أنا وحيدٌ مع قلمي - 3
– “كيف حالك يا صديقي قلم ؟! اِشتقت إليك !!”
– “وأنا أيضاً اِشتقت إليك، أظننا عدنا من المدرسة في نفس الوقت، أليس كذلك ؟!”
– “بلى، لِتَوّي دخلت البيت” .
– “حسنًا .. إذن أخبرني كيف كان يومك الدراسي ؟”
تكلّم يوسف بكل شغف عن يومه الدراسي .. وكأنه شاعرٌ يودّ نيل رضى أميره؛ فتراه يلقي بحرا من الأوصاف والقصائد، ليُشعِر أميره بأهميته عنده.
كان يوسف في المطبخ يحضر وجبة الغداء عندما سمع أباه يصرخ في هاتفه على أصدقاءه .. سمع كلامًا متقطعًا وحاول ربطه : “اِنتهت المهلة يا أبا بوسف .. أما بعد خمس ساعات .. أو الموت لك ولعائلتك”. وكلام آخر مشابه لهذا .. لكنه لم يفهم وظن بأن سمعه قد خانه، لذلك اِنتظر ساعة الهدوء ليدخل على أبيه ويسأله .
– “ماذا أراد أولئك الرجال يا أبي ؟!”
– “لا تخف يا ولدي، لا شيء خطيرًا قد حصل، كما أن ما قالوه ليس صحيحًا.”. رد الأب بنبرة هادئة .
– ” لستُ خائفًا، بل إني أسأل عمّا يريدونه منك، أنا آسف” . قال يوسف بخوف وتعجب .
ترك الأب يوسف وأخذ يسرع نحو الخارج . ليقطع كل حبال الاستقرار العاطفي داخل ابنه، بقي يوسف وحيدًا.
– هل يمكنك إخباري عن عنوان بيتك يا قلم ؟! أرسل يوسف رسالته لقلم .
– نعم بكل تأكيد، عنوان بيتي هو …
أرسل قلم عنوان بيته ، فاِتضح أنه يبعد عن منزل يوسف مسافة خمس دقائق سيرًا على الأقدام .
– أمر عظيم !! ما رأيك أن تأتي لنلعب في جهاز ألعاب الفيديو ؟
– لكن ماذا عن أمك وأبيك ؟ ألن يعودا ؟
– كلا لن يعودا اليوم ولا غدًا، سيطول أمر عودتهما .
– كيف كنت تعيش مع أخيك أثناء هذه الحالات ؟!
– كفاك خوفًا من والدي، تعال وحسب !
لعب يوسف مع قلم الكثير من الألعاب، ثم شاهدا فيلمًا، بعدها استمتعا بوقتهما أثناء إعدادهما لكعكة، لكنها احترقت للأسف .. ثم حاولا مرة أخرى ونجحا في طبخها.
بعد ذلك فقدا عقليهِما !! فأخذا يصرخان ويلعبان بجنون في أرجاء البيت، أخذ يوسف يلعب مع قلم جميع الألعاب حتى أرهقه .
رمى قلم بجسده على الأريكة والعرق يسيل من على جبينه .. ليغلق عينيه قليلًا بينما كان يوسف يجمع قطع الشطرنج ليلعبا معاً .
– “قلم أين أنت ؟” صاح يوسف في كل أرجاء البيت باحثًا عن قلم .. لكنه لم يجده في أي مكان !!
– “قلم هل أنت في الحمام ؟!” كانت هذه آخر محاولاته في البحث عن قلم الذي أرعبهُ اختفاءه للغاية.
– “أجل .. اِنتظرني لأغسل وجهي ثم أخرج”. رد قلم الذي كان يستمع دون أن يفكر في الرد .
– “حسنًا “. قال يوسف .
– “أنهيتُ غسل وجهي يا يوسف، يمكنك استخدام الحمام لغسل وجهك أيضًا “. قال قلم بصوت عالٍ ليصل إلى يوسف .
– “غسلتُ وجهي قبل قليل لا عليك، لكن الآن ما رأيك أن نلعب الشطرنج يا قلم ؟”
اِنتقل قلم خلف يوسف و صاح :
– “ألا يكفيك ما لعبناه أيها الغبي الضعيف ؟!”
تجمّد يوسف مكانَه وانتشر الرعب في جسده، التفت إلى قلم :
– “ماذا قلت ؟”
– “ما بك ؟ لم أقل شيئًا “.
– “لكنك قمت بإهانتي” . رد يوسف متعجبًا .
