هَجْرَع. - 1
|
عِندَ دُنُوّ الشمسِ بسَطْوها على مرآك،
مثلَ تحذيرٍ ما، للتكفيرِ؟
للتَرهيبِ والتخويفِ..
تلك الفَجوةُ المُسيطرةُ علينا، بابتلاعِها الجَمر
ثانيةً والأُخرى تُرسلُـه عبرَ شراراتٍ حادة
تُصيبُ عينيْكَ بملوحتها..
طلبًا وحبًا؛ بالتَوقُفِ..
يا من لَم تَعرِف الحُب يومًا،
لعلّك تطلبُ المغفرة!
لكنَها تشرقُ يوميًا وأنت لا تُبالي..
صوتُ رسالةٍ نَصيّة أفاقَها من حالةِ التأمُّلِ التي
فرَضتها عليها هيبةُ الشمسِ، ذلك التأثير لم يضمَحلْ
حتى سحبَت الهاتف ورأت المُرسلَ،
فَتبسَّمت، وفتَحتهُ سريعًا تقرأ المَرسولَ.
عزيزتي أين أنتِ؟
لقـد وصلتُ.
رفعَت عينيها ترشُق جميعَ الجهاتِ بنظرَاتِها، مُتلهِفةً
للعثورِ على صاحبِ قلبها، اشتَاقَـته.
لكنّها لم تجدهُ. وصلتها رسالةٌ أُخرى،
ففتحتِ الهاتفَ لتطَّلِع عليها.
تَبدينَ جميلـةً وأنتِ تبتسمين.
اتسعت ابتسَامتها أكثر، وشَرعتْ في الكتابةِ لهُ،
تسألُه مكانَه.
– خلفُكِ.
جاءها صوتُه، وبدأ خفقانُها يشتدُّ قَبل أن تَلتفتَ حتىٰ،
ولم يسمَح هو بذلك بعـد، رغمَ اشتياقَه لرؤيةِ مَحياها.
ذِراعيه عانَقاها وشعورٌ بالأمانِ حلَّ بكلاهُما عندما استندا
إلى بعضهما في عِنـاقٍ يُطفِئ لوعةَ الاشتياقِ.
ولأن اللحظةَ كافيةٌ بالتعبيرِ عن جمُوحِ شوقِهما،
والفِعلُ كفيلٌ بالتَعبيرِ عـن القَول في علاقَتهما؛
صَمتَ كلاهُما، وظلّا على ذلك الحَال لدقائِـق كَثيرة.
الاحتضانُ يكفي لينقُل كُلّ شَيء.
دون النبث بحرفٍ واحـدٍ، حتى إن استدعى ذلك بعضَ النظراتِ السعيدة، أو أُخرى غَريبة إلى كلاهُما.
لا يُهم أيُّ شيء أو أحدٍ حولَهما؛
طالما هما معًـا.
–
ما يصدحُ في المكانِ؛
أصواتُ تصَادُم الأشواك بالأواني وإلى الأفواه،
مطعَمٌ فاخِـرٌ بأضواءٍ وأجواء كلاسيكية تُساعد
في الراحةِ بين الثنائيّـات دون إزعاجهم.
لكن ليـسَ تمامًا مثلما يفعل الآن النـادلُ صَوب أحدِ الطاولاتِ التي تنتَصفُ المكـان، برفقةِ صديقـه يضعَان ما قَـد طَلبتهُ الزبونةُ لها ولحَبيبِها.
ذلـك ما يتمنَّاهُ النادلُ الذي يختَلِسُ النظرات
إلى تلـك الجميلـة أمامه دون أن يشُكّ به أحدٌ.
هذا ما ظنّـه لأن صديقـهُ يركُل قدمهُ من الأسفلِ؛
مُحَاولاً صرفَ انتباهه عنها، فقـد لاحظَ رفيقُها نَظـرات النـادل. وذلك لا يُبشرُ بالخيـر..
تنفَـس برويـةٍ؛
الأمرُ لا يستَدعـي كُلّ تلك الأفكار، صحيح؟
لا حاجةَ لأن يشتَدَّ غيظهُ فقط لأن هُنـاك من يتأمّـلُ
حسنَـاءَه، ويُطيـلُ النـظرَ بهـا أمامه بكلِ تلك الوقَاحة.
لا بأس..
– شكرًا لـكَ.
وهذا ما نَطقَ به بكُـل رزانـةٍ للنـادلين قبل انصرافِهُما.
تنفَسَ بعُمقٍ قبل أن يبتَسم لها بهدوءٍ، بالكـادِ ابتسم..
لكنّـه اهتم بوضعِ الطعَام قُربَ صحنِها، وتَقطيع شرائـحَ اللحمِ لأجلِها بينما قطعَتْ شرودِه بسؤالٍ ما:
– هـل أنتَ بخيـر؟
حَمحمَ حنجرتهُ مع تشابُـكِ خطّ حاجِبيـه في قولهِ،
ولم يخفَ عن الأُخرى تفصيلٌ مثلُ ذلـك.
– كيفَ لا أكـون وبِصُحبَتـي جُلَّ الجَمـال ؟
أتساءل إن كُنتِ عزبـاء بَعـد آنستـي!
وضَعتِ الشَوكـةَ من يدَيها وأجمعت شعرَها إلى جهةٍ واحدَةٍ، مع تشابُكِ أطـراف أصابِعها، مُستنِدةً إلى الطاولـةِ وبحركـةٍ أقرَب لمُضطَربِ القلب.
