إيطاليا القرمزية - 5
الفصـ03ـل: ذواق إيطاليا
.
.
.
الطاعة ام الولاء؟ احدهما فطنة و الثاني حماقة
.
.
.
جنوة
تسمرت هي مما التقطته أذناها، كيف يقترح احراق القصر ببرودة هكذا دون ان يطرف له جفن، هنا حيث عايشت احلى ذكرياتها مع قرة عينها، هنا حيث خلدت كل لحظاتهما اللطيفة، هنا حيث تستنشق عبق رائحة زوجها العالق بين ثنايا القصر، هي حتما لن تسمح له بأن يمس كنزها و ارثها الوحيد الذي ترك لها، صرخت به بشدة و بحزم لا يقبل الجدال تشدد على كل كلمة تنطق بها
“لن اسمح لك بمس أي شبـ…”
قاطعها صوت طلق النار من طرفه، صرخت هي فزعا قبل أن تلتفت ببطئ شديد الى حيث استقرت الرصاصة لتجد خادمتها قد ارديت قتلية و الدماء تتدفق منها
إلتفتت نحوه بفزع و هلع لترى وجهه الممتعض و هالته الطاغية، تلك الهالة التي جعلتها تخرس دون أدنى جهد يذكر منه، لم تدري من اين ظهر ذاك المسدس او حتى متى طار الى يده، لكنها كانت تعلم ان تلك اشارة لها، بان لا خيار امامها سوى اتباع ما يقول دون ادنى مقاومة، رمى هو كلامه بثقل شديد و نبرة تحمل كل جبروت الطاغي
“اول خطوة للإنتقام هي التخلي عن كل ما هو غير ضروري”
لم تستطع أن تفتح فمها وتجادله، ما تزال صورة الخادمة و هي غارقة بدمائها عالقة بذهنها، لن تبالغ ان قالت انها تخيلت نفسها بذاك المشهد، لم تشعر من قبل بقرب شبح الموت منها كهذه اللحظة، عليها فقط مسايرته إلى ان تعلم الى ما يهدف و ما نقاط القوة التي تملكها هكذا علمها زوجها، ان لا تتصرف الا بعد ان تدرس نقاط قوة و ضعف خصمها و كذلك حلفائها
لكن على الرغم من ذلك كانت توافق كستنائي الشعر الرأي فكلامه في النهاية منطقي، عليها التخلص من كل نقطة ضعف محتملة لها حتى تستطيع المضي قدما دون خوف من أن تحيد عن مسارها، لكنها و رغم ذلك لا تزال ترغب بالاحتفاظ بأي شيء من شأنه أن يذكرها بزوجها
استطاع هو ان يستشف من خلال اعينها المضطربة ما يجول بخلدها، زفر بضيق و هو يبعثر خصلات شعره الكستنائية
“حسنا يمكنك أخذ شيء واحد فقط… شيء واحد فقط” كرر جملته الأخيرة و هو يشد على كل حرف بها
أومأت هي بسعادة تشكره على مراعاته، وضعت رأس زوجها جانبا تسنده على حافة البوابة ثم ذهبت ركضا الى القصر و عقلها تملأه الحيرة، ما الذي عليها أخذه بالضبط، أتأخذ الأقراط التي أهداها لها في عيد ميلادها ام تختار الشال الذي ارتدته أثناء احتفالهما بذكرى زواجهما، أم لعلها تأخذ الحقيبة التي اشتراها لها في رحلتها بباريس، أمامها العديد من الخيارات لكن كستنائي الشعر لم يسمح لها الا بشيء واحد فقط، وقفت هي تفكر كثيرا بينما ذاتها في صراع فتاك، و بعد تفكير مضن اخذت قلادة من الجمشت على شكل فراشة، كانت تلك هي أول هدية يهديها لها، لا تزال تتذكر ذلك اليوم جيدا، حين اعترف بحبه لها تحت ثلج فبراير الابيض و هو يطوق عنقها بتلك القلادة و كأنما يثبت انتماءها إليه، مسحت دموعها المنسابة بكل عنف عازمة على أن لا تموت إلا بتحقيقها انتقام ستشهد كل إيطاليا عليه
تناولت القلادة و زينت بها عنقها بينما تهمس و هي تتلمس حواف الفراشة
“لا تقلق و راقب كيف ستقتص عزيزتك رايلين حقك منهم”
ثم توجهت الى البوابة لتجده يتكئ على مقدمة السيارة بينما يشعل سيجارة أخرى، إلتقطت هي رأس زوجها ثم تقدمت نحوه حتى اصبحت على قبالة منه، رفعت انفها عاليا و قالت بكل كبرياء و شموخ
