تحت ضوء النجوم - 3
★ الفصل الثالث ★
في الصّباح.
لن نستطيع القَول أنها قد استيقظت، فهي لم تنم حتى… بسبب اشتياقها لأبِيها والبكاء طوال الليل، حاولت مايدي إقناعها كثيراً، لكي تتناولّ طعامها، فجسدها الرّقيق والهزيل لم يدخل فيه اي لقمة صغيرة منذ يومين.
كانت أيدي مايدي ترتجف من القلق، وهي تمسك صحن الحساء وتحاول إطعامها:
“أرجوك سموك، يجب أن تأكلي شيئاً، فإذا بقيتي على هذا الحال، من المحتمل أن يغمى عليك” .
دفعت يدها بهدوء وقالت بصوت هادئ وخامل:
“لا أريد أي شيء، ابتعدوا عني” .
شعرت مايدي بالحزن على استر، فحالتها تمزق القلب.. فقدت أعز شخص بحياتها في يوم وليلة.. أصبحت تكره فكرة الخروج من الغرفة ورؤية الناس، فكل ركن من القصر يذكرها بأبيها….
عضت مايدي شفتيها السفلى، ووضعت الصحن على الطاولة، وقالت وهي تنحني بادب:
“سوف أدعك ترتاحين سمو ولية العهد”.
ذهبت مايدي إلى الباب، وقبل أن تفتحه سمعت صوت الحراس:
“الدوق انريكي موراي، يريد مقابلة الاميرة”.
قالت استر بصوت منزعج:
“أخبرتكم أني لا أرغب برؤية أيّ أحد!”.
مسكت الكأس الذي كان على الطاولة، فرمته ناحية الباب فتكسّر إلى قطع صغيرة.
انتفض الدوق من مكانه، ودخل إلى الغرفة بسرعة وهو يركض باتجاه الأميرة:
“سموك! هذا خطير، كيف يمكنك أن ترمين الزجاج هكذا، قد تصابين بأذى!”.
نظرت استر إليه لدقائق معدودة، ورجعت تنظر إلى النافذة المطلة على الشرفة مرة اخرى.
تنهد الدوق بتعب، ونظر الى الطاولة التي بجانب السّرير، فرأى صَحَن الحساء غير الملموس، فإعاد النظر إليها وإلى وجهها الشاحب:
“لا أعتقد أن حرمان جسمك من الطعام سيغير أيّ شيء من الماضي، إن جسمك ليس لك لوحدك، إنما واجب عليك الاهتمام لصحتِك، فالسكان الامبراطورية لن يرغبوا باتباع إمبراطورة ضعيفة”
أمسك بالصحن وجلس على الكرسي الذي بالقرب من السرير، وقال أثناء ذلك:
“وأريد تذكيرَك فقط، لا أعتقد أن أباك سيصبح سعيداً بعد أن يعرف أن ابنته تنتحر ببطئ بسبب حزنها عليه”.
عندما لامست تلك الاحرف اذان استر، بدأت دموعها بالنزول لا إراديا على وجنتيها، فاستغل الدوق الموقف وامسك بالملعقة وشرع باطعامها، فقامت بتناول حسائها الذي أصبح مالحا من دموعها، فتبلعه مع شهقاتها ونحيبها.
تناولت الحساء بأكمله، فتنهد براحة، بعدها اخرج من جيبه منديل وبدأ يمسح به دموعها وهو يقول:
“سامحيني، لم اقصد إبْكَائك لكنها كانت الطريقة الوحيدة لكي أزيل عنادك”.
دفعت استر يده، وقالت وهي تدير وجهها إلى الجهة الأخرى:
“هذه إهانة للعائلة الامبراطورية حضرة الدوق” .
حاول الدوق عدم الضحك على ظرافتها، وهو يقول بينما يكتم ضحكته:
“ساقبل أي عقاب تقولينه لي سمو ولية العهد”.
تفاجأت أنها بدأت تكلمه بطريقتها المعتادة مع ابيها، فقالت له بينما ترجع نبرتها الحازمة:
“سأجعلك تفعل لي طلب واحداً، بشرط أن لا ترفضه مهما كانت صعوبته” .
وقف الدوق من على الكرسي وانحنى لها وقال:
“حاضر سموك، ولكن الأن يجب أن تجهزي نفسك جيداً، فغداً حفلة توديع سمو الإمبراطور وتعزيته، فسوف يحضر جميع نبلاء وأمراء الممالك المجاورة” .
عدل وقفته وَقال بينما يضع يده في جيبه وهو ينظر للنافذة التي تشع بضوء الشمس الخافت:
“أنها الحرب الباردة للعرش فيجب أن تحترسي، وانا سوف أصبح مرافَقك كيْ أكون قريباً منك واساعدك على التعامل معهم.”
فأردفت استر بهدوء:
“حسنا يمكنك الذهاب”.
انحنى الدوق لها وخرج من الغرفة… شعرت استر أنها ترغب برؤية أصدقائها، حتى ولو للحظة واحدة.
نهضت من السرير فذهبت إلى مكتبها، وأخرجت من إحدى أدراجه رداءً أسود واتجهت إلى النافذة.
كان بجانب النافذة شجرة كبيرة قريبة منها، فأمسكت غضناً من أغصانها وتمسَكت به، وقامت بالنزول ببطئ حتى لا يسمعها الحراس، نظرت حولها لتتأكد، وبعدها انتقلت آنيا بواسطة السحر إلى زقاقاً مظلم في قريةً صغيرة. فَقَصَدتْ حانةً، حيث يتجمع أصدقائها الأربعة هناك عادةً.
