دعهم يعلمون - 2
قبل البدء، لديَّ سؤالٌ جوهري لطرحِه…
”هل تَرى الفعلَ بنفسِ الطريقة بَعْدَ فِهم الدَّوافعِ خلفه؟”
”الجوابُ هو لا”
”أعلم أنَّكَ تفكِّرُ في…ما عِلاقتي أنا بهذا؟”
طبعًا لديكَ علاقة لذا تذكُّر كلامي هذا جيدًا ، إنْ أردتَّ النجاة هنا.
صوت رنين المنبه؛ جعل ذو العيونِ العسليَّة يستفيق.
مَدَّ يدهُ نحو المنبه يطفؤه ، واستقام من سريره متمدِّدًا يتَّجهُ نحو الشُرفة ، أبعد الستائر ، وفتح بابها ، وتوجَّهَ يطلُّ على الشارع النابض بالحياة على مَدِّ البصر ، سواءً في منتصف الليل أو أولى ساعات النهار ، يستحيل أن يسكُنَ شارع بياتينكسيا العريق بموسكو.
كانت الساعة تشير للرابعة وخمس دقائق صباحًا عندما توجَّهَ باترك للقيام بروتينه المعتاد. توجَّهَ للصالة الرياضية في المنزل، وبدأ تدريبه مِن رفعِ الأثقال ، الكارديو ، تمارين الضغط وغيرها.
بحلول الخامسة ، كان يتوجَّهُ خارجًا من الصالة عندما قابل ألدوس و ديفين معهم كيوكا قادمِين للتدريب.
”صباح الخير يا رفاق”
نبس بابتسامة
ردُّوا عليه التحية ، وتوجَّهَ الآخران للتدريب في حين خاطب هو كيوكا
”كيف كانت رحلتك؟ هل يومي بخير؟”
”أجل ، هي بخير. تركتُها نائمة في المنزل”
رد كيوكا بهدوء
”لقد أرادَتْ رؤيتَك..”
أضاف بخجل
ابتسمَ المَعْني بتَفَهُّم ، وأردَف:
”سأحاولُ زيارتها في أقرب وقت اليوم ، هل تأكدتَ مِن تأمين الحماية الكافية لها؟”
”أجل”
”أراكَ لاحقًا إذًا”
ودَّعَهُ باترك ، وتوجَّهَ لغرفتِه
الخامسة وعشرون دقيقة ، كان قد أنهى حمَّامَهُ ووَقَفَ أمام مِرآتِه الطويلة يُزَرِّرُ قميصه الأبيض بأقفالٍ سوداء وذهبية ، عَدَّلَ بِنطالَهُ الرسمي الكلاسيكي الأسود ، وتوجَّهَ لتسريحتِهِ ، جَفَّفَ شعرَهُ ، وحَمِلَ سُترة الطَّقْمِ السوداء بتفاصيل بيضاء وذهبية ، لم يكن ذهبا خالصا بل معدنا شبيها بالذهب فهو ليس أحمق ليرتدي ذهبا حقيقيا إن كان حول المال فهو يملك مايكفي ليسبح فيه لكن كشخص مهووس بالصحة هو يعلم أن الذهب يزيد الإصابة بالسرطان عند الرجال كونه يرفع هرمون الأنوثة وهذا يذكره بما سمع عن حكم لبس الذهب الدين السائد في الشرق الأوسط كما أخبره أحد التجار خلال بحثه عن أضرار الذهب ، قابَلَ خزنة أسلحتِهِ وأخذَ مسدسه البلاتيني ، وضَعَهُ في الحامِلِ أسفلَ ظَهْرِهِ ، ثُمَّ ارتدى سُترتَهُ ، وَقَفَ أمامَ المِرآة يُرتِّبُ شَكْلَهُ ، يتأكَّدُ مِن عَدَمِ بُروزِ المُسدَّس ثم أخَذَ خطواته خارِجًا مِن المنزل أو القصر بتعبيرٍ أصَح ، وبوصف أدَق ، المقر الرئيسي لجماعة تنشطُ في عملٍ من العالم السفلي . كما هو جَليٌّ يا رفيق…
طرقاتُ حِذائه على أرضية مرأب السيارات كانت الصوتَ الوحيد المسموع في المكان.
توجَّهَ إلى صندوق المفاتيح؛ حيثُ صُفَّتْ مفاتيح كل أسطول السيارات أمامه ، اختار مفتاح المرسيديس الذي طَلَبَ تصنيعها خصيصًا له ، وانطلق.
الهواء يحرك خُصلاته البُنية؛ يُفقِدُها ترتيبها ، لَمْ يتوجَّه إلى مقر الجنود مُنذ أسبوعين ، عليه المرور عليهم لتشجيعهم بصفته مُمَثِّل الرئيس ، ونائبًا عنه.
سارتْ السيارة الفارهة متجاوزة شوارع موسكو المزدحمة. كان سائقًا سَلِسًا، وعالِمًا بِكْلِّ مَداخل المدينة ومَخارِجَها؛ فَلَمْ يضطَّرَ لِأَن يَعلَقَ في زحمة السير.
تابع شَقَّ طريقه ، وكانت مَعالِمُ التَّحضُّر تَقِلُّ أكثرَ مع تقدُّمِهِ؛ حتَّى وَصَلَ منطقةَ أراضٍ خاصةٍ…طبعًا خاصةٍ بجماعتِهِم.
فتح الباب الفولاذي الكبير عن طريق هاتفه وتابع سيره للداخل؛ حيثُ ظَهَرَ المبنى الضخم ، أين يتدرب الجنود ، وملحقاته؛ حيثُ يسكنون ، و يمارسون بعض الأنشطة اليومية.
وَصَلَ نقطة التفتيش ، تَرَجَّلَ مِن سيارته؛ فانحنى لهُ المُراقبون باحترام، قَدَّمَ مفتاحَهُ للحارس ليَرْكُنَ السيارة ، ودَلَفَ إلى المقر بمظهره الرزين الطاغي.
ابتسامة لطيفة زيَّنَتْ شفتيه ، وأظهرت تجاعيد عينيه دليلًا على صِدْقِها. لَمْ يَكُنْ شخصًا يهتم بالمظهر الخارجي ، ولم يستعمله قَطْ مِعيارًا للحُكم على الشخص.
كان مُمَثِّلَ الزعيم ، في الوقت الذي لو رأيته؛ لأقْسَمْتَ أنه أميرٌ نبيلٌ تربَّى في القطن لَمْ يُخدَشْ قَط ، وهو لَمْ يكُنْ شخصًا عدوانيًّا بطبعِهِ ، كان ميَّالًا لاستعمال العقل ، وحَلِّ الأمور بأكثر طريقة هادئة وحكيمة ممكنة.
وَصَلَ البَهو العظيم؛ حيث توجد المنصة ، صَعَدَ الدرج الحديدي بهدوء نحوها ، ووَقَفَ يَطِلُّ على الجنود الذين نظروا إليه بترقب.
”تحية لكم أيُّها الجنود الأشاوِس”
قالها بقوة مُقَدِّمًا لهم التحية على طريقة الجماعة
”تحيَّة للنائب”
ردَّ عليه الجنود بنفس الطريقة ، وبقوَّةٍ أكبر
فاستَهَلَّ ذو العينين العسلية حديثَهُ:
”أنِّي أنقِلُ لكم تحيات الزعيم الأكبر على لساني ، تحيَّةً للأبطال”
قالها يرفعُ يَدَهُ اليُسرى في الهواء، وكَفُّهُ مَبسُوطٌ في زاويةٍ مُنفرجةٍ مع الأُفُق.
