تهويدة الملائكة - ch-3
الفصل الثالث
(هو بِابتسامة تُدفِئ النرويج وهي بِنظرة كالجليد … هكذا هما؛ مُتناقضان).
__________________________________
تقف روما أَمامَ مدخل المنزل الكبير، بينما أمامها تحديدًا يقف والداها اللذان يودعان جون؛ إِذْ إنهما سَـيذهبان إلى رحلة عمل أخرى. تاركين خلفهما اِبنتهُمَا الوحيدة وابنهم بِالتبنِّي – الّذي لَم يَمضِي على تبنيه شهر واحد – تحت رعاية الخادمة هاي سو.
تقدمت هانا نحو روما بينما السيد مينهارد قَد سبقها بِالصعود إلى السيارة.
” روما عزيزتي، اعتنِ بِـجون أثنَاء غيابي”.
قالت هانا لروما الّتي امتعضت مما سمعته، تنهدت روما لِتُلوح لهم بِابتسامة مزيفة؛ لا تريد أن يؤنبها والديها قبل ذهَابهما.
لِذا… عليها أن تكون مطيعة، شَكليًا فقط.
“آه، لقَد رحلا”.
قالت روما لِذاتها، تنقل بصرها نحو جون الّذي يقف كالأبله في نظرها.
“هذا الأحمق … “.
شتمته بصوت مُنخفض لِتذهب هي الأخرى إلى الداخل، تاركة جون الّذي يشعر بِالحزن؛ بسبب ذهاب السيّد والسيّدة مينهارد.
وبِالنسبة للدُمية شوشو؛ فلَقَد تمَّ إصلاحُها مِن طرف هاي سو، بعدها قام جون بإعادتها إلى روما.
وروما الّتي أخذتها دون شكره حَتى، وعلى أيةِ حال هو شعر بالأسى عليها بسبب ما حدث ذلك اليوم؛ لِذا هو قَد قطع علاقته مع شوشو الّتي ستبقى جُزءًا مهمًا في قلبه.
لا أَصِفُّ لكم مدى اشتياق جون العاشق والهائم بِشوشو الدمية.
حَتى أنه الليلة الماضية قَد حَلُمَ بها، ولَقَد كانت تُعاتبه؛ لأنه تركها في أحضان روما الباردة.
…
في مكان آخر –
حيث تلكَ المساحات الواسعة والخضراء، وبين الأشجار الشاهقة؛كان ذلك الّذي يجلس بتيبس على غصن الشجرة السميك، لَقَد كان بعيدًا عَن مزرعة والده؛ لِذا هو الآن في حدود الغابة.
كان هذا الشخص – جيروم – الّذي هرب مِن والده الّذي كان يريد إجبَارهُ على جمعِ الحصاد هذا العام، بينما أكبر مخاوف جيروم هو العمل.
لِذا هو قَد هرب منه، وانتهى بهِ الأمر مختَبِئ هنا، فوق الشجرة الّتي لا يعرف حَتى كيف استطاع تسلقها بسبب والده العجوز.
لَم تكن جلسته مريحة؛ لذلك كان يئن بين الحين والآخر.
صمت جيروم عندما شعر بِصوت خطوات قريبة.
” جيروم! أيها الأحمق أقسم إن أمسكتك!”
لَقَد كان والد جيروم العجوز، رغم أنه في الخمسين مِن عمره إِلَّا أنه لا يزال قوي البدن.
لَقَد بَدَا غاضبًا للغاية، ولا شك أن السبب هو جيروم.
بعد أن ابتعدَ والد جيروم مِن هنا قام جيروم بِالنزول مِنَ الشجرة بصعوبة.
” ذلكَ العجوز الخرف”.
نبس بينما يقوم بقضم تفاحة كان قَد وضعها في جيبه في وقت سابق.
تحرك قليلًا ليقوم بِمغادرة الغابة؛ فهي ليست ذلك المكان المناسب للتنزه، هذا إن كان لا يريد أن يكون طعامًا للحيوانات المفترسة.
وجهتهُ الآن ليست للمنزل؛ فوالده بِالتأكيد ينتظر لحظة رجوعه إلى هناك بِفارغ الصبر، وجيروم ليس غبي حَتى يقصد المنزل لِذا هو قرر أن يزور صديقته الصغيرة.
