أنليف و فيلنا - 3
◇الفصل الثالث : المنظمة و الانقلابات
داع خبر شنق “بافلوس بيلفيغور” في أرجاء الرومان، مما ترتب عن ذلك ظهور العديد من الأشخاص الذين يعترضون هذا الفعل الذي قامت به الامبراطورة، وعبَّروا عن غضبهم، و من بينهم رجال الدين.
فمعتقداتهم تعتبرُ العائلة من الأمور المقدسة. لكن رغم هذا، توجد طائفة ممن يؤيدها بما أن “بافلوس” هو القاتل المزعوم، يرون أن لها الحق في الانتقام لأمها والتخلص من المجرم.
تحت هذه الظروف، إحدى المنظمات السرية التي انضم لها كثيرٌ من النبلاء والشعراء وأصحاب النفوذ، يترأسها نبيل يُدعى “أسموديوس” والذي ينظرون إليه على أنه الإمبراطور القادم، استغلَّ هذا الصراع بين الشعب من أجل الإطاحة بالامبراطورة وتشويه سمعتها.
وقد كانوا السبب في انتشار بعض الشائعات عن الامبراطورة “فيلنا” ، أبرزها يقول: ^الامبراطورة هي المسؤولة عن قتل أمها “بيليا” ، واتَّهمت الوريث الشرعي “بيلفيغور بافلوس” ثم قتلته أيضًا لتحظى بالحرية في حُكمِها وتحصل على السلطة المُطلقة، و الدليل هو عدم حزن الامبراطورة على والدتها وعدم الإشفاق على أخيها.^
“لكن هل يشفق أحدٌ على أخيه عندما يقتل أمه؟ “
بعد شهرٍ من إعدام “بافلوس” ، صارت هذه الإشاعات منتشرة بشكلٍ كبير وواسع كانتشار الطاعون، فالشعب الروماني قد وجدها منطقية ومُفسِّرة للموضوع الذي يكسوا هذه الأحداث، فصاروا يطالبون بإسقاط “فيلنا سامنييس” من العرش.
حتى لا تدري الامبراطورة اليتيمة ” فيلنا ” شيئًا مما يجري في الرُّومان من صراعات وشائعات وغيرها …
حرص نائبها المُخلص “أنليف” حرصًا شديدًا على عدم تسرُّب هذه الأخبار المشؤومة لها، كما أنه أوصى كل من يتواجد في القصر بالالتزام بالهدوء و عدم النُّطق بكلمة، من ينقضُ أمره؛ عُدِمَ كباقي الخونة والخوارج.
لطالما اهتم ” أنليف” بمثل هذه الأمور من أجل إراحة امبراطورته الشابة التي لم تتخطى الثالثة والعشرين من عمرها بعد.
ظلَّ التنظيم يكبر وينمو حتى صار خطيرًا على “فيلنا”.
لاحظ ” أنليف” ذلك وبدأ بتحركاته الأولى من أجل وضع نهاية لهذا التنظيم.
استغرق يومًا كاملًا يتجسس عليهم حتى خَلُص بلائحة بها جلُّ أسماء الأعضاء المنخرطين في التنظيم، وسجل معلومات عنهم تخُص حياتهم ووضعيتهم وغيرها…
حيث يضم التنظيم رجالا فحسب، وما لم يكن في حسبان “أنليف” هو أن أحد هؤلاء الرجال هو مستشار الامبراطورة، يُدعى “بوروديتسيو” ، وقد كانت مكانته كبيرة في القصر الامبراطوري.
توجد امرأة واحدة في هذا التنظيم تدعى “ريميسا” ، فنظر “أنليف” لها على أنها نقطةُ ضعفٍ لديهم لسهولة استغلال امرأة والتلاعب بمشاعرها. لذا سوف ينتظر الفرصة المُناسبة للقبض عليها.
في اليوم التالي، كانت “ريميسا” قد خرجت من بيتها متجهةً لمقصدٍ ما، فاستقلت عربتها وأذنت له بالانطلاق.
تحركت العربة.
لكن “ريميسا” لاحظت أن السائق يقودها لوجهةٍ غير وجهتها، حيث قالت:
_ ماذا دهاك يا “شيتوس” ؟ هل سلوتَ عن مقصدي؟”
لم تلقى ردًا أبدًا، فإذا بسرعةِ العربة تتزايد بشكلٍ رهيب مما جهلها تهتزز و تقفز.
