تحت ضوء النجوم - 1
★ الفصل الأول ★
313 ق.م _ يونان
في بِدايةِ الرَّبيع، وانتشارِ عَبِير الزهُور، تركضُ بأقْدامِها الصَّغيرة التي تُلامسُها الأعشاب، وتحاول الاختباء وضحكاتُهَا تملأ المَكان.
وجَدت أمامَها شَجرةً كبيرةً، فنَظرت حولهَا لِتتَأكدَ أنَّه لا يوجد أحدٌ حَولَها… إِختَبأت خلفَ تِلك الشجرةِ، وهي تُغطِّي فمَها بيديْها الصّغيرتَين، تُحاول إمسَاك ضَحكَتها.
– ” أين سمو الأميرة الصغيرة يا تُرى؟ إنها حقاً مُختبئة ماهرة! يجب أنْ أجدها وأهزمها !”.
لم تستطع التحَمل وبَدأت بالضحكِ، فَسمِعتْها مُربِيتهَا وقَالتْ أثناء تَأشِيرِهَا إلى الشجرةِ بحماس:
“لقد وجَدتك!”.
رَكضَت إليها، وبَدأَت بدَغدَغتِهَا، وضَحكاتُ الأميرةِ الصغيرة تملأ الارجاء، ومربيتها تبتسم بسعادة ودفئ.
وجَدت تلك الفتَاةُ الصغيرة فرْصَتها، وفرَت هاربةً منها، وهي تركُض لحضْن أبيها.
– ” بابا! بابا! خَبِئْنِي! نانا مايدي تُلاحقُني!”
لم يَتحمل سمو الإمبراطور الملَكي ظَرافَةَ ابْنتِه، فأَمسكها من خَصرها ورفعَها إلى السماءِ وهو يَضحَك:
” يا إلهي! أنتي بين يَدَيْ والدكِ الأن! سوفَ يحميك من نانا الشرِيرة!”
وصلت مربيتها إليها فانحنت بأدَب للامبراطور، وقامت بتحيته:
” انه لشرف لي أن أقابل شمس امبراطوريتنا”.
ابتسم لها الامبراطور وقال:
” شكرا لك، للتاكد من كون ولية العهد بصحة جيدة وتعليمها لتصبح شخص طيب”.
فأردفت مايدي: “إنه لشرف لي، أن أربي نجمة امبراطوريتنا المستقبلية”.
قاطع كلامهم تنهيدة استر، وهي تُغَمّض عيناها وتتذمر:
“بابا انا عَطِشة!”
الامبراطور:” حسنا يا إبنتي، سأخبر الخدم لكي يجهزون بعض الشاي والبسكويت، لكي نأكلها في الحديقة خلف القصر”.
رفعت يدها بحماس، وهي تقول بصوت عالي:
” عصير! اريد عصير ليمون!”
ضحك الامبراطور بخفة على لطافتها وقال: “حسناً حسناً.”
اشار الى احد الخدم وقال له:” أحضر بعض الشاي، لي ولِلأميرة إلى الحديقة …”
قاطعته الفتاة الصغير التي يحملها الامبارطور بين ذراعيه وهي تقول:” لا تنسى العصير!”.
حاول الخدمُ والفرسان عدم الضحك منْ ظرافتِها وبراءتها، وقال الخادم وهو يحاول كبت ضِحكته:” طلباتك أوامر جلالتك”.
أنزل الامبراطور استر منْ بينِ يديه، وأمسك يدها وبدأوا بالمشي، ليصلوا إلى حديقةِ القصر الملكي.
وصلوا إلى هناك، وضحكات الاميرة الصغيرة تملأ الحديقة بالفعل: “بابا اخبرني مجدداً ارجوك كيف هزمت ذالك الرجل الشرير!”.
قال الامبراطور مع تغييره لنبرةِ صوته لِتَبدُو مضحكة، وهو يرفع يده:
” كان يرفع سيفه إلى فوق ويتفاخر بأنه قويٌ وقادر على هزيمة الإمبراطور بنفسه! أخبرته أن يتقدم لكي نرى مَدَى قوته، ولكنه لم يتوقف عن مدح نفسه وهو يقول الشعر والقصائد، لكني شعرت بالملل وضربت رقبته برفق شديد، ومع ذلك أغمي عليه من الألم بالفعل!”
بدأت الاميرة تضحك من جديد، وهي تقول:
” إنه رجل مغرور فحسب! لا يوجد شخص أقوى من بابا في القارات كلها!”.
امسكها ووضعها فوق كرسي الطاولة الخشبي فب الحديقة الخلفية للقصر بينما يقول:
” انتي محقة بالفعل يا صغيرتي! أنا أقوى شخصٍ بالقارة، فأنا الإمبراطور، وأنتي ربما تصبحين اقوى مني بمئاتِ المرات بما انك ورثتي قوة امك الرائعة!”.