ردَّ عليه الجنود بنفس الحرارة:
”تحيَّةً للزعيم الأكبر”
تابع قائلًا:
”مِنَ الزعيم الأكبر تيتانوبوا على لساني أقول:إنِّي لفخورٌ بانتمائكَ إليَّ ، أنتَ أيُّها البطل. أجل ، أنتَ يا مَن تبخَلُ نفسكَ بالتقدير والثناء الذي تستحقُه. أنتَ يا مَن ترى نفسكَ مَدينًا لتيتانوبوا لتدريبها وقبولها لك بين صفوفها ، دَعني أقُلْ لكَ أنَّكَ مُخطئ ، التيتانوبوا هي المدينُ لكَ لِقُبولِكَ أنْ تكون معها وفيها وإنِّي لأُرَجِّحُ كُلَّ الفضل والانتصارات إليكَ ، أنتَ أيُّها البطل ، الذي تستيقظُ كُلَّ يومٍ فقط لأجل هذه الجماعة . تحيَّةً للأبطال الأشاوِس”
صاحَ آخِرَ حديثِهِ يُعيدُ رَفْعَ يَدِه ، وردَّ عليه الجنود بقوَّةٍ أكبر مِنْ أيِّ وقتٍ؛ فمضى في خِطابِهِ قُدُمًا:
”لقد استَحَقَّينا أيُّها الأبطال استراحةَ المُحارب التي حصنا عليها ، ولَمْ تكُنْ فضلًا علينا.
الآن وقد عُدنا ، والعَودُ أحمد ٌ، فإنِّي أرجو ألَّا تَبخلَ عليَّ بقُوَّتِكَ وذكائكَ ، أيُّها البطل الكريم ، وإنِّي شاكرٌ لكَ جزيلَ الشُكر ، ولعَجْزِ كلماتي عَن الوصف ، دعني أُعَبِّرُ لكَ عَن إمتنان التيتانوبوا بطريقةٍ أُخرى”
مَنَحَهُم ذو الشعر الكستنائي جولةً مِنَ التصفيق بيَدَيهِ ذاتِ العروق البارزة مع الخواتِم الفضيَّة التي تُزيِّنُها قبل أن يتابع:
”أنتَ أيُّها البطل ، ستحصُلُ على هَويَّةٍ تسمَحُ لكَ بالاندِساسِ بالمجتمع الطبيعي دُونَ أيَّةِ مشاكل ، أي سيعاد فتح دورة الدمج الإجتماعي من جديد رغم ماحصل”
هَتَفَ المُتدربون بحماس…غالبيَّتُهُم كانوا مُشردين ، أطفالًا غيرَ شرعييِّن ، كان إيجاد مكان يلتجئون إليه حُلمًا حقَّقَهُ لهم زعيمهم الأكبر ، أمَّا الانخراط في المجتمع دُون مشاكل؛ فكانَ أسطورة إغريقية عِندَهُم… سَيجعَلُها زعيمُهُمُ الأكبرُ واقِعًا مُعاشًا الآن.
بَعْدَ انتهاء موجة الحماس ، رَفَعَ باترك يدَيهِ في إشارةٍ لهُم ليلتزموا الصمت
”لأجلكَ أيُّها البطل ، سأُوَفِّرُ لكَ ناطِحة سحابٍ كاملةٍ لتَسكُنَ فيها رِفقة رِفاقِكَ وعائلتِكَ؛ حيثُ لا تخجل مِن إظهار حقيقتِكَ ولَنْ أكتفي بهذا ، بل سأمنحُكَ عملًا بدوامٍ جزئي؛ لتعيش حياةً طبيعيةً بالكامل ، وأصرِفَ لكَ راتبَ تقاعد”
زادَ الصُراخ في صُفوف المجندين ، وتصاعدتْ الدِّماء في وجوههم فَرَحًا.
أشار المُلقي مرة ًأُخرى لَهُم بالسُّكوت؛ ففعلوا
”ولكن ولأنَّكَ بطلٌ؛ فلا شَكَّ أنَّكَ تعرِف بوجود الجواسيس والحاقدين الذين يرغبون في الإطاحة بِكَ وبي ، لذا سيَتِمُّ تطبيق الدمج الإجتماعي عليكَ تدريجيًا يا بطلي. ليس عليكَ أن تقلقَ؛ فأنتَ لها. أعلمُ أنَّكُم جميعًا أبطالي ، ولا أحَدَ مِنكُم سيخون التيتانوبوا ، لكن ما تعلَّمناهُ في عالمنا هو أنَّ الحِيطَةَ واجبةٌ في أوقاتِ الشِّدَّة والرَّخاء على حَدٍّ سَواء
لذا أيُّها البطل المِغوار ، قَبْلَ أنْ تحصُلَ على حَقِّكَ بالحياة الطبيعية ، أثبِتْ لكل الحاقدين والناقدين أنَّكَ بطل وتستَحِقُّه. عاشَ الأبطال الأشاوِس”
قالها ورَفَعَ يَدَهُ مرةً ثالثةً كنوعٍ مِنَ التشجيع.
ردَّ عليه الجنود بحماس بدى قَدْ فَتَرَ؛ فاستَرْسَل:
”لِيَكُنْ في عِلمِكَ يا بطلي أنَّكَ كُلَّما تكرمتَ عليَّ بعملٍ يُقَوِّي الصِّلة بيننا ، ويرفع التيتانوبوا درجةً أخرى ، ستكون الجماعة كريمًة معكَ بِنَفْسِ القَدْرِ وأكثر كَوني مُمتنًا ، سأُرَقِّيكَ في وظيفتكَ مَرةً بَعْدَ مَرة؛ حتَّى أجعلكَ رئيس شركةٍ أو حتَّى مالِكَ أسهمٍ فيها ، لما لا ؟ ألا تستحق ذلك يا بطلي؟”
هَتَفَ الجنود بحماس ، واشتعلتْ فيهمُ الرغبة في المنافسة. أنْ تُصبحَ رئيسَ شركةٍ مَرموقةٍ أو مستثمرًا بأسهم ، هذه صفقة ممتازة خصوصًا أنَّهم يُنْدَرُ أنْ يُكلَّفوا بأعمالٍ خَطِرَةٍ جدًّا هم يعملون في تصنيع و نقل شحنات الأسلحة عبر أوروبا و في مختلف مناطق العالم ، يطلبون كحرس عند الحاجة وغير ذلك ، الحصول على هذا مُقابِلَ العمل القليل الذي يقومونَ بِه ، لا تمزح يا رجل! مَن الأحمق الذي سيُفَوِّتُ هذه الفرصة؟؟
رَفَعَ ذو العسليَّتَين يَدَهُ مَرةً أخيرة، يطلُبُ مِنهُمُ الصمت
”أَّما الآن يا أبطال ، فأشكُرُكُم على وقتكُم الثمين ، سأُغادر الآن. لا أريدُ تَعطيلَكُم أكثر من هذا. لكن قَبْلَ ذهابي ، أهُناكَ رسالةٌ أو مَطْلَبٌ تُريدون أنْ أُوصِلهُ للزعيم الأكبر؟”
صَمَتَ باترك ينتظر جوابهم بترقُّب.
لحظاتٌ مِنَ الصمت غير المُريح مَرَّتْ ، قَطَعَها أحدُ المجندين حينَ هَتَفَ قائلًا:
”اشكُرهُ على عَرضِه الكريم. لَنْ نخيِّبَ أمَلَه”
وافَقَهُ الجنود ، وراحوا يهتفون بحماس
”عاشَ الزعيم!! عاشَ الفريق!! عاشتْ التيتانوبوا”
صفَّقَ لهُم باترك في إشارة لأنَّهُ سيفعل ، ولَمْ يَكُنْ محتاجًا لهذا؛ فالزعيم شَهِدَ كُلَّ شيئ بالصوت والصورة ، بل كان حاضرًا. تحرَّكَ ينزلُ الدَّرَج الحديدي وسط هُتاف الجنود ، غادَرَ المبنى ووَصَلَ إلى نقطة التفتيش؛ حيثُ سَلَّمَهُ الحارس مفتاح سيارته وانحنى له بوَقارٍ مع رِفاقه لحظة مُغادرتِه.
