المعجزة ٢٠٧ - 9
بضع خطواتٍ لذلك المكان الخالي…
ليضرب بقدمه الأرض،انخفض ليبعد تلك الرمال عن المقبض،فيفتحه،انه مقرٌ تحت الأرض..
اشار ماثيو بيده و هو يقول
“انزلوا الأغراض من لوكاس”
انزل هؤلاء الشباب برفق و معهم بعض الالات،الطعام الضروري،و الاغطية و مستلزمات المعيشة
نزلوا جميعًا ليغلق ماثيو الباب،و يفتح الأنوار
مقرٌ ذو جدران بيضاء،تغطيها بعض الدماء،تنتشر القذارة في كل مكان،و الأتربة،غرفٌ كثيرةٌ و واسعة،و بعض الاجهزة المتروكة،كتلفازٍ قديم،مطبخٌ كبير،مهمل و متسخ،و بعض النوافذ اللتي تنفذ للخارج
التفت إيفا و هي تشهد ذلك المنظر
لتهمس
“يبدو ان كلامك عن القاعدة…كونها مخبر تجارب..كان حقيقيًا..”
التفت ماثيو اليها بنظرات ثقة و هو يجيب
“انا اكره الكذب”
اخذت ايزابيل ترفع اكمام قميصها و هي تقول
“لننظف!لن انام على تلك القاذورات!”
انطلقوا جميعا و هم ينظفوا و يرتبوا هذا المخبر،ليتم تحويله لمنزل،و اثناء العمل،كان فيكتور برفقة ماثيو و هم يصلحون بعض الانوار المعطلة،كان ماثيو يجلس فوق كتف فيكتور ليستطيع الوصول للسقف!
تذمر فيكتور
“أ لا تستطيع الصعود على كرسيٍ مثلا؟”
“انا و انت اطول إثنين،لا احتاج لسلم بوجودك”
تنهد فيكتور بإنزعاج،ليردف بهدوء
“يا ترى…ما الذي حصل في هذا المكان ليصبح على هذا الحال..؟”
اجابه ماثيو
“تمرُد جماعي من اطفال التجارب،ذلك المخبر كان معزولًا تماما،تمرد من فيه و حاولوا الهروب،لكنهم فشلوا في ذلك و قد قُتلوا في نهاية المطاف،على عكس المخبر الذي انا و رفاقي هربنا منه،كان في مركز العالم،المخبر الرئيسي،صفر،فقد انتشر خبر هروبنا في العالم بأسره،لأن ذلك المخبر هو الرئيسي،انتشر خبر هروبنا و اصبحنا خونةً و عارًا للعالم،بينما هاؤلاء..ماتوا و لا احد كان يعلم بوجودهم…”
نظر فيكتور الى تلك الأرض بيأس،ليردف بهدوء
“لم اكن اضن بأنك و رفاقك خونة…لا احد يهرب من مكان إحتضنه بأمان…حتى ايفا…”
تعجب ماثيو لكلمات فيكتور،ليتسائل بهدوء
“ايفا…؟”
لتدخل ايفا عليهما و هي تصرخ بصوتها الصاخب
“ماثيو هل اضع آلاتك في تلك الغرفة؟!”
التفت كلا من فيكتور و ماثيوا،ليصدم كليهما بإيفا تحمل كل آلات ماثيو دفعةً واحدة،و اللتي ثقل وزنها يحتاج ربما لثلاث رجال ليستطيعوا رفعها!
نزل ماثيو من كتف فيكتور ليصرخ بتوتر
“لا تسقطيها!!!!”
ابتسمت ايفا ابتسامةً بلهاء و هي تقول
“اشعر بالسعادة عندما اراك متوترًا هكذا،تبدو كبشري طبيعي!”
صرخ ماثيو بغضب
“انزليها و اللعنة عليك!تلك هي غرفتي سأنام هنا انزليها ارجوكِ!”
انزلتها برفق و هي تقول
“ياه…مجرد خردةً تجعلك تفقد اعصابك،لست بذلك البرود كما كنت اضن..”
التفت لتغادر بكل بهدوء و ثقة
عقد ماثيو حاجبيه و هو يتمتم
“لعينة….اكرهها…”
ضحك فيكتور و هو يقول
“لا اضنك قد احببت بشرًا في الأساس!”
