أسطورة الفتاة الوحش - 1
هواجس الحلم
عام 1997
في قرية هيروشي كان هناك منزل صغير مبني على سفوح الجبال تعيش فيه عائلة مكونة من أب وأم وطفلة حمراء الشعر من ذاك المنزل سيبدأ كل شيء، خرجت حمراء الرأس بأقصى سرعتها حاملة ابنتها ذات السبع سنوات والتي كانت تحمل نفس لون شعرها تمسكت البنت بأمها غير مدركة ما سيحدث لها، فجأة اخترق سهم مضيء ظهر الأم فسقطت أرضا ولم يمر وقت حتا اخترقها سهم اخر في ركبتها عرقلها عن الحركة، لحقهم الاب وقد كانت الدماء تسيل من كل مكان من جسمه ،اقتربت الام نحو ابنتها التي تجمدت من الصدمة فعانقتها بقوة وبدأت تتكلم بنبرة تدل على الحسرة .
ـ”ميروكو” عزيزتي أسفة لأني وضعت عليك هذا العبء لكن قد فات الأوان على التراجع لذا عليك أن تبقي سعيدة بالرغم من كل ما سيحدث لك.
ـ أمي لما تقولين هذ؟ هل ستتركينني؟…لا تفعلي أرجوك..
كانت الأم تختنق من الداخل لم تكن تريد تركها وخصوصا بعد ما سمعت كلامها فهمت بعناقها مجددا وهي تكرر عبارات الاعتذار لم يتحمل الاب رؤية منظرهما فتقدم نحو ميروكو وبدأ يمسح رأسها بلطف حتى وصل لوجهها فمسح دموعها وقال بصوت متقطع متحملا ألم جراحه العميقة وكان وجه ميروكو قد امتلأ بدماءهما.
ـ لم يتبقى هناك وقت لشرح ما يحدث لكن عليك أن تعلمي شيئا واحدا وهو بأننا نثق بك و بالقرارات التي ستتخذينها مستقبلا أرجوك عديني أنك ستحمي إرثنا من ملك هيروم القادم……لا تدعيه يمسك بك مهما يحصل….. قد لا تفهمين هذا الآن لكنني مؤمن أنك ستفعلين الأفضل من أجلنا
قالها وكأنه كان يحسب الدقائق بدقة فقد سقط ميتا بطعنة قاتلة من شخص مجهول ولم يتوقف حتى طعن الام أيضا فمات كلاهما تاركين ورائهم ثقلا كبيرا على تلك الفتاة التي تجمدت مكانها لثواني ثم صرخت بأعلى صوتها تبع ذلك انفجار مدوي من الطاقة، حينها شهدت هيروشي على كارثة عظمى.
2003م
في اليوم الأول من شهر سبتمبر سطعت الشمس على قرية هيروشي مبشرة بيوم جديد وفرص اخرى، حتى لو كانت السابعة صباحا فإنكَ تسمع صوت الحياة فضجيج السوق كفيل بذلك ،هناك من يبيع الخضر وهناك من يبيع اللحم وعندما تمشي قليلا تجد النساء مصطفات نحو بائع الأقمشة الذي جلب بضاعة جديدة من هيروم ذاك قماش حريري وذاك قطني، حتى اذا تشابهن فيما سيشترينه علت أصواتهن وهممن بالشجار، تقدم قليلا لتجذبك رائحة العطور والمسك ممزوجة برائحة الحلوى والمعجنات، فتبقى تائها بين سعادة انفك وبطنك، سر بثبات لتسمع أصوات كبار السن الجالسين على كراسي منتظرين طلبياتهم وقد ملأت رائحة الكافيين والسجائر المكان، وبعد أن تأتي القهوة تبدأ حكاياتهم عن الصغر وكيف كانوا شجعان رغم صعوبة الحياة، حتى اذا مر شاب أمامهم قالو يا أسفاه على هذا الجيل لو كانوا مثلنا فقط، انتهينا من السوق وما جاورها الان جاء دور المنازل فهي ذات هندسة بسيطة ومتشابهة تقريبا لولا اختلاف السقوف والألوان، هناك تجد ضجيجا من نوع اخر فهؤلاء الأطفال قد اخترعوا لأنفسهم العابا لتمضية اوقات فراغهم الكبيرة، و على بعد ثلاث منازل تجد أشجار الصنوبر العالية وبينهم تأخذك الطريق لأخر منزل في القرية، تعيش فيه امرأة ستبلغ الثلاثين قريبا مع فتاتان في الثانية عشر من العمر، كان هذا يومهما الاول في السنة الثانية من الاعدادية بعد عطلة طويلة، استغربت الأخت الكبيرة كيف استيقظت واحدة وباشرت بتناول الفطور بينما الاخرى لا أثر لها، فذهبت تتفقد الأمر لتجدها لازالت نائمة بعمق وكأنها لا تحمل هما، تقدمت نحوها وبدأت تنادي اسمها.