قوة العائلة المَالكة تَكْمُنُ في العيونِ الزهرية والتي بداخلها دوائر السحرية باللون الأبيض، فأعينهم الوردية تبدو كالكوارتز الزهري… لكن هذه القوة تنتقل فقط إلى النساء من نسل الامبراطوري، لهذا يكون حكم الامبراطورية يعتمد على المرأة أكثر من الرجل…
نَظَر الإمبراطور إلى إبنته بقليلٍ منَ الحزن والاشتياق مع ابتسامته الدافئة، وهو يمسح خدَّها بيده:
” انتِ تبدين نسخة مِنْ أُمك يا صغيرتي… اتمنى أنْ تَكبُري وتصبحي بجمَالِها وذكائِها وحكمتِها، لكي تحكمي امبراطوريتنا بعدلٍ وحكمةٍ يا نجمتي الثمينة…”.
نظرت الأميرة الصغيرة إلى أبيها وهي تقول:
“بابا، هل سأستطيع أن أرى ماما؟”.
قال الامبراطور، وهو يبتسم لها بحنان:
” يوماً ما يا صغيرتي… سنذهب لها كُلنا، ونبقى معَها الى الأبد “.
استوعب ان الجو بدأ يصبح كئيباً، فقرر تغيير الموضوع:
“أنا أسف جعلتُك تنتظرين طويلاً، فلتشرُبي بمهل، قبل أن يصبح العصير دافئ “.
هزت رأسها الصغير بالْموافقة، وأردفت:
“حسناً! انت ايضا فلْتستمتع بشايك يا أبي”.
كانت تلك الأيام، أجملَ أيامِ حياة ولية العهد الصغيرة…
× بعد 6 سنوات…×
“استر”
“إنه عامي الثالث عشر… لم يتغير روتيني كثيرا، ماعدا الدروس التي أصبحت أكثر، حسنا أنا لا أمانع، فهذا من واجباتي كالإمبراطورة المستقبلية… كلما درست أكثر كلما سيكون ابي فخورا بي أكثر!”
نظرتُ إلى النافذةِ، فرأيتُ أنَّ الشمس قد غربت بالفعل.
“اوه صحيح! انه وقت العشاء، يجب أن أذهب بسرعة”
صرختُ بصوتٍ عالي، بينما أرتب أوراقي لكي انهض:
” مايدي! جهزي لي الحمام سأذهب لأستحم قبل العشاء”.
دخلت مايدي إلى الغرفة فقالت وهي تنحني:
“إنه جاهز بالفعل سموك”.
انها حقاً سريعة البديهة، وتعرف افكاري بالفعل… لهذا جعلتها من مربيتي لخادمتي الشخصية، فهي اكثر شخص أثق به بعد أبي.
“إنتهاء”
ذهبت استر إلى غرفتها، بينما تزيل الحلي من أذنها، قالت:
“فلتُجهزي ملابس مريحة، فجسمي يؤلمني بالفعل من هذه الملابس الثقيلة والضيقة. “
مايدي: “حسناً سموك”.
نزعت استر ملابسها بمساعدة الخدم، ودخلت في الحوض، فشعرت بالْقشعريرة من دفئِ الماء، وأن كل تعبها زال مع القطراتِ التي تلامس جلدها…
بعد نصف ساعة إنتهت من الاستحمام، وارتدت ملابسها، التي كانت هي عبارة عن فستان حريري باللون الرمادي المائل الى الازرق ذو الأكتاف المكشوفة وشريط بسيط على خصرها.
مسكت حاشية فستانها بسرعة، وبدأت بالركض في ممراتِ القصر والابتسامة تملأ وجهها ومايدي تصرخ من القلق عليها:
“سمو ولية العهد، من الخطر الركض هكذا، سوف تقعين!”
قالت استر بينما تلتفت لها وتقول بفرح:
“سوف أرى أبي اليوم! مر يومان بدون أن أراه، مِنْ كَثْرتِ العمل كيف لا اركض إليه وأرتمي في حضنه؟ يجب أن أسرع!”.
وصلت إلى قاعة الطعام، وهي تنظر إلى الباب الكبير الذي يُفتح من أجلها، فترى أبيها بينما يفتح لها ذراعيه لتصرخ وهي ترتمي إلى حضنه:
“ابي! لقد اشتقت إليك!”.
ضحِك الإمبراطور على حماسها وضَحْكَتها، وأردف بينما يربت على شعرِها:
“إبنتي تصبح أجمل كل يوم! إنك تَغْدينَ لتصبحي نسخة من أمك في مراهقها يا فتاة! هيا هيا، فلتجلسي فالأكل سوف يبرد إذ انتظرنا أكثر!”.
تركت حضن أبيها وذهبت الى الطاولة، وبدأت بالتكلم بحماس لدرجة انها لم تتوقف عن قول الأشياء التي اكتشفتها، بينما تدرس، والأشياء التي حدثت لها طوال اليومين.