خرج من الباب الفولادي عائدًا باتجاه قلب موسكو. توجَّهَ تاليًا إلى مَعرَض السيارات الذي استثمر فيه مبلغًا لا بأس به مِنَ أموال الجماعة لكسب الفائدة وتنمية الأرباح.
وَصَلَ بسيارته المرسيداس السوداء اللامعة. لَمْ يَكُنْ شخصًا يُحبُّ لَفْتَ الأنظار؛ لذا رَكَنَ بعيدًا عَن الصحافة التي تصور القادمين مِن كِبار الشخصيات والتجار. تَرَجَّلَ وسارَ بإطلالتِهِ الملكية بهدوء ، وقَدْ غطَّى عينَيه بنظارة شمسية سوداء. مَرَّ بسلاسة ولَمْ يُزعجُهُ أحدٌ ، رَغْمَ أنَّ النظراتِ الفضولية حَوْلَ مَن قَدْ يكون صاحب البدلة الذهبية رافقتْهُ ، إلَّا أنَّهُ لَمْ يُبالِ كثيرًا أو لم يبالي إطلاقا.
سارَ بهدوء وركازة بينَ السيارات المعروضة يُجري لها مسحًا دقيقًا بعينَيه الحادَّتَين ، ويُجري مسحًا للمُتواجدين مِن رجال أعمالٍ وعُشَّاقٍ للسيارات. رأى تجمُّعًا كبيرًا؛ فسارَ نحوَهُ بفُضول. ما إن اقترب؛ حتَّى تبيَّنَ لهُ الأمر. كان مزادًا قائمًا على سيارةٍ ما ، لكن الأرقام التي سَمِعَها شجعته للاقتراب أكثر ورؤية أي سيارة تستحق هذا الرقم ، ومَنْ هذا الذي قَدْ يَدْفَعُه..
وَصَلَ أمام الحشد، ووَقَفَ بوَقار؛ حتَّى وَصَلَ مَسامِعَه…
” مليونا دولار”
تلاهُ صمت. مَنْ قَدْ يدفعُ هذا السعر الجُنوني على سيارة قديمة؟
”مليونان وخمس مئة دولار”
كان هذا صوت باترك قادِمًا مِنَ الخلف. نَظَرَ لَهُ الواقِفون بصمت ، وفتحوا له الطريق للعبور. سارَ بَينَ الحشد الفضولي بهدوء ، وابتسامةٌ تُزيِّنُ مَحياهُ ، وقَدْ جَرَّدَ عيناه مِن نظَّاراتها السوداء مُبرزًا لمعَتَها الذهبية
وَقَفَ بركازَةٍ مُنظِّمًا للمُزايدين الآخرين. كانوا أربعة ، أحدُهُم رجلًا في منتصف العمر صاحب مَعرَض سيارات والآخر مشهورٌ بهَوَسِهِ بالسيارات ، ثم كان هو والشاب الآخر اللذان يبدوانِ كما لو جاءَا للتسلية وصَرْفِ الأموال لا غَير.
”سُحقًا.. ماذا تُريدُ مِنْ هذه السيارة؛ حتَّى تدفَعَ عليها هذا السعر؟”
تحدَّثَ عارِضَ السيارات
نَظَرَ باترك حَولَهُ لِوَهلَة ، ُثَّم نَبَسَ ببراءة
”تُزايدونَ على السيارة الحمراء ، أليسَ كذلك؟”
نَظَرَ لَهُ الحشدُ بِغَيرِ تصديق ، فيما أجابَ الشاب المُزايد بهدوء مع بعضِ الدهشة التي فشل في إخفائها:
”أجل…”
”كيف تُزايد ، وأنتَ لا تعلم أيَّ سيارة بالضبط؟! أنت لستَ بحاجتها؟! لذا رجاءً ، اسحبْ عرضَك”
تحدَّثَ غيس مهووس السيارات ، يحاولُ إخفاء السَّخَط في نبرتِه
نَظَرَ له باترك وبَوَّزَ شفتَيهِ بطفوليةٍ مُردفًا:
”لكنِّي أريدها. أعني إنْ كنتم مُصرِّينَ عليها بهذا القدر؛ فهذا يعني أنها رائعة واستثمار جيد كما يبدو ، كما أنَّ لونها يعجبني وسيكون مناسبا للتجول في لندن”
نَظَرَ له البقية بسَخَطٍ ، فيما قال عامل المَعرَض:
”هل نُنْهي المَزاد مع هذا الرقم يا سادة؟”
”لا”
صاحَ المُزايدون ، فيما لَمَعَتْ نظرةُ استمتاعٍ في أعيُن ذي الخُصلات الجوزية
”مليونان وعشرة آلاف دولارًا”
نَبَسَ الشاب بجانب باترك ، معركة تحديقٍ جَرَتْ بَينَ المُزايدين ، جميعهم في حالة تَرَقُّب….
أخيرًا صاح غيس
” مليونان وخمسة عشر ألفًا”
نَظَرَ لهُ ريون عارِضَ السيارات ، بسَخَطٍ ، وأردف:
”مليونان وعشرون ألفًا”
”مليونان وخمسون ألفًا”
قال باترك بابتسامةٍ لعوبةٍ ، وعيونٍ مُستمتعة
”يا صاح! ألديكَ هذا المبلغ لدفعه حتى؟”
صاحَ بِهِ ريون باستصغار فما كان من صديقنا سوى أن
حدَّقَ بهِ ، ثمَّ نَظَرَ إلى نفسِهِ ثيابِهِ المُرصعة بالجواهر وإكسسواراتِهِ الباهضة ، ثمَّ أعادَ أنظارَهُ للآخَر ، وأردف:
”لا أعلم. ما رأيُكَ أنتَ يا عم..؟”
تحدث ببراءةٍ يَهُزُّ كتِفَيهِ ، يُشيرُ لثيابِهِ التي تصرخُ بغِناه
راحَ غيس يُجَفِّفُ عَرَقَهُ بمنديل. فجأة ، توقَّفَ تزامُنًا مع ما وَصَلَ لمسامعِهِ
”ثلاثة ملايين دولار”
صاحَ الشاب المُزايد الذي كان واضحًا مِنْ ثِيابه أنَّهُ نبيلٌ مدلل
شَهَقَ الحشد ودُهِشَ الجميع ، فيما تَجَمَّدَ المُزايدان الكَهلان أمَّا باترك ، فنَظَرَ لهُ نظرةً بمعنى: “بجدية؟ أحببتَ ذلك” ، فَرَدَّ عليه الآخَر بابتسامة
”ثلاثة ملايين دولار وسنتٌ واحد”
نَبَسَ باترك باستمتاع. تبايَنَتْ ردَّاتُ فِعل الحشد بَينَ مُستغربٍ ومُستهزئ
”يبدو أنَّكَ وَصلتَ آخِرَكَ أيُّها الصغير…”
تحدث ريون بسخرية يُخاطبه
”لا أعلم يا عم. ما رأيُكَ أنت..؟”
قال باترك بمُجاراةٍ وعَبَثيَّة. هو لَمْ يَكُنْ يَعبَثْ ، لقد كان يُضاعفُ أموالهُ لا غير ، لقد اتَّفقَ مع صاحبِ المَعرض أن يحصُل على المبلغ الباقي عَنْ سعر السيارات الإفتراضي بَعْدَ المُزايدة.