ـ “تسوبارا” استيقظي يا فتاة…ستتأخرين كالعادة و”كورين” لن تنتظرك طويلا
تقلبت للجانب الاخر وكانت تتمتم بكلمات متقطعة بتذمر
– ليتك تخرس قليلا… .يا لك من غبي
بينما “تسوبارا” تتمتم في نومها كانت المرأة التي تسمى” كاكي” تسمع ما تقوله وكأنها كانت تقصدها في كلامها، فتملكها الغضب وضربتها على رأسها بقوة جعلتها تصرخ بأعلى صوتها فلما أفاقت من الغيبوبة رأت “كاكي” تنظر لها بغضب مما جعلها تتجمد في مكانها فهي تصبح مرعبة عندما تغضب، ابتسمت “تسوبارا” لها ببراءة وهي تحك مكان الضربة.
ـ يبدو أني بالغت مجددا….حسنا سأجهز نفسي في خمس دقائق أو أقل لذا لا تغضبي اتفقنا
ـ أنتِ حمقاء لكن من الصعب علي أن أكرهك
ابتسمت لها تسوبارا وذهبت الى الحمام فغسلت وجهها وبدأت بتمشيط شغرها الأحمر القصير وبينما هي تجهز نفسها، فجأة مر عليها كالبرق شريط ذكريات لرجل وامرأة لم يظهرا لها بصورة كاملة و لقد كانت الدماء تملؤهما وكأنهما يحتضران، جعلها ذلك تذرف الدموع دون ادراك منها فهي قد فقدت ذاكرتها خلال حادثة ميراي ولا تذكر سوى أنها عاشت في الماضي مع أخوين أحبتهما كثيرا ولكنها اختطفت على يد بعض قطاع الطرق الذين أرادوا بيعها لعِرقِها النادر لكن” كاكي” انقذتها وتبنتها وهي الان تعيش معها بينما الفتاة في حيرة من امرها ايقظها صوت تلك المرأة الطيبة
ـ” تسوبارا” ما بك فجأة هل هذا كله لأنني ضربتك…متأكدة من أني لم أضرب بقوة تجعل فتاة مثلك تبكي
ـ لا ليس هذا الامر هو انه رأيت شخصين لا أعرفهما قالا لي بأنها يثقان بي وبما سأفعله مستقبلا وأن على حماية شيء ما لكن لا أذكر ماهوا؟……تذكرت انها الجوهرة الملتصقة بي….عليَ حمايتها لكن لماذا؟
أدركت كاكي ما كانت تعني بسرعة تسوبارا قد بدأت تستعيد ذكريات سيئة عن ماضيها بالتأكيد هي لن تخبرها لأن هذا أفضل لها ولقريتها فإذا علموا بأمرها سيقتلونها أو يطردونها لذا حاولت ان تنسيها بقدر الامكان وبدون انذار نادت كورين فجأة
– تسوبارا ما الذي تفعلينه عندك هيا لقد تأخرنا
– هذا سيئ جدا سنعاقب حسنا وداعا” كاكي” اراكي لاحقا
خرجت تسوبارا بسرعة وبعض من الفطور لازال في فمها وذلك لكي تلحق بكورين التي سبقتها ببضع أمتار لكنها واكبتها فيما بعد، عندما أدركت كورين أن تسوبارا لحقت بها زادت سرعتها وما لبث أن تحول لسباق بينهما وبعد نصف ساعة وصلتا للمدرسة وقد كانتا تلهثان من شدة الركض وما زادهما تعبا هو أن الجرس لم يرن بعد فسقطت تسوبارا على ركبتيها من التعب
-انا لن أنتظرك مجددا كدنا أن نعاقب بسببك
-لا تبالغي فقد وصلنا قبل رنين الجرس……….أنا متعبة جدا كيف سأكمل دوام اليوم