– “وهل هناك مشكلة في ذلك أيها الغبي ؟!” . كبُر حجم رأس قلم واِحمرّت عيناه ليملأ غرفة اِستقبال الضيوف .. كاد يوسف أن يُسحق بين رأسه والجدار .. أخرج قلم صوتًا يقدر على سماعه جميع سكان الأرض من قوته و اهتزازه العظيم :
– “مات أخوك بسببك أيها الفاشل عديم الفائدة .. فاشل في تنظيم حياتك وحياة والديك، لديك القدرة على إنقاذهم، فلِمَ لا تقوم بذلك ؟!”
كافح يوسف محاولًا طلب المساعدة، لكن دون فائدة .. لقد فقد وعيه .
– “اِستيقظ يا يوسف !”. صرخ به قلم .
اِستيقظ يوسف مرتعبًا ثم قفز من مكانه مبتعدًا عن قلم :
– “هل أنت شيطان أم ساحر ؟؟ أحقًا أنت قلم !؟”
– “يوسف اِنتبه يا صديقي !! لا تدمج بين أحلامك والواقع .. كنت نائمًا وتصرخ !!”
– “لا يمكنك خداعي يا قلم !! أنت لست حقيقيًا !! أين قلم الحقيقي ؟!”
وقف قلم أمام يوسف واِسوَدَّ وجهه بالكامل :
– “يا يوسف أنا قلم الحقيقي ولا يوجد غيري “. تكلم قلم بنبرة صوت خشنة مرعبة وقد اكفهرّ وجهه .
أسرع يوسف نحو المطبخ ليأخذ السكين قبل قلم .
أتى ظله لينشُر الخوف في جسد يوسف، نطق قلم برويّة وصوت خفيض مخيف دبَّ الرعب في قلب الواقف قُبالته :
– “أترى يا يوسف؟ أفكارنا متشابهة، أنا أنت.. وأنت أنا يا صديقي “. وقف قلم عند الباب .
– “أُحذرك من الاقتراب !! سأطعنك في قلبك مباشرة”. صاح يوسف ، ثم رد على نفسه بصوت قلم :
– “أتطعن نفسك أيها الغبي ؟!!”
ركض قلم نحو يوسف وأمسكه بيديه ذات الأظافر الطويلة من رقبته وأخذ يرفعه :
– “أتعلم أن تجاهلك وإهمالك قد أوصلانك لهذه المرحلة يا يوسف ؟! لقد حمّلت نفسك أكثر من طاقتها وأنت تحاول تحمل مسؤولية الجميع .. من تظن نفسك بحق السماء ؟؟!!”
حاول يوسف أن يفلت من بين يديه لكنه لم يستطع :
– “أت..ررك..ننييي !!!” حاول أن يلتقط أنفاسه .
اِزرَقّ وجهُه وخارت قُوّته . فقد وعيه ثم أسقطه قلم أرضًا، فخرج قيءٌ من فم يوسف .
رفع قلم يده اليمنى ليغرس أظافره في عينين يوسف .. فقاطعه صوت طرق الباب .
صحا يوسف من نومه مرتعبًا في غرفته :
– “أوه !! أنه حقًا لحلم عجيب” .
– “يوسف هل نمت ؟! لماذا تأخرت ؟!” سأل قلم يوسف الذي كان يقف عند باب المطبخ .
– “نعم نمت دون قصد .. كما أني حلمت حلمًا مرعبًا” .
– “ماذا كان ؟!”
– “ليس بالشيء المهمّ ، لا عليك” .
– “إذن أمسك صحنك، هذا هو عشاءك ما رأيك به ؟”
– “أحب الدجاج كثيرًا !!” رد يوسف مبتهجًا .
– “رائع !!”
طرق الباب مرة أخرى .
– “سأذهب لتفقُّد الطّارق” . قال قلم .
فتح الباب فوجد ثلاثة أشخاص كلٌّ منهم يرتدي بدلة سوداء :
– “كيف حالك يا يوسف ؟! ما هذا القلم الرائع الذي في يدك ؟!”
ترك قلم -صديق يوسف- القلم من يده .
– “أنا بخير .. تريدون مني أن أنادي أبي مثل كل مرة أليس كذلك ؟!”
رفع أحدهم المسدس أمام وجه يوسف الذي يقف أمامهم، ضغط على الزناد مُطلقا رصاصة نحو يوسف الذي سرعان ما سقط أرضًا مفارقًا الحياة.