الذي هم؛ ‘ديفيد’ هو من أذكى أطفال القرية، وقد حَصل أعلى الدَّرجات في الامتحان الوطني.
‘ليفانور’ معروف ببنيته الكبيرة والرياضية، فهو يستطيع أن يحطم عظام أي شخص من قوته، ويحب قول النكت وإضحاك الآخرين، وهو ابله بعض الشي.
‘آريا’ هي فتاة لطيفة، لكنها تتكلم كثيراً لدرجة أن حديثها يجعل ليفانور ينام أحيانا من الملل.
والأخيرة هي ‘سيلفيا’ فهي الأقرب لاستر، والشخص اجتماعي والمحبوب جداً وذلك بسبب طيبتها.
وصلت استر إلى الحانة، وبدأت تنظر حولها لكي تجدهم، لم تمر ثواني، إلا وسمعت صوت أحد يناديها بصوت عالي:
“استر! نحن هنا!”.
نظرت إلى أصل مصدر ذلك الصوت فوجدتهم جالسين وهم الاخرين رأوها.
أثناء طريقها إليهم كانت استر تنظر ناحيتهم، فحاولت آريا كتمان دموعها بعد رؤيتها الستر، لكنها لم تستطيع فعل ذلك.. ركضت إلى حضنها، وبدأت بالبكاء وهي تحاول مواساتها:
“استر.. أرجوك لا تحزني، نحن معك دائماً مهما حدث سوف نفعل أي شيء لأجلك”.
لم تستطع استر ايقاف دموعها عن السقوط، فبدأو بالبكاء معاً وهم يعانقون بعضهم البعض، حاول ديفيد أن يهدأ الوضع وقالاً بتوتر:
“هي.. آريا أنتِ لا تواسيها، انت تجعلينها تبكي أكثر، فلتهدئي أرجوك، فالجميع من في الحانة بدأ بالنظر إلينا”.
بعد سماع آريا لكلام ديفيد بدأت في مسح دموعها، استقامت سيلفيا وأخذت بيد استر لتجلسها بجانبها، وقامت باعطائها بعض الماء:
” ….هل أنتِ بخير؟”
فردت عليها استر بينما تدور الكأس الذي بين يدها:
” لا…. بالأصح إنني على وشك الانهيار، لكن لا وقت لذلك، فغداً يوم مهم، ويجب أن لا أريهم تعبي وارهاقي، أو أن أظهر لهم نقاط ضعفي”.
وضعت سيلفيا يدها على يد استر بلطف وقالت:
“نحن كلنا معك… مهما فعلتي فسوف نقف بجانبك ونؤيد قرارك!”
أردف ديفيد بموافقة:
“انها محقة يا استر، يمكنك التحدث بقدر ما تريدين”.
قاطعته اريا قائلة:
” نحن كلنا أذان صاغية”.
شعرت استر بموجة من المشاعر والأحاسيس المختلطة، فحاولت ترتيب كلماتها في عقلها بعد أخذها لزفير عميق، قائلة:
” انا-“.
قاطعها صراخ ليفانور خلفهم، وهو يقول بسعادة غارمة:
“يا رفاق، وجدت صديقاً جديد!”.
نظروا جميعهم نحوه، ووجدوا فتى مقارب من عمرهم، رأسه محشور بين أذرع ليفانور، وهو يسحبه معه بابتسامة تكاد تشق وجهه بفرحته.
وصل إلى الطاولة تحت أنظار الجميع وكلهم مصدومين، فقال ديفيد:
“ماذا فعلت لهذا الفتى؟ “
جلس ليفانور وجعل الصبي يجلس بجانبه رغما عنه، فقال بفخر:
“هذا الفتى كان على وشك الّدخول في معركة كبيرة بينه وبين أولاد آخرين ضخام، بسبب أنهم نعتوه بالقصير-“
قاطعته ضحكت آريا بمنتصف كلامه لكنها قالت وهي تحاول كتم ضحكتها:
“اسفة، أرجوك اكمل”.
أكمل ليفانور كلامه قائلا:
“وكان سوف يخرج سيفه، لكني لحقته في اخر الثواني وقاطعتهم بقولي، “يا صاح لقد انتظرتك كثيراً لماذا تأخرت؟”
نظر الفتى هذا لي باستغراب لكنه كان ذكي ففهم كلامي وتماشى معي، وعندما ابتعدنا عن هؤلاء الأولاد أراد أن يذهب، لكني مسكته وأحضرته
إلى هنا لأنني أردت أن أصبح صديقه، بينما هو كان يضربني على خصري! انظروا حتى لقد جعل عضلات بطني الرائعة حمراء من كثرت الضرب!”
حاول ليفانور رفع قميصه ليريهم الكدمة، لكن الفتيات اغمضوا اعينهم وحتى ديفيد اصبح يصرخ عليه:
” انزل قميصك هناك ناس كثيرون هنا هل تريد ان نصبح أضحوكة أمامهم!”
تعجب ليفانور، لكنه أنزل قميصه بالفعل، وبدأو بالكلام مع بعضهم إلا الفتى الذي كان بجوار ليفانور، نظرت له استر والحظة أن ملابسه وشكله يوحي على أنه من أبناء النبلاء، فشكله مميز بالفعل، كان له شعر باللون البنفسجي الباهت بخصلات مبعثرة وعيناه كانتا مختلفتان، فلكل عين لون مختلف… فعينه اليسرى خضراء أما الأخرى ذهبية.
شعرت أنه يتشابه مع شخص تعرفه، فسألته بفضول:
“من أنت؟”
يتبع…