-كفي عن التذمر….سأشتري لكي عصيرا أو ما شابه
لمعت عيناها بفرح كبير فهي من النوع الذي يتم اغراءه بسهولة وكورين من النوع الذكي الذي يستغل نقاط القوة والضعف غلى حد سواء فعندما تواجه مشكلة مع شخص قوي فإنها تعتمد على تسوبارا لحله بسهولة وأما الثانية فتعتمد على كورين في فترة الامتحانات وهكذا فكل منهما تكمل الأخرى بطريقتها، وقفت تسوبارا بحماس وقالت
-احقا ستفعلين….لا يوجد أفضل من عصير مجاني
-لعلمك فقط اذا تأخرت مرة اخرى فستنفذين أوامري لمدة شهر
-لعلمك فقط..لست أنا من مكث وقتا طويلا في المرآة…..لذا كفي عن فرض سيطرتك كلما سنحت الفرصة
-لهذا السبب بالذات أنا أجمل منك….ايها الفتى تسو
قالت هذا عمدا كي تغيض تسوبارا ثم ركضت فاحمرت وبدأت بالركض ورائها لأن هذا هو لقبها عندا أتت أول مرة وبدأت باللعب مع الأطفال ناداها أحدهم بالفتى تسو ظنا منه أنها صبي لقصر شعرها فاعتذر بعدها لأنه لم يقصد لكن البقية اتخذوها مزحة لكن اخر فتى نادها بذلك اللقب انتهى به الأمر عند طبيب الأسنان بسبب تحطم معظم أسنانه بلكمة لحسن حظه أنها كانت أسنانا لبنية ،لكنها بعد ذلك تلقت توبيخا من طرف كاكي فقد أمرتها أن تخفف من لكمها لأنهم ضغفاء ولن يستطيعوا مجارات قوتها وهو ماأدهش الجميع ومنذ ذلك اليوم ظلت تذكرها كورين بهذا اللقب من حين لأخر وهي على عكسهم لن تتعرض للضرب ، لم يستطع أحد العبث معها حتى بنية المزاح الا شخص واحد كان يملك حصانة من نوع اخر وقد كان يحضر لشيء ما لكن تسوبارا لم تلاحظه،بدأت فترة الدروس الطويلة التي كانت تسوبارا نائمة في معضمها فتركيزها منخفض جدا وهذا ماتعودناه من الأشحاص الذين يمتلكون قوة كبيرة فعادة مايكون ذكائهم متوسط أو أقل لكنها قاعدة غير قابلة للتعميم، حل المساء وانتهت فترة الدروس ومن الحماس لم تكن تسوبارا مدركة فقد ركضت مسرعة قبل الأستاذ نحو الباب لكنها تجمدت فور أن أدركن أن دلوا من الماء البارد قد انكب عليها فأصبحت مبللة بشكل كامل ،بشكل ما استيعابها وصل لأعلى مستوى وأدركت من كان السبب فور أن سمعت ضحكته الساخرة فأظلم وجهها واستدارت له بملامح جعلت الجميع يتجمد من الخوف الا كورين التي خرجت ببطئ وبدون خوف
-لا عليك موتسو…..سأدفنك دفنا لائقا ثق بي
وخرجت كورين وتركت ميروكو تفرقع اصابعها وتبتسم بشر محدق وهي تقول
-أنت……..هالك……اليوم
لم ينطق موتسو بحرف واحد واسرع نحو النافذة وقفز فورا لأنه كان المهرب الوحيد ولحسن حظة قسمهم منخفض
-هذا سيئ سأهرب الآن…..يجب أن لاتلخق بي مهما حصل…..لكنني لم ابالغ… لقد عملت على خمس مقالب في الأسبوع خصيصا لها فقط….
