إيطاليا القرمزية - 3
الفصــ1ــل: صندوق باندورا
.
.
.
“كن شريرا أو كن طيبا ذاك خيارك؟”
.
.
.
أَسْدَلَ الليلُ ستاره ، و استكان بدره بين غيومه الهائمة يسلط وميضه على ربوعِ الغابةِ الدهماء، وسط ألحان صوت نعيق البوم و نقيق الضفادع كان ذاك الكوخ هو الوحيد الشاهد على كل تلك الألحان و النوتات، و هناك، بأحد أركانه كان يشهد على مسرحية تَقْشَعرُّ لها الأبدان قبل النفوس، هناك حيث انعدمت الإنسانية و ساد بطش الغرائز.
غرفةٌ بالية، جدران رثَّة رمادية كئيبة ينعكس عليها ضوء المصباح الأصفر الذي يتذبذب منطفئاً بين الفينةِ و الأخرى مع كلِّ قطرةٍ قرمزيةٍ تسقط على الأرض المُتربة، صوتُ الأخيرةِ كان يندمج مع دندنات ذات الشعر القمري و كأنهما مقطوعة واحدة، مقطوعة عكست ما تشهد عليه جدران تلك الغرفة، مقطوعة بلون الدماء و تحت اسم طاعونِ الموت الأسود، ذاك الطاعون الذي يطال كل من مسّته الفاتنة يداها البيضاء، كانت طلّتها تلك أشبه بحورية آسِرَةَ الجمال، كحورية قادمة من أعماق الجحيم تنتشل أراوح ضحاياها بابتسامة ودودة على محياها، قطبت حاجبيها متوقفة عن الدندنة بعد إدراكها أن تلك الصرخات التي تطربها قد توقفت ما أعرب عن موت ضحيّتها التي جاهدت بأسى لنجاةٍ مستحيلة، تحسست بأطراف أصابعها النحيلة تلك العظام ناصعة البياض بحنان بالغ، هذا المنظر هو المفضل لها، رؤية عظام ضحاياها الحليبية بعد أن انتشلت كل طرف لحم بها، تنهدت بقلة حيلة إثر إدراكها أن تسليتها قد وصلت لنهايتها بالفعل، حولت مقلتها القرمزية نحو البراد ثم اقتربت منه بضع خطوات تهمس بخفوت :
” سنحظى الليلة بوجبة لذيذة لا محالة، أليس كذلك؟”
*********
ميلانو
يجري وسط الدروب و الأزقة المظلمة، يلفح وجهه برد الليل القارص، يلتفت بين الفينة و الأخرى بريبة و ذعر بدا واضحا على محياه، كيف لا و هو يخاطر بكل ما يملك، بما في ذلك حياته، في سبيل إنقاذ أولئك الأبرياء المساكين سيفعل المستحيل، هو لا يملك القوة لإنقاذهم لكنه عازم على مساعدتهم بأي وسيلة كانت، حتى لو خان المنظمة التي مدت له يد العون في اضعف حالاته، هو ليس نادما على الإمساك بيدهم آن ذاك، لكن امتنانه لا يعني أنه سيسكت عن أفعالهم الخاطئة
يعلم أن هدفهم سامي لكن حقيقة سمو هدفهم لا تبرر دوسهم على حياة الأبرياء، تبادر الى ذهنه طيف زوجته الحبيبة، ود لو يعانقها الأن، لو يعترف بمدى حبه و عشقه لها، شعر بأسا شديد فهو لن يستطيع توديعها في لحظاته الأخيرة، اعتذر داخليا لها مئات المرات على فعله الشنيع هذا
اتعصر قلبه الألم فور تصوره لوجهها الباكي حالما يصلها خبر وفاته، لن يكذب، هو يود لو يترك كل شيء و يعود إليها، لكنه لا يتحمل عيش حياته كلها مع ذنب أولئك الأبرياء، تمتم بخفوت
“رايلين انا اسف”
ثم تلفت يمنة و يسرة يتأكد ما إذا كان يتتبعه أحد ما، حين قطع شكه باليقين أخذ هاتفه يتصل بالشرطة بصدر يعلو و يهبط توترا و فزعا، كان جسده يرتعش بكل مرة يخترق فيها اذنه صوت صافرة الإنتظار، لحظات ليأتيه رد الشرطي
” اهلا سيدي معك الشرطة….”