التفت نحوه ليجيبه بلا تردد
“انت محق،و لا اعرف معنى الحب هذا!”
..بعد الكثير من العمل الشاق الذي استمر لثلاث ايام متواصلة،ليغدو ذلك المخبر ييدو كبيتٍ حديث،بعيدًا عن الأنظار،ليقطنوه في سلام!
يفتح ماثيو حاسوبه،و هو يتصفح ليجرب شبكة الإتصال في ذلك المخبر الذي اتخذه مسكنًا،و لحسن الحظ،لقد نجح في اصلاحه!
ابتسم الحظ لماثيو!لذا ابتسم بثقة!
و بينما كان يعبث لا اكثر،وقع ناظريه على خبر…
(قامت القاعدة رقم خمسون بالإمساك بنوعٍ جديد،وحشٌ لم يشهد له مثيل!)
لمع محجري ماثيو،كأنه شهد الخلاص،لكن في تلك اللمعة،تلألأ القلق بدوره
فهذا عائقٌ في وجه ماثيو لإكمال خطته،لكنه ينوي جعل هذا العائق سبيلٌ لنصره!
نهض بلا تردد،ليأخذ معطفه السميك و الطويل الذي
رُمي على فراشه
اخذ بقبعته ليغطي فيها ملامحه و شعره الأسود
نظر الى لحيته اللتي قد طالت،ليأخذ الشفرة و يبدأ بحلقها!سرعان ما التقط المقص بعد ذلك و بدأ يقص شعره ليجعله اقصر بقليل عما كلن سابقًا
وضع في جيبه مسدسًا و بعضًا من آلاته الغريبة!
ليخطو بكامل شثقته،و هو في طريقه ليجعل العالم يقف في صفه لمرةٍ واحدة على الأقل!
كان سيذهب مشيًا،فهو لا يريد لفت الأنظار برفقة لوكاس
و بينما يخطو بثقة،صوتٌ كسر سلسلة تفكيره و خطواته الواثقة
“ربما تلك اول مرةٍ اراك نظيفًا،هل حلقت لحيتك؟”
التفت ماثيو و الصدمة تعتريه،ليشهد ايفا تمشي بجانبه،ابتسمت و هي تقول
“عظيم و قد قصصت شعرك ايضًا!تبدو وسيمًا!هل ستذهب في موعدٍ غرامي؟!”
عقد ماثيو حاجبيه ليمسك بكتف ايفا و ينطق
“ايتها البرغوث،استمعي إلي،انا ذاهب في مهمةٍ خطيرة،و ساضطر للدخول الى المدينة،لذا ارجوكِ…اغربي عن وجهي هذه المرة فقط”
عقدت ايفا حاجبيها بإنزعاج،لتبعد يد ماثيو و تردف بتعالٍ
“اولًا،لستُ ببرغوث،ثانيًا،اريد ان آتي معك لأتعلم كيف ادخل المدينة،لا بد لإمتلاكك طريقةٍ ما،يجب أن ننقذ اخي يومًا ما!أم أنك نسيت وعدك لي!؟”
افلت يدها ليتراجع و هو يقول
“انا لا أخلف وعدي ابدًا،سأحاول انقاذ اخيكِ،لكن عليكِ ان تتركيني الآن!يجب ان احضر عينةً من حيوانٍ مهجن!”
صرخت ايفا
“اوه حقًا هل تحاول طردي!؟ماذا لو هربت بعيدًا و ابلغت عنّا!؟لازلت لا اثق بك البتة!”
التفت ماثيو متجاهلًا صراخها لينطق بنبرةٍ خافتة
“اخرسي…”
مشى بعيدًا،ليشعر بها و هي تتبعه،توقف ليلتفت،شهدها تختبئ خلف شجيرةٍ و قد برز من شعرها
تنهد بإنزعاجٍ مستكملًا طريقه
و هو يحاول تظليلها،اخذ طرقًا لم يسلكها في حياته!
حتى وصل بعد مشيٍ استمر لخمس ساعات،مدينة القاعدة خمسين!
اخرج اداته من جيبه،التي كان سيقطع بها الحاجز بلا
صوت!
