المعجزة ٢٠٧ - 11
تجلس تلك الفتاة المدعوة بإيفا،بعيدًا في طرف غرفة الجلوس،و هي تتأمل غريب الأطوار ماثيو..و هو يعبث ببعض الأسلاك
فردت ذراعيها و هي تمدد جسدها،لتردف بهدوء
“يا ترى…ماذا يفعل وليام الآن..؟”
التفت لها ماثيو بنظراتٍ باردة،ليجيبها بنبرةٍ خاليةٍ من المشاعر
“ذلك إن كان لا يزال على قيد الحياة..”
عقدت ايفا حتجبيها بغضب لتصرخ
“أخي لن يموت بتلك البساطة!”
امال ماثيو برأسه و رفع كتفيه،دلالةً علا جهله بما سيحدث لاحقًا..
نهضت لتأخذ طريقها لغرفتها في ذلك الوقت المتأخر،لتردف بهدوء
“سأنام”
هو لم يهتم لكلماتها،رحلت لتغلق نور غرفتها…
و في تلك الأثناء
يُغلق النور في المخبر،ليريح هاؤلاء الأطفال اجسادهم قبل يومٍ مرهقٍ آخر
إلا وليام اللذي دفن رأسه تحت الغطاء،و هو يعد الدقائق حتى يخلو ابمخبر من الحركة،و ينام الجميع
هدأت الممرات…
و أُغمضت الجفون،نهض وليام من فراشه،ليمشي بخطواتٍ متثاقلة متظاهرًا بالمرض
ليردف لحارس غرفته
“سأتقيأ!!”
عقد حاجبيه ليردف ببرود
“يجب ان تذهب للمستوصف،انتِ تتقيأ منذ أمس!”
اومأ بالإيجاب بسرعةٍ و هو يضع بكفه على فمه
ليركض و قد لحقه الحارس بخطواتٍ متسارعة إلى الحمام،حينها دخل بسرعة،ليفتح فمه،و يخرج سلسلة المفاتيح!!
متذكرًا كلام ذلك الشاب
(أريدك أن تعبث ببعض السجلات!هذه هي سلسلة مفاتيحي،يمكنك أخذها،و التسلل للقبو الذي لا يصله إنسان!و تحضر لي ملف مئتان و سبعة!)
عقد وليام حاجبيه و هو يتذمر هامسًا
“فكرة وضع الحديد في فمك هي فكرةٌ خارقة الغباء”
اخذ ينظر من ثقب المفتاح في الباب،ليلمح الحارس،و هو ينتظره
شد بتلك المفاتيح في يده،لتخطر في باله فكرة!
خلع حذائه،حيث رماه بعيداً لحمامٍ آخر
و في اللحظة الذي تحرك الحارس لتتبع الصوت،اخذ هو يركض بعيدًا!هاربًا!بعد فوات الأوان!فسرعان ما لمحه الحارس و أخذ يجري خلفه
اخذ منعطفًا الى حيث ما لا يتوقع احد،و هو القبو!
نزل بسرعةِ البرق،كما هو متوقع،الكاميرات معطلةٌ في هذا المكان!
تسلل بهدوء لينتشل السجلات و يبدأ بالبحث بكل توترٍ و خوف عن سجل يحمل عنوان مئتان و سبعة
تحركت يداه بسرعةٍ سابقةً تفكيره لشدة خوفه
في أي لحظة،قد يجده الحارس و ينتهي كل شيء..
لتشهد عينيه!! سجلّ مئتان و سبعة!!
احتضنه ليخفيه تحت ثيابه،خطى خطواتٍ متسارعة خارج ذلك القبو المظلم و المخيف و الرطب
صعد لأعلى،زفر طمأنينةً ضنًا منه انه نجى..
لكن…
التقطت عينيه…منظرًا جعل جسده يرتجف بأكمله ذعرًا..
رجلٌ بعيني زرقاوتين،ضخمٌ و طويل القامة،ذو شعرٍ اشقرٍ تسلل إليه الشيب،يقف بجانب الباب و هو متكتف اليدين،ليميل برأسه حيث اردف بنبرته الخشنة
“وليام ليودوس،ماذا تفعل في مكانٍ كهذا؟”
كان خوف وليام فور مشاهدته لمساعد الرئيس لويس ساطيًا على ملامحه،و إزداد ذعرًا فور سماعه بلإسمه
الكامل!