“لن اثق بشخص لم يطلعني اسمه”
ضحك هو بخفة حتى ادمعت عيناه، ثم مسحها بطرف إصبعه الخشن، كان وجهها ملطخا بأثار المكياج السوداء السائلة بفعل دموعها، فستانها الازرق قد اضحى كخرقة ملوثة بالثراب الممتزج بالدماء، بدت كمن خرج من حرب شديدة الفتك، لكنها ورغم ذلك طالعته بتلك النظرات المتغطرسة، تلك الكاريزمة التي تملكها بدت له مثيرة للاعجاب حقا، اجاب بصوت عذب ثقيل يخدر الاذان
“أرى أنك قد حزمت قرارك …. انا كيفن… كيفن انتوليني”
مدت هي يدها تصافحه ردا عليه و عيونها الزمردية الزرقاء لم تحد عن عيونه الزبرجدية
“و انا رايلين ايفيجن…. الأن يمكنك احراق القصر كما تشاء”
طاطا رأسه يحاول كتم ضحكاته بينما ينبس بنفس نبرة كلامها مقلدا إياها
“أجل أجل…. الأن يمكنني احراق القصر كما أشاء”
ثم توجه إلى الصندوق الخلفي للسيارة و أخرج منه جالون بنزين راح يرشه على كل أنحاء القصر قبل أن يلقي بولاعته هناك و تضرم النيران ملتهمة كل شيء أمامها في مشهد بدا و كأنه قيامة للعنقاء، بحر نيران عام به القصر برزت تراقصات شراراته من خلف عيون رايلين الزجاجية ، تلك الرقصات التي بثت في نفسها شعور الرهبة
اما هو فعاد إلى حيث تقف رايلين المذهولة بخطوات واثقة مخلفا دمارا جبارا خلفه، لكن عيونها المتقدة تلك كانت تظهر اصرارها و عزمها على السير في هذا الطريق من الأن فصاعدا، ركب كلاهما السيارة ثم بدءا رحلتهما
بعدة مدة من السياقة حدج كيفن بطرف عينه الرأس التي ما تزال رايلين تحتفظ بها، نبس بتساؤل ممزوج باستنكار
“لا تخبريني انك ستحتفظين به”
رمته هي بنظرات نارية غاضبة جعلته يبتلع ريقه، ثم تابع موضحا
“أعني من هذا الذي سيتجول في الشوارع برأس بين يديه ؟”
أشاحت هي بوجهها بعيدا تتأمل المناظر خارج السيارة قبل أن تقول بهدوء يشوبه حزن دفين
“خذني إلى أقرب شجرة ليمون”
“لما؟” تساءل هو في فضول
“كما سلمت نفسي لك دون أن اسأل، انت ايضا لا تسأل و نفد طلبي ” نبست بها هي بجدية و بصوت متعب لا يحمل أي طاقة للجدال
قلب مقلتيه في ملل بينما يقول: “حسنا حسنا…. ان هذا يذكرني بشخص اعرفه”
ثم واصل القيادة إلى حيث طلبت
أما هي فقد كانت غارقة في افكارها تتذكر طلب زوجها ذات يوم حين قال ممازحا أنه يود أن يدفن تحت شجرة ليمون حينها رمته بكعبها توبخه، فلتت منها ابتسامة بعد ان تذكرت ذاك المشهد حين اختبأ هو تحت طاولة الطعام ليفلت من ضرباتها، بينما هي واصلت رفسه و دعسه برجلها قبل ان يسحبها و يشرع في دغدغتها لتملأ ضحكات كليهما المطبخ، عضت شفتيها تمنع العبرات من النزول، فتلك الأيام السعيدة قد ولت الأن و أضحت مجرد ذكريات تعتز بها لأخر نفس لها بالحياة
توقفت السيارة امام احدى الضيعات العملاقة، ترجل هو ثم فتح الباب لتنزل هي الاخرى تطالعه باستغراب، نبس موضحا
“هنا ستجدين العديد من اشجار الليمون… لا تقلقي فهذه الضيعة تابعة لنا”
أومأت هي برأسها ثم انصرفت بينما هو ظل واقفا ينتظر عودتها
لفت انتباهها شجرة معزولة عن الكل، كانت تبدو وحيدة مثلها اقتربت منها ثم أخذت تنبش ترابها بيديها العارية حتى ادمت، لم تتوقف إلا بعد أن حفرت حفرة وضعت بها رأس زوجها ثم دثرته بالتراب دون ان تنسى التوعد مرارا و تكرارا بالإنتقام
