المعجزة ٢٠٧ - 2
“انا ارفض ذلك الهُراء…”
توسع بؤبؤ ايفا…صدمةً و خوفًا…فما ضنته يُحل ببعض الكلمات بات لا يُحل اساسا..
ارتجف صوتها و هي تقول
“ارجوك!!سيدي!إن تجند اخي..فقد يموت و لا يتحمل حتى التداريب الشاقة! و ايضًا_”
قاطعها بنبرته الصارمة
“انا لا أكرر كلامي مرتين”
تلاشى بصيص الأمل في عيني إيفا..
فلا شيء الآن..سينقذ اخيها..او يجعل والدها ينظر اليها بنظرة حب…او فخر..
فقد غلب تفكيرها الرغبة في نيل حب ابيها..
لكن..يبدو ان ذلك أمر صعب المنال..
تراجعت ايفا و اخذت طريقها للباب،بخطواتٍ متثاقلة مليئةٍ باليأس و الخيبة
حتى قالت تلك المرءة بعلو صوتها
“إليوس!طلب تلك الفتاة ليس بشيء صعب،و انا شهدت قوتها،يجب ان يتم تجنيدها هي!”
تلك الكلمات،جعلت ايفا تلتفت و تعود لنقطة وقوفها،و قد لمعت عينيها بالحماس..
الرئيس تجاهل نظرات ايفا و حماسها المفرط،فهو لم يكن يصوب ناظريه سوء على تلك المرءة الجميلة المقعدة،كما لو لآن قلبه لها،ليقول بهدوء
“إن كان هذا ما تريدينه…فلكِ ذلك..”
اعتلت الإبتسامة ملامح ايفا،ابتسامة نصرٍ مُزجت بالثقة!
التفت لتشكر تلك المرءة الطيبة و الغامضة
إلا انها نظرت إلى الرئيس بعينين خاليتان من المشاعر..عينين ميتتين..
التفتت حيث وضعت كفها الرقيق على كتف ايفا و قد همست
“حظًا موفقًا..”
لتجيب ايفا بإبتسامتها المشرقة كشمس وضح النهار
“انا لا احتاج الى الحظ سيدتي!”
تجاهلت كلمات ايفا لتدفع كرسيها بنفسها مبتعدةً الى الخارج
كانت ايفا تأخذ خطواتها بدورها لتذهب،إلا ان صوت الرئيس و هو ينادي اسمها جعلها تتراجع
همهمت بتعجب عن سبب مناداته لإسمها
اشار لها بالإقتراب
اقتربت بضع خطوات ليردف بنبرته الرزينة
“لديّ شرط واحد فقط”
تعجبت ايفا…فهو لم يطلب اي شروط عندما كانت الإمرءةُ معها…مع ذلك،فهي لم تهتم،طالما ستحصل على ما تريده فهي مستعدة لتأدية اي شرط
اجابته
“طلباتك اوامر!”
ليطلب قائلًا
“اريد منكِ ان تحاولي الهروب،و تكسري قانون من يخرج المدينة لا يدخلها،كي تصبح عندي حجةٌ لأخذكِ للتجنيد عوضًا عن اخيكِ..فلا سبب واضح يدفعني لأخذكِ للتجنيد بدلًا من اخيكِ الكفوء سوى معاقبتكِ”
تعجبت ايفا لطلبه،لكنه بدى منطقيًا..فوليام هو من يجب ان يأخذ هذا الدور لا هي…لذا،خرق القانون،سيكون حجةً مناسبة لأخذها عوضًا عنه!
قبلت ايفا عرضه بلا تردد
اخذت تخطو خارج تلك القاعدة العسكرية،وقفت امام العمارة الطويلة و هي تسأل ذاتها
“اين ذهبت تلك المرءة؟!كنت اريد ان اعرف اسمها على الاقل..”
..
ذهبت ايفا بهدوء الى مدرستها متأخرة…إنه يومها الأول..و الاخير
تجلس على كرسيها و هي تشاهد من النافذة شاردة الذهن..لا تفكر سوى في مصير اخيها و اصحابها بعد رحيلها للتجنيد..
يا ترى..كيف سيعيشون؟هل سيمضون قدمًا بلا مبالاة..؟
لتلمح من الشباك ذلك الشاب القصير الاشقر،يركض و يسابق رفاقه،يلعب كرة القدم بعنف و غضب،و يستبد برأيه و يصرخ
ابتسمت ايفا ابتسامةً بلهاء،فهي تعرف ذلك القزم،انه صديقها ايدوارد،اصبح صديقها صدفةً بعد مشاجرةٍ كبيرة دارت بينهما،لتكتشف لاحقًا انه شقيق زميلها في الفصل و صديقها الآخر فيكتور،محبوب الجماهير و النساء لوسامته الخارقة،لبِقٌ على عكس اخيه،تحبه فتيات المدرسة كلها ربما إلا ايفا!لأنها تكره المتصنعين امثاله
و هي تحاول اقامة علاقة حب بين فيكتور و صديقتها المقربة تاليا ذات العينين الخضراوتين و البشرة الحنطية،و شعرها اللتي تصبغه كل يوم!اللتي كانت تحبه منذ نعومة اظافرها حتى تحول الى زير نساء!