نبرةٌ راجفة فارقته متلعثمًا
“س..سيد..سيدي!لقد…اضعت طريقي!!”
تسائل بلا تردد و هو ينظر في عينيه بهمة
“و ما الذي تخفيه تحت ثيابك؟”
سؤالٌ واحد،كان كفيلًا بجعل وليام ينهار،إنهمرت دموعه خوفًا و هو يقول
“أنا!!!إنه…ليس خطأي!!!أرسلني احدهم!!!”
اقترب منه،اغمض وليام عينيه و هو يستذكر اخته…
و هو يتمنى..لو رأها مرةً اخيرة..قبل مماته
ليضع المساعد الضخم بكفه الكبيرة على كتفه،و ينحني لمستواه،حيث همس في أذنه
“يستحسن أن تهرب من الرواق الخامس”
توسع بؤبؤ وليام صدمةً،تراجع بضع خطواتٍ بعيدً عنه…و هو يحاول استيعاب الوضع..
هل…مساعد الرئيس مد له يد العوّن للتوّ!؟
تدارك الموقف حين تذكر ذلك الحارس الذي يطارده،أسرع بإجاه الرواق الخامس و الحيرة تعتريه
و بالفعل،وصل لغرفته أسرع من المعتاد!
دخل حيث ارتمى بنفسه على الفراش،متظاهرًا بالإغماء
دخل ذلك الحارس حيث اقترب منه و هو يثور غضبًا…
لكنه تركه،ضنًا منه ان ما قام به هو مجرد اعراضٍ جانبية لتجارب أجريت على عقله..
و أخيرًا!!!نجح وليام في مهمته!!
صباح اليوم التالي،كان وليام مختبأً في الرواق السابع،حيث جاء مئتان و ثلاثة،رفيق وليام
اخذ السجل و الإبتسامة مزقت وجنتيه،ابتسامةُ نصر
همس له
“سنهرب سويًا الآن!”
صدم وليام ليردف هامسًا
“لحظة!!أ تريد الهرب أنت ايضًا؟!”
“بالطبع!من يريد العيش هنا برأيك؟”
“لا أحد سوى من يطمع بالمال…”
“تمامًا،لذا سنهرب سويًا!”
ابتسم وليام ليضع بكفه على كتف مئتان و ثلاثة!
ليردف بعزمٍ و حماس
“حسنًا!يا شريكي!”
ابعد مئتان و ثلاثة كف وليام ليردف بإنزعاج
“أنا أكبرك بالكثير!”
ابتسم وليام و السعادة تغمره،ليلتفت و هو يستعد للرحيل،اخذ بضع خطواتٍ مبتعدًا،ليلفته صوت مئتان و ثلاثة و هو يستائل بعلوّ صوته كي يلفت انتباهه
“ذكرت اختك في مرةٍ سابقة،كيف تبدو؟أ هي جميلة؟!”
التفت نحوه وليام و قد عقد حاجبيه بإنزعاج،ليصرخ فيه بنبرةٍ غاضبة
“إنها توأمي!”
ابتسم ذلك الشاب ،اخذ يصفر بحماس!مما ازعج وليام اكثر
حينها قال
“لا بد بأنها في غاية الجمال يا رجل!”
استهزأ وليام به و هو يقول
“اضنها تمتلك رجولةً اكثر منك”
التفت ليكمل طريقه بعد رميه لتلك القنبلة،مما تسبب في غضب مئتان و ثلاثة
اخذ وليام طريقه…ليتعرض للتجارب ثانيةً…
لكن هذه المرة،لم يكن يائسا البتة،بل كان على ام لقاء أخته القريب!و هروبه برفقة مئتان و ثلاثة!
لذا..لا شيء سوى الصبر و التحمل
لأجل نيل الحرية
بالرغم من تصبره على موقفه،لم يستطع منع دموعه من النزول فور شعوره بالألم…
انتهى يوم تجاربَ لعين بالنسبة لوليام
اخذ بطريقه نحو غرفته و هو يترنح تعبًا،حيث كان وقع اقدامه يملأ الممرات المظلمة ليلًا
امسك بمقبض باب غرفته،حيث حاول فتحه،عجز عن ذلك..لأنه مقفل..؟
نعم!لقد كان مقفلًا!