كانت أقصى حدود هذه السيارة مليونا. لَمْ يتوقَّعْ أنَّها ستصلُ مليونين بالفعل دُونَ تدخُّلِه لكن لا ضير في المزيد أليس كذلك؟
زَفَرَ غيس المهووس بقوَّة ، وأردَفَ أخيرًا
”ثلاثة ملايين وخمسون ألف دولار”
”أنْسَحِب”
أردفَ باترك بابتسامةٍ يَشُقُّ طريقه لمُعاينةِ سيارةٍ أخرى ، لقد حصل على مايكفي من المال ولا يجب أن يكون طماعا ، ما قولك صديق؟
تَلاهُ صوت الشاب
”أنسَحِبُ أيضًا…”
ولَحِقَهُ ريون مُغادِرًا
”أنسَحِبُ كذلك”
”شيفروليه إمبالا مكشوفة ، موديل 1959، تذهبُ للسيِّد غيس”
تحدث عامل المعرض معلنا انتهاء المزايدة
لَمْ يستطِعْ غيس حتَّى أنْ يفرح بالسيارة كثيرًا؛ فقد اشتراها بمبلغ كان يُفترض أنْ يشتري بهِ اثنتين أو ثلاثا ، وليس مُتأكدًا حتَّى إنْ كانت هذه السيارة تستحقُّ هذا السعر
عندَ باترك ، فقد كان يسير يدخل مُزايدات يرفعُها وينسحِب ، كما فَعَلَ مع الفرقة الأولى. كان يضمنُ أرباحهُ بنفسِه كالعادة ، فلَمْ يكُنْ واثِقًا مِنْ مُسوِّقِي المَعرض ، ولَو قَدْ اختارَهُم بنفسِه.
أخيرًا ، وَقَفَ أمام سيارة مرسيديس قديمة ، ربما تَمَّ تصنيعها منذُ أكثر مِنْ ثمانين عامًا. كانت كلاسيكية وجميلة بشكل لَفَتَه ، فاقترب منها أكثر. وَجَدَ أنَّها ليست للبيع. كان الشاب مِنَ المُزايدة الأولى واقِفًا عندها هو الآخر.
وَقَفَ الشابان بهدوء يتأمَّلان السيارة وتفاصيلها ، حتَّى قاطعَهُما عارِضَ السيارات السابق:
”أنتما مجددًا؟ تُفسِدان المُزايدات ولا تشتريان. والآن تتأمَّلان سيارة ليسَتْ للبيع. هل تَنوِيانِ إقناع صاحب المَعرض ببيعِها لَكُما مثلًا؟”
نَبَسَ بغطرسةٍ ولؤم ، فقَرَّرَ باترك مُجاراتِه ووضع حد لغطرسته
”أجل، قَدْ أشتريها. ولِما لا؟”
”هذا غير ممكن”
نَبَسَ الشاب الصامتُ بحَزم وهدوء.
”إنْ فَتَحْتَ المُزايدة عليها ، هل تُزايد؟”
نَبَسَ باترك بتَحَدٍّ.
”أنا مُستعدٌ لدفعِ خمس وعشرين مليون دولار مُقابِلَها”
نَبَسَ الشاب بلمعةِ حماسٍ في عينَيه.
”يَستَحيلُ ذلك ، لَنْ تستطيعَ إقناعَهُ ببيعِها. إنَّها نادرة ، وحتَّى قَدْ تكونُ القِطعَةَ الوحيدةَ في العالم التي لازالَ هيكَلُها بحالةٍ سليمةٍ بالكامل”
نَبَسَ ريون باستخفاف فهَزَّ باترك كَتِفَيهِ بِعَدَم اكتراثٍ ، ووجه حديثه للمُرشد في المَعرض
”لو سمحت! أخْبِرْ السد ميدفيدف صاحب المَعرض ، أنَّنا نُريدُ حُضورَه”
أوْمَأَ العامل باحترام. وما هي إلَّا دقائق ، حتَّى جاءَ صاحبُ المَعرض
”شكرا لحضوركم معرضنا المتواضع يا سادة ، إذًا كيف أساعدُكَ سيِّدي؟”
نَبَسَ يُخاطِب باترك باحترام
”نُريد أنْ تفتحَ المُزايدة على هذه السيارة..هل لازلتَ متأكدًا أنَّكَ ستدفعُ خمسا وعشرين مليون دولار؟”
قال مُخاطِبًا الشاب ، فيما كرر ميدفيدف بتفاجئ
”خمس وعشرون مليون دولار؟”
”أجل ، مليون دولار أمريكي”
نَبَسَ الشاب بحَزم
”إذًا ، ما قولُكَ سيِّد ميدفيدف؟”
نَبَسَ باترك يُريهِ رمز جماعتِه المخفي في تفاصيل معطفه ، ينتظرُ أنْ ينبسَ بجوابهِ للآخرَين؛ فهوَ يعلمُ الجوابَ قَبْلَ أنْ يدٌخل هذا المَعرض برِمَّتِه
”أجل ، مُوافق”
نَبَسَ بِها ، فيما نَظَرَ لهُ ريون بصدمة
”هل أنتَ جادٌّ في بَيعها؟! كيف تُوافق على هذا حتَّى إنْ كنتَ تعرفُه؟! هذه السيارة قَيِّمة بالفِعل”
ألقى بكلماته على المَعنيِّ ، فيما نَبَسَ ميدفيدف
”إنَّها خمسة وعشرون مليون دولار يارجل. إنَّها أكثر مِنْ قيمَتِها بالِفعل”
قال يوبِّخُ الآخر ، فيما نَظَرَ للشاب ، يخاطبه
”إذًا أيُّها الدُّوقُ بيكونسفيلد ، أَقْبِلْ بفتحِ المُزايدة على هذه السيارة ابتداءً مِنْ خمس وعشرين مليون دولار”
”حسنًا إذًا ، أوافق. سأشتريها”
نَبَسَ الدُّوقُ الشاب بهدوء
”على رِسلِكَ يا صديقي. المُزايدة لَمْ تبدأ بَعد”
نَبَسَ باترك بنبرةٍ لعوبة ، فيما صاحَ ريون مُخاطِبًا إيَّاه
”لا داعِ لتدخل المُزايدة. ستُخَرِّبُ على حضرةِ الدُّوقِ وحسب”
عَبَسَ باترك بانزعاج ، وأردف
”يبدو أنكَ تَشُكُّ في قُدرَتي على الدفع ياعم؟”
أَوْمَأ لهُ ريون فَنَظَرَ إلى ميدفيدف ، ونَبَس
”خمسة وسبعون مليون دولارَا أمريكي أخضر اللون”
شَهَقَ الدُّوقُ بيكونسفيلد وريون بائع السيارات في آن واحد بغير تصديق هل هذا الشاب في كامل قواه العقلية؟ حسنا لقد فهموا أنه غني لكنه تحمس أكثر مما يجب حسب ما يبدو
أعلم أنك الآن تفكر في
”هل هذا الولد مجنون أو مجنون؟” وأنت محق بالكامل لكن باترك لديه وجهة نظر أخرى سنشرحها في وقت لاحق
”أتمزح؟! كيف تدفع خمسة وسبعين مليون عليها يا هذا؟! أتملكُ هذا المبلغ حتَّى؟”
نَبَسَ الدُّوقُ يحاول ابتلاع صدمتَهُ ، فيما تجمَّدَ ريون يَظُنُّ أنَّهُ في حلم
”ما المشكلة؟ أنتَ عَرَضْتَّ خمسة وعشرين مليونًا ، وأنا عَرَضْتُّ ثلاثة أضعاف ذلك ، ثمَّ أرَدْتَّ أنْ أُثبِتَ للعم أنَّني غني. ونعم ، أملكُ هذا المبلغ نقدًا”
نَبَسَ باترك ببراءةٍ وطفولية مُتجاهلًا القُنبلة التي فجَّرَها مُنذ ثوان.