ركض بأقصى سرعة لدية حتى ابتعد من المدرسة سالكا طريقا كان يتخذه للهروب وقد كان عبارة عن جبل يقع فوق اخر منزل في القرية،أخذ نفسا عميقا وصرخ بأعلى صوته
-الحقيني الان أيتها الغوريلا الحمراء
-ممن أنت تهرب بالضبط
تجمد من الخوف فور أن سمع الصوت وفتح فمه حتى كاد أن يصل للأرض فقد كانت الحمراء تقف مجهزة لكمتها لتأخذ انتقامها وبعدها علا صوت اللكمات الذي جعل الغراب والحمام يطير بعيدا،بعد دقائق كانت تسوبارا تمشي وتهمهم برضى مع كورين وموتسو الذي كان يمشي ورائهم بوجه منتفخ وقد بدأ يشعر بالذنب
-تسوبارا…..ألم تبالغي هذه المرة…..مقلب الثعبان كان أقوى من هذا لكنكي اكتفيتي بالصراخ فقط في ذلك الوقت
-رجاء…..لا تذكري الثعابين أمامي مجددا
-فهمتك…لم تتخطي بعد
فجأة ادركت تسوبارا ان موتسو قد توقف وابتعدتا عنه فنادته صحيح انها تفقد أعصابها في لحظة لكن الندم يظل يساورها بعد ذلك
–
-موتسو…..الن تأتي…..ستعالجك كاكي
-لابأس….سأدبر أمري
-أسفة…فأنا أفقد السيطرة عندما أغضب….لكن هذا لايعني انه ليس خطأك
-ومن قال اني غاضب بهذا الشأن……أنتي لم تؤلميني اطلاقا
قال بثقة رافعا صدره وبدأ يقهقه بصوت مزعج ،فغضبت تسوبارا وتذمرت من عدم شعوره بالذنب
-ياليتني لكمتك أكثر ….متى ستكف عن هذا فعلا
-لن أجيب عن هذا
-أحمق
-توقفا كلاكما هل من الضروري أن تعيدا نفس القصة كل يوم
وصلو للمنزل وقد اهتمت كاكي بجراح موتسو وعاتبت تسوبارا كثيرا حيث عاقبتها بأن تقوم بالأعمال المنزلية لمدة شهر وقد كان أكثر شيء تكرهه، بعدها غلف ظلام الليل القرية وقد همت الحمراء بتجهيز مائدة العشاء الذي حضرته كاكي والذي كان عبارة عن حساء الدجاج مع سلطة وخبز وبعض الفاكهة الموسمية التي كانت تزرعها منذ أقامت في هيروشي، جلسوا على تلك الطاولة المستطيلة التي صنعت خصيصا لهم، بعد أن باشروا بالأكل هموا بالحديث عن يومهم وكالعادة فتسوبارا أكثرهم صخبا فلم تتوقف عن الحديث حتا النهاية ، هكذا مضى يوم تلك الأسرة الصغيرة التي لو رأيتها لحسبتها تتكون من أم وابنتيها لكن الحقيقة ليست دوما ما نراه خارجا فلكل واحدة منهن قصة لاتشبه الأخرى الا أن القدر قد جمعهن تحت سقف واحد وجعل بينهن ذاك الكم الكبير من الروابط الخفية التي نشأت بينهن مع مرور الوقت مع هذا فيجب على بعض الأمور أن تنكشف مهما كانت خطورتها ويجب علينا تقبلها مهما كانت ،ظلت كاكي تفكر في الخبر الذي قيل لها من قبل فقد خافت من أن الفتاتان ليستا جاهزتين لأمر كهذا لكنها تذكرت من تكون تسوبارا ومن تكون أختها فنادتهما الى غرفة المعيشة وقد لاحظا هدوءها الغريب فجلستا على الأرض وقد كسرت كورين صمتها
-كاكي…هل أنتي بخير..انتي لم تصرخي علي منذ ساعة ..
-هل اعتبر هذا قلقا ياترى ؟-نبرة سخرية-
-لاتبالي بكلامها اختي…مع هذا فأشعر أن هناك الكثير من الكلام يريد الخروج من فمك ..
-حسنا لن أستطيع إخفاء هذا على أي حال……..اسمعاني كلاكما…..بعد سنة من الآن…هناك حرب قادمة
قالت بكل جدية مما تركت الفتاتان مصدومتان