قاطعهم هو باندفاع
” المستشفى… مستشفى سان دييغو … إنه مـ…”
وقبل أن يكمل كلامه دوى صوت إطلاق نار، كان المطلق رجلا بدا في منتصف العمر، ملثم بالسواد، يظهر من جسمه يداه فقط و عيناه الزبرجدية البراقة، شاهد رصاصته تستقر بقلب ضحيته مجهزة عليه، تاركة إياه جثة مضرجة بدمائها، راقب الدماء المناسبة بسعادة غامرة، كان هذا هو الشيء الوحيد الذي يزيل عنه ملله و رتابة عمله ، رائحة البارود المختلطة بالدم التي تضخ الأدرينالين في عروقه، استنشق تلك الرائحة حتى انتفخ صدره بها، زفر بضيق بعد أن خفتت تماما في الهواء، أطلق رصاصاته مجددا و مجددا حتى افرغ كل دخيرته يأمل بذلك استرجاع تلك التسلية العابرة، رفع رأسه بانتصار يملأ كل كيانه ببقايا رائحة البارود العالقة بين جزيئات الهواء الى ان قاطع استمتاعه صوت الشرطي القلق من خلف سماعة الهاتف
” سيدي اسمع صوت طلق نار بجوارك …. سيدي هل انت بخير…. سيدي ؟ ”
انحنى يتناول الهاتف و هو يعيد مسدسه لجيبه، أخرج بطارية الهاتف من جوفه ثم رماه جانبا و هو يخاطب جثته
” أحسنت عملا، بفضلك ستسير المسرحية بشكل مثالي ”
ثم انصرف مبتعدا يلتهم ظلام الأزقة جسده الملثم.
*********
فينيسيا
قصر عائلة سيلفر
جرّت جسدها بمللٍ متجهةً إلى المطبخ و هي تجاهد لفتح عينيها، فسهرها ليلة أمس جعلها الآن ترغب بالاستمرار في نومها الهنيء، لكن صوت صراخ والدتها المزعج جعلها تَعدلُ عن فِكرتها، و تستيقظ لوحدها بوقت باكر في نظرها، فهي على كل حال تفضل جِهاد الاستيقاظ على أن تتم معاقبَتُها بسحب هاتفها أو أحد أجهزتها الإلكترونية لأجَلٍ غير معلوم، أَعدَّت كوب قهوتها القاتِمة المرّة و التي قد حاولت بشتى الطرق أن لا تسكبها أثناء سيرها نحو المائدة، إلا انها ما إن باشرت ارتشاف أول رشفةٍ لها حتى باغتتها والدتها بطلبها :
” بيلا حبيبتي هل لك أن توقظي شقيقتك كاثرين ؟ “
بصقت بيلاروز ما كان في حلقها، فطلب كهذا هو بمثابة طلب الموت من أحدهم بطريقة غير مباشرة، نبست من نوبة سعالها باستنكار
” ماذا؟ …. أنا …. لكـ …”
قاطعتها والدتها بصوتٍ غاضب و لهجةٍ صارمةٍ لا تقبل النقاش .
” بيلا أنا لن أقضي اليوم بطوله أُحاول إقناعك! “
همهمت الأخرى بعد أن انكمشت ملامحها في انزعاج تقول من تحت أنفاسها بكلماتٍ عاجزة ممزوجة بالخيبة :
” أنا فقط لا أريد الذّهاب للجامعة بإعاقة دائمة”
أُجْفِلَتْ على صوت صراخ والدتها باسمها و الذي دلّ على أن فرصة التّفاوضَ منعدمة، لم تجد بيلاروز مفراً من الانصياع لرغبة والدتها التي اعتبرتها رغبة مجنونة، لذا حملت كل ثِقَلها نحو غرفة توأمها ” الحبيبة ” كاثرين، كان من السيء حقاً بالنسبة لبيلاروز أن تمتلك أختاً مثل كاثرين، فقد كان من المسلمات احتمالية فقدانك لِرأسك إن حاولت الاقتراب منها و هي نائمة، أما إن أيقظتها فاعلم أنّه لن يحُلّ عليك صباحْ، ستكون ميتاً لا محالة !
لاحَظَتْ أنّها تقف بالفعل أمام غرفة نومِ شقيقتها رغم أنها لا تدري حقا متى أو كيف وصلت، فقد كانت غارقةً بأفكارها أثناء سيرها، رفعت يدها و كل خليّةٍ في جسدها تأملُ أن تكون كاثرين مستيقظة و توفِر عليها عناءَ زيارةِ الطبيب، طرقت الباب ثلاثاً لكن لا رد، لذا فتحته بهدوء و لكم أرعبها المنظر، فقد كان جلُّ الأثاث يطفو حول توأمها حرفيا، في الواقع هو أمر معتاد ومعروف بكل عائلة سيلفر فأختها ولِدت بمانا غير مستقرة ، بينما بيلاروز ولدت بمخزون ضئيل منها، رغم ذلك التوأمان كاثرين و بيلاروز يُعتبران آخر ساحرات بعائلة سيلفر التي لم تنجب أيّ سَحَرة منذ أزيَدَ من قرن ، تقدّمت بيلا بِضع خطوات نحو سرير اختها، حاولت المناداةَ باسمها لكنّ صوتها خرج مرتجفاً كالهمس، بالكادِ تسمعه هي فما بالك بمن لديها قدرة نوم دب دخل في سباته الشتوي !.
