍ مهيبة
يضرب شابًا نحيلًا اسمرًا ذو شعرٍ احمر!يرتدي نظاراتٍ طبية،و ملابس تدل بأنه احد العمال في المخبر
سقط ذلك الشاب،و قد تورم وجهه جراء الضرب،ليصرخ ذلك الرجل في منتصف العمر و صدى صوته قد تردد في الممرات
“لم تكن سوى نكرة!و ستبقى كذلك!توقف عن التدخل في أمورٍ اكبر منك و اذهب و أدي واجبك!إن لم تقم بعملك فسأخبر السيد سيبيستيان أن يعطيني الأذن بإعدامك!!”
نظراتُ تحدٍ اعتلت ذلك الشاب،لكنه نهض دون أن يرد عليه،و اخذ بخطواتٍ متباطئة يبتعد عنه،ليصرخ ذلك الرجل
“أ ما قلته مفهوم!؟”
ليشد ذلك الشاب على ذارع سلةٍ تحتوي بعض المعدات،ليردف بهدوء
“حاضر..مساعد لويس..”
ارتجف وليام فور مشاهدته لذلك المنظر،ليهرب بأسرع ما عنده الى غرفته،مغلقًا باب غرفته بعنف و قد تردد صدى اغلاقه
سقط على ركبتيه منهارًا..و هو يتخيل اسوء سيناريو قد ينتهي به..
ذلك الرجل المخيف،هو مساعد الرئيس سيبيستيان
تسائل وليام في نفسه..
ما الذي قد فعله ذلك الشاب ليتسبب بغضب المساعد لتلك الدرجة..؟
بخلاف المشاعر التي راودته قبل لحظات…
اخذت الإبتسامة تبان في ملامحه،و هو يتخيل الحياة خارج ذلك المخبر!
ليبدأ بقضم اظافره و قد تصبب العرق من جبينه،و أخذت ملامح تميل للقلق…
يا ترى…هل الحياة خارج المدينة آمنة أساسًا..؟هل إيفا و الآخرين ينعمون بالراحة و الأمان..؟
أم أنهم ربما..قد قتلوا!
في ذلك الصراع الداخلي،حسم وليام قراره!بأنه سيسأل ذلك الشاب الأسمر اللذي يعمل هنا!
خرج لتناول طعامه المعتاد،يجلس على تلك الطاولة الطويلة،و عينيه تبحلق في تلك القاعة الكبيرة،فتاياتٌ يدردشن سويًا،اطفال يلعبون في طعامهم،شباب يضحكون،آخرون يائسون..
لكن ذلك ليس ما كان يبحث عنه وليام!
يبدو بأن تلك القاعة الضخمة،لا تجمع سوى من يتعرضون لتلك التجارب،العمال يأكلون في مكانٍ آخر
تظاهر وليام بالشبع كعادته،فلم يعد ذلك الطعام المعتاد يشبع جوعه
اخذ بخطواتٍ متسارعة ليخرج،حتى سمع صوت احد العمال و هو يقول
“أين ستذهب يا رقم ثلاثة؟لم ينتهي وقت الطعام بعد”
توقف وليام عن الحركة،ليلتفت نحوه ببطئٍ و حذر،و قد اخذت ملامحه تميل للتوتر و الخوف
“لا أشعر…بأنني على ما يرام..أريد الحمام!”
اجابه و قد اعتراه الخوف
تنهد ذلك الرجل ليجيبه
“هل تحتاج لرِفقة؟تبدو شاحبًا”
اومأ بالنفي و هو يتراجع بعيدًا عنه ليجيبه
“ل..لا!سأتدبر أمري!”
ركض بعيدًا هاربًا منه،تاركًا ذلك الرجل في حيرةٍ من أمره
اختبأ وليام في الحمام لعدة دقائق
ففي أي لحظة،سينتهي وقت الطعام،و سيذهب هاؤلاء الأطفال لغرفهم لإستراحةٍ قصيرة،عادةً يحصل زخمٌ في تلك المدة القصيرة،قرر وليام استغلال ذلك الزخم و البحث عن ذلك الشاب الأسمر النحيل!
لحظاتٌ ليستمع لتلك النغمة الهادئة،نغمةٌ تعني بأن حدثًا قد انتهى..و سيبدأ الآخر
انطلق وليام راكضًا بأسرع ما لديه،باحثًا عن الشاب!
لتتوالى على ذكراه!تلك السلة..في يدي الشاب،كانت تحتوي ادواتٍ لشخصٍ يعمل في إصلاح الأشياء!إذًا..لا
بد أنه سيعثر عليه بالقرب من ألةٍ يصلحها،او في غرفة العمال!