”هل ننهي المُزايدة مع خمسة وسبعين مليون؟”
نَبَسَ ميدفيدف الذي كان يعلم أنَّ باترك لَنْ يدفَعَ هذا المبلغ لِقاءها ، وأنَّها ستبقى في المَعرض وحسب؛ فهو مالِكُها بالفِعل.
”أجل ، أنهيه”
نَبَسَ الدُّوقُ بانزعاج وهو يقذفُ شرارًا مِنْ عينَيه على باترك ، ولَو كان يُطلق ليزرًا مِنْ حَدقَتَيهِ؛ لأرْدَاهُ رمادًا في ثوان.
”إذَا ، تفضَّل؛ لنُوَقِّعَ العَقد سيِّدي”
تحدث ميدفيدف يُخاطبُ باترك ، حتى إن لم يكن ليدفع عليهم إكمال التمثيلية على أية حال
”لا داعِ. أُقَدِّمُ السيارة هديةً للدُّوقِ بيكونسفيلد. سأُوَقِّعُ أوراق الشراء؛ لذا فليُوَقِّعْ أوراق المُلكية”
ما كادَ ريون يتجاوز صدمة الملايين؛ حتَّى جَفَّت الكلمات في حَلْقِهِ ثانية…هل قامَ هذا الشاب الذي يبدو مُدلَّلًا لَعوبًا بإهداء سيارة بقيمة خمس وسبعين مليون للدُّوقُ؟
”شكرًا جزيلًا لكَ ، لا يُمكنني قُبولها”
رد الدُّوقُ بهدوء وقد بدا يجاهد ليخرج الكلمات من حلقه ويمنع نفسه من الإنقضاض على هذا الشاب المزعج ، حتى أنه في لحظة ما أراد أن يقبل فحسب لقد ضاعت هذه التحفة الفنية من يده أمام عينيه وهذا يدفعه للجنون لكنه دوق في النهاية وعليه أن يحافظ على مظهره كما أن هذا الفتى غني بما يكفي لكي لا يعبث معه.
”ولِما لا؟ اعْتَبِرْها هدية”
سأل باترك بابتسامة
”إذًا ، اسْحَبْ عَرْضَك ، ودَعني اشتريها بنفسي”
نَبَسَ الدُّوقُ بِتَرَقُّب وقد تخلى عن كبريائه عليه التركيز على الحصول على السيارة وترك انزعاجه من هذا المدلل جانبا
نَظَرَ باترك بهدوء في عينَيه وللحظة مرت ابتسامة ماكرة على شفتيه سارع للإخفائها قبل أن يعلَن
”أنْسَحِبُ مِنَ المُزايدة”
ومَدَّ هاتِفَهُ للدُّوقِ الذي تنفس الصعداء مُخاطبًا
”بِما أنَّنا توافَقْنا ، دَعني أحصُلُ على حِسابِكَ في أحد مواقع التواصل الاجتماعي . أذواقُنا مُتقاربة”
أضافَ باترك بابتسامةٍ؛ فَرَدَّها لهُ الدُّوقُ ، وأعطاهُ حِسابَهُ ، تابَعَهُ باترك ، ثمَّ التَفَّ إلى ‘ريون’، ونَبَس
”أعْطِني حِسابَكَ أيضا أيها العم المتسرع ، ربما احْتَجْتُ مُساعدتَكَ، فأنتَ خَبيرُ سيارات وذو عين ثاقبة في المجال”
أعطاهُ هو الآخرُ حِسابه ، فلوح مَوَدِّعًا
”يُسعِدُني أني قابلتُكُمُ اليوم يا سادة. كان مَعرضُكَ مُتميزًا كالعادة ، سيد ميدفيدف”
أضافَ يَمْنَحُهُ ابتسامةَ ، فَرَدَّ الآخرُ بوَقار
”يَسُرُّني أنهُ نالَ إعجابكَ سيدي ، أرجوا أن تزورنا ثانية”
وتوجَّهَ باترك بعيدً ا ، فيما حصلَ الدُّوقُ على السيارة بخمسين مليون دولار ، حسنا هو ليس أقل من ذلك الشاب على كل حال ، أليس كذلك؟ لكنه ليس مجنونا بما بكفي ليدفع مبلغ خمس وسبعين مليونا على سيارة.
خَرَجَ مِنَ المَزاد ، وقد أنجَزَ عَمَلَهُ وعَمَلًا اضافيًّا غيرَ مُتوقع. كانت الساعة تُشير للحادية عشر صباحًا ، فأخَذَ طريقَهُ للمطعم؛ لمقابلة إيفان
قَدَّمَ مفاتيح سيارته للعامل في المطعم؛ ليرْكُنَها ، فيما دَلَفَ للمطعم يبحثُ بعينَيه عَن إيفان في الأماكن المُحتملة لوُجودِه…مكانٌ مظلمٌ ، وبعيدٌ عَن الأنظار، ولَمْ يَخِبْ توقُّعَه ، فَقَد اتَّخَذَ رفيقهُ ذو العيون الرمادية والمظهر المَلَكي زاوية كالتي تصوَّرَها تمامًا.
سارَ نحوَهُ في مرح ، وما إنْ وَصَل ، أرادَ مُفاجئتَهُ بحركةٍ مُباغِتة ، لكنَّهُ أحَسَّ بِه.
”لِما تُحِبُّ قَتلَ المُتعة يا هذا؟ ماذا سيحدث لو ادَّعَيتَ أنَّكَ لَمْ تَرَني..؟”
زَفَرَ باترك بمللٍ وانزعاج فرد عليه الرمادي بخبث
”ولِما قَدْ أُعطيكَ انتصارًا زئفًا؟”
”مُمِلٌّ كعادتِك ، لما أنت بارد هكذا؟ حاول أن تتحمس قليلا”
أردَفَ باترك بغَيظ
”أنتَ مَن أجبَرَني على المَجيئ. لِمَ أُرغِمُكَ على دَعوَتي ، أو مُقابلتي ، أو حتَّى التعرُّف عليَّ مُنذ عشر سنوات مَضَت؟”
قال إيفان مُدافِعًا
”ياي ياي ، على رِسلِكَ يا صديقي! أسْحَبُ كلامي. أنتَ رائع ، اصمتْ وحسب ، لديَّ لكَ قِصصٌ عديدة من أجلك”
”خمسة وسبعون مليونا لأجل سيارة من سوق الخردة؟ ألم يسقط أحدهم ميتا بعد سماعه هذا؟”
فغر إيفان فاهه بصدمة فيما صفع باترك جبهته هو الآن يفهم شعور جيانغ عندما يسمع الرفاق يشيرون إلى كيوكا بصيغة الصيني الصامت
”إنها ليست خردة بل تحفة فنية أيها الجاهل”
”هل يمكنك قيادتها والتجول بها؟”
”لا”
”إذن هي خردة”
كان هذا تبريره الذي قاله دون مراعاة لخبير السيارات الجالس مقابلا له هل هو بجدية يقول عن هوايته ومجموعته التي يفخر بها أنها حفنة من الخردة؟
إنشغل إيفان بمثلجاته كطفل وراح ينظرببرائة لباترك الذي كان يفكر في عجنه وتحويله إلى زيت لما وصفه بسيارات من سوق الخردة
”وماذا حصل بعد أن عرضت ذلك السعر؟”
قالها بترقب ينتظر أيما استجابة من باترك لكن هذا الأخير بدا مصرا على موقفه لذا تنهد بانزعاج واردف بسخرية
”حسنا ، إنها ليست خردة إنها سيارة مهترئة وحسب”
شهق باترك بالعصير الذي كان يشربه قبل أن يجيب بصدمة واستنكار
”هل يفترض أن أفرح لهذا؟ هل هناك فرق حتى بين خردة ومهترئ؟”
”بالطبع يوجد المهترئ يمكن بتجديدات بسيطة الاستفادة منه ، أما الخردة فهي بحاجة إلى الكثير لتتمكن من استصلاحها”
هز إيفان رأسه آخر كلامه بثقة فيما ارتفعت زاوية فم باترك بسخرية ، هذا الصبي يستحيل أن يتراجع عن رأيه ، لدى بصفته الشخص العاقل في هذه الصداقة سيتغضى عن الأمر