– طَريقةُ سؤالكَ بها بعض الظَن قليلاً،
هـل تشُك أنّ بي “مُعْظمًا” فحَسب؟
نَظـرت لـهُ وكُلها يقين بتَأثيرها عليـه،
ضَحكت برِقةٍ عندما ابتَلعَ ريقهُ وأبعد نظَره عنها.
وأكمَلـت تُجَاوبـه.
– أما عَن سؤالكَ،
لمَ هل تعرفُ أحدًا؟ ربما مَـن تَجلبـه ليس نَوعي المُفضل!
فَاهت بحماسٍ تَلعبُ على أوتارِه..
بطُرقٍ عَديدة هي تفعلها دومًا.
لـذلك أستقَام يُشارِكها اللعِبَ،
تتبعتهُ بعينَيها وهو يتقدم منها، ليركَـع أمامها
وتواصـلتِ العيون. لا يرغب أيّ مِنهما قطعهَا، لكنّه أضطرَّ
وبصعوبـةٍ إبعاد عينَيه عن جَميلَته..
ليُفرق شعرها مُجددًا إلى جانبيها، يُخبئ الظاهِرَ منها
بلهفةٍ كما ودَّ، لو استطَاع وضعَها بِداخـلِ أضلُعهِ لفعَلَ؛
عسىٰ فقط ألا ينظُر لها أحـدٌ غيرَه!
فَهو المُتيّم بحَسنَاءَه..
ظَلّ هُناك، قريبًـا منها
لا يبتعِـد.
– أعرِفُـه جيـدًا يا حَسْنَائي،
أعـرفُ نوعكِ المُفضـل من الرجال.. جيدًا.
سَحب المَنديـل من على الطاولةِ، ومرّرهُ على شفَتيْها
بتَريُّثٍ يُمحي مُلمِعَ شِفتيها بحَذَرٍ، ليسَ وكأن دواخِلـهُ تقتادُ ولعًا من غيرَتـهِ، وحتمًـا ذلـك السبب؛ هي سَلمَته قلبَها.
مهما كانَ شُعورُه، هو لا يُؤذيها أبـدًا،
سيتعامـلُ معها بأرقِّ الطُرُق التي وُجِدتْ، إن لم توجد؟
سيَخلُـق الحُسنَ معها.
يتعاملُ وكأنه يُمـرّرُ أصابعه على أثمنِ شيء وُجِدَ ، وهي كذلـك فعلاً لَـه.
أثـمـنُ شيء على أرضـهِ.
– ليـو..
تفَوهت باضطرابٍ لقُربـهِ، بالكادِ تستطيعُ أخذَ انفاسِها
بسبب أفعَالـه تلك!
هَمهمَ بدون ردٍّ، فقط يستَكملُ نَحتَه على تلـك الحُوريـة
خاصَّتـه، ببراعـةٍ في سَلبِ شعورها وهي.. إليـه.
فضَّلت إغمـاضَ عينَيها على مُقابَلـتهُ بتلـك المسافةِ،
ومُحاربـة كُل شُعورهَا الذي يفتَعلـه بدواخِلها.
أنّبتْ نفسَها، هي السَبب بذلـك..
سَمعت قهقهتهُ فالتفتت لـهُ تؤنِبه بنظراتها قبـل أن تَصيحَ
به، وهو بعدمِ اكتـرَاث عـادَ مكانـهُ يجلـسُ في كُرسيـه،
بِبذلـتـه شَديدة السَواد يضعُ قدمًا على قـدمٍ.
– أنـتَ لئـيمٌ ومُنتَهزٌ للفُرص!
– وأنـتِ لـي!
عُقِلَ لسانُها وبَرقَـتْ عيناها، يستَصعبُ اللعـبُ مع الرجَال
حقـًا، بـل ما جُنَّ صوابُها لـه عندما رأت بقايا حُمرتها على أصابِعـه، يمتَصُها لإزالتها ، والمـنديـلُ قـد وضعهُ بجيبِ بذلتهِ.
وبـاشَـر بِالطعَـام، فقـط!!
هكـذا هُم حيَاتهم سَهلـة؟؟
– ألـن تتنَـاولـي طعامكِ؟ هل أُطعمكِ؟
– كلا شُكرًا!
أخـذتْ تضعُ قِطعَ اللحم في فمِها على عَجلٍ، وأشـارتْ بكلتا يديها أن الأمـر تَـم، وهو قَهقه على أفعـالهـا.
وابتَسمتْ تبـادلـهُ، متناسيان أيًّا ما كـان قبلَ قليـل.
ليست أولَ مـرّة تحدُثُ بينهم على أي حالٍ، المناكفَـاتُ والتدليلُ موجودان دومًا مِـنه ولها فقـط.
وهي لا تعتَرضُ أبدًا، حتى لأفعالـهِ التي أحيانًا لا تتماشىٰ
مع رزانَتهِ!
لكـن.. ستَكذبُ إن نَفت أفعالَـهُ، وأنها لا تُحِب هذا منـه،
تُحب رزانَتـهُ وعقلانيتـه، إلا مَعها يكـون شَيئًا آخر
عن الجَميع.
شَيئًا مِـنَ الجُنونِ، هو ذاك المعنى.
_