ليلتفت فازعًا بعد ان شعر بكيانٍ يقف خلفه!
اردف بهلعٍ و هو يمسك بصدره هامسًا
“و اللعنة عليكِ و على من يجعلكِ تبقين برفقته!!!!ماذا تكونين بحق السماء!؟ظللتكِ طريقي خمس مرات!!كيف وصلتي الى هنا!؟؟؟”
اجابته ايفا و نظرات الحقد تعتليها
“فاشل”
“انتِ ترغمينني على قتلكِ”
“حاول ذاك و سأقطع رأسك!”
اردف ماثيو بغضبٍ و قد ارتعش محجريه
“اللعنة عليكِ!لماذا جئتِ بحق السماء!؟؟”
اجابته هي بدورها صارخةٍ و قد فقدت اعصابها لتشد على قميصه بعنف
“ذلك لأن رفاقي بأكملهم خرجو للصيد و لم يبقى سواك برفقتي!!!أ تريد تركي!؟ماذا لو هجموا علي كما فعلوا بك و بجاك!!!؟لا اريد الموت!!”
ازداد غضب مايثو ليتراجع و هو يحاول الإبتعاد عن إيفا
و لسوء الحظ،وطأت قدمه على لغم،ليس بقنبلة!بل جهاز انذار!!
ذلك الصوت،اعاد لإيفا تلك الذكرى اللعينة…
الحادثة اللتي تسببت بطردهم!
اردفت بنبرةٍ راجفة
“ما الذي…فعلته؟!”
ليوجه احدهم بسلاحه نحوهما!!!
رجلٌ يقف على اهبة الإستعداد،و معه سلاحٌ يشبه السيف!
سرعان ما اخرج ماثيو مسدسه بلا تردد
و بعينين ميتتين،بهدف قتله!
صرخت ايفا بتوتر
“ماثيو!!لحظة!”
انطلق نحوه لكنه شعر بإيفا اللتي اختل توازنها!التفت ضنًا منه انها قد اصيبت!!
تشتت ماثيو…
لينطلق ذلك الرجل و يباغته بطعنةٍ في ظهره!!!
توسع بؤبؤ ايفا فور رؤية ماثيو و هو ينزف!صرخت ايفا بذعر
“ماثيو!!!!”
اختل توازنه لشعوره بالألم القاتل!
و بحركةٍ سريعة و مباغتة من ايفا الخائفة
اخرجت سكينًا من جيبها،لتنطلق بهمجية نحو ذلك الجندي،و ما دفعها نحوه هو الغضب الذي تمثل بدموعٍ
تراكمت في عينيها
و هي تصرخ،كمن يتحدى المستحيل
لتطعنه طعنةً في بطنه!،جعلته يترنح و يتراجع،لتغير وضع السكين في يديها و تشدّ عليه
جمعت نفسًا في صدرها لتقفز عليه،و تبدأ بطعنه مِرارًا و تكرارًا،و نظرات الغضب و الحقد تعتلي محياها
توقفت حتى الطعنة السابعة عشر،و قد توقف ذلك الرجل عن التنفس..
التفت نحو ماثيو الذي ظهر في محياه نظرات الذهول،لا الخوف
لمع محجريه الباهتان لأول مرة،كأنه رأى الخلاص…او بصيص أملٍ من العدم
لكن،شعوره بالضعف و الألم خانه،و جعله يسقط ارضًا و يغيب عن الوعي
سرعان ما انطلقت ايفا نحوه،لتبدأ بسحبه بعيدًا…عن مسرح الجريمة..
لتقع ناظريها على كهفٍ قريب
وصلت لذلك الكهف بشق الانفس،لتضع ماثيو ارضًا،و تخلع قميصه لتبدأ بتضميد جرحه،قبل ان تفعل ذلك،بلا وعي،امسك ماثيو بيدها!
بالرغم من انه غائب عن الوعي بالفعل!لكنه شعر بها..ليضن جسده بأنها خطرٌ عليه
ابعدت ايفا بيده بعنف،لتفتح ازرار قميصه،لتتأمل لبضع ثوانٍ مصدومة…
جسدٌ هزيل،مليءٌ بالكدمات،و الجروح،و الخياطات،ناهيك عن الحروق،ارتجفت يد ايفا الباردة،خوفًا و قلقًا…
علامة التجارب…
لمستها بطرف اصبعها بخفة،إنها بالفعل محفورة..برقم مئتان و سبعة…
للحظات،تداركت الوضع الحرج الذي وُضعت فيه!