”سأتغضى عن الأمر كون اعتذارك متعوب عليه وأتابع”
قالها يرتشف من عصيره فيما قال ايفان معترضا
”هل تسخر مني؟ أيصدر باب السيارة صوتا عن فتحه؟”
”من المخاطرة فتحه لأنه قد ينهار في يدك”
كان الرمادي على وشك الإدلاء بتعليق قبل أن يغير رأيه ويرد
”سأبقي رأيي لنفسي حفاظا على صداقتنا”
حدجه باترك بنظرة ساخطة قبل أن يتابع
”على كل حال ، صدم الجميع عند عرضي لذلك المبلغ ، وانسحب الدوق من المزاد لكني فكرت في أن أكون لطيفا وعرضت أن أقدمها له كهدية”
”تقدم هدية بقيمة خمس وسبعين مليونا لدوق قابلته للتو؟ لاشك أنه ارتعب ورفض الهدية ، كيف كانت ردة فعل ذلك العجوز معكم؟”
”لقد صدم وعقد لسانه ولم ينطق شيئا منذ ذلك الحين ، كما قلت رفض الهدية وحين الححت عليه طلب مني سحب العرض والسماح له بشرائها بنفسه”
”وسمحت له؟”
”طبعا فعلت ، لقد حصل عليها مقابل خمسين مليون”
”أوه ، لَمْ يكُنْ ذلكَ لطيفًا. المسكينُ ضاعف المبلغ؛ لإحساسهِ بالذنب”
نَطَقَ إيف وَسَطَ ضحكاته
”ما تفعَلُهُ مِن خَير يَعودُ إليك ، نَويتُ إعطاءَهُ السيارة بالمجان ، فأعطاني خمسين مليونا كتعبيرٍ عَن امتنانِه…”
أردَفَ باترك بسخرية ودِفاعيَّة ، وهو يهز كتفيه بمَرح
”أنتَ مُسَوِّقٌ مُحترف ، أحسنت. إذًا ، سأطلبُ المَزيد مِنَ الطعام؛ بما أنَّكَ حصلتَ على الكثير مِنَ المال”
نَبَسَ إيفان يَرفَعُ قائمة الطعام
”خُذْ راحتَكَ صديقي”
أردَفَ ذو العيون العسلية يَحْتَسي عصيرَه
كان الجلوس مع صديقه ذو الملامح المَلَكية يُريحُهُ ، ويُرَفِّهُ عنه. رغمَ كونِهِما مُختَلِفَين؛ فقَدْ كان إيفان يَفْهَمُهُ ويحرص على أن يبعده عن توتر العمل.
اتَّجَهَ للمَقَرِّ بَعدَ أنْ أنهى غداءهُ. دَلَفَ إلى مكتبهِ ، وأخرجَ حاسوبَهُ المحمول ، وراحَ يُدَوِّنُ المعلومات الجديدة التي اكتشفها. لقد تَمَّ عَمَلَهُ بأفضل مما توقَّع ، وكَسَبَ المزيد مِنَ المال عُلاوةً على ذلك. تُرى ، أهو يومُ سَعْدٍ أم ماذا؟
كان يُجري بحثًا على الإنترنت ، يخترقُ شبكات وحِسابات؛ للحصول على المزيد مِنَ المعلومات بَعْدَ أنْ أمسكَ طَرَفَ الخيط ، عندما قاطَعَهُ دخول جونار الصاخب المُعتاد.
”وَيحي!! ما الذنب الذي فعلتُهُ في حياتي؛ لتكون نتيجة تربيَتي هكذا؟!! عُدْتَّ مِنَ الخارج مباشرة للعمل ، ولَمْ تُكلِّفْ نفسكَ عَناء تغيير ثيابكَ حتَّى! بُنَي ، العمل موجود دومًا ولا ينتهي ، في حال كُنتَ قلقًا مِن أنْ نَسْبِقَكَ لنُنهي الأعمال ولا نَترُكَ لكَ شيئًا. كُلُّنا نُماطل ، لذا اهدأ ، حسنًا؟”
نَبَسَ جونار بانزعاج، فقد كان باترك مُزعِجًا بالنسبة له؛ كَونَهُ شخصًا كسولً ، ورُؤية أحدُهُم يموتُ لأجل العمل تستفزه جدًّا
”شكرًا على اهتمامك. كيف سارَ عملُكَ اليوم؟”
تحدث باترك بهدوء
فَغَرَ ذو العيون الخضراء فاهَهُ ، يرد باستنكار
”بُنَي ، الشخص يسألُ ويقول مثلًا.. كيف حالك؟ كيف تشعرُ اليوم؟ هل أنتَ حي؟ شيئ ٌمِن هذا القبيل… حياتي ليستْ مُرتبطةٌ بالعمل… يُمكنُني أنْ أكونَ تعيسًا؛ وأعمالي بخير، وبوِسعي أنْ أكونَ سعيدًا؛ وأعمالي تنهار، لذا خُذْ هذا بعينِ الاعتبار، لو سَمحت..؟”
”حسنًا سيد جونار كريشامونتي، كيف حالكَ اليوم؟ هل تشعرُ بشعور جيِّد؟”
نَبَسَ بسُخرية يحقق له مراده فأجابه بانتصار
”بخير سيد باترك. شكرًا لسؤالك…”
”حسنًا ، ما الأمر الذي تريدُهُ مِنِّي سيد جونار؟”
استفهم باترك باهتمام ، ورُغم أنَّهُ كان لديه تخمين ، تمنَّى لو يُخطئ هذه المرة
”كالعادة ، لا شيئ مهم. أتيتُ لمُقاطعَتِكَ والَتنكيدِ عليك لا غير..”
قالها يركض خارجًا مِنَ المكتب ، فيما قَذَفَهُ باترك بالقلم الذي كان في يَدِهِ ، وهو يَصيحُ
”أقفِل الباب خلفَكَ على الأقل”
لقد توقَّعَ الأمر، ولكنَّهُ امتلكَ ذَرَّةَ أمل في أنْ يكون جاءَ لشيئ مُهم هذه المرة ، والأسوأ أنَّهُ تَرَكَ الباب مفتوحًا، وعليه الآن أنْ ينهض مِن مكانِهِ ، لإقفاله. سارَ نحوَ الباب بتَمَلْمُل ، وأوصَدَه ثم حمل القلم وهو يشتِمُ جونار في سِرِّه ، ثمَّ عادَ لإكمال عملِهِ. لقد جاءَ إليه بقَدَمَيه ، وأعطاهُ حِسابَهَ الشخصي على انستغرام. لَمْ يكُنْ مِنَ المشاهير ومِن مُحِبي الظهور، وكان حِسابه خاصًا ، لكنَّهُ كان مِن مُحبي نَشْرِ الصور واليوميات. بَعْدَ تحليلٍ عميقٍ لمحتويات الحِساب ، استطاع باترك أنْ يخرج بمعلوماتٍ دقيقةٍ عَن شخصية الشخص الذي يتعاملُ معه ، كما أَوجَدَ بعض نِقاط الضعف التي يُمكنُهُ النَفاذُ منها إليه. هذه الخطوة مُهمة جدًّا وحساسة أيضًا ، فهو يُريد التقرُّب؛ للوصول للطبقة الحاكمة ، والانخراط مع النُبلاء ، لذا سيكونُ عليه أنْ يملِكَ شيئًا جيِّدًا لوَضعِهِ على الطاولة ، وإثبات نفسه “كباترك…الأمير ذو العيون العسلية”. أقفَلَ حاسوبَه ، وتوجَّهَ لتغيير ثِيابه لثياب مُريحة أكثر؛ فسيُرافِقُ كيوكا لزيارة أخته يومي
أخَذَ حمامًا ، واكتفى بإطلالةٍ غَير رسمية. بِنطال جينز واسع مع قميص أبيض تقليدي ، ومعطف جينز مُبَطَّن؛ ليُناسِبَ جَوَّ روسيا الخريفي البارد. وأخيرًا ، حذاء رياضي أبيض مع طقم خواتم فضية
دَلَفَ إلى البَهْو ، ووَجَدَ كيوكا يُلَمِّعُ بندقيَّتِه.