لكن توقفت عن الكلام فجأة، عندما وجدت أن أعين أبيها تنظر لها بعمق وابتسامة خفيفه، بينما يستمع إلى كلماتها… شعرت بغرابة وأحست أن هنالك شيء غريب، فسألته وهي تنظر إليه بقلق:
“ماذا بك؟… هل حصل لك شيء سيئ؟ أنتَ لم تأكل شيئاً من طبقك”.
ترك الشوكة من يده ومسك يدها وقال بينما ينظر لها:
“أنتِ تعلمين أنَّ هناك حرب بيننا وبين المملكة المجاورة، أليس كذلك؟ إنَّ القائد هاليس الذي يقود قواتنا في المعركة، توفي البارِحة… والجيش في حالة هلع وخوف شديدة بدون قائد… لذا…”.
شعرت استر كأنها أصيبت بصاعقة، لأنها فهمت ما يلمح له أبيها… قالت وهي تحاول استيعاب الموقف:
“أبي أنت… أنت لا تقصد ذلك صحيح…؟”
انزل الامبراطور رأسه وقال:
“أسف يا صغيرتي، لكن يجب أن أذهب إلى هناك وأقود الجيش لكي ننتصر، فإذا بقينا على هذه الحال من المحتمل أن تغزى امبراطوريتنا، ويصبح شعبنا خائفاً ويشعر بعدم الأمان…”
شدت بقوة على يد أبيها، وقالت بصوت مبحوح وقطرات الندى تنهمر من خدها:
“أبي أرجوك لا تفعل هذا! أنت إمبراطورنا، كيف ستترك شعبك وتذهب إلى ساحة الحرب! إن هذا خطير جداً، أنت مستقبل إمبراطوريتنا، كيف ستذهب وتتركنا؟ كيف ستذهب وتتركني لوحدي! هل تريد تركي مثلما تركتني امي؟”.
بدأ الامبراطور يمسح دموعها من خديها، وينظر لها بحزن وحنان:
“أنتِ هي ولية العهد المستقبلية، أنتِ هي النور وأمل امبراطوريتنا، أنا اعرف ومتأكد من انك لن تتركي شعبك يموت أمام عينيك، بسبب مصالحك الشخصية … وأنا ايضاً كذلك، اريد أن أحمي شعبي والمحاربة من أجلهم … أرجوك أن تتفهمي وضعي يا ابنتي…”
بَقِيَتْ تبكي بهدوء، ودموعها لا تتوقف عن النزول، ولا تستطيع قول كلمة، لأنها تعرف أن كلام أبيها صحيح…
لم يستطع اباها تحمل انهِمَار دموعها وبكائها بسببه، فأخذها إلى حضنه وبدأ بتهدئتها…
بعد نصف ساعة توقفت اخيراً عن البكاء، وأصبحت عيناها منتفخة وزهرية، وأنفها أيضاً، من كثرت البكاء.
قالت استر بينما تمسح دموعها بالمنديل:
“سوف أدعك تذهب، لكن بشرط”.
أمسك يدها وقبلها وقال لها بنبرة هادئة:
“أي شيء لِأميرتي” .
– “فلتعد حياً!”
– “حسناً حسناً سمو ولية العهد”.
-” فلتعدني!”
– “أعدك”.
×بعد ثلاثة أشهر…×
كان هناك طفل يركض في ارجاء المدينة، وهو يصرخ بفرحة وسرور:
“الجيش رجع من الحرب! الجيش رجع من الحرب وفزنا بها! لقد اصبحنا في مَأْمَنٍ بفضلهم!”.
فشرع الجميع بالغناء والاحتفال بمناسبة فوزهم، والاجواء كانت مليئة بالضحك والفرح، وبدوا يذهبون إلى القصر الامبراطوري، لِيَرَوْ أبطال الحرب وهم عائدون!”.
وفي هذه الاثناء كانت الاميرة تنزل من الدرج بسرعة، وكالعادة خادمتها الشخصية تركض ورائها لكي توقفها:
“سموك ستقعين هذه المرة لا محالة! انتبهي لخطواتك!”
لم تستمع لها الاميرة، وكانت تقول عالياً وبصوتٍ فرح:
“أبي رجع من الحرب! أريد أن أراه!”
وصلت إلى الباب الرئيسي، وأمرت الحراس بفتح الباب، فوجدت الجنود كلهم امامها ينحنون لها.
استغربت من الهالة الموجودة حولهم… كانت خانقة وكئيبة… نظرت حولها لكنها لم تجد أبيها معهم.
قالت باستغراب:
“أين أبي؟ لماذا هو ليس معكم؟”
بدأوا بإنزال رؤوسهم، ويشعرون بالعار والذنب لمقابلة اعين الاميرة… اعينهم مليئة بالدموع ويخجلون من رفعها عن الأرض… أردف مساعد القائد السابق، وهو ينحني لها:
“أنا أسف سمو ولية العهد، سأقبل بأي عقاب بسبب ضعفنا وعدم قدرتنا على حمايته! أرجوك سامحينا!”
أحضروا أمام الأميرة تابوتاً أبيض، وكأن موجود فيه أكبر كوابيسها…. جثة أبيها المقتول.