بعد خمسة عشرة دقيقة مِنَ المشي المتواصل، وصل إلى منزل روما. منزلٌ كبير شبيه بِالقصور؛ فعائلة مينهارد كانت غنية هنا؛ فهي تملك العديد مِنَ المصانع الاقتصادية في كوريا.
كما أنهم العائلة الغنية الوحيدة المتواجدة في هذه المنطقة؛ معظم سكان المنطقة الآخرين مجرد مزارعين.
” روما، رومي، روما، رومي ~ “.
كان جيروم يقوم بِتلحين أغنية كانت غريبة للسامعين؛ فهو يقوم بإصدار صوت أنثوي غريب قام جيروم الكسول بِاكتشافه بنفسه للتو.
قابلهُ فتى صغير بَدَا لطيفًا وكأنه أرنب ظريف،
فتح جيروم ثغرة بإعجاب.
” أنتَ جميل يا فتى! يمكنني رؤية مستقبلك الزاهر في جذب الفتيات!”
نظر الآخر بغرابة لِما قاله الأكبر.
” على أية حال، مَنْ أنت؟”
” أنا جون، ومن أنت؟”
أردفَ جون بِاستفهام.
بينما جيروم قام بإصدار ” آه” بدهشة.
” آه، إذًا أنت الفتى المُتبنّى لعائلة مينهارد”.
أومأَ جون له بِغير اكتراث، وكان على وشك الرحيل لكن جيروم أوقفه.
” انتظر يا فتى، هل تعلم أين هي روما؟”
جذب حديث جيروم اهتمام جون؛ لِيقترب نحوه
يجيبه قائلاً:
” على الأرجح هي في غرفتها الآن، إنها تقضي مُعظَم أوقاتها هناك”.
تنهد جيروم بهدوء، هذه الفتاة لَن تتغير. الفتيات بِعمرها يلعبن، يخرجن، يثرثرن… وهي تغلق كُلَّ الأبواب أمامها، لتسكن العُزلة جوارحها بهذا العمر! إنها تتصرف كعجوز طاغٍ بالسن، يعد أيامه المعدودة.
” عذرًا يا سيدي، ولكن مَن أنت؟ وماذا تريد مِن نونا؟”
قال جون أخيرًا، يكسر شرود جيروم المستاء.
انتبه جيروم لِجون.
ليقول بِابتسامته اللثوية بينما نظرات الفخر بِعينه تُفسر مدى حبّ جيروم لمكانته لدى روما؛ فهو الصديق الوحيد في حياتها.
” أنا هو جيروم موريس! وأَكُون صديق روما المفضَّل”.
ابتسم جون لا إراديًّا؛ حيث بَدَا جيروم مشع وأيضًا يشبه السكر؛ لِشحوب وجهه، وشدة بياض بشرته ومع ابتسامته.
” سُكر!”.
قال جون فجأةً، لينظر جيروم بِغرابة له.
“ماذا؟”
” أنتَ تشبه السكر سيّد جيروم! هل بإمكاننا أن نصبح أصدقاء؟ هل يمكنني مناداتك هيونغ؟!”
قال جون بحماس بينما يقوم بشدِّ يديه وهو يراقب كُلّ حركة يقوم بها جيروم أمامه، جون متحمس للحصول على صديق وأيضًا جيروم صديق روما.
لِذا أن كان صديقًا لِجيروم فسيكون صديقًا لِروما أيضًا.
حملق الآخر بِغرابة في وجه جون؛ فهو قال أنه يشبه السكر؟!
فما خَطَرَ في مُخيلة جيروم أنه مُحتجز في زجاجة السكر.
قام جيروم بِحك فروة رأسه لِيقول:
” لا بأس يا فتى، حسنًا”.
قام جون بِالتصفيق بِسعادة.
“هل أنادي نونا لأجلك؟”
قال جون وهو يتمنى أن يرفض الآخر؛ فروما لا تسمح له بِـالاقتراب مِن غرفتها حَتى فكيف يمكنه أن يناديها؟
هي تملك تعبير كما لو أنها ستضربه في أيِّ لحظة؛ لِذا جون حذر، ومع ذلك هي تبقى أخته الكبرى.
فهو لا ينسى فضل عائلتها الّتي أصبحت عائلته أيضًا، لِذا روما جزء مِن عائلته الجديدة.