إلا ان ايزابيل اللتي تعتبرها ايفا اجمل فتاةٍ في المدرسة بسبب عينيها للزرقاوتين الواسعتين و شعرها الكسنائي الناعم و جاك يجب ان يكونا ثنائي مثاليا !
هاؤلاء هم مجموعة ايفا،بأعمار مختلفة،تعرفوا صدفةً شيئا فشيئا،لكن ما الفائدة…؟فإيفا لم تستطيع البقاء معهم بعد الان..
هي لم تختر الذهاب للمدرسة اليوم سوى للقائهم للمرة الأخيرة
غدًا،سيكون عيدميلاد ايفا و اخيها وليام،في كل عام،يقيم لهما هاؤلاء الشباب حفلةً ضخمة في احدى الحدائق دون علم ابيهما
لكن هذا العام،سيكون وليام يحتفل بمفرده..
انتهت المدرسة…و اخذ كل منهم يعود للمنزل،يقف وليام عند الباب و هو ينتظر اخته كعادته،إلا أن اخته اخذت طريقها من النافذة لتخرج من باب المدرسة الخلفي!
دون علم اي بشر،قطعت طريقها بكل همةً و خطواتٍ ثابتة
لتصل الى تلك النقطة،حاجز طويل جداً و متشابك،عبور هذا الحاجز،هو جريمةً لا يغتفر لها
لكن…لماذا لا يجوز عبوره؟
أ حقًا خوفًا من الوحوش..؟
ما هي تلك الوحوش اساسا..؟
أ يخافون علينا حقًا…؟
أم…كي لا تتكرر حادثة مِئتان و سبعة…؟
اسئلة جالت في خاطر ايفا و هي تمسك بأناملها الصغيرة ذلك الحاجز الشائك
حاولت تسلقه بوضع الساق عليه
و هي غارقة في تفكيرها،ليقطع تفكيرها صرخةٌ لم تكن في الحسبان!!!
“ايفا!!!؟انزلي من عندكِ ما تفعلينه هووالجنون بعينه!!!”
التفتت ايفا بذعرٍ تتبع مصدر ذلك الصوت!
انه اخيها…و معه رفاقها أجمع!!!
تحمل ايزابيل كعكعةً بين يديها!
صرخت ايزابيل تثور غضبًا
“انزلي من عندكِ!!”
صرخت ايفا بدورها بنبرةِ توتر و هي تحاول التوازن لتتجنب السقوط اثناء صعودها
“ما الذي جاء بكم الى هنا!؟؟أ ليس عيد ميلادنا غدًا!؟”
صرخ ايدوارد بعنف
“سنسافر انا و فيكتور غدًا مع عائلتنا اللعينة،لذا قررنا مفاجئتكما،لكن بعد ما تتبعتكِ وجدتكِ تتسلقين هذا الحاجز اللعين!بماذا تفكرين بحق السماء؟!”
جلست ايفا على حافة الحاجز..و هي تفصل بين داخل حدود مدينتها و جحيمٌ خارج المدينة
ابتسمت و هي تقول
“اريد استشاق بعض الهواء!”
اردف جاك و قد ارتجت نبرته و في عينيه دموع الخوف
“علمتُ بانكِ لستِ على طبيعتكِ!لا اعلم لماذا نفذت ما طلبتِه و اخذتك الى القاعدة!”
قالت تاليا بهدوء
“ايفا…ارجوكِ عودي الى هنا..”
ترددت ايفا في اتخاذ قرارها الطائش…
لكن…
نظرات اخيها الممزوجة باليأس و الغضب و البُغض،جعلتها تصرّ على تنفيذ ما جائت لأجله
تظاهرت ايفا بأنها تتعثر ببساطة،لتسقط الى الجانب الآخر…الجحيم…
بينما ينهار رفاقها، عرف اخيها ان سقوطها الى تلك الهاوية…سيدمر حياتهم للأبد…
تشعر تلك الفتاة بالندم على فعلتها..
لكن على الأقل..هي ستستطيع توفير الحياة الامنة و الراحة لأخيها..و ستقوم بخدمة وطنها…وحيدة..