قالت له صارخة:
_ “شيتوس”!! هل فقدتَ عقلك أم ماذا؟!… ابطئ!… سوف تقتلنا! أوقف العربة حالًا وإلا خسرتَ هذه الوظيفة!
التفتَ السائق إليها بينما لازلت العربة مسرعة قائلا:
_ مرحبًا “ريميسا” .
فإذا بالمرأة ذاتَ الشعر الأشقر التي تلبس لباسًا أبيضًا وتضع وشاحا أزرق على كتفيها تتفاجأ بكون الذي أمامها ليس “شيتوس” سائقها المألوف. بل كان رجلًا ذو ملامح حادة، عينان دمويَّتان تخلو الرحمةُ منهما، أنفٌ منحوت وثغرٌ بابتسامة مجهولٌ شأنها، ترجُفُ القلوب عند رؤيتها.
إنه “أنليف”.
ملأ الذعر قلب “ريميسا” وسيطر الخوف عليها، فقد أدركت أن المنظمة قد انكشفت واقتربت نهايتها.
كان “أنليف” قد خطَّط لخطف “ريميسا” ، بغيِّة استنطاقها ومعرفةِ معلوماتٍ أكثر عن هذه المنظمة.
قادها نحو ساحة القصر حيث أوصى بعض الحراس مسبقا بانتظاره حتى عودته بالأسيرة، كبَّلوها بالسلاسل وأقفلوا فمها بثوبٍ ثم نقلوها إلى السجن.
أشار “أنليف” إلى الحراس وقال لهم:
_ يبقى موضوع الأسيرة بيننا نحن السبعة ، يجب الحرص على راحة امبراطورتكم مهما كلَّف الأمر.
الحُرَّاس الستة:
_ حاضر.
“أنليف” :
_ أنتما، اتبعاني.
ثم وجَّه كلامهُ للحراس الأربعة الآخرين:
_ لقد انتهت مهمتكم الآن، فليعُد كل واحدٍ منكم لعمله. قد أحتاجكم فيما بعد لذا ابقوا مُتيقظين.
غادر الحرَّاس الأربعة وظلَّ البقية أمام زنزانة “ريميسا”.
“أنليف” :
_ سأُكلفكم باستجوابها، لكن لا تؤذوها.
الحارسان:
_ مفهوم سيدي.
“أنليف” :
_ لا تقدموا للأسيرَة أيَّ طعام حتى يحل منتصف الليل، هذه ليست دار ضيافة نحن نرغب بمعلومات فقط ، لذلك احرصوا على عدم موتها، وأكرُموها بكأس ماء ورغيفَ خبزٍ كل ليلة.
ظلَّت “ريميسا” محجوزة في زنزانة مُظلمة مُوحشة وخانقة. مُكبلةٍ بأصفادٍ من حديد غليظةٍ سميكة مثبتةٌ بحائط السجن.
حاول الحارسان استنطاقها لساعاتٍ لكن دون نفع،
المرأة تأبى فتح فمها. لذلك ذهب أحدهما لـ “أنليف” من أجل تبليغه بالأمر.
قال الحارس :
_ اعذرني سيدي للمجيء إليك في هذا الوقت المتأخر، نحن لم نفلح في استنطاق السجينة، بمَ تنصحنا؟
“أنليف” :
_ هممممم… هذا مُخيب للآمال، كنتُ أتوقع سماع أخبارٍ مُفرحة.
_ اعذرنا سيدي.
نهض “أنليف” من مقعده وقال:
_ اترُكا أمرها علي، سأتكلَّف بكلِّ شيءٍ غدًا. المهم هو أن تُحافظا على سريةِ ما يحدث.
_ حاضر سيدي.
_ وانقلوا السجينة إلى غرفة التعذيب الموجودة تحت القصر.
_ هل تقصد الغرفة السوداء؟ أليس ذلك قاسيا على امرأة؟ لمَ لا ننقلها إلى الغرفة الأخرى الخاصة بـ-
قاطعه “أنليف” قائلًا:
_ لا تجادلني وإلا ذقتَ أفظع منها غدًا.