بعد عشر دقائق من تفتيش اماكن الآلات،لا أثر له!ليلمح غرفة العمال التي قد فتح بابها!
فهذا هو وقت العمل بالفعل!لذا..هي فارغة!
لكن..فضول وليام قاده للداخل
فتح الباب ببطئ و مد رأسه شيئًا فشيئًا ليصدم بذلك الشاب ذاته!!يجلس في إحدى اركان الغرفة،و هو يضع الثلج على عينه اليسرى المصابة!
ليدخل وليام و يقفل الباب خلفه!
صدم ذلك الشاب من رد فعله!
ليصرخ بتوتر
“ماذا تفعل هنا أيهالطفل!؟”
اشار وليام له بالسكوت،ليقترب و يجلس بجانبه
التفت نحوه ليتسائل
“لماذا قام المساعد لويس بضربك؟”
عقد ذلك الشاب حاجبيه بإنزعاج لتطفله،ليخرج جهاز التواصل من جيبه،امسك وليام بيده و عينيه تتوسلاه أن يتوقف
ليردف الشاب
“كنت سأغلقه فقط،لا تفزع،لست سوى عامل يصلح الأجهزة”
ليبعد وليام يده بتردد،حينها،تنهد ذلك الشاب واضعًا كيس الثلج جانبًا،ليتسائل
“هل تريد الموت؟”
اومأ بالنفي بإستعجال و هو يقول
“اريد ان اعرف ما مررت به لا غير!”
اتكأ ذلك الشاب على الحائط،ليرفع رأسه للسقف،حينها تسائل
“ما هو رقمك بعد المليون؟”
“ثلاثة”
ابتسم ليجيبه
“رائع،انا مئتان و ثلاثة”
ابتسم وليام بدوره ليردف بهدو
“مئتان و ثلاثة….”
تغيرت ملامح وجهه لجادةٍ و خائفة،ليلتفت نحوه بصدمة،حينها همس
“مِئتان…؟”
اشار له بثلاث اصابع،ليردف وليام بنبرةٍ راجفة
“هل مئتان و سبعة هي قصةٌ حقيقية!؟”
توسع بؤبؤ ذلك الشاب،كأنه ألِف ذلك الإسم!
استقام ليردف بنبرته الجادة
“لا تذكر هذا الإسم امام بشري يعيش في هذا المخبر،أو ستكون نهايتك كنهايته!”
ذعر وليام ليمسك بكُم قميص ذلك الشاب،حينها قال
“هل تقصد بأنهم اعدموه؟!”
“لا…لقد هرب،لكن السيد سيبيستيان ارسل فرقة بحثٍ خلفه الى الخارج،و عندما عادوا،قالوا بأنه قد مات و مات من معه”
اخفض وليام رأسه ارضًا،ليتمتم
“لا بد..انه كان صديقك..”
اجابه ذلك الشاب بلا تردد
“إنه حيّ،انا متأكد”
توسع بؤبؤ وليام لثقة ذلك الشاب،كأنه يعلم شيئًا بالفعل،حينها وصل الخيوط في ذاكرته،ليردف بصدمة
“هل يعقل..أن ذلك هو سبب ضربك؟!”
إرتدى ذلك الشاب سترة عمله ليردف بهدوء
“لا تتهور و تعبث بالسجلات مثلي..ستموت لا محالة،مئتان و سبعة هو رقم محرم ذكره في هذا المخبر،سيقتلونك،لكنني أتسائل…”
التفت نحوه و قد ضيق بعينيه،ليمسك بنظراته و هو يتسائل
“لماذا يبحث طفل عاديّ مثلك في أمور كهذه؟الى ماذا تهدف..؟”
رفع وليام رأسه بعزم،ليردف بهمة
“سأنقذ اختي!”
نظر ذلك العامل اليه نظرةً دونيوية،ليضع الساق فوق الاخرى و هو يقول
“أ تريد الهرب؟”
توسع بؤبؤ وليام،ليومئ بالنفي و هو يقول
“ليس الآن…يجب أن اسوي بعض الامور…”
ابتسم ذلك العامل بثقة،ليردف بهدوء
“لدينا هدفٌ مشترك!لنتعاون!”
ابتسم الحظ لوليام،فقد عرض عليه المساعدة للتو شخص يعمل في المخبر!
اومأ وليام بالإيجاب ليردف هامسًا
“كيف اساعدك و ستساعدني على الهروب؟”
وضع بكفه على كتفه،ليردف بهدوء
“ستعبث ببعض السجلات لا أكثر…”