”مساء الخير ، كودو”
”مساء النور. إلى أين؟”
نَبَسَ يُشير لإطلالتِه
”إلى يومي. قُلتَ أنَّها تُريد رؤيتي ، وبما أنَّني مُتفرِّغ ، أريدُ شُربَ القهوة معها واصطحابها لمُبارة كرة القاعدة. هيا بنا”
دعاه باترك بابتسامة.
نَظَرَ لهُ كيوكا بامتنان. أخبرَهُ عَن الأمر صباحًا ، فخَصَّصَ لها وقتًا في المساء. كان هذا أكثر ما يُحِبُّهُ فيه ،اهتمامه و التزامه بالمواعيد ومراعاته الشديدة ، هذا الشاب ملاك بحق
”أنا مشغول ، لا أستطيع الذهاب معك. سَجِّلْ رَقَمَها عِندَك ، وأنتَ تَمْلِكُ العُنوان بالفِعل. سأتَّصلُ بها؛ لأُخبرُها بمَجيئِك”
نَبَسَ كيوكا ، وأمْلَا عليه رقم يومي
خَرَجَ باترك ثانية ، وأخَذَ سيارته البيضاء هذه المرة؛ لتُناسب إطلالته.
غني لدرجة يُنَسِّقُ سيارته مع ثيابه؟ مثيرٌ للاهتمام
وَصَلَ الحي السكني الراقي الذي تملِكُ فيه الجماعة عدة ناطحات سحاب. توقَّفَ عِندَ مَوقفِ السيارات. تَرَجَّلَ ، واتَّصَلَ بيومي
”أوهايو يومي تشان ، هل أنتِ بخير؟”
وَصَلُهُ صوتُها الأنثوي الهادئ
”أجل ، شكرًا لك. ماذا عنك سنباي؟”
”قطعًا بخير. حتَّى أنَّني سأُقابِلُك ، يجبُ أنْ أكون كذلك”
ضحكةٌ خافِتَةٌ خجولةٌ فَلَتَتْ مِنها ، فَنَبَس
”أنا في مَوقِفِ السيارات عِندَ المُجَمَّع السكني. إنزلِ إنْ أنْهَيتِ استعدادَك”
”حاضرة ، أنا في طريقي إليك”
”كوني حَذِرَة”
”حاضرة”
”وداعًا”
أقفلَ الخط ، واتَّكَأَ على السيارة يصنعُ مع بابها مُثلَّثَا بِقَدَمِه ، فيما يَرتكِزُ على الأُخرى. بَدَا كما لو أنَّهُ بطل في فيلم أكشن أمريكي مِنَ التسعينيات ، ساحرٌ، شابٌ ، وغني مع هالةٍ طاغيةٍ ، وجمالٍ جبارٍ. هذا ما فكَّرَتْ بهِ يومي وهي تسْتَرِقُ النظر إليه مِن أعلى الدَّرَج. رَتَّبَتْ مَظهرَها ، وأخَذَتْ نَفَسًا عميقًا ، وتوجَّهَتْ إليه. ما إنْ لَمَحَها؛ حتَّى استقامَ في وَقْفَتِه.
قالتْ بصوتِها الخافِت ولَكْنَتِها اليابانية:
”مساء الخير، سينباي”
”مساء النور، يومي اللطيفة”
قالها بابتسامته الساحرة ، فما كان مِنَ الأُخرى إلَّا أنْ تَحْمَرَّ خجلً.
”تفضَّلي”
قالها يفتحُ باب السيارة لها، ويَنْحَنِي كفارس… بل كان فارسًا بِحَق
انْحَنَتْ له الأُخرى ، ورَكِبَتْ. أقفل بابَها ، ثم اتجه واتَّخَذَ مِقعدَهُ في السيارة ، وانطلقا. كانت يومي في حالةِ تَرَقُّب. فباترك شخصٌ غَيرُ مُتَوَقَّع. لطالَما أحَبَّتْ ذَوقَهُ الفريد ، مُفاجئاتِهِ المجنونة ، وكيف يقرأ أفكارها.
”إذَا ، ماذا تُريد يومي اليوم؟”
نَبَسَ باترك بِنَبْرَتِهِ اللَّعوبة المُّحبَّبة
”لا أعلم ، أي شيئ مِن أفكار السينباي سيكون رائعًا”
نَبَسَتْ يومي بخجل
”حقًا؟”
قال باترك ينظُرُ إليها بابتسامتِهِ الدافئة ، فأشاحَتْ بِبَصَرِها؛ تكادُ تنفجِرُ مِنَ الخجل والحماس.
”ممتاز… لقد فكَّرتُ في أنْ نشاهد مبارة لكرة القاعدة؛ بما أنك تحبينها ، أليس كذلك؟”
نَظَرَتْ لهُ يومي بتفاجئ، ونَبَسَتْ
”وكيف عَرَفَ السينباي بهذا؟! لا أذكُرُ أنِّي أخبرتُه؟”
”عَرِفَ بِطُرِقِهِ الخاصة”
غَمْزَةٌ آخِرَ كلامه؛ جَعَلَتْ الأُخرى تُرَفْرِفُ في السماء السابعة
”لدَيَّ شيئ آخر… قابلتُ أحدَهُم ، واتَّضَحَ أنه أوسوي ، الكاتب المفضل لديك ، لهذا قُمتُ بدَعوَتِهِ ليُشاهد المباراة رِفقَتِنا، وقَبِل”
كانت المُستَمِعَة على وَشَكِ أنْ تنفجر مِن فَرط سعادتها. لقد فاجأها كالعادة
”أريغاتو كوزايمسا سينباي”
قالتها ، وكانت تشعرُ بفراشات في قلبها ، وليس في معدتها وحسب
”لا عليكِ، سينباي موجود لأجلكِ ”
تابعا طريقهما الذي تخللته بعض الاحاديث اللطيفة ، الهادئة وإن لم تكن طويلة.
وَصَلَا الملعب ، حيثُ ستَجري المُباراة. تَوَجَّها إلى المقهى ، حيث كان أوسوي ينتظرهما بالفِعل
”مساء الخير، سيد أوسوي”
نَبَسَ باترك يُحَييِّه ، فَرَدَّ عليه
”مساء النور، سيد باترك”
صافَحَا بعضَهُما ، ثمَّ حَوَّلَ نَظَرَهُ ليومي الواقِفة بجانب باترك ، كما لو أنَّها تحتَمي بِه ، تكادُ تنفجر مِنَ الخجل.