“كلا، لا داعَي لذلك”.
قال جيروم الّذي قام بِالتثائب ليذهب ويستلقي على الأريكة المتواجدة في غرفة الجلوس.
هو لَم يأتي لأجل روما على أية حال، لَقَد أتى لهذا السبب؛ وهو الهروب مِن والدِه، وأيضًا التقى بِجون؛ الابن المتبنّى لِعائلة مينهارد.
“هيونغ، هل ستنام؟ وفي الظهيرة؟!”
قال جون بينما يقوم بالعب بِخصلات شعر جيروم.
أبعد جيروم يد جون عَن شعره فهو كان على وشك ضَفر شعره في ضفيرة صغيرة.
” كلا، أنا فقط مُستلقي للاسترخاء، وأيضًا لِمَ لا تتركني وشأني وتذهب للّعب يا فتى؟”
قال جيروم بِاستياء بينما يقوم بتقويس شفتيه لانزعاجه وكان واضح لأن جون يعكر راحته.
بَقِيَ جون ساكنًا، يحدق بِجيروم لِيقول بعبوس:
” في الحقيقة… ليس هناك مَن ألعب معه، هيونغ، لِمَ لا تلعب انتَ معي؟ ”
نظر جيروم إليه بِصدمة! لَقَد بَدَا جون مسكينًا وكأنه أرنب صغير ضائع ومبتل، لكن جيروم لَم يطاوعه قلبه على ترك الاريكة المريحة لِذا أقترح على جون التحدث والتعرف على بعضهما بدلًا مِنَ اللعب.
آخذا يتحدثان بِأمور عشوائية، تحدث جون عَن كيف كانت حياته في الميتم ومعاناته مع روما وتحدث جيروم عَن أماكن نومه المفضَّلة وأيضًا عَن معاناته مع والده. رغم اختلاف شخصياتهم، وأعمارهم إلَّا أنهما قَد انغمسا في الحديث.
كان هناك سؤال قَد طرحه جون جعلَ مِن ملامح وجه جيروم تتغير.
” صحيح هيونغ، أنت صديق نونا مُنذ وقت طويل، لِذا أخبرني، هل تعرف مَن هو آدم؟ لقد سمعت السيّدة أمي تتحدث عنه في وقت سابق. لكن ومنذ وصولي أنا لَم أقابل احدًا يُدعى آدم هنا!”
قال جون بغرابة. مما يحدث حوله، فجون الصغير يملك بعض الفضول حول ذلك الشخص المجهول الذي سمع اسمه في وقت سابق
” إنه ….”
كان جيروم على وشك الحديث لَولا مجيء روما إلى هنا.
” جيروم! أنتَ هنا؟!”
قالت روما باندهاش لرؤيتها له في غرفة الجلوس، تجاهلت وجود جون الّذي كان مندهش هو الآخر مِن تعابير روما الغير معهودة.
مُنذ متى وهيّ تعطي نظرة مندهشة مع ابتسامة تظهر أسنانها، كما اكتشف جون أنها تملك سنًًا مكسورًا.
هل عليه الضحك؟ كلا، سيكون ذلك غير مُهذب مع نونا.
روما أدركت الوضع، وبَدَا لها أن جيروم وجون قَد تقربا مِن بعضهما مِن أوّل لقاء!
لِذا ليس لديها أي خيار سِوى طرد جيروم مِنْ المنزل بِتهمة الخيانة.
“… لا تأتي للزيارة مرة أخرى دون موعد مسبق!”
هذا ما قالته روما ببرود قبل أن تغلق الباب بقوة.
لتقوم بإلقاء نظرة ساخطة على جون الّذي ينظر لها هو الأخر بهدوء.
كان جون على وشك فتح محادثة معها لكنها قَد ذهبت قبل أن تسمع صوته حَتى.
المسافة بينهما بعيدة، ولسبب ما جون بدأ يشعر بالذل كلما أعطته تلك النظرة على وجهها! متى سينتهي هذا الكره الّذي يبدو كالجليد بينهما؟
رغم أنه يقوم بتدفئة ذلك الجليد لعله يذوب وترأف هي بهِ، لكنها تستمر في برودتها، رغم هدوئها إِلّا أنها صاخبة في حضورها لديه.
تأليف: تبارك.
تدقيق: رُقَـيِّة.