اعاد النظر لرقم غرفته،ثلاثون،إنها غرفته بالفعل
حاول هذه المرة سحب الباب بعنفٍ و قوةٍ اكبر
بلا جدوى..
التفت باحثًا عن الحارس الذي يقف امام غرفته
حيث لمحه يأتي بإتجاهه،تسائل الحارس
“لماذا لا تدخل في هذا الوقت المتأخر؟”
اجابه بهدوء
“الباب مقفل!”
تعجب ذلك الحارس،ليخرج مفتاحه و يفتح الباب،تسائل ريث ما كان يفتحه
“ماذا عن شريكك؟”
“لا اعلم”
بعد سماعه لصوت فرقعة المفاتيح،اخرج بمفتاحه،وقف بجانب الباب و هو يتفحص الممر بأنظاره
فتح وليام الباب،حيث اخذ يخطو على بركةٍ رطبة..
لا،لم تكن بركة مياه،بل بركةٌ من الدم
دم شريكه..الذي يبدو بأنه مزق وريده بسكين طعام
الغداء،ملقًى على الأرض،بلا حركة،بلا نفس…
تراجع وليام بضع خطوات،ليختل توازنه و يسقط ارضًا على ركبتيه..
حاول الصراخ..إلا ان صوته قد تلاشى،كأن حباله الصوتية تأبى الحراك
أشار بإصبعه الراجف نحو ذلك المنظر،و هو يحاول ابعاد عينيه بلا جدوى..
تعجب الحارس لرد فعله،ليمد رأسه و يشهد بدوره…ذلك الشاب الميت..
سرعان ما ركض نحوه ليمسك به و هو يصرخ
“انت!!!افتح عينيك!!!اللعنة!!!”
التفت نحوّ وليام،حيث صرخ بعلوّ صوته منفعلًا
“هل يملك هذا الشاب قدرةً ما!؟؟”
سؤالٌ كهذا..ليس مناسبًا البتة لشخصٍ يحتوي جثةً بين يديه..
استطاع وليام النطق بعد عناء حيث همس بنبرةٍ راجفة و متقطعة
“انقذ…انقذه ارجوك..”
كرر الحارس سؤاله و قد اعتراه غضبٌ اشد من سابقه
“قلت لك!هل يمتلك قدرةً أم لا!؟”
اومأ وليام بالنفي بسرعة،حيث صرخ بدوره بتوتر
“لا!انقذه الآن ارجوك!”
تنهد ذلك الحارس بإطمئنان،كأن شيئًا لم يكن!
نهض حيث حمل جثمانه على كتفه بلا مبالاة،خطى بعضع خطواتٍ و هو يغادر الغرفة،إذ امسك وليام بحافة بنطاله مذعورًا و في عينيه الدموع و هو يقول
“إنه حي!أ ليس كذلك!؟”
اجابه ذلك الحارس بلا مبالاة بعد ما ابعد يده بضربةٍ بساقه
“إنتهى امره منذ ساعات،إنه جثة،لا بأس،فهو عينةٌ بلا فائدة على أي حال..إنسى أمره و اخلد الى النوم”
ابتعد بضع خطواتٍ اخرى،و دماء ذلك الفتى تسيل على كتفه و تأخذ مسارًا خلفه
اعتصر قلب وليام
اخذ يصرخُ بنبرةٍ هزها البكاء
“كيف تريد مني أن انام و شريكي قد مات!؟و غرفتي مليئةٌ بالدماء،اين ضميرك!؟أين مشارعك!؟”
التفت ذلك الحارس نحوه بعينين ميتتين،حيث اجاب بصوته الغليض
“نم جيدًا،يجب أن تكون العينة بأتم نشاطها لتنجح في تجاربها”
ليكمل طريقه،تاركًا وليام الذي تصلب مكانه بعد سماع
تلك الكلمات
تراجع ليحبس نفسه في زاوية تلك الغرفة المليئة بالدماء
يضم ساقيه بذراعيه،و هو يرتجف…
رعبًا…و ألمًا..كابتًا لدموعه
ذلك الشاب،كان غير مباليًا،و ها هو الأن،قتل نفسه…
بسبب كتمانه…
يا ترى،ما الذي كان يكتمه..؟
و الأسوء،هو ذلك المكان،الذي يعامله كعينةٍ لا بشر بروحٍ و حياة
لو كان عينةً قيمة،لتمسكوا به،و لمنه عينةٌ رديئة
لذا التخلص منه،لا يشمل أي عائق بالنسبة لهم…
هذا هو مخبر التجارب،مجرد مكانٍ يخلو من الرحمة و الأمل..