بعد لحظات لاح طيف جسدها امامه و حين اصبحت على مقربة منه قالت بتحدٍ
“هيا بنا”
أومأ هو ثم سار إلى المطار لتنطلق رحلتهم إلى فينيسيا
بعد ثلاث ساعات
فينسيا
شغل مصابيح الردهة لتضيء الشقة بأكملها و يظهر طرازها الأنيق و الفسيح، ثم دلف كلاهما للداخل، اغلقت رايلين الباب بينما هو توجه ناحية الستائر يزيحها و يفتح النوافذ لينساب ضوء الشمس للداخل، إلتفت إليها ثم قال
“علي الذهاب الأن، كل ما تحتاجينه ستجدينه هنا، سأترك لك فرصة استكشاف المكان، حسنا؟”
أومأت هي برأسها دون أن تنبس بكلمة بينما تطالع أرجاء الشقة بتأن شديد
تابع هو بعد أن تذكر شيئا
” بخصوص الخطة و انتقامك سنناقش ذلك بعد عودتي”
ثم انصرف تاركا اياها وسط حيرتها، حياتها قد تغيرت من الآن، وكل شيء قد انقلب رأسا على عقب
فكيف ستواجه هذا التغيير
************
فنيسيا
قصر عائلة سيلفر
تنهدت بقلة حيلةٍ فها هي عادة والدتها تظهر من جديدٍ مبتسمةً ابتسامةً عريضةً مبرزةً أسنانها البيضاء، ابتسامة لطالما احتارت كاثرين في تحديد ما إن كانت ابتسامة خير أم شر، بل والدتها لم تحاول في الأساس حتى إخفاء ازدواجيتها، كانت والدتها دائما ما تكون فضولية حين يتعلق الأمر بكاثرين، ليس و كأنها تحبها مثلاً، هي تطمح فقط لتحقيق غاياتها باستخدام أي وسيلة متاحة لها، حتى و إن كانوا أطفالها، و قد كانت كاثرين تعلم ذلك جيداً و تدرك السبب وراء اهتمامها المصطنع هذا، فأم مستهترة مثلها لن تأبه لأطفالها خاصة إن كان هذا الطفل هو طفلها البكر الذي كانت تحلم ان يكون ذكراً حتى تستطيع تقلّدَ مفاتيح رئاسة عائلة سيلفر من خلاله، و طبعاً كاثرين لم تستطع منح والدتها ما تريده فقد خيبت كل آمال و أحلام والدتها لكونها فتاة و ليس فتى، لذا لم تكن تأبه لها و لأحوالها، كل ما تريده هو الإستفادة من كاثرين جيداً، فهي لا تزال تحتاج شخصاً يتولى الأعمال المكتبية و يهتم بالبروتوكولات بدلاً عنها، حتى تتمكن هي من توفير جو مثالي لنفسها خالٍ من الهموم و مليء بالتبذير و الإعتناء بالذات، هي أساساً لم تكن لتتزوج من عائلة سيلفر لولا أنهم عائلة ثرية على نفس المستوى المعيشي لعائلتها، فإمكانيةُ وجود من هم أثرى منهم هي من سابع المستحيلات، لذا كان عليها أن ترضى بهذا الزواج الذي اعتبتره بالبداية زواجاً مشؤوماً لاسيما مع الشائعات الرائجة حول عائلة سيلفر، همهمت كاثرين ترسم ابتسامة زائفةً ثم ترد على سؤال والدتها المعتاد :
” إنَّ أمي تحب المفاجآت، لذا ألن يكون من الأفضل أن أتركها مفاجأة ؟”
رفعت الأم في اندهاش حاجبيها ثم مدت يدها تتناول علبة المربى تضعها بمقربة منها، أخذت السكين و حملت به بعض مربى التوت الأزرق لتدهن به شريحة خبز التوست التي كانت تعتلي صحنها، ما إن أنهت فعلها حتى نبست بتلك الكلمات التي ترقّبتها كاثرين بفارغ الصبر :
” أجل، إن أمك تحب المفاجآت، تحبها لدرجة لا تصدق، لذا احرصي على إعداد مفاجأة جيدة كاثرين”
أومأت كاثرين برأسها إيجاباً ثم انكبت تتناول طعام إفطارها، قطع صوت احتكاك السكانين بالأواني صوت بيلاروز يصدح بفضول :
” بالمناسبة أسمعتم عن ذوّاق ايطاليا؟ ”
‖نهاية الفصل‖
*****************
اعتذر عن الاخطاء الإملائية
كيف كانت احداث الفصل؟
هل كانت مملة ؟
ما رأيكم برايلن و كيفن؟
ماذا عن كاثرين؟
ثم ما ملاحظاتكم؟