”مرحبًا آنسة…؟”
قالها منتظرا اجابتها بترقب
”يومي”
نَبَسَتْ الأُخرى بخجل
فأردَف
”تشرَّفتُ بمُقابلتِكِ ، آنسة يومي”
حياها بدفئ باللغة اليابانية ، فرَدَّتْ عليه بحماس
”وأنا أيضًا! أنا مِن أشَدِّ مُعجبينك ، لقد قرأتُ كُلَّ كِتاباتِك ، كما أُتابعُ مُدوَّنتكَ على الإنترنت”
نَبَسَ بتفاجئ
”حقا؟!! شَرَفٌ كبيرٌ لي أنْ أحظى بمُعجبةٍ مِثلك”
تبادَلوا بعض الأحاديث، ثمَّ توجَّهوا للمَقاعد الخاصة التي حَجَزَها باترك هذا الصباح بدفع ضعف المبلغ ، أما الكاتب فقد عرف من مدونته أنه هنا في موسكو لمعرض الكتاب الدولي فتواصل مع مدير أعماله ودفع المال لجعله يأتي لمشاهدة هذه المباراة معهم
كل هذا ويأتي أحمق لا يملك سعر سهم في شركة ناشئة ويقول لك
“لا فائدة من المال”
هراء لا تصدقه المال هو القوة ، والقوة هي المال
قضوا وقتًا طيِّبًا ، حتَّى أنَّ يومي حصلَتْ على حِساب أوسوي الشخصي على انستغرام ، وقامَ بإضافتها أيضًا
عادَ باترك إلى المقر بَعدَ أنْ أَوصَلَ يومي للبيت
”أخيرًا شَرَّفَنا الأستاذ باترك! كيف كان مَوعدُكَ الغرامي مع أخت الصيني الصامت؟”
سأل كوزموس بحماس
رفع باترك يديه باستسلام. لَنْ يهربَ مِنهُم ببساطة ، فَلَنْ يتركوا قصة خُروجِهِ مع أخت كيوكا تَمُرُّ مرور الكِرام
”أولًا ، لَمْ يكُنْ مَوعِدًا غراميًّا. ثانيًا ، اسمها يومي ، وليس أخت الصين
الصامت. وأخيرًا للمَرَّة المليار ، هو ياباني ، وأخته يابانية”
نَبَسَ باترك بضيقٍ يُحاولُ التَّمَلُّصَ مِن حَملة السخرية التي سَتَحِلُّ عليه
”حسنًا، فَهِمْنا. لكن، هذا لا يُغَيِّرُ حقيقة أنَّه موعد غرامي. أكرهُ قَولَ ذلك ، ولكن شَكلُ الصيني الصامت جيِّد؛ لذا يجبُ أنْ تكون أخته جميلة ، أهي كذلك؟”
تحدث ديفين بفضول
ضَرَبَ باترك جَبهتَهُ بحَنقٍ ، وصاح
”للمَرَّة العاشرة ، لَمْ يكُنْ موعِدًا غراميًّا!! أخذتُها لمشاهدة مبارة كرة قاعدة رِفقة كاتِبِها المُفضَّل ، وكنتُ الطَّرَفَ الثالث في القصة”
”ايييييييييييه!! باترك ، وَسيمُنا المسكين! كيف تَجَرَّآت على جعلِكَ تشعرُ بهذا الشعور؟ شعور أن تكون الطرف الثالث صعب ، أليس كذلك؟ هي الخاسرة على كل حال ضَيَّعتْ مِن يَدِها شابًا رائعًا مِثلَك. لا تحزن”
نَبَسَ أيدوس يُرَبِّتُ عليه ، وراحَ الباقون يمطِرونَهُ بكلمات المُواساة… الآن هو حقًّا نادمٌ على قَولِهِ ذلك ، ويُفضِّلُ لو سخروا مِنه؛ باعتبارِهِ خَرَجَ في مَوعِدٍ غرامي على أنْ ينظروا إليه بشفقة.
”انظر إلى الجانب الإيجابي ، دوما يكون الطرف الثالث في المسلسل هو محبوب الجماهير ، لدى لا تقلق خسرت قلبها لكنك فزت بقلوب الملايين”
قال كوزموس بثقة ووافقه الآخرون
”حسنًا ، حسنًا ، أنا بخير. ليس أمرًا مُهمًّا على كُلِّ حال. أنا أعتبِرُها أختي”
تحدث باترك يُحاولُ إنقاذ ما تبقَّى لإنقاذِهِ
””أعتبِرُها أختي؟ هذا أسخَفُ ما سَمِعت. لا توجَدُ صداقةٌ بينَ الجِنسَين
نَبَسَ ديفين بسُخرية
”أغلبُ مَن يقولُ أنَّهُ يعتبِرُ شخصًا مِنَ الجنس الآخر أخًا أو صديقًا؛ ينتهي به الأمر بالزواج مِن ذلك الشخص أو في أسوء الأحوال يخوض قصة حب اغريقية فاشلة معه”
نَبَسَ جوزفين بخُبث
”أتَّفِقُ مع حفيد نابليون للمرة الأولى”
نَبَسَ ريكاردو يُعطي باترك نَظَراتٍ ماكرة.
نَظَرَ لهُم باترك بسَخَط ، واعتَبَرَ هذه فُرصته للهروب ، فتوجَّهَ نحوَ غُرفتِهِ يدَّعي الغضب
بصعوبة. تَمَلَّصَ مِنهُم ومِن نظراتِهِم ، وهو يعلم أنَّهُم لَنْ يُقفِلوا السيرةَ قريبًا ، وأنَّهُ على موعدٍ مع المعاناة ، خصوصًا عندما يَصِلُ الخبر لجونار ، كما سيَنْجَلِطُ جيانغ ، وهو يسمَعُهُم يتكلمون عنها بصيغَةِ أخت الصيني الصامت.
أخَذَ حمَّامًا ، ارتاح لبعض الوقت ثم حمل حاسوبه اللوحي لقد اخبره ايفان أن هجمات من سبرانية من الساحل الشرقي البريطاني استهدفتهم كثيرا مؤخرا لدى عليه فحص أنظمة الحماية جيدا كما طلب من جيانغ البحث خلف المسؤول عنها
قاطعه طرقات على باب غرفته قبل أن يأذن للطارق بالذخول
”مرحبا ، أيها الرومانسي المنسي لقد وصل الطعام الذي طلبته”
كان هذا أيدوس الذي يبدوا أنه لم يكتفي من السخرية منه بعد
نظر له باترك بسخط وهو يمد له كيس الطعام ثم أردف باهتمام
”صديقي ، أمتأكد أنك بخير؟ أعني ألست حزينا لأنها رفضتك أو ما شابه؟”
”قطعا لست حزينا ، لأني لست معجبا بها ولا أكن لها مشاعر حتى ترفضها من الأساس ، إنها اخت صديقي هذا وحسب”
قال باترك بنفاذ صبر فرد الآخر بتفهم
”مادمت تقول هذا لن أضغط عليك”
هم بالرحيل لكنه لم يكن مطمئنا له يستحيل أن يستسلم أيدوس بهذه البساطة ولم يخيب ظنه فقبل أن يوصد باب الغرفة استدار وقال
”لا تقلق باترك حتى لو رفضتك ، سنجد لك فتاة أفضل منها ابتهج ولا تحزن وتذكر نحن الخسائر وليس الخاسرون”
صوب عليه باترك الوسادة لكنه أقفل الباب قبل أن تصل إليه
دلك فروة رأسه يريح نفسه ثم تصفح هاتفه بينما يأكل وهو يفكر في ما ، إذا كان يبدوا خفيفا لهذه الدرجة؟ لما الجميع يشك في أنه على علاقة بأحدهم؟
رغم أنه حقا عازب بائس ولا ينوي الإرتباط قريبا ولا يكن مشاعر لأحد ، حتما المشكلة فيهم ، فهم من يشبكونه مع أي فتاة ينظر إليها
قام يتفريش أسنانه بعد أن أنهى طعامه ثم استلقى على السرير ، فأسَدَلَ جُفنَاه مُستسلمًا للنوم. لدَيه يومٌ طويلٌ في الغَد ، وعملٌ كثيرٌ لإنجازه.