في تلك الليلة..لم يغمض جفنٌ لوليام…
مباشرةً،في اليوم التالي
و في وقت الغداء
كان الجميع يأكل بلا مبالاة،فتلك هي الوجبة الوحيدة التي لا يجب تفويتها البتة!
كان وليتم يتلاعب باللحم بشوكته…
و هو يبحلق ناظريه…في الفراغ…
حينها،لمحت عينيه،العامل مئتان و ثلاثة!
و هو يلوح له!
تجاهله حيث نظر الى طعامه يائسًا
مما أثار تعجب مئتان و ثلاثة!
صرخةٌ دوّت في القاعة..صوتٌ خشنٌ و مرعب!!جعلت جميع من يجلس لتفت نحو مئتان و ثلاثة
“مئتان و ثلاثة!!!تم الحكم عليك بالإعدام البطيئ!”
التفت وليام مذعورًا بدوره فور تداركه للموقف!!
إنه المساعد لويس،يصره بمئتان و ثلاثة!
اردف مئتان و ثلاثة بنبرةٍ راجفة
“م…ماذا؟!و ما الذي فعلته!؟”
امسكه من ياقة قميصه ليصرخ بنبرةٍ يقشعر لها البدن
“كيف لك أن تسرق سجل مئتان و سبعة!؟”
اقترب وليام منهما،و قد اجتمع اغلب الناس و هم يشاهدون ذلك الجدال
حاول المرور بينهم ليقترب منهما
صرخ مئتان و ثلاثة بذعر
“لم أقم ذلك بمفردي!!!أساسًا لم ادخل لسرقة السجلات!!”
لكمه المساعد لويس بشدة ليصرخ بغضب
“أ تريد الموت!؟السجلات في غرفتك!!!”
صرخ هو بغضبٍ بدوره
“إسأل ذلك الشاب إن لم تصدقني!هو من قام بإحضارها إليّ!”
التفت مئتان و ثلاثة نحوّ وليام،الذي شحب وجهه هو هو ينظر في عينيه…
عقد مئتان و ثلاثة حاجبيه…
نظراتٌ يطلب فيها المساعدة بيأس..كأنه يرجوه أن يخلصه من هذا الجحيم!
نطق وليام بنبرةٍ راجفه و هو يتحدى نفسه
“س..سيد لويس..”
صرخ المساعد لويس بغضبٍ جمّ
“لا تتدخل إن لم تعلم شيئًا مفيدًا!!!”
نظر وليام الى روكي بيأس..
نظراتٌ..تحمل في طياتها الإعتذار..
حينها،نطق بنبرةٍ راجفة
“إنه…هو…لقد..دفعني لأحضر السجلات..لستُ مذنبًا…خطط لذلك بمفرده..”
توسع بؤبؤ مئتان و ثلاثة…
ففي تلك اللحظة،بدت المسافة بينه و بين وليام بعيدة…بعيدةٌ للغاية…
ندم،و ألم
تلاشت نظرات اليأس من عيني مئتان و ثلاث..و أخذ اللمعان يغادر محجريه
شدّ السيد لويس على ذراعيه،لكن هذه المرة،توقف مئتان و ثلاثة عن المقاومة و الصراخ..
سكت متقبلًا قدره لا أكثر..
بخطواتٍ متثاقلة تتلوها دفعاتٌ عنيفة من المساعد،التفت بنظراتٍ استطاع وليام قرائتها بسلاسة
كما لو كتب على عينيه كلمةُ”خائن”
اخفض وليام عينيه ارضًا…
هذه المرة..بلا دموع
فقط…يأسٌ مزج بالوحدة…
فقد غدى وليام من جديد…وحيدًا بلا شركاء…
سيُعدم مئتان و ثلاثة…
و يبقى وليام بمفرده…
يعاني الذل و الخيانة و الشقاء…
..