_ أرجو المعذرة، لن يتكرَّر ذلك.
ثم انصرف الحارس، وذهب “أنليف” لـ “فيلنا” التي كانت في غرفةِ نومها.
طرق الباب ثم فتحه قائلًا:
_ هل خلدتي للنوم امبراطورتي؟… أوه، مازلتِ مستيقظة، لقد تأخر الوقت. إنه منتصف الليل.
وضعت “فيلنا” الكتاب الذي كانت تقرؤه ونهضَت من على سريرها، ثم قالت له:
_ أرغبُ بالبقاء مستيقظة، كما أن هذا ليس من شأنك.
غيَّر “أنليف” نبرة صوته الخشنة إلى أخرى ناعمة وحنونة قائلًا:
_ هل غضبَت مني صغيرتي؟
بدأ يقترب منها وهي تبتعد حتى حاصرها في زاوية من زوايا الغرفة بيديه.
ثم قال لها بغضب:
_ لماذا تنفرين مني؟
_ أليس أنت من تفعل ذلك منذ أيام؟
أدرك “أنليف” للحظة أنه قد أهمل “فيلنا” الأيام السابقة بسبب انشغاله بموضوع المؤامرة، فصار لا يكاد يمضي الوقت مع عشيقته الامبراطورة.
قال “أنليف” في نفسه:
(( آآه، صحيح لقد أهملتها… ماذا سافعل الأن لأُصالحها…؟ ))
لا يجب أن يذكر لها سبب غيابه تلك الأيام، ولا يجب أن يختلق عذرًا كاذبًا، فهو لا يستطيع الكذب عليها.
لذا، قام بالاقتراب من محياها ببطء، حتى صارت الأنفاس مختلطة، و قال بحزن:
_ أنا أسف حبيبتي، لقد انشغلتُ كثيرًا هذه الأيام، لم أكُن أنام حتى فاعذريني.
ثم نزل على ركبتيه وقبَّل يدها، وقال:
_ سأحرص على عدم تكرار ذلك صغيرتي.
أجابت “فيلنا” بعدما سحبت يدها:
_ حسنًا لا بأس، فلتأخذ قسطا من الراحة بما أنك لم تنم منذ أيام. انظر إلى وجهك…
ضحكت بسخرية وأضافت:
_ لقد ازددتَ بشاعةً بهذه الهالات حول عينيك.
“أنليف” :
_ لا أهتم إذا كنتُ بشعًا أم لا، المهم هو إني بجانبك.
ثم استلقيا على السرير وناما بجانب بعضهما.
استيقظ “أنليف” بعد ساعتين أو ثلاث من أجل الاهتمام ببعض شؤون البلاط، وبعد الظهيرة تمامًا توجَّه إلى الغرفة السوداء حيث توجد “ريميسا”.
فتح حارس باب الغرفة لـ “أنليف” ، ثم دخل.
” أنليف” :
_ مرحبا آنستي، كيف كانت ليلتك؟
انتظر ردًّا منها لكنها كانت تنظر إليه دون حراك.
فقال لها:
_ سأمنحكِ عرضا قد يناسبك. ما رأيكِ بإخبارنا عمَّا تعلمين به وأطلقُ سراحكِ بالمقابل؟
_ أُقدر عرضكَ هذا لكنني سأرفضه.
_ هل ترغبين بشيءٍ آخر بالمقابل؟ المال؟ الذهب؟ السُّلطة؟ أو… ربما أحضر لكِ زوجًا! بففف-
قال “أنليف” جملته الأخيرة بسخرية.
ثم أتمم:
_ لا بأس إذًا، سنضطرُّ لاعتماد الأسلوب التقليدي الذي ينجح في غالِب الأحيان.
ذهب نحو الأدوات الخاصة بالتعذيب وقال:
_ يا ترى أيُّ أداةٍ أختارها؟ همممم…
وجَّه نظره إلى سوطٍ مُعلَّق، وقال:
_ أظن أن السوط آداة قديمة جدًا.
ثم ضحك بخفة حاملًا ذلك السوط، فأخذ يلوِّح به في الهواء وهو يقول:
_ هذا الصوت خلَّاب لكن… سيكون صوت صرخاتكِ أكثرُ جمالًا.
يتبع …