لتمسك بقميصها و تمزق منه بعنف
و تبدأ بتضميد جرحه بواسطة ذلك القماش
لتتوالى على ذاكرتها،الطريقة اللتي ضغط به جرحه في المرة السابقة،لتضغط بقوةٍ لعدة دقائق…لقد توقف النزيف!
فتح ماثيو عينيه بصعوبةٍ و الإرهاق قد سيطر عليه
ليلتفت نحوها،حينها نطق بهدوء
“إيف…؟”
التفت ايفا فورًا متفاجئة لسماع صوته!!
و قد تلهفت لرؤيته!
لتأخذ تلك الدموع الساخنة مجرًى على وجنتيها..
فتخفض رأسها و قد اجتاحها اليأس..
لتُتمتم بنبرتها الضعيفة
“لقد…افسدت..كل شيء…”
حاول ماثيو رفع جسده بصعوبةٍ بالغة،ليجلس و يتكأ عن الحائط الصخري..
و هو يتأمل تلك الصغيرة الباكية
ضيق عينيه..كأن شيئًا قد ازعجه..
و أعتصر قلبه..
ضيقٌ في صدره..
تدارك ماثيو في تلك اللحظة..هذا الشعور..
اخذ بيده اليمنى ليمسك برأس ايفا و يرفعه،ليمسح بيسراه دموعها المتزاخمة
عقد حاجبيه و هو يقول
“توقفي…لا اعلم لماذا…لكن…لا اريد رؤيتكِ و انتِ تبكين!”
تعجبت ايفا لتصرف ماثيو..كأنه شخص يجهل شعوره..و يندفع نحو غريزته لا اكثر
اردفت ايفا بنبرةٍ قد ارتعشت
“لقد..اصبت بسببي…”
اومأ بالنفي و هو يقول
“انتِ انقذتِ حياتي..”
شهقت ايفا لشدة بكائها و هي تمسح دموعها،نبرة منزعجة قد فارقتها و هي تقول
“لا احب ان ابكي امام احد”
امسك ماثيو بمكان اصابته،ليلاحظ عدم وجود قميصه!
امال براسه بعفوية،لتستقر عيناه في محجريها و هو يقول
“و أنا اكره ان يرى احدٌ جسدي و هو بهذا الحال…يبدو بأننا قد تعادلنا”
وافقته ايفا،و تحيرت نفسُها…
ما مصدر كل تلك الجروح و الكدمات..؟
ما الذي شاقاه ذلك الشاب حتى وصل لهذا الحال..؟
يبدو..بأن ماثيو هذا،يخفي الكثير…
حاول النهوض بصعوبة،ليضع بذراعه على كتف ايفا،و هو يقول
“اعتذر لأنني سأتكئ عليكِ الطريق بأكمله”
اومأت بالنفي و هي تقول
“كلا،بل اعتذر لإفسادي مهمتك…”
في ذلك الطريق الطويل و المستقيم،تأخذ الشمس مجاراها لتهرب الظلمات الى السماء
وضع ماثيو المتعب رأسه على رأس ايفا و هو يمشي ببطئ شديد،لتتعجب ايفا من تصرفه هذا،حينها همس
“اعجبتني طريقة قتالكِ”
تنهدت ايفا و هي تتذمر
“لقد فقدت اعصابي لا غير!لا اذكر ما الذي اقترفته بالفعل”
ابتسم ماثيو بخفةٍ و هو يستهزء
“مُختلة”
صرخت ايفا بغضبٍ لتضربه بخفةٍ على مكان جرحه
“انظروا من يتحدث!”
انقلبت ملامح ماثيو لشخصٍ يقاوم ذلك الألم!ليصرخ بغضب
“سأموت بسببكِ!”
تجاهلت هي صراخه الغاضب بإبتسامة ثقة،لتجيبه بعد عدة لحظات من الصمت
“يجب ألا تستهزأ بالنساء”