أخذت نفساً عميقاً مهدئةً به من روعها، ثم أعادت مناداتها لكاثرين بصوت مرتفعٍ نسبياً لكنها كانت كالقتيل، لا تستجيب !
اقتربت أكثر ، مبقيةً على مسافة أمان بينها و بين شقيقتها ، فقد كان جلُّ اهتمامها منصباً على أن لا تصبح حديث الفتيات بالإعاقةِ التي من المحتمل أن تسببها لها تلك المتوحشةُ الراقدة، بعثرت أفكارها محاولةً البحث عن الحل، جالت حدقتاها القرمزيّتان الأثاث المعلّق في الهواء باحثة عن أي شيء قد يساعدها، انفرجت أساريرها عقب نسجها لخطة صغيرةٍ رغم كونها مجنونة، لكنها كانت تؤمن أنّه لا يوجد أمامها سوى خيارين اليوم ، إما أن تنجحَ و تنجوا و إما أن تفشل و تودع حياتها، هي تعرف أختها جيداً، لن تتردد بقتلها! أو فقط هذا ما كانت تؤمن به .
عبَرت بيلاروز الدرج لتهجم على غرفة شقيقها الأصغر ايثر كَرجلٍ هاربٍ من حلبةِ ثيران، وقفت أمامه محاولةً التقاطَ أنفاسها ثم سألته بكلمات مبعثرة :
” المسدس… مسدس الماء… أعرني لعبتك…. أين هي ؟ ”
أشار بسبابته النحيلة دون أن ينبس ببنت شفة، فقد كان لا يزال تحت تأثير صدمةِ اقتحام أخته المجنونة لغرفته الهادئة و المُسالمة، بعد ان نالت هي غايتها اتّجهت ركضاً نحو الحمام، ملئت خزانهُ بالمياه ثمّ عادت لغرفة شقيقتها، فلتت منها ضحكة بعد أن استوعبت المظهر الذي تبدو عليه الغرفة، فقد كان شعرها الفضّي الذي يصل لمنتصف ظهرها يغطي كلاً من وجهها و الوسادة، بينما يدها مستندةٌ على درابزين سريرها الأثري و الأخرى متموضعةٌ تحت جسدها النّحيل الممشوق، أما قدماها فقد كانتا تحتضنان وسادةً أخرى ذات لون بنفسجي كلون سائر الأثاث الذي يزركش تقسيمات الغرفة، حاولت بيلاروز جاهدةً كتم ضحكاتها بينما تتناول كلاً من هاتفها و مكبر الصوت -اللذان كانا يطْفوان هما الآخرين كغيرهم من متعلقات كاثرين- تلت بيلا تعويذة بسيطة على المسدس تمنع خضوع المياه لسحر شقيقتها، بينما تتمتم بسعادة مخفية
” ماذا ستفعلين الآن أيّتها الساحرة الشرسة ؟”
°°°°°°°°°°°
ثرثرة الكاتبة
كما لاحظ البعض منكم هذه الرواية سبق و ان اتشرتها تحت اسم يوم مع سفاحة قبل سنة تقريبا (أجل العنوان كان جد مبتذل)، آنذاك كنت قد أوشكت على انهاء الرواية لكن و بسبب ظروف الدراسة كان لزاما علي ارشفة الرواية كما ان المستوى السيء للرواية دعم فكرتي بذاك الوقت، لكن مؤخرا اعدت صياغتها و تحسينها و ان كانت لاتزال لا ترقى للمستوى المطلوب، فهي لاتزال رواية ذات حبكة ركيكة و شخصيات أحادية، لكن ما جعلني اعيد نشرها هو رغبتي في التطور و التحسن لذا امل منكم الإشارة إلى اخطائي و مساعدتي في رحلة تعلمي
اشكر قراءتكم لهذه الثرثرة
ختاما سأسأل عن:
توقعاتكم للفصل القادم
تقييمكم لهذا الفصل
رأيكم عن الشخصيات
و من الشخصية التي لفتت انتباهكم